تحالف “قوي الحرية والتغيير”: “الضعف الهيكلي السياسي”، ومتطلبات الإدارة السياسية للفترة الانتقالية!
د. شمس الدين خيال
31 July, 2023
31 July, 2023
اطروحات
• تحت انخراط قطاعات عريضة من الشعب السوداني في الحراك الجماهيري، وتصاعد الزخم الثوري، نشأ وتطور التوافق والتحالف العريض لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي في "إعلان قوى الحرية والتغيير" بشكل متسارع وتلقائي.
• لطبيعة تنظيم "قوى الحرية والتغيير"، المنبثق من "إعلان قوى الحرية والتغيير"، كتحالف لتحالفات ولتكتلات حزبية ومجموعات سياسية عسكرية ومجموعات مجتمع مدنية، حمل من يوم ولاداته، ضعف "هيكلي سياسي"، جعله غير مؤهل لتولي إدارة السلطة السياسية للفترة الانتقالية!
• تحت الظروف الموضوعية القائمة، وفشل التحالف في استدامة عملية الانتقال السياسي، تصبح إعادة هذه "التجربة" بذات الفاعلين والنتائج، غير وارد!
• نجاح الانتقال السياسي الديموقراطي يرتكز علي خمسة محاور أساسية:
1) سلطة تنفيذية وتشريعية مدنية وقضائية مستقلة،
2) "حكومة طوارئ انتقالية"، بواجبات يحددها تحالف عريض لقوى الثورة والتغيير الديموقراطي، ومكونة من كفاءات علمية متخصصة، ومن غير مشاركة منتمين للأحزاب والحركات السياسية العسكرية،
3) "قوي الإنتاج" المتمثلة في النقابات العمالية والمهنية -مع ورود اشراك اتحادات رجال الاعمال، ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان وعن حقوق المرأة-، هي "الفئة المدنية" الاكثر تأهيلا لقيادة "عملية التوافق" علي: تكوين حكومة الطوارئ الانتقالية، وتحديد واجباتها، وتكوين السلطة التشريعية،
4) تواجد فعل سياسي اجتماعي منظم بهدف تقوية المؤسسات المدنية الديموقراطية،
5) التوافق علي "رؤية لجوهر دستور يرتكز علي المبادئ الإنسانية الكونية بهدف تأسيس نظام سياسي مدني ديموقراطي تعددي، ونظام اقتصادي اجتماعي"، عبر حوار وتداول حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي أدت الي حالة "إلا دولة" والتي نعيشها، وبناء دولة العدالة والمساوة والحرية السياسية والشخصية!
نشؤ وتطور "إعلان قوى الحرية والتغيير" تحت الظروف الموضوعية في 2018-2019
توافق وتحالف قوى الثورة والتغيير الديموقراطي في "إعلان قوى الحرية والتغيير"، جاء وليد للزخم الثوري في ديسمبر 2018، بهدف "إسقاط نظام حزب المؤتمر الوطني". حيث احتشدت القوي المدنية المتمثلة في "قوى الإنتاج" المنظمة في النقابات العمالية والمهنية، وفي الأحزاب السياسية، وفي منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان -خصوصا حقوق المرأة-، والشارع السياسي -بقيادة لجان المقاومة في الاحياء- تحت قيادة "تجمع المهنين السودانيين"، حول هدف وشعار الثورة الاول: "تسقط بس"، وتطوره الى شعار: "يا عنصري ومقرور كل البلد دارفور"، "حرية سلام وعدالة"، "الثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب". وتحت انخراط قطاعات عريضة من الشعب السوداني في الحراك الجماهيري، وتصاعد الزخم الثوري، تطور التوافق والتحالف العريض لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي بشكل متسارع وتلقائي.
وجاء هذا التسارع وهذه التلقائية ارتباطاً بالظروف الموضوعية، التي خلقتها طبيعة السلطة الدكتاتورية الشمولية "الفاشية" المرتبطة بفكر "التدين السياسي"، و"التمكين السياسي"، وما تم ارتكابه من فظائع وجرائم ضد الإنسانية وتدمير للدولة ومؤسساتها، خلال ما يقارب الثلاثين عاماً، والتي تقلصت فيها الدولة السودانية الى ثلثيها. بجانب ذلك، ومما لا شك فيه، مهدت لهذا التوافق والتحالف العريض، ايضا، التحالفات السياسية بين مكونات المعارضة السياسية الحزبية وحركات المعارضة المسلحة، بجانب الانتفاضات الشعبية المتعددة، التي جرت طيلة فترة حكم النظام الساقط.
وبعد سقوط النظام، وتحت شعار "تسقط تاني"، إجبر القائد العام للجيش، الجنرال عبدالرحمن أبن عوف، على التنحي، وحينها، استطاعت قوى الثورة والتغيير الديموقراطي ان تغيير من موازين القوة لصالحها، وذلك بفعل الزخم الثوري المتمثل في "حيوية الشارع"، وبتصدر لجان المقاومة لفعاليته، تجمع المهنين لقيادته. بسقوط النظام، والفعل الثوري المستمر استطاعت القوى المدنية انتزاع حريات كبيرة للحركة والتنظيم وللعمل السياسي، والنقابي الجماهيري، وللعمل الإعلامي، والتواصل مع العالم الخارجي من أجل الدعم والتضامن السياسي مع تطلعات الشعب السوداني نحو التحول السياسي الديموقراطي التعددي.
العمل المعارض والثوري الدؤوب والقيادة الفعالة للثورة، والشروط السياسية الداخلية والخارجية، سهلت التداول والنقاش داخل وبين قوي الثورة والتغيير الديموقراطي، وبذلك قيام أعرض تحالف سياسي في تاريخ الدولة السودانية. ولم يكن هذا الانجاز التاريخي ممكنا، من غير سقوط النظام، والذي لعبت فيه فئتين دورا اساسياً: "تجمع المهنين السودانيين"، و"لجان المقاومة" في الاحياء!
الضعف الهيكلي السياسي لإعلان قوي الحرية والتغيير
هناك أسباب كثيرة -ويختلف الرأي فيها-، لفشل هذا التوافق والتحالف السياسي الكبير والاعرض في تاريخ السودان، في الحفاظ على استدامة عملية الانتقال السياسي المدني الديموقراطي، وآلتي بدأت في أغسطس 2019، وانتهت بالانقلاب العسكري، في 25 أكتوبر 2021، إي بعد 39 شهرًا. لكن، ومن المتفق عليه، أن السبب الأساسي في ذلك، يرجع الي عدم استطاعت المكون المدني تحت قيادة قوي الحرية والتغيير، في هذه الفترة، في تغيير موازين القوى داخل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والاقتصادية والعدلية لصالح قوى الثورة والتغيير الديموقراطي. حيث ظلت مؤسسات وهياكل دولة التمكين باقية، والمواقع المفتاحية في مؤسسات الدولة تحت تحكم رعيل التمكين السياسي والاقتصادي للنظام الساقط، أي ما يعبر عنه ب"الدولة العميقة". ويرجع عدم استطاعت القوى المدنية من تغير موازين القوة لصالحها لعدة أسباب، منها الذاتية من جانب، والموضوعية من جانبا آخر. وبما أن الساحة الاعلامية السياسية تعج بالتداولات والتحليلات للأسباب الموضوعية، سوف يركز هذا التناول في ما يخص طبيعة التحالف، أي في السبب الذاتي، المتمثل في "الضعف الهيكلي السياسي"، الذي يصاحب تنظيم قوي الحرية والتغيير، كتحالف لتحالفات ولتكتلات سياسية مدنية، وسياسية عسكرية، واجتماعية مدنية مختلفة.
إعلان قوى الحرية والتغيير قام علي تحالف سياسي لتحالفات ولتكتلات سياسية حزبية وعسكرية مختلفة، بجانب تكتل منظمات "قوي الإنتاج" المتمثلة في النقابات العمالية والمهنية، وتكتل منظمات المجتمع المدني العاملة في الدفاع عن حقوق الانسان وحقوق المرأة. وقد وضح في وقت وجيز، آن التحالفات والتكتلات السياسية الحزبية والعسكرية المختلفة، لها توجهات، ونوايا، واهداف، ومبادئ سياسية مختلفة ومتناقضة. هذه الصفات المختلفة والمتناقضة مثلت أيضًا طبيعة ملازمة للمكونات السياسية والعسكرية داخل كل تحالف وتكتل سياسي حزبي، وعسكري ولمنظمات مجتمع مدني. وكذلك لم تخلو الأحزاب السياسية والحركات السياسية العسكرية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني من الاختلاف في المبادئ والتوجهات، والاهداف السياسية، ومن الضعف التنظيمي، وعدم الممارسة الديموقراطية، ولانضباط التنظيمي والشفافية من قبل قاداتها.
تبعًا لطبيعة الاختلاف والتناقض في التوجهات والاهداف والمبادئ والنوايا السياسية للتحالفات وللكتل السياسية والعسكرية، وفي داخل المكونات المتواجدة في هذه التحالفات والكتل، وكذلك داخل الأحزاب والمجموعات، نفسها، حملت قوى الحرية والتغيير، من يوم ولاداتها، ضعف هيكلي سياسي!
وذلك، لأن طبيعة تحالف مثل قوي الحرية والتغيير يكون دائما عرضه لنقل الصراعات اليه من مكوناته، والناتجة عن الاختلافات والتناقضات، داخل التحالفات والكتل ومكوناتها. وظهر ذلك جليا عند محاولة بعض التحالفات والكتل والمجموعات المختلفة لحل "مشاكلها" الداخلية، الناتجة عن التناقضات والصراعات السياسية المرتبطة بالطموحات الذاتية في الحصول على مناصب حكومية، علي حساب التوافق داخل قوي الحرية والتغيير. مثالا لذلك: رفضت بعض الحركات السياسية العسكرية الخضوع الي المعاير المتفق عليها بخصوص اختيار رئيس الوزراء لأعضاء الحكومة من عدة ترشيحات مقدمة من مكونات قوي الحرية والتغيير، واصرت علي قبول ترشيحاتها لفردا واحدا، أي من غير أن يكون هناك خيار بين مرشحين. وتم تعليل هذا السلوك بمخرجات "اتفاقية سلام جوبا"، والتي أقرت بأشراك قادة الحركات المسلحة في الإدارة السياسية للفترة الانتقالية، والتي ضمنت في دستور الفترة الانتقالية. بموجب ذلك التغيير في الدستوري، تخلي التحالف عن مبدأ "حكومة تكنوقراط " لإدارة الفترة الانتقالية، وانتهج سياسة "المحصصات" لاقتسام السلطة التنفيذية والمناصب الادارية في المركز والولايات.
واوضحت سياسة المحصصات لاقتسام السلطة بين الأحزاب، والحركات السياسية العسكرية الضعف الهيكلي السياسي المتمثل في هشاشة التوافق والتحالف في قوى الحرية والتغيير، وذلك عندما انطلق الصراع حول الحقائب الوزارية، خصوصا الوزارات المفتاحية في الدولة، والمرتبطة بسياسية الدولة المالية والاقتصادية والاجتماعية والخارجية. حيث أدا التحول الجزري في مبادئ التحالف الأساسية -والذي جعل منها أداة لتقاسم السلطة، الي تقلص التوافق داخل قوي الحرية والتغيير، وفقدانها لقيمتها عند المكونات، التي انسلخت لاحقا عنه.
ومن خلفية اختلافات وتناقضات النوايا والمبادئ والاهداف السياسية للمكونات المدنية والعسكرية، رأت قيادات في بعض الحركات المسلحة قربها من المكون العسكري يضمن لها الحفاظ على المكاسب الوزارية والسيادية والوظيفية، التي تحصل عليها قادتها ومحتسبيها، ولتحقيق بقية الاستحقاقات السياسية والمالية، التي تضمنتها اتفاق سلام جوبا! هذا التوجه التحالفي السياسي للحركات المسلحة، والذي جاء ايضاً من خلفية تولي المكون العسكري، بقيادة قائد "قوات الدعم السريع" لملف السلام وقيادة عملية تحقيق سلام جوبا، لعب دورا اساسياً في تغير ميزان القوي لصالح القوي المعادية للتغيير السياسي المدني ديموقراطي.
مجملا، يمكن القول، ان نهج سياسة المحصصات، سارع في خروج مكونات سياسية مدنية وعسكرية، كان التحالف بالنسبة لها تحالف "غرضي" من اجل تحقيق أهداف ذاتيه! وقبل تنفيذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 انتهت الخصومة السياسية بين "حلفاء الأمس" في تحالف قوى الحرية والتغيير بانشقاقها. حيث خرجت "حركة تحرير السودان" بقيادة مناوي، "حركة العدل والمساواة" بقيادة د. جبريل إبراهيم، وبعض الأحزاب السياسية الصغيرة من التحالف، وساعة في تكوين ما يسمي "قوي الحرية والتغيير – الميثاق الوطني"، بانضمام شخصيات ومكونات كانت تابعة أو مشاركة في سلطة النظام الساقط. ومن قبلها انسلخ عن التحالف "الحزب الشيوعي السوداني"، وبعد انشقاق تجمع المهنين السودانيين الي فصيلين، بقي احدهم عضوا في التحالف.
وتسببت هذه الانشقاقات في أضعاف الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية، ومهدت بذلك للانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 على السلطة التنفيذية والسيادية، وتقويض دستور الفترة الانتقالية. ورغم حل الحكومة الانتقالية، وتعطيل العمل بالدستور، وأبعاد الممثلين المدنيين لقوي الحرية والتغيير من السلطة التنفيذية والسيادية، وإعلان حالة الطوارئ، ومنح صلاحيات واسعة لجهاز المخابرات لتعقب واعتقال الناشطين السياسيين، لاتزال اغلب مكونات "الجبهة الثورية السودانية" مشاركة في السلطة الانقلابية علي كل مستويات الحكم الاتحادي والاقليمي.
رغم الظروف التي أحاطت بنشؤ وتطور قوي الحرية والتغيير، ، يتحمل الشق المدني في التحالف مسؤولية فشل التحالف في استدامة عملية الانتقال السياسي الديموقراطي، وذلك لعدم الانتباه الى الخلل الهيكلي السياسي للتحالف وعدم التعامل معه، لاحقًا! وذلك رغم الوضوح الكامل لصفات الضعف الهيكلي السياسي المتمثلة في: المواقف المتأرجحة للقادة، والمبادرات الفردية، والاهداف المتناقضة مع بعضها، وكثرة المتحدثين باسم التحالف، والممارسات والتصريحات الغير مرتبة وغير منسقة، ووضوح النوايا المتخاصمة مع بعضها، والخطاب العدائي والتخوين المتبادل، وفقدان الثقة بين المكونات منذ البداية، والانشقاقات داخل التحالفات والتكتلات وداخل الوحدات، وهيمنة القادة وانفرادها في أتخاذ القرارات، وغياب الديموقراطية والهياكل التنظيمية والشفافية والانضباط في الوحدات المنضوية تحتها... الخ.
خلاصة
لطبيعة هذا النوع من التحالفات، وما يسكنه من ضعف هيكلي سياسي، لا تتوفر فيه الصفات والشروط اللازمة، لإدارة دولة في فترة انتقالية بهدف نقلها الي نظام سياسي ديموقراطي تعددي، بعد سقوط نظام سياسي دكتاتوري شمولي مبني علي ايدلوجية "التدين السياسي"، وعلي سياسة التمكين، والمخابراتية والعسكرية، دام لقرابة ثلاثة عقود. في ظل الظروف الموضوعية القائمة، واعتبارا من التجارب السابقة، يجب أن توجه قوي الحرية والتغيير، كأكبر تحالف سياسي لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي متواجد في الساحة، عملها السياسي في الفترة الانتقالية في:
1. دعم التوافق علي قيادة قوي الإنتاج، الفئة المدنية" الاكثر تأهيلا، لقيادة "عملية التوافق" علي: تكوين حكومة الطوارئ الانتقالية، وتحديد واجباتها، وتكوين السلطة التشريعية،
2. بناء "تحالف مدني ديموقراطي" يشمل كل القوي المدنية والسياسية العسكرية المؤمنة بالنظام المدني الديموقراطي التعددي لحكم البلاد،
3. تحقيق التوافق علي "كثلوج واجبات" ل"حكومة طوارئ انتقالية"، وعلي اطار دستوري لعملها، وفي خلق السند الشعبي والاقليمي والعالمي الأممي العريض
4. قيادة الحوار والتداول حول السبل والشروط الضرورية، لتأسيس نظام حكم ديموقراطي تعددي ونظام اقتصادي اجتماعي، بموجب دستور دائم، يرتكز علي المبادئ الإنسانية الكونية، المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة والمساوة!
5. تقوية قواعد الثورة الشعبية، والمتمثلة في لجان المقاومة، وفي نقابات ومنظمات قوي الإنتاج والمجتمع المدني من أجل بناء قاعدة شعبية عريضة مدافعة وداعمة للتحول السياسي الديموقراطي.
الظروف الموضوعية بعد اندلاع "حرب الخرطوم" في منتصف ابريل 2023
حرب الخرطوم دمرت قدراً كبيرا من القدرات والهياكل والقنوات التنظيمية لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي.
تحت هذا الوضع، ورغم ان الحرب القائمة بين الجيشين الرسميين، وتداعياتها، تهدد حياة الإنسان السوداني وبقاء دولته، لا يوجد في الداخل تفاعل سياسي لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي، يتناسب مع المتطلبات السياسية المدنية، التي يمكن أن تسهم في إيقاف هذه الحرب "العبثية"، وتؤدي الي استئناف مسيرة الانتقال السياسي الديموقراطي! بجانب الانشقاق السياسي والمجتمعي، والذي يعيشه السودان منذ استيلاء "الحركة الإسلامية" علي السلطة السياسية قبل أكثر من ثلاثين عاما، وهيمتها الي اليوم علي مفاصل الدولة، يرجع ضعف الفعل السياسي الشعبي ضد الحرب القائمة، الي تدميرها لقنوات التواصل، ونزوح وهجرة اعداد كبيرة من الفئات الاجتماعية والقيادات السياسية والاجتماعية المؤثرة، وأيضًا الى استمرار حالة عدم الثقة والتشاكس بين مكونات قوى الثورة وتشرذمها، وتخاصم نواياها وتوجهاتها واهدافها السياسية، والتي واكبت تحالف قوي الحرية والتغيير، وفترة الحكم المدني بعد سقوط النظام!
إرتباطاً بهذا الضعف لتوافق وتحالف قوى الثورة والتغيير الديموقراطي، وبالظروف الموضوعية المرتبطة بالحرب، والتي تختلف عن ما كانت عليه، عند اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، وجعلت التوافق والتحالف لقوي الثورة، عملية تلقائية: تكون هناك حاجة ملحه، الى "فكرة مشعلة"، تلبي متطلبات المرحلة، وتتجاوز الضعف الهيكلي السياسي لقوي الحرية والتغيير، بهدف الخروج من حالة الجمود و"غياب الفعل السياسي المشترك"، من أجل التصدي لحالة "الا دولة"، التي يعيشها الوطن منذ الانقلاب العسكري في ٢٥ أكتوبر 2021، وتفاقمها بسبب الحرب القائمة!
تكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية تحت الظروف الموضوعية القائمة
ظاهرة تعدد المبادرات السياسية الوطنية لإيقاف الحرب واستئناف عملية الانتقال السياسي الديموقراطي، يعتبر، وفي حد ذاتها ظاهرة إيجابية. حيث يشير ذلك من جهة، الى ارتفاع الاحساس بالمسؤولية الوطنية في هذا الظرف الذي يهدد بقاء الدولة، ومن جانب آخر، يشير الى التشرذم، الذي يواكب قوى الثورة والتغيير الديموقراطي، منذ حدوث "جريمة فض اعتصام القيادة العامة".
وبما أن قوي الثورة والتغيير الديموقراطي لا تملك الوسائل الشعبية السلمية اللزمة للضغط علي قادة الجيشين الرسميين لإيقاف الحرب، فقد تكون رؤية تكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية "طوق نجاة" يلتف حوله الشعب السوداني، وتعطي، أيضًا، الفاعلين الاقليمين والدوليين في إيقاف الحرب، أشاره، عن رفض الشعب السوداني لهذه الحرب، وعزلة القادة العسكريين وفقدهم لأي شرعية سياسية لحكم وتمثيل البلاد، وبذلك ورقة ضغط اضافية ضمن مجهوداتهم في إيقاف الحرب. ويتزايد بذلك الفعل والضغط الشعبي والاقليمي والعالمي الأممي علي قادة الحرب، للتفاعل بجدية مع المبادرات الاقليمية والدولية لإيقافها، والسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين من الحرب، ورجوع المشردين الي ديارهم.
كذلك، يمثل الفعل التنظيمي لعملية التوافق والتحالف حول رؤية تكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية، تجاوز لمرحلة "الدعوات والنداءات السياسية للتوافق والتوحد" من غير فكرة محددة، وبذلك اختصار "نصف الطريق والوقت" للخروج من الازمة القائمة! وفي نفس الوقت تعطي الرؤية "خطة طريق متكاملة"، تتفكر وتتحاور حولها، وتطورها، وتتفق عليها مكونات قوى الثورة والتغيير الديموقراطي، بكل مكوناتها!!
حيث يمكن وصف سيرورة عملية التوافق والتحالف حول رؤية تكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية، علي النحو التالي:
تتقدم احدي أو مجموعة من مكونات "قوي الإنتاج"، مثل "نقابة الصحافيين السودانيين"، "نقابة الاطباء السودانيين"، "نقابة المعلمين" ...الخ، برؤية واقعية وعملية متكاملة، تحتوي علي وصف لشكل وطبيعة الآليات السياسية والدستورية والإدارية لإنجاز واجبات الفترة الانتقالية، الي كل القوي المدنية المؤمنة بالنظام المدني الديموقراطي التعددي لحكم الدولة السودانية. في خلق هذه الرؤية يقوم قطاع، مناسب الحجم، من الكفاءات العلمية المتخصصة في مختلف المجالات، التي تخص علوم المجتمع والدولة وادارتها، بتوحيد ما قامت به مجموعات مختلفة وافراد من مساهمات في هذا الصدد.
عبر هذه العملية، يصبح ممكنا خلق وضع قوة يشابه، أو يحمل صفات الوضع، الذي كانت عليها قوي الثورة والتغيير الديموقراطي قبل جريمة فض الاعتصام: اكتساب القدرة علي الفعل والمبادرة السياسية!
لماذا ضرورة قيادة قوي الإنتاج لعملية التوافق والتحالف حول رؤية لإدارة الفترة الانتقالية؟
طبيعة هيكل الفاعلين المؤثرين في سيرورة ثورة ديسمبر المجيدة، لا يعطي الأحزاب السياسية والمجموعات السياسية العسكرية، سواء أن كانت منفردة أو منضوية تحت تحالف أو تكتل، أو داخل تحالف لتحالفات ولتكتلات، مثل تحالف قوي الحرية والتغيير، وذلك بغض النظر عن ضعفها الهيكلي السياسي، الشرعية الثورية الجماهيرية، وذلك، لتولي الادارة السياسية للفترة الانتقالية، أو لقيادة عملية الانتقال السياسي الديموقراطي لوحدها!
إرتباطا ً بهذا الفهم الواقعي السياسي لتحالف قوي الحرية والتغيير (وينطبق هذا الفهم ايضاً علي "تحالف قوي التغيير الجذري" وبقية مكونات قوي الثورة والتغيير الديموقراطي)، وبحالة "الا دولة"، التي يعيش فيه السودان، وتعدد الجيوش الساعية للقبض علي السلطة والهيمنة علي الثروة، وتقلص توافق وتحالف قوى الثورة والتغير الديموقراطي، تكون هناك حاجه ملحه الي "فكرة مشعلة"، تتفاعل مع تحديات الوضع القائم، وتتجاوز الضعف الهيكلي السياسي لقوي الحرية والتغيير، والاخطاء التي أدت الي عدم استدامة عملية الانتقال السياسي بعد سقوط النظام، وذلك، بهدف التوافق علي "فئة مدنية" متجذرة في المجتمع وفي الفعل الثوري من أجل تحقيق الانتقال السياسي الديموقراطي، لقيادة عملية التوافق والتحالف لتكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية مكونة من كفاءات علمية متخصصة ومستقلة سياسيا، لإدارة الفترة الانتقالية، بواجبات يحددها تحالف عريض لقوى الثورة والتغيير الديموقراطي! في ذلك، ومن خلفية مسيرة الثورات المتعاقبة في تاريخ الدولة السودانية، تنطبق صفة الفئة المدنية المتجذرة في المجتمع وفي الفعل الثوري علي قوي الإنتاج، المتمثلة في النقابات العمالية والمهنية.
إنّ التأهيل الاجتماعي والسياسي الثوري لقوي الإنتاج لقيادة عملية التوافق والتحالف علي تكوين حكومة طوارئ انتقالية، يرتكز علي حقيقة، أنها تمثل العمود الفقري للدولة الحديثة، وتضم بين صفوفها كل طبقات المجتمع السوداني، وتمثل القاعدة العضوية لكل منظمات المجتمع المدني، وممثلة للقطاعات الاقتصادية، التي تقوم بالدور الأساسي في التنمية الاقتصادية وفي السيرورة السياسية والاجتماعية للدولة السودانية الحديثة، وبذلك ذات الأثر الأكبر في الدولة والمجتمع، والفئة الأكثر تنظيماً في المجتمع، والتي قدمت التضحيات العظام في كافة الثورات، والتي انتظمت وتحالفت فيها ضد الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، وقادت فعاليات ومواكب ثورة ديسمبر المجيدة، الي أن سقطت الدكتاتورية الشمولية المتدثرة بثوب الدين، في 11 أبريل 2019.
واليوم، وفي ظل الحرب العبثية اللعينة والمستعرة في عاصمة البلاد، وفي غربها وجنوبها، تتحمل قوي الإنتاج من عمال ومهنيين ورجال أعمال العباء الأكبر للدمار الاقتصادي ولتدمير لوسائل الإنتاج والبنية التحتية. حيث ألقى توقف دفع الرواتب في القطاع العام والخاص، وتوقف العمل في المصانع وفي الخدمات وفي "سوق اليومية" بظلال سالبة على قطاعات عريضة من الشعب، وزاد من ارتفاع مستوي الفقر، وادخل فئات عريضة الي دائرته، بعد أن أصبحوا عاطلين عن العمل أو توقفت اعمالهم الحرفية والصناعي والتجارية، الأمر الذي أفرز سلبيات مجتمعية خطيرة في المجتمع.
من كل ما سبق ذكره اعلاه، ومن أجل قيام تحالف عريض مستدام لإيقاف الحرب التي تدور رحاها في جسد الأمة السودانية، ولاستئناف عملية الانتقال السياسي، والتأسيس للتحول المدني الديموقراطي لحكم البلاد، وتقوية قواعد الثورة المتمثلة في لجان المقاومة، وفي نقابات ومنظمات قوي الإنتاج والمجتمع المدني من أجل بناء قاعدة شعبية عريضة مدافعة وداعمة للتحول السياسي الديموقراطي، تحتم الظروف الموضوعية، والعقلانية السياسية، دعم قوي الإنتاج بقيادة النقابات العمالية والمهنية من قبل مكونات قوي الحرية والتغيير، وقوي التغيير الجذري، والحركات السياسية العسكرية، ومنظمات المجتمع المدني، ومنظمات رجال الاعمال لقيادة عملية تحقيق توافق وتحالف عريض، بهدف تكوين "حكومة طوارئ انتقالية"، تقودها شخصيات غير منتمية للأحزاب أو الحركات المسلحة السياسية، ومن ذوي الكفاءات العلمية التخصصية.
عامل المبادرات الاقليمية والدولية لإيقاف الحرب
المجهودات الإقليمية والدولية والأممية الجارية، تنحصر، لطبيعة الاجنبية، في الغالب علي إيقاف الحرب عبر الضغط السياسي والاقتصادي على قادة الجيشين المتحاربين. إرتباطاً بمبدأ "السيادة" للشعوب والدول في وثيقة الامم المتحدة، لا يمكن او يتوقع، آن يكون هناك توجه او عمل من إي جهة اجنبية مشاركة في هذه المجهودات، لتقديم اقتراح، أو الضغط علي القوي المدنية، لإعلان "حكومة طوارئ انتقالية". العمل السياسي الداخلي شئناً، ودورًا يقوم به السودانيون بأنفسهم، ومن غير وصاية خارجية!
shamis.khayal@gmail.com
• تحت انخراط قطاعات عريضة من الشعب السوداني في الحراك الجماهيري، وتصاعد الزخم الثوري، نشأ وتطور التوافق والتحالف العريض لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي في "إعلان قوى الحرية والتغيير" بشكل متسارع وتلقائي.
• لطبيعة تنظيم "قوى الحرية والتغيير"، المنبثق من "إعلان قوى الحرية والتغيير"، كتحالف لتحالفات ولتكتلات حزبية ومجموعات سياسية عسكرية ومجموعات مجتمع مدنية، حمل من يوم ولاداته، ضعف "هيكلي سياسي"، جعله غير مؤهل لتولي إدارة السلطة السياسية للفترة الانتقالية!
• تحت الظروف الموضوعية القائمة، وفشل التحالف في استدامة عملية الانتقال السياسي، تصبح إعادة هذه "التجربة" بذات الفاعلين والنتائج، غير وارد!
• نجاح الانتقال السياسي الديموقراطي يرتكز علي خمسة محاور أساسية:
1) سلطة تنفيذية وتشريعية مدنية وقضائية مستقلة،
2) "حكومة طوارئ انتقالية"، بواجبات يحددها تحالف عريض لقوى الثورة والتغيير الديموقراطي، ومكونة من كفاءات علمية متخصصة، ومن غير مشاركة منتمين للأحزاب والحركات السياسية العسكرية،
3) "قوي الإنتاج" المتمثلة في النقابات العمالية والمهنية -مع ورود اشراك اتحادات رجال الاعمال، ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان وعن حقوق المرأة-، هي "الفئة المدنية" الاكثر تأهيلا لقيادة "عملية التوافق" علي: تكوين حكومة الطوارئ الانتقالية، وتحديد واجباتها، وتكوين السلطة التشريعية،
4) تواجد فعل سياسي اجتماعي منظم بهدف تقوية المؤسسات المدنية الديموقراطية،
5) التوافق علي "رؤية لجوهر دستور يرتكز علي المبادئ الإنسانية الكونية بهدف تأسيس نظام سياسي مدني ديموقراطي تعددي، ونظام اقتصادي اجتماعي"، عبر حوار وتداول حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي أدت الي حالة "إلا دولة" والتي نعيشها، وبناء دولة العدالة والمساوة والحرية السياسية والشخصية!
نشؤ وتطور "إعلان قوى الحرية والتغيير" تحت الظروف الموضوعية في 2018-2019
توافق وتحالف قوى الثورة والتغيير الديموقراطي في "إعلان قوى الحرية والتغيير"، جاء وليد للزخم الثوري في ديسمبر 2018، بهدف "إسقاط نظام حزب المؤتمر الوطني". حيث احتشدت القوي المدنية المتمثلة في "قوى الإنتاج" المنظمة في النقابات العمالية والمهنية، وفي الأحزاب السياسية، وفي منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان -خصوصا حقوق المرأة-، والشارع السياسي -بقيادة لجان المقاومة في الاحياء- تحت قيادة "تجمع المهنين السودانيين"، حول هدف وشعار الثورة الاول: "تسقط بس"، وتطوره الى شعار: "يا عنصري ومقرور كل البلد دارفور"، "حرية سلام وعدالة"، "الثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب". وتحت انخراط قطاعات عريضة من الشعب السوداني في الحراك الجماهيري، وتصاعد الزخم الثوري، تطور التوافق والتحالف العريض لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي بشكل متسارع وتلقائي.
وجاء هذا التسارع وهذه التلقائية ارتباطاً بالظروف الموضوعية، التي خلقتها طبيعة السلطة الدكتاتورية الشمولية "الفاشية" المرتبطة بفكر "التدين السياسي"، و"التمكين السياسي"، وما تم ارتكابه من فظائع وجرائم ضد الإنسانية وتدمير للدولة ومؤسساتها، خلال ما يقارب الثلاثين عاماً، والتي تقلصت فيها الدولة السودانية الى ثلثيها. بجانب ذلك، ومما لا شك فيه، مهدت لهذا التوافق والتحالف العريض، ايضا، التحالفات السياسية بين مكونات المعارضة السياسية الحزبية وحركات المعارضة المسلحة، بجانب الانتفاضات الشعبية المتعددة، التي جرت طيلة فترة حكم النظام الساقط.
وبعد سقوط النظام، وتحت شعار "تسقط تاني"، إجبر القائد العام للجيش، الجنرال عبدالرحمن أبن عوف، على التنحي، وحينها، استطاعت قوى الثورة والتغيير الديموقراطي ان تغيير من موازين القوة لصالحها، وذلك بفعل الزخم الثوري المتمثل في "حيوية الشارع"، وبتصدر لجان المقاومة لفعاليته، تجمع المهنين لقيادته. بسقوط النظام، والفعل الثوري المستمر استطاعت القوى المدنية انتزاع حريات كبيرة للحركة والتنظيم وللعمل السياسي، والنقابي الجماهيري، وللعمل الإعلامي، والتواصل مع العالم الخارجي من أجل الدعم والتضامن السياسي مع تطلعات الشعب السوداني نحو التحول السياسي الديموقراطي التعددي.
العمل المعارض والثوري الدؤوب والقيادة الفعالة للثورة، والشروط السياسية الداخلية والخارجية، سهلت التداول والنقاش داخل وبين قوي الثورة والتغيير الديموقراطي، وبذلك قيام أعرض تحالف سياسي في تاريخ الدولة السودانية. ولم يكن هذا الانجاز التاريخي ممكنا، من غير سقوط النظام، والذي لعبت فيه فئتين دورا اساسياً: "تجمع المهنين السودانيين"، و"لجان المقاومة" في الاحياء!
الضعف الهيكلي السياسي لإعلان قوي الحرية والتغيير
هناك أسباب كثيرة -ويختلف الرأي فيها-، لفشل هذا التوافق والتحالف السياسي الكبير والاعرض في تاريخ السودان، في الحفاظ على استدامة عملية الانتقال السياسي المدني الديموقراطي، وآلتي بدأت في أغسطس 2019، وانتهت بالانقلاب العسكري، في 25 أكتوبر 2021، إي بعد 39 شهرًا. لكن، ومن المتفق عليه، أن السبب الأساسي في ذلك، يرجع الي عدم استطاعت المكون المدني تحت قيادة قوي الحرية والتغيير، في هذه الفترة، في تغيير موازين القوى داخل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والاقتصادية والعدلية لصالح قوى الثورة والتغيير الديموقراطي. حيث ظلت مؤسسات وهياكل دولة التمكين باقية، والمواقع المفتاحية في مؤسسات الدولة تحت تحكم رعيل التمكين السياسي والاقتصادي للنظام الساقط، أي ما يعبر عنه ب"الدولة العميقة". ويرجع عدم استطاعت القوى المدنية من تغير موازين القوة لصالحها لعدة أسباب، منها الذاتية من جانب، والموضوعية من جانبا آخر. وبما أن الساحة الاعلامية السياسية تعج بالتداولات والتحليلات للأسباب الموضوعية، سوف يركز هذا التناول في ما يخص طبيعة التحالف، أي في السبب الذاتي، المتمثل في "الضعف الهيكلي السياسي"، الذي يصاحب تنظيم قوي الحرية والتغيير، كتحالف لتحالفات ولتكتلات سياسية مدنية، وسياسية عسكرية، واجتماعية مدنية مختلفة.
إعلان قوى الحرية والتغيير قام علي تحالف سياسي لتحالفات ولتكتلات سياسية حزبية وعسكرية مختلفة، بجانب تكتل منظمات "قوي الإنتاج" المتمثلة في النقابات العمالية والمهنية، وتكتل منظمات المجتمع المدني العاملة في الدفاع عن حقوق الانسان وحقوق المرأة. وقد وضح في وقت وجيز، آن التحالفات والتكتلات السياسية الحزبية والعسكرية المختلفة، لها توجهات، ونوايا، واهداف، ومبادئ سياسية مختلفة ومتناقضة. هذه الصفات المختلفة والمتناقضة مثلت أيضًا طبيعة ملازمة للمكونات السياسية والعسكرية داخل كل تحالف وتكتل سياسي حزبي، وعسكري ولمنظمات مجتمع مدني. وكذلك لم تخلو الأحزاب السياسية والحركات السياسية العسكرية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني من الاختلاف في المبادئ والتوجهات، والاهداف السياسية، ومن الضعف التنظيمي، وعدم الممارسة الديموقراطية، ولانضباط التنظيمي والشفافية من قبل قاداتها.
تبعًا لطبيعة الاختلاف والتناقض في التوجهات والاهداف والمبادئ والنوايا السياسية للتحالفات وللكتل السياسية والعسكرية، وفي داخل المكونات المتواجدة في هذه التحالفات والكتل، وكذلك داخل الأحزاب والمجموعات، نفسها، حملت قوى الحرية والتغيير، من يوم ولاداتها، ضعف هيكلي سياسي!
وذلك، لأن طبيعة تحالف مثل قوي الحرية والتغيير يكون دائما عرضه لنقل الصراعات اليه من مكوناته، والناتجة عن الاختلافات والتناقضات، داخل التحالفات والكتل ومكوناتها. وظهر ذلك جليا عند محاولة بعض التحالفات والكتل والمجموعات المختلفة لحل "مشاكلها" الداخلية، الناتجة عن التناقضات والصراعات السياسية المرتبطة بالطموحات الذاتية في الحصول على مناصب حكومية، علي حساب التوافق داخل قوي الحرية والتغيير. مثالا لذلك: رفضت بعض الحركات السياسية العسكرية الخضوع الي المعاير المتفق عليها بخصوص اختيار رئيس الوزراء لأعضاء الحكومة من عدة ترشيحات مقدمة من مكونات قوي الحرية والتغيير، واصرت علي قبول ترشيحاتها لفردا واحدا، أي من غير أن يكون هناك خيار بين مرشحين. وتم تعليل هذا السلوك بمخرجات "اتفاقية سلام جوبا"، والتي أقرت بأشراك قادة الحركات المسلحة في الإدارة السياسية للفترة الانتقالية، والتي ضمنت في دستور الفترة الانتقالية. بموجب ذلك التغيير في الدستوري، تخلي التحالف عن مبدأ "حكومة تكنوقراط " لإدارة الفترة الانتقالية، وانتهج سياسة "المحصصات" لاقتسام السلطة التنفيذية والمناصب الادارية في المركز والولايات.
واوضحت سياسة المحصصات لاقتسام السلطة بين الأحزاب، والحركات السياسية العسكرية الضعف الهيكلي السياسي المتمثل في هشاشة التوافق والتحالف في قوى الحرية والتغيير، وذلك عندما انطلق الصراع حول الحقائب الوزارية، خصوصا الوزارات المفتاحية في الدولة، والمرتبطة بسياسية الدولة المالية والاقتصادية والاجتماعية والخارجية. حيث أدا التحول الجزري في مبادئ التحالف الأساسية -والذي جعل منها أداة لتقاسم السلطة، الي تقلص التوافق داخل قوي الحرية والتغيير، وفقدانها لقيمتها عند المكونات، التي انسلخت لاحقا عنه.
ومن خلفية اختلافات وتناقضات النوايا والمبادئ والاهداف السياسية للمكونات المدنية والعسكرية، رأت قيادات في بعض الحركات المسلحة قربها من المكون العسكري يضمن لها الحفاظ على المكاسب الوزارية والسيادية والوظيفية، التي تحصل عليها قادتها ومحتسبيها، ولتحقيق بقية الاستحقاقات السياسية والمالية، التي تضمنتها اتفاق سلام جوبا! هذا التوجه التحالفي السياسي للحركات المسلحة، والذي جاء ايضاً من خلفية تولي المكون العسكري، بقيادة قائد "قوات الدعم السريع" لملف السلام وقيادة عملية تحقيق سلام جوبا، لعب دورا اساسياً في تغير ميزان القوي لصالح القوي المعادية للتغيير السياسي المدني ديموقراطي.
مجملا، يمكن القول، ان نهج سياسة المحصصات، سارع في خروج مكونات سياسية مدنية وعسكرية، كان التحالف بالنسبة لها تحالف "غرضي" من اجل تحقيق أهداف ذاتيه! وقبل تنفيذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 انتهت الخصومة السياسية بين "حلفاء الأمس" في تحالف قوى الحرية والتغيير بانشقاقها. حيث خرجت "حركة تحرير السودان" بقيادة مناوي، "حركة العدل والمساواة" بقيادة د. جبريل إبراهيم، وبعض الأحزاب السياسية الصغيرة من التحالف، وساعة في تكوين ما يسمي "قوي الحرية والتغيير – الميثاق الوطني"، بانضمام شخصيات ومكونات كانت تابعة أو مشاركة في سلطة النظام الساقط. ومن قبلها انسلخ عن التحالف "الحزب الشيوعي السوداني"، وبعد انشقاق تجمع المهنين السودانيين الي فصيلين، بقي احدهم عضوا في التحالف.
وتسببت هذه الانشقاقات في أضعاف الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية، ومهدت بذلك للانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 على السلطة التنفيذية والسيادية، وتقويض دستور الفترة الانتقالية. ورغم حل الحكومة الانتقالية، وتعطيل العمل بالدستور، وأبعاد الممثلين المدنيين لقوي الحرية والتغيير من السلطة التنفيذية والسيادية، وإعلان حالة الطوارئ، ومنح صلاحيات واسعة لجهاز المخابرات لتعقب واعتقال الناشطين السياسيين، لاتزال اغلب مكونات "الجبهة الثورية السودانية" مشاركة في السلطة الانقلابية علي كل مستويات الحكم الاتحادي والاقليمي.
رغم الظروف التي أحاطت بنشؤ وتطور قوي الحرية والتغيير، ، يتحمل الشق المدني في التحالف مسؤولية فشل التحالف في استدامة عملية الانتقال السياسي الديموقراطي، وذلك لعدم الانتباه الى الخلل الهيكلي السياسي للتحالف وعدم التعامل معه، لاحقًا! وذلك رغم الوضوح الكامل لصفات الضعف الهيكلي السياسي المتمثلة في: المواقف المتأرجحة للقادة، والمبادرات الفردية، والاهداف المتناقضة مع بعضها، وكثرة المتحدثين باسم التحالف، والممارسات والتصريحات الغير مرتبة وغير منسقة، ووضوح النوايا المتخاصمة مع بعضها، والخطاب العدائي والتخوين المتبادل، وفقدان الثقة بين المكونات منذ البداية، والانشقاقات داخل التحالفات والتكتلات وداخل الوحدات، وهيمنة القادة وانفرادها في أتخاذ القرارات، وغياب الديموقراطية والهياكل التنظيمية والشفافية والانضباط في الوحدات المنضوية تحتها... الخ.
خلاصة
لطبيعة هذا النوع من التحالفات، وما يسكنه من ضعف هيكلي سياسي، لا تتوفر فيه الصفات والشروط اللازمة، لإدارة دولة في فترة انتقالية بهدف نقلها الي نظام سياسي ديموقراطي تعددي، بعد سقوط نظام سياسي دكتاتوري شمولي مبني علي ايدلوجية "التدين السياسي"، وعلي سياسة التمكين، والمخابراتية والعسكرية، دام لقرابة ثلاثة عقود. في ظل الظروف الموضوعية القائمة، واعتبارا من التجارب السابقة، يجب أن توجه قوي الحرية والتغيير، كأكبر تحالف سياسي لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي متواجد في الساحة، عملها السياسي في الفترة الانتقالية في:
1. دعم التوافق علي قيادة قوي الإنتاج، الفئة المدنية" الاكثر تأهيلا، لقيادة "عملية التوافق" علي: تكوين حكومة الطوارئ الانتقالية، وتحديد واجباتها، وتكوين السلطة التشريعية،
2. بناء "تحالف مدني ديموقراطي" يشمل كل القوي المدنية والسياسية العسكرية المؤمنة بالنظام المدني الديموقراطي التعددي لحكم البلاد،
3. تحقيق التوافق علي "كثلوج واجبات" ل"حكومة طوارئ انتقالية"، وعلي اطار دستوري لعملها، وفي خلق السند الشعبي والاقليمي والعالمي الأممي العريض
4. قيادة الحوار والتداول حول السبل والشروط الضرورية، لتأسيس نظام حكم ديموقراطي تعددي ونظام اقتصادي اجتماعي، بموجب دستور دائم، يرتكز علي المبادئ الإنسانية الكونية، المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة والمساوة!
5. تقوية قواعد الثورة الشعبية، والمتمثلة في لجان المقاومة، وفي نقابات ومنظمات قوي الإنتاج والمجتمع المدني من أجل بناء قاعدة شعبية عريضة مدافعة وداعمة للتحول السياسي الديموقراطي.
الظروف الموضوعية بعد اندلاع "حرب الخرطوم" في منتصف ابريل 2023
حرب الخرطوم دمرت قدراً كبيرا من القدرات والهياكل والقنوات التنظيمية لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي.
تحت هذا الوضع، ورغم ان الحرب القائمة بين الجيشين الرسميين، وتداعياتها، تهدد حياة الإنسان السوداني وبقاء دولته، لا يوجد في الداخل تفاعل سياسي لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي، يتناسب مع المتطلبات السياسية المدنية، التي يمكن أن تسهم في إيقاف هذه الحرب "العبثية"، وتؤدي الي استئناف مسيرة الانتقال السياسي الديموقراطي! بجانب الانشقاق السياسي والمجتمعي، والذي يعيشه السودان منذ استيلاء "الحركة الإسلامية" علي السلطة السياسية قبل أكثر من ثلاثين عاما، وهيمتها الي اليوم علي مفاصل الدولة، يرجع ضعف الفعل السياسي الشعبي ضد الحرب القائمة، الي تدميرها لقنوات التواصل، ونزوح وهجرة اعداد كبيرة من الفئات الاجتماعية والقيادات السياسية والاجتماعية المؤثرة، وأيضًا الى استمرار حالة عدم الثقة والتشاكس بين مكونات قوى الثورة وتشرذمها، وتخاصم نواياها وتوجهاتها واهدافها السياسية، والتي واكبت تحالف قوي الحرية والتغيير، وفترة الحكم المدني بعد سقوط النظام!
إرتباطاً بهذا الضعف لتوافق وتحالف قوى الثورة والتغيير الديموقراطي، وبالظروف الموضوعية المرتبطة بالحرب، والتي تختلف عن ما كانت عليه، عند اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، وجعلت التوافق والتحالف لقوي الثورة، عملية تلقائية: تكون هناك حاجة ملحه، الى "فكرة مشعلة"، تلبي متطلبات المرحلة، وتتجاوز الضعف الهيكلي السياسي لقوي الحرية والتغيير، بهدف الخروج من حالة الجمود و"غياب الفعل السياسي المشترك"، من أجل التصدي لحالة "الا دولة"، التي يعيشها الوطن منذ الانقلاب العسكري في ٢٥ أكتوبر 2021، وتفاقمها بسبب الحرب القائمة!
تكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية تحت الظروف الموضوعية القائمة
ظاهرة تعدد المبادرات السياسية الوطنية لإيقاف الحرب واستئناف عملية الانتقال السياسي الديموقراطي، يعتبر، وفي حد ذاتها ظاهرة إيجابية. حيث يشير ذلك من جهة، الى ارتفاع الاحساس بالمسؤولية الوطنية في هذا الظرف الذي يهدد بقاء الدولة، ومن جانب آخر، يشير الى التشرذم، الذي يواكب قوى الثورة والتغيير الديموقراطي، منذ حدوث "جريمة فض اعتصام القيادة العامة".
وبما أن قوي الثورة والتغيير الديموقراطي لا تملك الوسائل الشعبية السلمية اللزمة للضغط علي قادة الجيشين الرسميين لإيقاف الحرب، فقد تكون رؤية تكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية "طوق نجاة" يلتف حوله الشعب السوداني، وتعطي، أيضًا، الفاعلين الاقليمين والدوليين في إيقاف الحرب، أشاره، عن رفض الشعب السوداني لهذه الحرب، وعزلة القادة العسكريين وفقدهم لأي شرعية سياسية لحكم وتمثيل البلاد، وبذلك ورقة ضغط اضافية ضمن مجهوداتهم في إيقاف الحرب. ويتزايد بذلك الفعل والضغط الشعبي والاقليمي والعالمي الأممي علي قادة الحرب، للتفاعل بجدية مع المبادرات الاقليمية والدولية لإيقافها، والسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين من الحرب، ورجوع المشردين الي ديارهم.
كذلك، يمثل الفعل التنظيمي لعملية التوافق والتحالف حول رؤية تكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية، تجاوز لمرحلة "الدعوات والنداءات السياسية للتوافق والتوحد" من غير فكرة محددة، وبذلك اختصار "نصف الطريق والوقت" للخروج من الازمة القائمة! وفي نفس الوقت تعطي الرؤية "خطة طريق متكاملة"، تتفكر وتتحاور حولها، وتطورها، وتتفق عليها مكونات قوى الثورة والتغيير الديموقراطي، بكل مكوناتها!!
حيث يمكن وصف سيرورة عملية التوافق والتحالف حول رؤية تكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية، علي النحو التالي:
تتقدم احدي أو مجموعة من مكونات "قوي الإنتاج"، مثل "نقابة الصحافيين السودانيين"، "نقابة الاطباء السودانيين"، "نقابة المعلمين" ...الخ، برؤية واقعية وعملية متكاملة، تحتوي علي وصف لشكل وطبيعة الآليات السياسية والدستورية والإدارية لإنجاز واجبات الفترة الانتقالية، الي كل القوي المدنية المؤمنة بالنظام المدني الديموقراطي التعددي لحكم الدولة السودانية. في خلق هذه الرؤية يقوم قطاع، مناسب الحجم، من الكفاءات العلمية المتخصصة في مختلف المجالات، التي تخص علوم المجتمع والدولة وادارتها، بتوحيد ما قامت به مجموعات مختلفة وافراد من مساهمات في هذا الصدد.
عبر هذه العملية، يصبح ممكنا خلق وضع قوة يشابه، أو يحمل صفات الوضع، الذي كانت عليها قوي الثورة والتغيير الديموقراطي قبل جريمة فض الاعتصام: اكتساب القدرة علي الفعل والمبادرة السياسية!
لماذا ضرورة قيادة قوي الإنتاج لعملية التوافق والتحالف حول رؤية لإدارة الفترة الانتقالية؟
طبيعة هيكل الفاعلين المؤثرين في سيرورة ثورة ديسمبر المجيدة، لا يعطي الأحزاب السياسية والمجموعات السياسية العسكرية، سواء أن كانت منفردة أو منضوية تحت تحالف أو تكتل، أو داخل تحالف لتحالفات ولتكتلات، مثل تحالف قوي الحرية والتغيير، وذلك بغض النظر عن ضعفها الهيكلي السياسي، الشرعية الثورية الجماهيرية، وذلك، لتولي الادارة السياسية للفترة الانتقالية، أو لقيادة عملية الانتقال السياسي الديموقراطي لوحدها!
إرتباطا ً بهذا الفهم الواقعي السياسي لتحالف قوي الحرية والتغيير (وينطبق هذا الفهم ايضاً علي "تحالف قوي التغيير الجذري" وبقية مكونات قوي الثورة والتغيير الديموقراطي)، وبحالة "الا دولة"، التي يعيش فيه السودان، وتعدد الجيوش الساعية للقبض علي السلطة والهيمنة علي الثروة، وتقلص توافق وتحالف قوى الثورة والتغير الديموقراطي، تكون هناك حاجه ملحه الي "فكرة مشعلة"، تتفاعل مع تحديات الوضع القائم، وتتجاوز الضعف الهيكلي السياسي لقوي الحرية والتغيير، والاخطاء التي أدت الي عدم استدامة عملية الانتقال السياسي بعد سقوط النظام، وذلك، بهدف التوافق علي "فئة مدنية" متجذرة في المجتمع وفي الفعل الثوري من أجل تحقيق الانتقال السياسي الديموقراطي، لقيادة عملية التوافق والتحالف لتكوين واعلان حكومة طوارئ انتقالية مكونة من كفاءات علمية متخصصة ومستقلة سياسيا، لإدارة الفترة الانتقالية، بواجبات يحددها تحالف عريض لقوى الثورة والتغيير الديموقراطي! في ذلك، ومن خلفية مسيرة الثورات المتعاقبة في تاريخ الدولة السودانية، تنطبق صفة الفئة المدنية المتجذرة في المجتمع وفي الفعل الثوري علي قوي الإنتاج، المتمثلة في النقابات العمالية والمهنية.
إنّ التأهيل الاجتماعي والسياسي الثوري لقوي الإنتاج لقيادة عملية التوافق والتحالف علي تكوين حكومة طوارئ انتقالية، يرتكز علي حقيقة، أنها تمثل العمود الفقري للدولة الحديثة، وتضم بين صفوفها كل طبقات المجتمع السوداني، وتمثل القاعدة العضوية لكل منظمات المجتمع المدني، وممثلة للقطاعات الاقتصادية، التي تقوم بالدور الأساسي في التنمية الاقتصادية وفي السيرورة السياسية والاجتماعية للدولة السودانية الحديثة، وبذلك ذات الأثر الأكبر في الدولة والمجتمع، والفئة الأكثر تنظيماً في المجتمع، والتي قدمت التضحيات العظام في كافة الثورات، والتي انتظمت وتحالفت فيها ضد الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، وقادت فعاليات ومواكب ثورة ديسمبر المجيدة، الي أن سقطت الدكتاتورية الشمولية المتدثرة بثوب الدين، في 11 أبريل 2019.
واليوم، وفي ظل الحرب العبثية اللعينة والمستعرة في عاصمة البلاد، وفي غربها وجنوبها، تتحمل قوي الإنتاج من عمال ومهنيين ورجال أعمال العباء الأكبر للدمار الاقتصادي ولتدمير لوسائل الإنتاج والبنية التحتية. حيث ألقى توقف دفع الرواتب في القطاع العام والخاص، وتوقف العمل في المصانع وفي الخدمات وفي "سوق اليومية" بظلال سالبة على قطاعات عريضة من الشعب، وزاد من ارتفاع مستوي الفقر، وادخل فئات عريضة الي دائرته، بعد أن أصبحوا عاطلين عن العمل أو توقفت اعمالهم الحرفية والصناعي والتجارية، الأمر الذي أفرز سلبيات مجتمعية خطيرة في المجتمع.
من كل ما سبق ذكره اعلاه، ومن أجل قيام تحالف عريض مستدام لإيقاف الحرب التي تدور رحاها في جسد الأمة السودانية، ولاستئناف عملية الانتقال السياسي، والتأسيس للتحول المدني الديموقراطي لحكم البلاد، وتقوية قواعد الثورة المتمثلة في لجان المقاومة، وفي نقابات ومنظمات قوي الإنتاج والمجتمع المدني من أجل بناء قاعدة شعبية عريضة مدافعة وداعمة للتحول السياسي الديموقراطي، تحتم الظروف الموضوعية، والعقلانية السياسية، دعم قوي الإنتاج بقيادة النقابات العمالية والمهنية من قبل مكونات قوي الحرية والتغيير، وقوي التغيير الجذري، والحركات السياسية العسكرية، ومنظمات المجتمع المدني، ومنظمات رجال الاعمال لقيادة عملية تحقيق توافق وتحالف عريض، بهدف تكوين "حكومة طوارئ انتقالية"، تقودها شخصيات غير منتمية للأحزاب أو الحركات المسلحة السياسية، ومن ذوي الكفاءات العلمية التخصصية.
عامل المبادرات الاقليمية والدولية لإيقاف الحرب
المجهودات الإقليمية والدولية والأممية الجارية، تنحصر، لطبيعة الاجنبية، في الغالب علي إيقاف الحرب عبر الضغط السياسي والاقتصادي على قادة الجيشين المتحاربين. إرتباطاً بمبدأ "السيادة" للشعوب والدول في وثيقة الامم المتحدة، لا يمكن او يتوقع، آن يكون هناك توجه او عمل من إي جهة اجنبية مشاركة في هذه المجهودات، لتقديم اقتراح، أو الضغط علي القوي المدنية، لإعلان "حكومة طوارئ انتقالية". العمل السياسي الداخلي شئناً، ودورًا يقوم به السودانيون بأنفسهم، ومن غير وصاية خارجية!
shamis.khayal@gmail.com