أُطرُوحَة دكتوراه من جامعة أمريكية حول الزبير باشا .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
بدر الدين حامد الهاشمي
13 April, 2023
13 April, 2023
تقديم: هذه ترجمة لملخص وخاتمة أُطرُوحَة دكتوراه عن الزبير باشا قدمها زاكاري بيرمان Zachary Berman لقسم التاريخ في جامعة مدينة نيويورك عام 2017م. وكان عنوان الرسالة باللغة الإنجليزية هو: Owing and Owning: Zubayr Pasha, Slavery, and Empire in Nineteenth – Century Sudan
وبالأطرُوحَة (التي جاءت في 412 صفحة) مقدمة شملت موضوع البحث ومنهجيته وطرقه وغير ذلك، وخمسة فصول (1) تطرقت في غالبها للزبير باشا، وتناولت أيضاً تاريخ السودان والمهدية وغوردون. واحتوت الرسالة أيضاً على عدد من الملاحق (منها صور من رسائل الزبير لولده سليمان)، وفهرس (قائمة بعدد كبير من المراجع والمصادر الأولية والثانوية) مع عدد من الصور التاريخية لمن تناولتهم الأطرُوحَة بالدراسة (مأخوذة في الغالب من أرشيف جامعة درم البريطانية) منها صورة لخطاب كتبه الزبير بخط يده لسير ونجت باشا يعرض عليه قبول حصان هديةً منه له، وخطاب آخر للحكومة المصرية عام 1899م طالبها فيه بمساعدته مالياً ليستقر ببلاده.
لم ينشر الباحث – مبلغ علمي - رسالته هذه في كتاب، أو يستل منها أوراقاً أكاديمية لنشرها في الدوريات المتخصصة. ويمكن الاطلاع على الرسالة كاملةً في موقع لجامعة مدينة نيو يورك https://rb.gy/rvh88 .
المترجم
********* ********** *********
ملخص الأطرُوحَة
تمثل الثورة المهدية مأزقًا (للباحثين): لماذا تدافع ثورة للأفارقة عن الرق؟ تتناول هذه الدراسة المسألة عن طريق تحليل حياة الزبير باشا، أشهر تجار الرقيق السودانيين في العقود التي سبقت قيام الثورة المهدية. ووجدت في دراستي للمقابلات التي أجريت مع الزبير، وفي النقاشات والجدالات التي جرت في البرلمان البريطاني حوله، وفي التصريحات والبيانات والمقالات التي نُشِرَتْ عنه، أن ردود الأفعال العاطفية على قصة الزبير تُظْهَرُ وجهات نظر مختلفة حول العمليات المتداخلة للأنظمة الاستعمارية، والعبودية الطوعية، ومجموعة متنوعة من القضايا المتكاملة. ويعد الزبير نفسه تاجراً ورجل أعمال يدير أعماله وفقاً لنصوص القانون؛ وبالنسبة للآخرين، فهو يمثل إما و"حشية الأهالي native brutality"، أو "السياسة الواقعية realpolitik". وتمثل نتائج هذه الدراسة فهماً جديداً للرق والاستعمار بحسبانهما من المفاهيم الأكثر قرباً ودقةً مما يعرف عنهما عادةً. وهذا مما من شأنه أن يجعل ثورة المهدويين أقل غموضاً.
******** *********** ************
خاتمة الأطرُوحَة
تمثل الثورة المهدية في السودان عام 1884م مأزقًا (للباحثين): لماذا تدافع تلك الثورة الأفريقية عن الرق؟ (2) (أعاد الكاتب ملخص الأطروحة في خاتمتها. المترجم)
عندما قام تشارلز (الصيني) غوردون، الذي كان قد عمل على المساعدة في إخماد تمرد تايبينغ (3)، بالتشكيك في السياسة الاستعمارية التي تهدف لإلغاء العبودية، وشرع في تأييد الزبير باشا، اعتبره السياسيون ورجال الصحافة بريطانياً رجعيا جاهلا فقد عقله. وأقدم في هذه الأطروحة حججي على أن الرجل لم يكن مجنونا، بل كان يفهم الزبير والسودان بأكثر من غيره، ويرى الرق والاستعمار كقوى معارضة بالضرورة. وكان غوردون يدرك ما فهمه الزبير من أن الاستعمار والرق يمثلان شكلين من أشكال الاستغلال، وأن المرء لا يكاد يحس فرقاً بين الرق في أخف حالاته، والاستعمار، في أعتى صوره؛ وأن الثورة المهدية كان لها منطقها الداخلي الواضح، الذي مفاده أن الاستعمار هو القوة التخريبية الأولى في السودان، وأن الحفاظ على الرق محلياً يساعد في تحرير السودان ممن تسلطوا عليه وصاروا سادته.
ويشير سوء الفهم المحيط بالزبير إلى اللحظة التي تم فيها التحول من استعمار يفتقر إلى خطة أو غرض أو نمط محدد - إلى شكل من أشكال الاستعمار المهيمن. لقد كان من العسير على أي فرد في أي جانب في تلك اللحظة أن يفهم الذين كانوا يقفون في الجانب الآخر. وأفضى ذلك لمزيد من الارتباك في مجلس العموم البريطاني، والارتباك في أوساط جمعيات منع الرق في بريطانيا والدول الأخرى، وسبب ارتباكاً في وزارة الخارجية البريطانية، ولدى الخديوي، وعند الزبير أيضاً.
وتمثل نتائج هذه الدراسة فهماً جديداً للرق والاستعمار بحسبانهما من المفاهيم المتقاربة والأكثر دقةً مما يعرف عنهما عادةً. وهذا مما من شأنه أن يجعل ثورة أنصار المهدي أقل غموضاً، ويقود إلى فهم جديد للطرق شديدة الاختلاف التي تعبر به السلطات الاستعمارية عن نفسها.
لقد بدأت العمل على مشروعي هذا في عام 2006م. وكانت السنوات العشر التي مرت منذ ذلك الحين من السنوات الحافلة بالأحداث الدراماتيكية في جنوب السودان. وأصبح جنوب السودان، بما في ذلك بحر الغزال، جزءًا من السودان من خلال العملية التي تم تناولها في هذه الأطروحة، وهي (ذات) العملية التي جلب بها الزبير حكم المتحدثين باللغة العربية على الجنوبيين غير المسلمين وغير العرب. وكان السودان موجودا بذلك الشكل بين حوالي عام 1875 و2011م. أما السودان الموجود الآن، بعد انفصال الجنوب، فهو أكثر شبهاً بالسودان الذي كان موجودا بين عامي 1820 و1875م. ومرة أخرى، بقي جنوب السودان الآن مكانا ليس فيه من اثنية مهيمنة بصورة واضحة. ورغم أن الجنوب قد اندمج الآن في الشبكات العالمية للتجارة والمعلومات بشكل أكبر مما كان عليه في عام 1875م، إلا أنه الآن أحد أكثر الأماكن عزلةً وفقراً، وأقلها تعليماً رسمياً في العالم.
ولا يعني هذا بالطبع أن مصير جنوب السودان – بحسبانه دولةً مستقلةً - يتحدد عن طريق تاريخه، إلا أن ما حدث هو أن التحالفات السياسية التي تعكس الاختلافات العرقية قد مزقت هذه الدولة الأحدث والأشد فقراً بدخولها في حرب أهلية جديدة. وقد يرى البعض أن وضع جنوب السودان الحالي قد يقود المرء للنظر إلى ما قام به الزبير باشا على أنه عمل ساعد على فرض وحدة وتنمية في منطقة لم يكن بمقدورها تحقيق ذلك بمفردها. بينما يرى آخرون أن الزبير باشا قد منع جنوب السودان من التطور بوتيرة دفع ذاتية، واستنزف ما لديه من موارد قليلة، وأعاق نموه. وهذا هو، على وجه العموم، تاريخ الكلولونيالية في سائر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وأعتقد أن الحجة الأكثر إثارة للاهتمام هي أن نعبر عن تلك الفكرة، ليس عبر القالِب التاريخي الخطي linear الأوحد لأنموذج (برادايم) التنمية، ولكن عبر رؤية التنمية والإمبريالية بحسبانهما جزءًا من نفس العملية. لقد أوضحت في هذه الاطروحة أن الإمبريالية هي عملية أكثر تعقيداً من مجرد "هامِش periphery" و"متروبول metropole" (4)، إذ أن الإمبريالية تشتمل على "هامش الهوامش"، ومتروبولات يسيطر عليها متروبول أكبر، وعدد لا يحصى من اتفاقيات خاصة لتقاسم السلطة بين المتروبولات المختلفة. وهذه عملية شديدة الديناميكية بحيث قد تكون غير مفهومة حقاً. هل أصاب الضعف والانحدار امبراطوريتي البرتغال وإسبانيا، مع نمو وازدهار الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية؟ أم أنه سيكون من الأوضح أن نرى كل ذلك باعتباره مشروعا أوروبيا استعماريا واحدا؟
وإذا نظرنا للاستعمار الأوروبي بحسبانه مشروعا واحدا، منذ عهد (المستكشف البرتغالي) بارثولوميو دياز، أو ربما منذ عهد الحروب الصليبية، وحتى الفترة الأمريكية الحالية، فبإمكاننا حينها أن نرى التنمية في جنوب السودان وفي أفريقيا، في غضوت سنوات القرن التاسع عشر، والعشرين، والواحد وعشرين، ليس كعملية خطية وحيدة، بل كواحدة من عدة دورات من الاستعمار تم خلالها دمج أجزاء من أفريقيا في الامبراطوريات (الاستعمارية). ومعلوم أن الإمبراطورية المصرية القديمة كانت قد عمَرت بأكثر من تلك الفترة الاستعمارية الأوروبية، وحكمت أرتيريا والسودان ومناطق أخرى. ومن أجل فهم أفضل للاستعمار، ينبغي علينا أن ندرك أن الاستعمار الأوروبي ليس إلا مجرد مثال واحد له. غير أن امبراطوريتي الزبير والمهدي يندرجان في قوالب مختلفة.
******* ****** ********
إحالات مرجعية
(1) عناوين فصول الأطروحة هي:
في جبل طارق 1885 – 1887م
تحديد موقع بحر الغزال 1856 – 1865م
بلاد الزبير 1866 – 1875م
ردود الأفعال 1875 – 1884م
التقاعد 1888 – 1913م
(2) يمكن النظر في مقال مترجم للدكتوركيم سيرسي بعنوان "مواقف مهدي السودان حيال الرق وتحريره" https://rb.gy/6n2x7
(3) المقصود بالتمرد هي تلك الحرب الأهلية التي وقعت في جنوب الصين بين 1850 و1864م.
(4) المتروبول أو العاصمة هي "الدولة الواقعة في قلب إمبراطورية: مقر القوة السياسية والثقافية والاقتصادية التي تمتد عبر الفضاء الجغرافي للسيطرة على المناطق خارج الحدود المحلية والتأثير عليها". انظر أيضا: https://rb.gy/q77kk
alibadreldin@hotmail.com
///////////////////////////
وبالأطرُوحَة (التي جاءت في 412 صفحة) مقدمة شملت موضوع البحث ومنهجيته وطرقه وغير ذلك، وخمسة فصول (1) تطرقت في غالبها للزبير باشا، وتناولت أيضاً تاريخ السودان والمهدية وغوردون. واحتوت الرسالة أيضاً على عدد من الملاحق (منها صور من رسائل الزبير لولده سليمان)، وفهرس (قائمة بعدد كبير من المراجع والمصادر الأولية والثانوية) مع عدد من الصور التاريخية لمن تناولتهم الأطرُوحَة بالدراسة (مأخوذة في الغالب من أرشيف جامعة درم البريطانية) منها صورة لخطاب كتبه الزبير بخط يده لسير ونجت باشا يعرض عليه قبول حصان هديةً منه له، وخطاب آخر للحكومة المصرية عام 1899م طالبها فيه بمساعدته مالياً ليستقر ببلاده.
لم ينشر الباحث – مبلغ علمي - رسالته هذه في كتاب، أو يستل منها أوراقاً أكاديمية لنشرها في الدوريات المتخصصة. ويمكن الاطلاع على الرسالة كاملةً في موقع لجامعة مدينة نيو يورك https://rb.gy/rvh88 .
المترجم
********* ********** *********
ملخص الأطرُوحَة
تمثل الثورة المهدية مأزقًا (للباحثين): لماذا تدافع ثورة للأفارقة عن الرق؟ تتناول هذه الدراسة المسألة عن طريق تحليل حياة الزبير باشا، أشهر تجار الرقيق السودانيين في العقود التي سبقت قيام الثورة المهدية. ووجدت في دراستي للمقابلات التي أجريت مع الزبير، وفي النقاشات والجدالات التي جرت في البرلمان البريطاني حوله، وفي التصريحات والبيانات والمقالات التي نُشِرَتْ عنه، أن ردود الأفعال العاطفية على قصة الزبير تُظْهَرُ وجهات نظر مختلفة حول العمليات المتداخلة للأنظمة الاستعمارية، والعبودية الطوعية، ومجموعة متنوعة من القضايا المتكاملة. ويعد الزبير نفسه تاجراً ورجل أعمال يدير أعماله وفقاً لنصوص القانون؛ وبالنسبة للآخرين، فهو يمثل إما و"حشية الأهالي native brutality"، أو "السياسة الواقعية realpolitik". وتمثل نتائج هذه الدراسة فهماً جديداً للرق والاستعمار بحسبانهما من المفاهيم الأكثر قرباً ودقةً مما يعرف عنهما عادةً. وهذا مما من شأنه أن يجعل ثورة المهدويين أقل غموضاً.
******** *********** ************
خاتمة الأطرُوحَة
تمثل الثورة المهدية في السودان عام 1884م مأزقًا (للباحثين): لماذا تدافع تلك الثورة الأفريقية عن الرق؟ (2) (أعاد الكاتب ملخص الأطروحة في خاتمتها. المترجم)
عندما قام تشارلز (الصيني) غوردون، الذي كان قد عمل على المساعدة في إخماد تمرد تايبينغ (3)، بالتشكيك في السياسة الاستعمارية التي تهدف لإلغاء العبودية، وشرع في تأييد الزبير باشا، اعتبره السياسيون ورجال الصحافة بريطانياً رجعيا جاهلا فقد عقله. وأقدم في هذه الأطروحة حججي على أن الرجل لم يكن مجنونا، بل كان يفهم الزبير والسودان بأكثر من غيره، ويرى الرق والاستعمار كقوى معارضة بالضرورة. وكان غوردون يدرك ما فهمه الزبير من أن الاستعمار والرق يمثلان شكلين من أشكال الاستغلال، وأن المرء لا يكاد يحس فرقاً بين الرق في أخف حالاته، والاستعمار، في أعتى صوره؛ وأن الثورة المهدية كان لها منطقها الداخلي الواضح، الذي مفاده أن الاستعمار هو القوة التخريبية الأولى في السودان، وأن الحفاظ على الرق محلياً يساعد في تحرير السودان ممن تسلطوا عليه وصاروا سادته.
ويشير سوء الفهم المحيط بالزبير إلى اللحظة التي تم فيها التحول من استعمار يفتقر إلى خطة أو غرض أو نمط محدد - إلى شكل من أشكال الاستعمار المهيمن. لقد كان من العسير على أي فرد في أي جانب في تلك اللحظة أن يفهم الذين كانوا يقفون في الجانب الآخر. وأفضى ذلك لمزيد من الارتباك في مجلس العموم البريطاني، والارتباك في أوساط جمعيات منع الرق في بريطانيا والدول الأخرى، وسبب ارتباكاً في وزارة الخارجية البريطانية، ولدى الخديوي، وعند الزبير أيضاً.
وتمثل نتائج هذه الدراسة فهماً جديداً للرق والاستعمار بحسبانهما من المفاهيم المتقاربة والأكثر دقةً مما يعرف عنهما عادةً. وهذا مما من شأنه أن يجعل ثورة أنصار المهدي أقل غموضاً، ويقود إلى فهم جديد للطرق شديدة الاختلاف التي تعبر به السلطات الاستعمارية عن نفسها.
لقد بدأت العمل على مشروعي هذا في عام 2006م. وكانت السنوات العشر التي مرت منذ ذلك الحين من السنوات الحافلة بالأحداث الدراماتيكية في جنوب السودان. وأصبح جنوب السودان، بما في ذلك بحر الغزال، جزءًا من السودان من خلال العملية التي تم تناولها في هذه الأطروحة، وهي (ذات) العملية التي جلب بها الزبير حكم المتحدثين باللغة العربية على الجنوبيين غير المسلمين وغير العرب. وكان السودان موجودا بذلك الشكل بين حوالي عام 1875 و2011م. أما السودان الموجود الآن، بعد انفصال الجنوب، فهو أكثر شبهاً بالسودان الذي كان موجودا بين عامي 1820 و1875م. ومرة أخرى، بقي جنوب السودان الآن مكانا ليس فيه من اثنية مهيمنة بصورة واضحة. ورغم أن الجنوب قد اندمج الآن في الشبكات العالمية للتجارة والمعلومات بشكل أكبر مما كان عليه في عام 1875م، إلا أنه الآن أحد أكثر الأماكن عزلةً وفقراً، وأقلها تعليماً رسمياً في العالم.
ولا يعني هذا بالطبع أن مصير جنوب السودان – بحسبانه دولةً مستقلةً - يتحدد عن طريق تاريخه، إلا أن ما حدث هو أن التحالفات السياسية التي تعكس الاختلافات العرقية قد مزقت هذه الدولة الأحدث والأشد فقراً بدخولها في حرب أهلية جديدة. وقد يرى البعض أن وضع جنوب السودان الحالي قد يقود المرء للنظر إلى ما قام به الزبير باشا على أنه عمل ساعد على فرض وحدة وتنمية في منطقة لم يكن بمقدورها تحقيق ذلك بمفردها. بينما يرى آخرون أن الزبير باشا قد منع جنوب السودان من التطور بوتيرة دفع ذاتية، واستنزف ما لديه من موارد قليلة، وأعاق نموه. وهذا هو، على وجه العموم، تاريخ الكلولونيالية في سائر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وأعتقد أن الحجة الأكثر إثارة للاهتمام هي أن نعبر عن تلك الفكرة، ليس عبر القالِب التاريخي الخطي linear الأوحد لأنموذج (برادايم) التنمية، ولكن عبر رؤية التنمية والإمبريالية بحسبانهما جزءًا من نفس العملية. لقد أوضحت في هذه الاطروحة أن الإمبريالية هي عملية أكثر تعقيداً من مجرد "هامِش periphery" و"متروبول metropole" (4)، إذ أن الإمبريالية تشتمل على "هامش الهوامش"، ومتروبولات يسيطر عليها متروبول أكبر، وعدد لا يحصى من اتفاقيات خاصة لتقاسم السلطة بين المتروبولات المختلفة. وهذه عملية شديدة الديناميكية بحيث قد تكون غير مفهومة حقاً. هل أصاب الضعف والانحدار امبراطوريتي البرتغال وإسبانيا، مع نمو وازدهار الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية؟ أم أنه سيكون من الأوضح أن نرى كل ذلك باعتباره مشروعا أوروبيا استعماريا واحدا؟
وإذا نظرنا للاستعمار الأوروبي بحسبانه مشروعا واحدا، منذ عهد (المستكشف البرتغالي) بارثولوميو دياز، أو ربما منذ عهد الحروب الصليبية، وحتى الفترة الأمريكية الحالية، فبإمكاننا حينها أن نرى التنمية في جنوب السودان وفي أفريقيا، في غضوت سنوات القرن التاسع عشر، والعشرين، والواحد وعشرين، ليس كعملية خطية وحيدة، بل كواحدة من عدة دورات من الاستعمار تم خلالها دمج أجزاء من أفريقيا في الامبراطوريات (الاستعمارية). ومعلوم أن الإمبراطورية المصرية القديمة كانت قد عمَرت بأكثر من تلك الفترة الاستعمارية الأوروبية، وحكمت أرتيريا والسودان ومناطق أخرى. ومن أجل فهم أفضل للاستعمار، ينبغي علينا أن ندرك أن الاستعمار الأوروبي ليس إلا مجرد مثال واحد له. غير أن امبراطوريتي الزبير والمهدي يندرجان في قوالب مختلفة.
******* ****** ********
إحالات مرجعية
(1) عناوين فصول الأطروحة هي:
في جبل طارق 1885 – 1887م
تحديد موقع بحر الغزال 1856 – 1865م
بلاد الزبير 1866 – 1875م
ردود الأفعال 1875 – 1884م
التقاعد 1888 – 1913م
(2) يمكن النظر في مقال مترجم للدكتوركيم سيرسي بعنوان "مواقف مهدي السودان حيال الرق وتحريره" https://rb.gy/6n2x7
(3) المقصود بالتمرد هي تلك الحرب الأهلية التي وقعت في جنوب الصين بين 1850 و1864م.
(4) المتروبول أو العاصمة هي "الدولة الواقعة في قلب إمبراطورية: مقر القوة السياسية والثقافية والاقتصادية التي تمتد عبر الفضاء الجغرافي للسيطرة على المناطق خارج الحدود المحلية والتأثير عليها". انظر أيضا: https://rb.gy/q77kk
alibadreldin@hotmail.com
///////////////////////////