اقتصاديات الجيوش والأجهزة الامنية وبشائر الانهيار الاقتصادي (2/4)
سنوسي عبدالله ابوجولة
26 January, 2023
26 January, 2023
sanous@yahoo.com
((2))
النظم الاقتصادية في العصر الحالي
ثانيا: النظم الاقتصادية العصر الحديث :
منذ مطلع القرن التاسع عشر ، ساد نظامان اقتصاديان في العالم و ما بينهم هنالك نظام هجين يتماهى مع كلا النظامين. النظام الأول هو النظام الاشتراكي الصرف، حيث كل الإنتاج و الاستهلاك و التجارة الداخلية و الخارجية و نسب البطالة و الضرائب ، وكل العرض و كل الطلب للسلع و الخدمات ، تتحكم فيه الدولة. هذا النوع ساد في دولة الاتحاد السوفيتي و دول المنظومة الاشتراكية في شرق اوربا سابقا ، وكوريا الشمالية وكوبا الخ. و الثاني هو النظام الرأسمالي. في النظام الرأسمالي نجد ان كل الإنتاج و العرض و الطلب و العمالة و البطالة و التجارة يترك للقاع الخاص ، مع احتفاظ الدولة ببعض من القطاعات ، كليا او جزئيا ، مثل التعليم والصحة الخ. وتنحصر مهمة الدولة في سن القوانين و التشريعات التي تحكم عمل القطاع الخاص عن طريق التشريعات التي يسنها القطاع العام. هذا النوع من الاقتصادات هو الذى ساد في أمريكا و اليابان ودول أوروبا الغربية وانصارهم. اما النظام الهجين ، فهو خلط ما ، بنسب شبه متساوية ، للقطاعين الخاص و العام ، في عمل الاقتصاد. فالقطاع الخاص ترك لتسيير الشركات الصغيرة و سمح بالملكية الخاصة للمنازل و الأراضي و العقارات ، وترك القطاع العام لتقديم الخدمات العامة و إدارة المرافق الكبيرة مثل إدارة الموارد الطبيعية و انتاج السلع الاستراتيجية مثل الكهرباء وخطوط السكك الحديدية و الطيران ..الخ. هذا النظام تجسد في دول مثل السويد و النرويج و فنلندا و الهند و اليونان وحتى اسبانيا و البرتغال. اما الصين فنظامها لا يعرفه الا أصحابه من شعب الهان. فهو اشتراكي بالنظر له من الوجه ، ورأسمالي من الخلف و هجين لو نظرت الى جانبه الأيمن ولن تستطيع وصفه اذا ما نظرت اليه من جانبه الايسر.
نظريا نجد ان الانظام الاشتراكي هو الأفضل وأكثر إنسانية و عدلا وجودة. ولكن ذاك النظام بطبعته الشرق اوربية قد فشل على أراض الواقع. من أسباب فشل النظام هو ان الأحزاب الاشتراكية التي اقامته ، قامت بذلك عن طريق فرضه فرضا على الشعوب وليس امرا طالبت به تلك الشعوب ، بالرغم من وجود أحزاب اشتراكية قوية قبل صعودها الى السلطة . فالإنسان حيوان سياسي ، من الصعوبة بمكان جعله يقبل بما يفرض عليه فرضا . ثانيا ان هذه الأحزاب احتكرت السلطة بطريقة مطلقة و غيبت الشعب الذى لا يؤيدها، وحتى الذى يؤيدها من المشاركة في القرار. ثالثا : النظام تعامل مع الانسان و كانه الة تسيره الغرائز الحياتية فقط وافتراض ان اشباع المتطلبات المادية يغني الانسان عن اى تطلع اخر . رابعا: النظام الاشتراكي اسقط الطبيعة الرجعية للبشر و افتراض ان الانسان بطبعة رشيد وغير اناني و الكل محب للخير للأخرين وتجسد ذلك في الشعار الاشتراكي ( من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته). خامسا: النظرية اغفلت ان الانسان بطبعة حيوان ولن يؤدي أي شيء الا على ضوء مخاطر او مهددات او الطمع في اشباع رغبات او اماني او تطلعات. الامر السادس والأهم، ان الفكر الاشتراكي الأوربي نفسه نبت وشب وتطور في بيئة ساد فيها تقديس النصوص والمتمثلة في نصوص الدين اليسوعي ونصوص العهد القديم او الدين اليهودي وهذا الامر نتج عنه تقديس للنصوص الاشتراكية مضاهات للنصوص الدينية وبذلك تجمد الفكر الاشتراكي عند النصوص الماركسية واللينينية واجتهادات الذين ترضى عنهم الايدلوجيا فقط. ففي حين ان النصوص المسيحية واللاهوتية ليس مطلوب منهما تقديم حلول ارشادية لإدارة المجتمعات الاوربية في القرن العشرين، وجد الفكر الاشتراكي انه ملزم بتقديم حلول لإدارة المجتمع وارشاده ن وفق نصوص لا تقبل المراجعة. تقديس النصوص هو من جعل أعضاء اخر لجنة مركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، عندما كان حاكما ، تزيد أعمارهم عن اعمار مجلس الكرادلة في الفاتكان ، الذى موكل بانتخاب او اختيار بابا للكنيسة الكاثوليكية. فلا احد يحتاج شبابا لتفسير نصوص لا تقبل المراجعة. الذين اجتهدوا لتغيير النصوص اجتاحتهم جيوش الاتحاد السوفيتي ، كما حصل في براغ عام 1968م او تم خصامهم وتكفيرهم اشتراكيا مثل جوزيف تيتو في يوغسلافيا او ما زي دونج في الصين او حتى ليو تروتسكي في الاتحاد السوفيتي. الانظام الاشتراكي بالوصفة السوفيتية والشرق اوربية قد انتهى و لم يبقى الان سوى النظام الهجين و النظام الرأسمالي. الان علينا القاء اطلالة على هذين النظامين والذى على كل دولة العالم السير على احداهما ، باستثناء دولة كوريا الشمالية و دولة كوبا. الموضوع طويل.
ثالثا: كيفية عمل الاقتصاد الهجين والاقتصاد الرأسمالي في العصر الحديث :
غاية اى نظام اقتصادي اليوم تتمثل في الاتي: أولا انتاج الحاجات المادية من طعام وملبس ومسكن للشعب. ثانيا انتاج الخدمات اللازمة لاستدامة الحاجات المادية و تلك الخدمات تشمل التعليم (الاميون لن يستمروا في الإنتاج) و الصحة (الشعب المريض لا ينتج) و الامن ( لا يوجد انتاج بلا امن). ثالثا : اكتساب المنعة العسكرية و السياسية التي تحمي الشعب ونمط ووتيرة إنتاجه للحاجات المادية وإنتاج الخدمات اللازمة لإنتاج الضرورات و الثقافة المنتجة للضرورات... وكل ذلك من اجل اشباع غريزة حفظ النوع. في سياق انتاج الحاجات المادية بالكميات اللازمة، تلجا الدول الى الاتجار مع الدول الأخرى وقديما كان الامر يمكن ان يترجم الى غزو تلك الدول وسلب ما عندها. هذا هو جوهر الاقتصاد لا اكبر و لا اقل. في الاقتصاد الاشتراكي الموؤد ، سلمت مهمة انتاج الحاجات المادية الى الحكومة. في النظام الهجين وزعت المهمة بين القطاعين الخاص و العام و في النظام الرأسمالي أوكلت النسبة الكبرى من المهمة للقطاع الخاص.
النظام الهجين والرأسمالي دعامتها الرئيسية هو القطاع الخاص. فالقطاع الخاص، بدء من اصغر وحداته ، هي المؤسسات الفردية الصغيرة ، مثل المقاهي و المزارع الصغيرة ووحدات النقل الخاصة و المطاعم وصغار تجار القطاعي و المتاجر الصغيرة و البقالات ومحطات بيع الوقود .. ومن ثم الوحدات الأكبر حجما مثل المصانع الصغيرة و متاجر الجملة و الشركات الزراعية زالخ هي الأصغر رأسمالا و لكن هي اكبر مخدم في اى اقتصاد اكثرها مساهمة في الناتج القومي و إيجاد قاعدة ضريبة للدولة . من بعد هذه الوحدات الصغيرة تأتي الوحدات في المرتبة الثانية من حيث الحجم، حيث الشركات متوسطة الحجم و المصانع و حتى المدارس الخاصة و المشافي الخاصة والمصارف و شركات التمين الصغيرة ..الخ ، والتي في الغالب لا يزيد عدد مخدميها عن بضع الوف. هاتان الفئتان من الوحدات الاقتصادية هي عماد كل اقتصاد في العالم، بدا من الاقتصاديات الكبرى ، مثل الولايات المتحدة و الصين وألمانيا و اليابان ، وحتى اصغرها من مثل ميكرونيزيا و بوتان و جزر القمر. في قمة الاقتصاد تأتي الشركات الكبرى و الشركات متعدد الجنسيات والسوق العابر للحدود و القارات . هذه الكيانات الكبيرة، بالرغم من اسمائها الدولية و سمعتها، الا انها مجتمعة لا تساهم في الاقتصاد و الناتج القومي ، مثل ما تفعل الوحدات الصغيرة و المتوسطة. الهم الأكبر للدولة هو ان تكون كل الوحدات الاقتصادية ، صغيرة و متوسطة و كبيرة ، تعمل بمستوي ووتيرة عالية لكي توظف وتخدم اكبر عدد من المواطنين وإنتاج اكبر كمية ( اقتصادية) من السلع لتلبية الطلب المحلي و تصدير جزء من تلك السلع للخارج لتوفر للدولة عملة اجنبية تمكنها من استيراد السلع التي لا تنتجها محليا ، بسبب عدم الاستطاعة او عدم المقدرة او ان انتاجها محليا ليس اقتصاديا. جوهر الهدف الاقتصادي هو توظيف المواطنين. فتوظيف السكان او المواطنين يمكن المواطنين من جنى الأجور و المكاسب اللازمة لشراء السلع ( الطلب) و الذى بدوره يجعل من الشركات مربحة و تقوم بتوظيف اعداد أخرى من المواطنين العاملين او زيادة أجور العاملين الموجودين. عمل السكان او المواطنين يمكن الدولة من جنى ضرائب من دخلهم و ضرائب من الوحدات الاقتصادية و جنى او تحصيل رسوم وجبايات من الإنتاج. هذا المال الذى تجنيه الدولة ( اذا لم يسرقه لصوص كما في السودان وكثير من الدول الافريقية ) يتم صرفه على الخدمات اللازمة لعيش المجتمع مثل التعليم والصحة و الطرق وتقوية الأجهزة العسكرية و خلافها ، واحيانا صرفه على دول اخري لتعزيز امن الدولة الواهبة او المحافظة على او إيجاد مصالح اقتصادية في تلك الدولة. الامر الاخر ان عمل الناس يرفع عن الدولة واجب تقديم المزيد من الخدمات المجانية و المدعومة ، و يمكن للعاملين او جهات تخديمهم توفير تلك الخدمات او السلع عن طريق الشراء المباشر او جنى أجور يمكن ان تغطي تلك التكاليف. الشعب الذي يعمل يكون متوازن اجتماعيا وتقل لديه الظواهر السالبة مثل الجريمة والعنصرية و ازدراء قوانين الدولة و قوانين المجتمع و بذلك يوفر للمجتمع و الدولة تكاليف محاربة الظواهر السالبة. بالإضافي لهذا فان الشعب الذى يعمل هو شعب في تطور دائم . فإنتاج السلع والخدمات تطرا عليه تحسينات و يختلق التكنلوجيا و المعرفة او يستوردها من الخارج وكل هذا وغيره يساعد في ترقى المجتمع اقتصاديا و اجتماعيا. لذلك نجد ان المجتمعات التي تكثر فيها البطالة او العطالة او فرص العمل ، نجدها اكثر المجتمعات عرضة للإضرابات و القلاقل وتكثر فيها الجريمة و تحدى القانون و تزيد فيها الامراض العضوية و الامراض العقلية و تجدها تزدرى ثقافتها و ارثها و حتى تفكر في هجر مجتمعها و الهروب للانضمام لمجتمعات اكثر نفعا من حيث فرص العمل و التوظيف. لذلك نجد ان الداعشي في الشرق الأوسط لا يفكر للهجرة الى أفغانستان او السودان او الصومال او غامبيا من بعد هزيمته و لكنه يتوجه الى بيرطانيا وفرنسا وبقية أوروبا بالرغم من تكفيره لهذه الدول ووصفه لها بانها ديار ضلال وفسق وفساد . للمحافظة على صحة المجتمع و عمل اقتصاده نجد ان الدول الكبرى لا تقبل بان يقوم المعادون لها باي اعمال تهدد اقتصاداتها وتبعا لذلك امنها. بوتن تم توريطه في حرب أوكرانيا لأنه حاول التحكم في أوروبا عن طريق الطاقة ومزاحمة الدول الغربية في دول لها مصالح تتعارض و نشاطات الروس . في سياق الإنتاج وإيجاد فرص العمل لكل راغب في العمل في الدولة ، للدولة اهداف ( اقتصادية) اخري تسعى لتحقيقها لاستدامة هذا الإنتاج . من تلك الهداف هو توسع حجم الاقتصاد ( النمو) من فترة لأخري و ذلك لتلبية الطلب في الزيادة الطبيعية في عدد السكان و توطيد الرفاهية ، وكذلك ضبط التضخم لكي لا يختل انتاج السلع و لا يختل الطلب عليها ، وتحقيق ميزان مدفوعات مناسب للاقتصاد لكي لا تتأثر صادرات وواردات الدولة بصورة سالبة ، وتحصين الدولة من الاقتراض او إبقاء الاقتراض الحكومي عند الحد الأدنى ، والمحافظة على سعر صرف عملة الدولة مقابل عملات شركائها التجاريين ، وردم الهوة في الدخل بين افراد المجتمع وكذلك المحافظة على البيئة و تحقيق كل هدف يخدم استدامة انتاج واستهلاك الحاجات المادية في الدولة. اذا ما تعثر تحقيق اى من هذه الأهداف ، فعلي الأرجح يفقد البناء كاملا ، وهو الاقتصاد ، توازنه ،ويجب علاج العلة قبل ان تستفحل وتهوى بالبناء.
هذا المقدمة لا علاقة لها علاقة مباشرة بموضوع اقصاد الجيوش و مع ذلك اضفناها لان ما نجتهد في قوله كتابة للماس هو حقيقة تبسط للمسألة الاقتصادية لغير المتخصصين وبالذات الشباب في السودان. ولذلك قد لا تجد مصطلحا اقتصاديا واحدا و الكلام كله ليس به معلومة واحدة جديدة بالنسبة لأهل التخصص و الملمين بأسس الاقتصاد.
نواصل
((2))
النظم الاقتصادية في العصر الحالي
ثانيا: النظم الاقتصادية العصر الحديث :
منذ مطلع القرن التاسع عشر ، ساد نظامان اقتصاديان في العالم و ما بينهم هنالك نظام هجين يتماهى مع كلا النظامين. النظام الأول هو النظام الاشتراكي الصرف، حيث كل الإنتاج و الاستهلاك و التجارة الداخلية و الخارجية و نسب البطالة و الضرائب ، وكل العرض و كل الطلب للسلع و الخدمات ، تتحكم فيه الدولة. هذا النوع ساد في دولة الاتحاد السوفيتي و دول المنظومة الاشتراكية في شرق اوربا سابقا ، وكوريا الشمالية وكوبا الخ. و الثاني هو النظام الرأسمالي. في النظام الرأسمالي نجد ان كل الإنتاج و العرض و الطلب و العمالة و البطالة و التجارة يترك للقاع الخاص ، مع احتفاظ الدولة ببعض من القطاعات ، كليا او جزئيا ، مثل التعليم والصحة الخ. وتنحصر مهمة الدولة في سن القوانين و التشريعات التي تحكم عمل القطاع الخاص عن طريق التشريعات التي يسنها القطاع العام. هذا النوع من الاقتصادات هو الذى ساد في أمريكا و اليابان ودول أوروبا الغربية وانصارهم. اما النظام الهجين ، فهو خلط ما ، بنسب شبه متساوية ، للقطاعين الخاص و العام ، في عمل الاقتصاد. فالقطاع الخاص ترك لتسيير الشركات الصغيرة و سمح بالملكية الخاصة للمنازل و الأراضي و العقارات ، وترك القطاع العام لتقديم الخدمات العامة و إدارة المرافق الكبيرة مثل إدارة الموارد الطبيعية و انتاج السلع الاستراتيجية مثل الكهرباء وخطوط السكك الحديدية و الطيران ..الخ. هذا النظام تجسد في دول مثل السويد و النرويج و فنلندا و الهند و اليونان وحتى اسبانيا و البرتغال. اما الصين فنظامها لا يعرفه الا أصحابه من شعب الهان. فهو اشتراكي بالنظر له من الوجه ، ورأسمالي من الخلف و هجين لو نظرت الى جانبه الأيمن ولن تستطيع وصفه اذا ما نظرت اليه من جانبه الايسر.
نظريا نجد ان الانظام الاشتراكي هو الأفضل وأكثر إنسانية و عدلا وجودة. ولكن ذاك النظام بطبعته الشرق اوربية قد فشل على أراض الواقع. من أسباب فشل النظام هو ان الأحزاب الاشتراكية التي اقامته ، قامت بذلك عن طريق فرضه فرضا على الشعوب وليس امرا طالبت به تلك الشعوب ، بالرغم من وجود أحزاب اشتراكية قوية قبل صعودها الى السلطة . فالإنسان حيوان سياسي ، من الصعوبة بمكان جعله يقبل بما يفرض عليه فرضا . ثانيا ان هذه الأحزاب احتكرت السلطة بطريقة مطلقة و غيبت الشعب الذى لا يؤيدها، وحتى الذى يؤيدها من المشاركة في القرار. ثالثا : النظام تعامل مع الانسان و كانه الة تسيره الغرائز الحياتية فقط وافتراض ان اشباع المتطلبات المادية يغني الانسان عن اى تطلع اخر . رابعا: النظام الاشتراكي اسقط الطبيعة الرجعية للبشر و افتراض ان الانسان بطبعة رشيد وغير اناني و الكل محب للخير للأخرين وتجسد ذلك في الشعار الاشتراكي ( من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته). خامسا: النظرية اغفلت ان الانسان بطبعة حيوان ولن يؤدي أي شيء الا على ضوء مخاطر او مهددات او الطمع في اشباع رغبات او اماني او تطلعات. الامر السادس والأهم، ان الفكر الاشتراكي الأوربي نفسه نبت وشب وتطور في بيئة ساد فيها تقديس النصوص والمتمثلة في نصوص الدين اليسوعي ونصوص العهد القديم او الدين اليهودي وهذا الامر نتج عنه تقديس للنصوص الاشتراكية مضاهات للنصوص الدينية وبذلك تجمد الفكر الاشتراكي عند النصوص الماركسية واللينينية واجتهادات الذين ترضى عنهم الايدلوجيا فقط. ففي حين ان النصوص المسيحية واللاهوتية ليس مطلوب منهما تقديم حلول ارشادية لإدارة المجتمعات الاوربية في القرن العشرين، وجد الفكر الاشتراكي انه ملزم بتقديم حلول لإدارة المجتمع وارشاده ن وفق نصوص لا تقبل المراجعة. تقديس النصوص هو من جعل أعضاء اخر لجنة مركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، عندما كان حاكما ، تزيد أعمارهم عن اعمار مجلس الكرادلة في الفاتكان ، الذى موكل بانتخاب او اختيار بابا للكنيسة الكاثوليكية. فلا احد يحتاج شبابا لتفسير نصوص لا تقبل المراجعة. الذين اجتهدوا لتغيير النصوص اجتاحتهم جيوش الاتحاد السوفيتي ، كما حصل في براغ عام 1968م او تم خصامهم وتكفيرهم اشتراكيا مثل جوزيف تيتو في يوغسلافيا او ما زي دونج في الصين او حتى ليو تروتسكي في الاتحاد السوفيتي. الانظام الاشتراكي بالوصفة السوفيتية والشرق اوربية قد انتهى و لم يبقى الان سوى النظام الهجين و النظام الرأسمالي. الان علينا القاء اطلالة على هذين النظامين والذى على كل دولة العالم السير على احداهما ، باستثناء دولة كوريا الشمالية و دولة كوبا. الموضوع طويل.
ثالثا: كيفية عمل الاقتصاد الهجين والاقتصاد الرأسمالي في العصر الحديث :
غاية اى نظام اقتصادي اليوم تتمثل في الاتي: أولا انتاج الحاجات المادية من طعام وملبس ومسكن للشعب. ثانيا انتاج الخدمات اللازمة لاستدامة الحاجات المادية و تلك الخدمات تشمل التعليم (الاميون لن يستمروا في الإنتاج) و الصحة (الشعب المريض لا ينتج) و الامن ( لا يوجد انتاج بلا امن). ثالثا : اكتساب المنعة العسكرية و السياسية التي تحمي الشعب ونمط ووتيرة إنتاجه للحاجات المادية وإنتاج الخدمات اللازمة لإنتاج الضرورات و الثقافة المنتجة للضرورات... وكل ذلك من اجل اشباع غريزة حفظ النوع. في سياق انتاج الحاجات المادية بالكميات اللازمة، تلجا الدول الى الاتجار مع الدول الأخرى وقديما كان الامر يمكن ان يترجم الى غزو تلك الدول وسلب ما عندها. هذا هو جوهر الاقتصاد لا اكبر و لا اقل. في الاقتصاد الاشتراكي الموؤد ، سلمت مهمة انتاج الحاجات المادية الى الحكومة. في النظام الهجين وزعت المهمة بين القطاعين الخاص و العام و في النظام الرأسمالي أوكلت النسبة الكبرى من المهمة للقطاع الخاص.
النظام الهجين والرأسمالي دعامتها الرئيسية هو القطاع الخاص. فالقطاع الخاص، بدء من اصغر وحداته ، هي المؤسسات الفردية الصغيرة ، مثل المقاهي و المزارع الصغيرة ووحدات النقل الخاصة و المطاعم وصغار تجار القطاعي و المتاجر الصغيرة و البقالات ومحطات بيع الوقود .. ومن ثم الوحدات الأكبر حجما مثل المصانع الصغيرة و متاجر الجملة و الشركات الزراعية زالخ هي الأصغر رأسمالا و لكن هي اكبر مخدم في اى اقتصاد اكثرها مساهمة في الناتج القومي و إيجاد قاعدة ضريبة للدولة . من بعد هذه الوحدات الصغيرة تأتي الوحدات في المرتبة الثانية من حيث الحجم، حيث الشركات متوسطة الحجم و المصانع و حتى المدارس الخاصة و المشافي الخاصة والمصارف و شركات التمين الصغيرة ..الخ ، والتي في الغالب لا يزيد عدد مخدميها عن بضع الوف. هاتان الفئتان من الوحدات الاقتصادية هي عماد كل اقتصاد في العالم، بدا من الاقتصاديات الكبرى ، مثل الولايات المتحدة و الصين وألمانيا و اليابان ، وحتى اصغرها من مثل ميكرونيزيا و بوتان و جزر القمر. في قمة الاقتصاد تأتي الشركات الكبرى و الشركات متعدد الجنسيات والسوق العابر للحدود و القارات . هذه الكيانات الكبيرة، بالرغم من اسمائها الدولية و سمعتها، الا انها مجتمعة لا تساهم في الاقتصاد و الناتج القومي ، مثل ما تفعل الوحدات الصغيرة و المتوسطة. الهم الأكبر للدولة هو ان تكون كل الوحدات الاقتصادية ، صغيرة و متوسطة و كبيرة ، تعمل بمستوي ووتيرة عالية لكي توظف وتخدم اكبر عدد من المواطنين وإنتاج اكبر كمية ( اقتصادية) من السلع لتلبية الطلب المحلي و تصدير جزء من تلك السلع للخارج لتوفر للدولة عملة اجنبية تمكنها من استيراد السلع التي لا تنتجها محليا ، بسبب عدم الاستطاعة او عدم المقدرة او ان انتاجها محليا ليس اقتصاديا. جوهر الهدف الاقتصادي هو توظيف المواطنين. فتوظيف السكان او المواطنين يمكن المواطنين من جنى الأجور و المكاسب اللازمة لشراء السلع ( الطلب) و الذى بدوره يجعل من الشركات مربحة و تقوم بتوظيف اعداد أخرى من المواطنين العاملين او زيادة أجور العاملين الموجودين. عمل السكان او المواطنين يمكن الدولة من جنى ضرائب من دخلهم و ضرائب من الوحدات الاقتصادية و جنى او تحصيل رسوم وجبايات من الإنتاج. هذا المال الذى تجنيه الدولة ( اذا لم يسرقه لصوص كما في السودان وكثير من الدول الافريقية ) يتم صرفه على الخدمات اللازمة لعيش المجتمع مثل التعليم والصحة و الطرق وتقوية الأجهزة العسكرية و خلافها ، واحيانا صرفه على دول اخري لتعزيز امن الدولة الواهبة او المحافظة على او إيجاد مصالح اقتصادية في تلك الدولة. الامر الاخر ان عمل الناس يرفع عن الدولة واجب تقديم المزيد من الخدمات المجانية و المدعومة ، و يمكن للعاملين او جهات تخديمهم توفير تلك الخدمات او السلع عن طريق الشراء المباشر او جنى أجور يمكن ان تغطي تلك التكاليف. الشعب الذي يعمل يكون متوازن اجتماعيا وتقل لديه الظواهر السالبة مثل الجريمة والعنصرية و ازدراء قوانين الدولة و قوانين المجتمع و بذلك يوفر للمجتمع و الدولة تكاليف محاربة الظواهر السالبة. بالإضافي لهذا فان الشعب الذى يعمل هو شعب في تطور دائم . فإنتاج السلع والخدمات تطرا عليه تحسينات و يختلق التكنلوجيا و المعرفة او يستوردها من الخارج وكل هذا وغيره يساعد في ترقى المجتمع اقتصاديا و اجتماعيا. لذلك نجد ان المجتمعات التي تكثر فيها البطالة او العطالة او فرص العمل ، نجدها اكثر المجتمعات عرضة للإضرابات و القلاقل وتكثر فيها الجريمة و تحدى القانون و تزيد فيها الامراض العضوية و الامراض العقلية و تجدها تزدرى ثقافتها و ارثها و حتى تفكر في هجر مجتمعها و الهروب للانضمام لمجتمعات اكثر نفعا من حيث فرص العمل و التوظيف. لذلك نجد ان الداعشي في الشرق الأوسط لا يفكر للهجرة الى أفغانستان او السودان او الصومال او غامبيا من بعد هزيمته و لكنه يتوجه الى بيرطانيا وفرنسا وبقية أوروبا بالرغم من تكفيره لهذه الدول ووصفه لها بانها ديار ضلال وفسق وفساد . للمحافظة على صحة المجتمع و عمل اقتصاده نجد ان الدول الكبرى لا تقبل بان يقوم المعادون لها باي اعمال تهدد اقتصاداتها وتبعا لذلك امنها. بوتن تم توريطه في حرب أوكرانيا لأنه حاول التحكم في أوروبا عن طريق الطاقة ومزاحمة الدول الغربية في دول لها مصالح تتعارض و نشاطات الروس . في سياق الإنتاج وإيجاد فرص العمل لكل راغب في العمل في الدولة ، للدولة اهداف ( اقتصادية) اخري تسعى لتحقيقها لاستدامة هذا الإنتاج . من تلك الهداف هو توسع حجم الاقتصاد ( النمو) من فترة لأخري و ذلك لتلبية الطلب في الزيادة الطبيعية في عدد السكان و توطيد الرفاهية ، وكذلك ضبط التضخم لكي لا يختل انتاج السلع و لا يختل الطلب عليها ، وتحقيق ميزان مدفوعات مناسب للاقتصاد لكي لا تتأثر صادرات وواردات الدولة بصورة سالبة ، وتحصين الدولة من الاقتراض او إبقاء الاقتراض الحكومي عند الحد الأدنى ، والمحافظة على سعر صرف عملة الدولة مقابل عملات شركائها التجاريين ، وردم الهوة في الدخل بين افراد المجتمع وكذلك المحافظة على البيئة و تحقيق كل هدف يخدم استدامة انتاج واستهلاك الحاجات المادية في الدولة. اذا ما تعثر تحقيق اى من هذه الأهداف ، فعلي الأرجح يفقد البناء كاملا ، وهو الاقتصاد ، توازنه ،ويجب علاج العلة قبل ان تستفحل وتهوى بالبناء.
هذا المقدمة لا علاقة لها علاقة مباشرة بموضوع اقصاد الجيوش و مع ذلك اضفناها لان ما نجتهد في قوله كتابة للماس هو حقيقة تبسط للمسألة الاقتصادية لغير المتخصصين وبالذات الشباب في السودان. ولذلك قد لا تجد مصطلحا اقتصاديا واحدا و الكلام كله ليس به معلومة واحدة جديدة بالنسبة لأهل التخصص و الملمين بأسس الاقتصاد.
نواصل