قوات الدعم السريع: قراءة في الإطار السياسي والقانوني (4/4)

 


 

 

1
تطرّقنا في المقال الأول من هذه السلسلة من المقالات إلى الملابسات السياسية والعسكرية التي نشأت من خلالها قوات الدعم السريع، والخلفية لإصدار قانون قوات الدعم السريع لعام 2017، وناقشنا بإيجاز مواد القانون المختلفة. وأوضحنا في ذلك المقال الكيفية التي أكّد القانون من خلالها استقلالية هذه القوات، ومنحها المزيد من الصلاحيات والاستقلالية، وبروزها كقوةٍ موازيةٍ ومساويةٍ للقوات المسلحة السودانية.
وتناولنا في المقال الثاني التعديل الأول لقانون قوات الدعم السريع لعام 2017 الذي أصدره الفريق البرهان في شهر يوليو عام 2019، وأوضحنا كيف ساهم ذلك التعديل في توسّع وتمدّد قوات الدعم السريع ومهامها، ومنحها حريةً أكبر في إدارة شئونها.
وناقش المقال الثالث التعديل الثاني لقانون قوات الدعم السريع الذي أصدره الفريق البرهان في نفس الشهر الذي أصدر فيه التعديل الأول. وتم بموجب ذلك التعديل الخطير إلغاء مادة دمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة، وأوضحنا تداعيات ذلك على مواد الوثيقة الدستورية التي صدرت في أغسطس عام 2019.
سوف نناقش في هذا المقال الرابع والأخير من سلسلة هذه المقالات مواد الاتفاق الإطاري لعام 2022 المتعلّقة بقوات الدعم السريع والتي فتحت الباب مجدداً لمسألة الدمج. وسوف نختتم هذه السلسلة من المقالات بملاحظاتٍ عامة عن قيام ونشأة وتمدد القوات، وعلاقات قيادتها بقيادة القوات المسلحة وقيادات القوى السياسية المدنية، وانعكاسات ذلك على حرب أبريل عام 2023 العبثية اللعينة.

2
كما ذكرنا في المقال السابق فقد تشكّلت في 21 من شهر أغسطس عام 2019 حكومة غالبيتها من المدنيين من قوى الحرية والتغيير، برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، لتطبيق اتفاق الشراكة بين العسكر والمدنيين. وقد احتفظ العسكر برئاسة مجلس السيادة رغم أن المدنيين كانوا الأغلبية بمقعد واحد في المجلس.
ورغم تشكيل الحكومة إلا أن الاحتجاجات تواصلت، تقودها لجان المقاومة، مطالبةً أن تكون السلطة مدنيةً كاملةً – "العسكر للثكنات والجنجويد تنحل". وتوالت الاحتجاجات على عدم الإسراع في تقديم قيادات الإسلاميين الذين عاثوا في البلاد فسادأ واستبداداً خلال الثلاثين عاماً الماضية إلى المحاكمة، وعلى عدم التحقيق بجدية في جريمة فض الاعتصام، وعلى فشل حكومة حمدوك في معالجة الضائقة الاقتصادية التي كانت البلاد تعاني منها.
احس تحالف البرهان وحميدتي بازدياد الاحتجاجات وتركيزها بصورةٍ واضحة على المكون العسكري فقررا القيام بانقلابٍ عسكري في 25 أكتوبر عام 2021. وقد وضح اشتراك الحركة الإسلامية في ذلك الانقلاب. تم بعد نجاح الانقلاب حل الحكومة وحبس رئيسها، الدكتور حمدوك.
غير أن ذلك الانقلاب زاد من حدة المعارضة للبرهان داخلياً وخارجياً، فأعاد البرهان حمدوك للسلطة في 3 نوفمبر عام 2021، ووقّع الأثنان اتفاقاً جديداً للشراكة في ذلك اليوم. رفضت القوى المدنية ذلك الاتفاق واتهمت حمدوك بالموافقة والتوقيع على الاتفاق دون استشارتها، وأنه أعطى بذلك الاتفاق شرعيةً للانقلاب. وتصاعدت حدة الاحتجاجات مما اضطر حمدوك على الاستقالة في 3 يناير عام 2022، بعد ثلاثة أشهر من إعادة تعيينه رئيساً للوزراء، وبعد حوالي عامين ونصف من تعيينه الأول رئيساً للوزراء في أغسطس عام 2019.
باستقالة حمدوك أصبحت البلاد بلا حكومة، وأصبحت السلطات جميعها في يد البرهان، يصدر من القرارات والأوامر ما يشاء، ويعين ويفصل من يشاء، ويستبدلهم بالإسلاميين الذين تم أبعادهم من هذه المواقع بعد ثورة ديسمبر 2018. بل يمكن القول أن البلاد ظلت بدون حكومة منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، وحتى اليوم لأن الاحتجاجات والمظاهرات وعدم الاستقرار تواصلت خلال فترة حمدوك الثانية، وشلّت الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد شللاً تاماً. عليه فقد ظلت إدارة البلاد بصورةٍ مطلقة في يد البرهان ومن ورائه قيادات الحركة الإسلامية.

3
وضح وتأكد منذ الأيام الأولى التي تلت انقلاب 25 أكتوبر 2021، مشاركة قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة في ذلك الانقلاب. كما وضح الدور التخطيطي المشترك للبرهان وحميدتي لذلك الانقلاب وما بعد الانقلاب. وأصبح التحالف بين الأثنين واضحاً، وازداد قوةً لأن فشل الانقلاب كان سيعرّض الرجلين معاً للمحاسبة.
لم يتوّقف ذلك التحالف عند التخطيط والقيام بالانقلاب لكنه امتد إلى مشاركة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في التصدّي الوحشي للمظاهرات السلمية التي خرجت محتجّةً على الانقلاب. كانت هناك زيادةٌ مطردة في عدد الشهداء ليصل عددهم إلى قرابة المائة وخمسين شهيداً منذ الانقلاب في 25 أكتوبر وحتى بداية الحرب في 15 أبريل عام 2023. وجُرح وتم اعتقال المئات، وعاد الاغتصاب مرةً أخر كسلاحٍ ضد المتظاهرين. كان ذلك تكراراً مخزياً ومحزناً لجريمة فض الاعتصام في شهر يونيو عام 2019. ورغم أن ذلك التصدّي الوحشي للمتظاهرين السلميين كان من عمل القوات المسلحة، إلا أن مشاركة قوات الدعم السريع وكتائب الإسلاميين لم تكن موضع شك.

4
بالتوازي لتلك المظاهرات والاحتجاجات كانت هناك مفاوضات بين القوى المدنية والعسكر. فتح التفاوض الباب واسعاً لإعادة النظر في كثيرٍ من المسائل والقضايا التي ظلت عالقة، أو تمت معالجتها من جانب العسكر فقط دون مشاركة القوى المدنية. وقد أطل برأسه مجدداً الحديث عن تعدد الجيوش وضرورة دمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة. تجدد هذا النقاش على الرغم من التعديل الثاني لقانون الدعم السريع الذي ناقشناه في المقال الثالث، وأشرنا إليه في بداية هذا المقال، والذي قضى بإلغاء المادة الخاصة بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.
ويبدو أن قيادة قوات الدعم السريع قد أحسّت بفداحة خطئها في المشاركة في انقلاب 25 أكتوبر الذي نتج عنه فتح باب القضايا التي شملت مسألة دمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة. وقد اعترف الفريق حميدتي بذلك الخطأ واعتذر عنه مراراً. لكن يبدو أن هذه القيادات قد أحست أيضاً أنه لا خيار لها غير الموافقة على التفاوض على عودة الشراكة بين العسكر والمدنيين رغم بروز تحدّي الدمج مرة أخرى لأنه كان هناك إجماعٌ على هذا المطلب من المدنيين. وقد رأت قيادات الجيش في التفاوض فرصةً لفتح الباب مرةً ثانية لمسألة الدمج، ومعالجة خطأ الغاء مادة الدمج، ولتحميل المدنيين مسئولية كل هذه التطورات.

5
تواصل التفاوض حول ما تمت تسميته "الاتفاق الإطاري" والذي حلّ محل الوثيقة الدستورية لعام 2019. وتم في 5 ديسمبر عام 2022 التوقيع عليه بواسطة عددٍ من الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني. وقد رفض الإسلاميون ذلك الاتفاق وأعلنوا الحرب عليه.
وقّع على الاتفاق الإطاري الفريق البرهان ممثلاً للقوات المسلحة، والفريق حميدتي ممثلاً لقوات الدعم السريع. وألقى الفريق حميدتي خطاباً بعد التوقيع أكد فيه ضرورة عودة المدنية والديمقراطية للحياة السياسية في السودان. وقد فسر الكثيرون ذلك الخطاب على أنه اعتذارٌ آخر عن المشاركة في الانقلاب، ومؤشراً قوياً لنهاية التحالف بين حميدتي والعسكر، ومحاولة من حميدتي لفتح صفحةٍ جديدةٍ من العلاقات مع القوى المدنية.
وقد ساد الجدل في الأحزاب والمنظمات التي يحقّ لها توقيع الاتفاق، والسقف الزمني لإكمال التوقيع ودخول الاتفاق الإطاري حيز النفاذ. ويبدو أن العسكر كانوا يراهنون على تواصل الخلافات في هاتين المسألتين. استمر ذلك الجدل ولم يدخل الاتفاق الإطاري حيز النفاذ حتى ساعة اندلاع الحرب في 15 أبريل عام 2023.

6
تناول الاتفاق الإطاري المعالم الرئيسية لأيّة وثيقةٍ دستورية مثل الحقوق المدنية والسياسية، وأجهزة الحكم والعلاقة بينها. غير أننا سنكتفي في هذا المقال بعرض ومناقشة الفقرات الخاصة بقوات الدعم السريع في الاتفاق الإطاري والتي تم التوافق عليها. هذه الفقرات تقرأ كالآتي:
"1. قوات الدعم السريع قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة ويحدد القانون أهدافها ومهامها، ويكون رأس الدولة قائداً أعلى لقوات الدعم السريع.
2. ضمن خطة الإصلاح الأمني والعسكري والذي يقود إلى جيشٍ مهنيٍ قوميٍ واحد يتم دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية المُتفق عليها."
وهكذا أطلت مسألة الدمج مرةً أخرى وبصورةٍ واضحةٍ وقاطعة، وتم إعادة فتح الباب واسعاً وأكثر دقة هذه المرة. وكما ذكرنا أعلاه، فقد وقع حميدتي على الاتفاق الإطاري، هو والبرهان، في 5 ديسمبر عام 2022.
لا بد أن تكون موافقة حميدتي على هذه الفقرة من الاتفاق الإطاري قد أثارت دهشة الكثيرين، بعد أن كان قد انتزع من البرهان خلال التعديل الثاني لقانون قوات الدعم السريع في يوليو عام 2019 إلغاء المادة الخاصة بالدمج. كان الاعتقاد وسط قوات الدعم السريع والمراقبين أن ذلك التعديل مثّل نهاية الجدل في مسألة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، وإغلق هذا الباب بصورةٍ نهائية.
لكن يبدو أنه بعد التوافق العريض على مضمون الاتفاق الإطاري اقتنعت قيادات الدعم السريع أنه لا خيار لها أمام هذا الإجماع الكبير من القوى المدنية ومن القوات المسلحة حول مسألة الدمج. كما يبدو أيضاً أن موافقتها قد انبنت على الرهان أن الزمن قد يكون في جانبها. فقد قضت الفقرة الثانية أعلاه على أن يكون الدمج "وفق الجداول الزمنية المتفق عليها" وأن رأس الدولة وليس القائد العام لقوات المسلحة هو من سيكون القائد الأعلى لقوات الدعم السريع خلال فترة التفاوض على الجدول الزمني للدمج.
ويبدو أن حميدتي قد اقتنع بتخلّي البرهان عنه كما وضح في خطاب حميدتي بعد التوقيع على الاتفاق في 5 ديسمبر 2023، كما ناقشنا أعلاه. فقد لاحظ كل المراقبين أن علاقة التحالف الوطيدة بين الرجلين منذ انقلاب 11 أبريل عام 2019 قد تحولت تدريجياً إلى علاقة تنافس. وقد انفجر ذلك التنافس بعد أسابيع من توقيع البرهان وحميدتي على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر عام 2022، وقاد إلى حربٍ شرسةٍ لعينةٍ في 15 أبريل عام 2023.

7
بدأ النقاش والتفاوض حول دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة بعد أيام من توقيع البرهان وحميدتي على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر عام 2022. وقد اقترحت القوات المسلحة والقوى المدنية مدة عامين لإكمال الدمج، بينما أصرت قوات الدعم السريع على فترة عشر سنوات. ورشحت خلافاتٌ أخرى كبيرة حول كيفية تحديد الرتب العسكرية لأفراد قوات الدعم السريع الذين سوف يتم دمجهم في القوات المسلحة، وحول مطالب قوات الدعم السريع إجراء تغييراتٍ في قيادات الوحدات المختلفة في القوات المسلحة قبل بدء عملية الدمج. من الجانب الآخر فقد برز اتجاهٌ داخل القوات المسلحة أن يكون هناك حدٌ أدنى من التعليم والمعرفة بنظم القوات المسلحة لأي فردٍ من قوات الدعم السريع ليتم دمجه في القوات المسلحة.
تواصل الجدل حول هذه الخلافات الخاصة بالدمج، وامتد ليشمل القضايا الأخرى العالقة، والتي تضمنها الاتفاق الإطاري، وهي: العدالة الانتقالية، الإصلاح الأمني والعسكري (والذي شمل الدمج)، اتفاق جوبا، تفكيك نظام 30 يونيو 1989، وحل أزمة الشرق. وكان النقاش في هذه المسائل قد بدأ بعد توقيع الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر عام 2022، وتواصل بصورةٍ متقطعة خلال شهور يناير وفبراير ومارس عام 2023. ورغم بروز التوافق بين القوات المسلحة والقوى المدنية حول ضرورة دمج قوات الدعم السريع، إلا أنه لم يتم الاتفاق على التفاصيل الخاصة بالدمج. وبرزت خلافاتٌ عدة في المواضيع العالقة الأخرى التي عدّدها وشملها الاتفاق الإطاري، ولم يتم التوافق على الجزء الأكبر من هذه القضايا العالقة.
بعد أربعة شهرٍ من توقيع البرهان وحميدتي وعددٍ من الأحزاب والقوى المدنية، وقبل دخول الاتفاق الإطاري حيز النفاذ، اندلعت في 15 أبريل عام 2023 هذه الحرب اللعينة العبثية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. وتواصل ويتواصل القصف والموت والدمار رغم الاتفاقات الجزئية بين البرهان وحميدتي عدة مرات على وقفٍ مؤقتٍ لاطلاق النار يستمر عدّة أيام. وقد شملت هذه الاتفاقيات اتفاق جدة الإنساني في 11 مايو، واتفاق جدة للسلام السوداني في 20 مايو 2023. وتم الوصول إلى هذه الاتفاقيات خلال جولات التفاوض التي رعتها (وما تزال ترعاها) الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.

8
لقد قمنا في هذه المقالات الأربعة بقراءةٍ سريعةٍ للتاريخ والإطار السياسي والعسكري والقانوني لقوات الدعم السريع. أوضحت هذه القراءة أن ما بدأ كمليشياتٍ الغرض منها مساعدة القوات المسلحة في حرب دارفور قد نما واستطال وقويت سواعده. فما بدأ كمليشيات الجنجويد التي أدخلت الرعب وسط سكان دارفور، وارتكبت أسوأ جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هناك، تطوّر ليصبح "حرس الحدود"، ثم إلى ما اعتقدت الحركة الأسلامية في سذاجةٍ بالغة أنه سيكون الحرس الجمهوري لدولتها ومشروعها الحضاري من الثورات والانقلابات العسكرية. ثم تواصل هذا التطور لتصبح حرس الحدود قواتٍ منظمة صار اسمها قوات الدعم السريع، تنافس القوات السودانية المسلحة، ويُحسب لها ألف حساب.
ما وُلِد كمليشيا صغيرة العدد، لا تتعدى الخمسمائة فرد، في عام 2003، يحمل أفرادها بنادق على أكتافهم، وصل به الأمر إلى جيشٍ يفوق عدد قواته في أبريل عام 2023 المائة ألف مقاتل. وهذا العدد يوشك أن يكون مساوياً لعدد القوات المسلحة السودانية، وتمتد المساواة أيضاً إلى العدة والعتاد.
وقد كان ذلك التمدّد خلال العشرين عاماً الماضية أفقياً ورأسياً، وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً، موّلته في البداية حكومة الحركة الإسلامية من عائدات النفط التي تم صرفها بدون رقيبٍ أو حسيب على قوات الدعم السريع. وعندما ذهب النفط مع أصحابه في عام 2011، كان البديل ذهب دارفور الذي أصبحت بعض جباله ملكاً خاصاً لقوات الدعم السريع. ومع الثروة توسعت السلطة، ومع السلطة تنامت الثروة.
ونمت وقويت شوكة قائد قوات الدعم السريع فوصل في زمنٍ وجيز إلى رتبة فريقٍ أول – نفس رتبة البرهان (مع الفارق فقط أن البرهان فريق أول ركن). وبالتوازي فقد تسلّق قائد قوات الدعم السريع الهرم الدستوري بسرعةٍ غير مسبوقة ليحتل مركز الرجل الثاني في الدولة، وليمتد نفوذه عبر مشاركته في عددٍ من الحروب والمهام الإقليمية. وسافر هذا القائد ليمثل السودان في عدة محافل إقليمية ودولية، بما في ذلك روسيا، حيث تمت مقابلته بالبساط الأحمر، والتعامل معه كرئيس دولة. وتمدد القائد وبسط سلطاته محلياً وخلق تحالفاتٍ مع بعض قيادات الإدارة الأهلية والطرق الصوفية وحتى مع بعض النقابات.
وامتدت صلاحياته الدستورية كنائبٍ لرئيس مجلس السيادة لتشمل نواحي سياسية مثل رئاسة الوفد الحكومي لمفاوضات جوبا، ونواحي فنية وإدارية مثل رئاسة اللجنة الاقتصادية في حكومة حمدوك، والتي شملت عضويتها رئيس الوزراء ووزير المالية ومحافظ بنك السودان.

9
شمل سردنا في المقالات الثلاثة الماضية نقاش الإطار والخارطة السياسية والقانونية لقوات الدعم السريع منذ بداية حرب دارفور عام 2003، مروراً بهيكلة هذه القوات عام 2013، ثم تقنين وجودها عام 2017، وتحصينها من الدمج عام 2019، وتوسعها وتمددها حتى اندلاع حرب أبريل عام 2023. وقد سردنا ببعض التفاصيل دور الحركة الإسلامية والفريق البرهان في قيام وتوسّع وتمدّد هذه القوات خلال هذه السنوات. كما أوضحنا وذكرنا مراراً أن قوات الدعم السريع قد خرجت من رحم الحركة الإسلامية، ورضعت من ثديها، ونمت واستطالت في حضنها.
وقد أكّدت هذه المقالات أيضاً أن محاولات الإبقاء على جيشين يكادان يكونان متساويين في العدد والعدة والعتاد، في أي بلدٍ، هي فرضية عبثية ويشوبها الكثير من الاستهتار واللا مسئولية. وقد برزت هذه العبثية بوضوح في المحاولات الساذجة لخلق علاقة توازن بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، والتي ناقشناها ببعض التفاصيل في سلسلة المقالات هذه. ويمكن وصف تلك المحاولات بإنها كانت تهدف إلى دمج قوات الدعم السريع، وبقائها مستقلةً في نفس الوقت. كانت تلك المحاولات العبثية شبيهةً، كما يقول أهل الغرب، بمحاولات أكل الكيكة والاحتفاظ بها. فلم يحدث في التاريخ الحديث للعالم وجود جيشين في بلدٍ واحد. من الواضح أن الحركة الإسلامية التي خرج الدعم السريع من رحمها، والفريق البرهان الذي واصل منهج الحركة الإسلامية في علاقاته مع الدعم السريع، كانا يعتقدان في سذاجة، إن لم نقل في غطرسة، أنهما سيعيدان كتابة تاريخ العالم بالحفاظ على جيشين في سلامٍ ووئام في بلدٍ واحد.

10
وقد زاد هذه المحاولات عبثيةً الصراع الخفي بين البرهان وحميدتي. فرغم أن الرجلين كانا لفترةٍ حليفين حميمين، نفذا انقلاب 11 أبريل عام 2019، ثم انقلاب 25 أكتوبر 2021، وتقع على كتفيهما مسئولية فض الاعتصام بتلك الصورة الوحشية، إلا أن الخلافات على مقعد القيادة كانت تتنامى مع الأيام. لم تكن قضية الدمج هي الخلاف الأساسي بين الرجلين، بل انفجر معها الصراع حول مقعد القيادة نفسه. وهذا هو في حقيقة الأمر الصراع الحقيقي الذي حاول الطرفان التعامل معه من خلال قضية الدمج.
لقد أطلت نذر الكارثة التي يمر بها السودان اليوم بوجهها عام 2013 عندما قررت الحركة الإسلامية أعادة هيكلة مليشيات الجنجويد ومدها بالمال والعتاد بلا حدود، والتعامل معها كقوةٍ عسكرية لحماية النظام من أي انقلابٍ أو ثورة. وقد وصف البشير تلك القوات بالمخزون الاستراتيجي. ودقت أجراس الأنذار مرةً ثانية عام 2017 عندما قررت الحركة الإسلامية تقنين تلك القوات وتوسيع مهامها ومصادر تمويلها.
وقد نالت قوات الدعم السريع ثمرات اشتراكها في انقلاب 11 أبريل بصدور تعديلين وقّع عليهما الفريق البرهان، مدّد الأول في مهامها وصلاحياتها، وألغى التعديل الثاني مادة دمجها التي تضمنها قانون الدعم السريع لعام 2017.
وقد ناقشنا ببعض التفصيل في هذه السلسلة من المقالات التمدد الاقتصادي والسياسي لقوات الدعم السريع ولقائدها الذي وصل بسرعةٍ خارقة، كما ذكرنا أعلاه، إلى رتبة فريق أول وإلى الموقع الدستوري الثاني في البلاد – نائب رئيس مجلس السيادة، وهو لم يبلغ الخمسين من العمر.
وقد كانت وظلت المواجهة بين القوتين العسكريتين، بما في ذلك المواجهة بين الرجلين، مسألة وقتٍ لا أكثر ولا أقل. وهذا هو ما حدث في 15 أبريل عام 2023، عندما اندلعت هذه الحرب العبثية اللعينة والتي يدفع ثمنها في ألمٍ وحسرةٍ الوطن والمواطن.

11
نأمل في خاتمة هذه المقالات الأربعة أن يساهم هذا السرد والنقاش في فهم خلفية وأسباب الكارثة التي تمر بها بلادنا اليوم، وأن تساهم المقالات أيضاً في محاولات إيقافها والعودة بوطننا الحبيب إلى ظلال السلام والأمن.

Salmanmasalman@gmail.com
www.salmanmasalman.org

 

آراء