نقوش على جِدار الحرب السودانية ٢: متى تنتهي الحرب؟
د. مقبول التجاني
29 April, 2024
29 April, 2024
د. مقبول التجاني
سأقول في التحقيق :
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل، وأقول في التحقيق :
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول .. وأقول : أن حكاية الإشعاع ، أسخف نكتةٍ قيلت .. فنحن قبيلةٌ بين القبائل، هذا هو التاريخ . . يا بلقيس .. كيف يفرق الإنسان .. ما بين الحدائق والمزابل، بلقيس .. أيتها الشهيدة .. والقصيدة .. والمطهرة النقية .. سبـأٌ تفتش عن مليكتها، فردي للجماهير التحية ..
إذا كانت بيروت، و الحرب الأهلية اللبنانية، التي إندلعت ما بين عامي ١٩٧٥ و ١٩٩٠ م، قد قتلت بِلقِيس واحدة، على وصف الشاعر السوري نِزار قباني، فقد قتلت نظيرتها الخُرطوم، و الحرب الأهلية السودانية، أكثر مِن ألف بلقيس، و شردتها، و إغتصبتها، و أهانت كرامتها، و مرغت أنفها أكثر مِن مرة فِي التُّراب.
و للمُصادفة، فقد إندلعت الحرب اللبنانية، يوم ١٣ أبريل، و أسفرت عن مقتل، ما يُقدر بأكثر مِن ١٢٠ ألف شخص، و هجَّرت و شردت الآلاف، و لا ذالت تداعياتها السياسية السلبية، مُستمرة إلى الآن.
إن مُحاولة الإجابة على سؤال: متى تنتهي الحرب؟ يُعتبر أهم سؤال للمواطن العادي البسيط، لأنه يتطابق تماماً مع سؤال: متى ينتهي البؤس و الشقاء، و متى تنتهي المعاناة؟ بينما يُعتبر سؤال: كيف تنتهي الحرب؟ مِن الأسئلة الثانوية لديه، و معنية بِه فقط، تِلك النُخب السياسية الفوقية، لأنه يرتبط بحسابات الربح و الخسارة.
إلا أنه بالنسبة للمراقب الحصيف، و الباحث المُستقل، فإنه يصعب الإجابة على سؤال متى تنتهي الحرب، الأساسي، و الجوهري المُهم، بدون الغوص في سيناريوهات الإنتهاء، إبتداءً، و مُحاولة إيجاد أجوبة تخيلية، لسؤال الكيف، الثانوي، إنتهاءً.
الساحة السياسية السودانية، الآن، مُصابة بِقصر النظر التحليلي، و بالعمى السياسي، و الذى يجوز لي تسميته هُنا بِ"عمى الصراع"، و هو ناتج عن حالة الصدمة النفسية، و الهِزة الوجدانية العميقة، و إرتباطاتهما بالمشاكل الذهنية العميقة، الموجودة أصلاً في بنية العقل السودانية، المأزومة.
كما أن النُخب السياسية السودانية، مُصابة أيضاَ بحالات مِن "الصمم الإبداعي"، و "البُكم الأخلاقي"، و أصبح الغالبية، لا يبصرون.
الحرب اليمينة قاربت على العشرة أعوام، و كذلك الحرب
الليبية دخلت عامها العاشر، و أوشكت كذلك الحرب السورية على دخول العام الثالث عشر، و العراق لم يستقِر له، على حال، و دولة، مُنذ الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٢ م، فما الذي يجعل الحرب السودانية إستثناءً مُفارِقاً؟ و يجعلها تنتهي في عام أو عامين فقط؟ إذا أبعدنا التحليلات الرغائبية، و الغرائز الفطرية!
تتشابه التقاطعات الإقليمية، و الدولية، في كل تِلك الحالات السابقة، مع الحالة السودانية المُستعصية، إلا أن الوضع الجيوسياسي الخارجي للسودان، يُعتبر أقل تعقيداً من أوضاعها مُجتمعة، و لكن يتفوق السودان عليها جميعاً بتعقيداته السياسية الداخلية، و أزماته البنيوية المُتعددة.
بلقيس :
إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عربٌ .. ويأكل لحمنا عربٌ ..
ويبقر بطننا عربٌ .. ويفتح قبرنا عربٌ .. فكيف نفر من هذا القضاء ؟ فالخنجر العربي .. ليس يقيم فرقاً، بين أعناق الرجال .. وبين أعناق النساء ..
إنتهت الحرب اللبنانية، بإتفاق الطائف، و هو الإسم الذي تُعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، و التي وُضعت بين الأطراف المُتنازعة في لبنان، وذلك بوساطة سورية - سعودية، في ٣٠ سبتمبر ١٩٨٩م.
تُعتبر مُفاوضات مِنبر جِدة، الجارية الآن، و الخاصة بالحالة السودانية، مُحاولة مُعاصرة، لإعادة إستتساخ إتفاق الطائف اللبناني، برعاية سعودية - أمريكية.
إلا أن مُفاوضات جِدة، تتأثر بِشكل عميق، و ترتبط إرتباطاً وثيقاً و مباشراً، بتطورات العمليات العسكرية اليومية، و الأحداث السياسية المُختلفة، على أرض الواقع السوداني المُتحرك، مثل تحرك رِمال الصحراء.
لذلك، فإن قدرة مِنبر جِدة، على إحداث إختراق سياسي سريع و كبير، ترتبط بعدة عوامل كثيرة و مُعقدة، و لا يُمكن التنؤ بها، و قد تستمر المفاوضات بِالمنبر، لِمدة ثلاثة أعوام أخرى قادمة، قبل أن تؤدي في النهاية، إلى إيقاف الحرب بصورة كامِلة.
إن أقصى نصر عسكري، يُمكِن أن يُحقِقه الجيش السوداني، هو إخراج الدعم السريع مِن ولاية الخرطوم، و ولاية الجزيرة، و هو ما قد يستغرق فترة طوية جِداً، قد تمتد إلي مُدة خمسة أعوام قادمة.
لكن ولايات دارفور جميعها، و أجزاء واسعة مِن ولايات كردفان، فستكون تحت قبضة قوات الدعم السريع، و حواضنها الإجتماعية، و لو إستمرت الحرب السودانية، لِمدة ثلاثين عاماً قادمة. لذلك، فإن الحديث عن مُستقبل إقليم دارفور، و دولته المُرتقبة، منذ الآن، يحمل صفة أكثر مِن منطقية.
أقصى نصر عسكري، يُمكِن أن يُحققه الدعم السريع، هو تمدده نحو القضارف، و كسلا، و مُدن ولاية نهر النيل. أما ساحل البحر الأحمر، فيعتبر خط أحمر للمملكة الشقيقة و القِوى الغربية، و كذلك تُعتبر الولاية الشمالية، خط إحمر أيضاً، بالنسبة للجارة المِصرية.
لكن حتى لو سيطر الدعم السريع، على منطِقة حوض النيل، لِمدة ستة عشر عاماً قادمة، كما فعلت الدولة المهدية، و خليفتها التعايشي، فسيتم إخراجه مِنها بالقوة، في النهاية، لتهديده للمصالح الرأسمالية التأريخية، الموجودة هناك، و لفشله السياسي الواضح، فِي التعاطي الإيجابي مع المُجتمعات المحلية.
لو إستمرت هذه الحرب لِمدة ستة أعوام قادمة، فستنهار الدولة السودانية تماماً، و يتحلل جيشها بالكاِمل، و كذلك بقية مؤسساتها الأخرى، و يتحول السودان فِي النهاية إلى إقطاعيات فقيرة، و إلى جُزر صغيرة مُنعزلة، و دولة لأمراء الحرب، و عندئذٍ ستتقاسمها و تقتطعها الدول الإقليمية، و الغربية، و تقوم بنهب مواردها.
إن تنسيقية القِوى المدنية "تقدم"، لا تُعتبر طرفاً مُباشراً فِي الحرب الدائرة الآن، و لكنها طرف ثالث أصيل فِي الصراع السياسي، و لا يجوز إلحاقها إعتباطاً بالدعم السري، لأنها تمتلك أجندتها السياسية الذاتية، و رؤيتها المنهجية الخاصة بها، داخل حدود الأزمة السودانية. لذلك، فإن عدم إستصحاب القِوي المدنية، فِي خطوات الحل السياسي القادِم، سيعقد الأزمة أكثر و أكثر، و يطيل مِن أمد الحرب السودانية.
كذلك الإسلاميين، فهم طرف رابع أصيل، فِي الحرب و الصراع السياسي معاً، و يجب وضع رؤية تفصيلية مُتكاملة، للتعامل معهم مستقبلاً.
و أتساءل فِي النهاية، عن ما هو شكل التسوية! المقبول لدى الإسلاميين؟
magboul80@gmail.com
سأقول في التحقيق :
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل، وأقول في التحقيق :
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول .. وأقول : أن حكاية الإشعاع ، أسخف نكتةٍ قيلت .. فنحن قبيلةٌ بين القبائل، هذا هو التاريخ . . يا بلقيس .. كيف يفرق الإنسان .. ما بين الحدائق والمزابل، بلقيس .. أيتها الشهيدة .. والقصيدة .. والمطهرة النقية .. سبـأٌ تفتش عن مليكتها، فردي للجماهير التحية ..
إذا كانت بيروت، و الحرب الأهلية اللبنانية، التي إندلعت ما بين عامي ١٩٧٥ و ١٩٩٠ م، قد قتلت بِلقِيس واحدة، على وصف الشاعر السوري نِزار قباني، فقد قتلت نظيرتها الخُرطوم، و الحرب الأهلية السودانية، أكثر مِن ألف بلقيس، و شردتها، و إغتصبتها، و أهانت كرامتها، و مرغت أنفها أكثر مِن مرة فِي التُّراب.
و للمُصادفة، فقد إندلعت الحرب اللبنانية، يوم ١٣ أبريل، و أسفرت عن مقتل، ما يُقدر بأكثر مِن ١٢٠ ألف شخص، و هجَّرت و شردت الآلاف، و لا ذالت تداعياتها السياسية السلبية، مُستمرة إلى الآن.
إن مُحاولة الإجابة على سؤال: متى تنتهي الحرب؟ يُعتبر أهم سؤال للمواطن العادي البسيط، لأنه يتطابق تماماً مع سؤال: متى ينتهي البؤس و الشقاء، و متى تنتهي المعاناة؟ بينما يُعتبر سؤال: كيف تنتهي الحرب؟ مِن الأسئلة الثانوية لديه، و معنية بِه فقط، تِلك النُخب السياسية الفوقية، لأنه يرتبط بحسابات الربح و الخسارة.
إلا أنه بالنسبة للمراقب الحصيف، و الباحث المُستقل، فإنه يصعب الإجابة على سؤال متى تنتهي الحرب، الأساسي، و الجوهري المُهم، بدون الغوص في سيناريوهات الإنتهاء، إبتداءً، و مُحاولة إيجاد أجوبة تخيلية، لسؤال الكيف، الثانوي، إنتهاءً.
الساحة السياسية السودانية، الآن، مُصابة بِقصر النظر التحليلي، و بالعمى السياسي، و الذى يجوز لي تسميته هُنا بِ"عمى الصراع"، و هو ناتج عن حالة الصدمة النفسية، و الهِزة الوجدانية العميقة، و إرتباطاتهما بالمشاكل الذهنية العميقة، الموجودة أصلاً في بنية العقل السودانية، المأزومة.
كما أن النُخب السياسية السودانية، مُصابة أيضاَ بحالات مِن "الصمم الإبداعي"، و "البُكم الأخلاقي"، و أصبح الغالبية، لا يبصرون.
الحرب اليمينة قاربت على العشرة أعوام، و كذلك الحرب
الليبية دخلت عامها العاشر، و أوشكت كذلك الحرب السورية على دخول العام الثالث عشر، و العراق لم يستقِر له، على حال، و دولة، مُنذ الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٢ م، فما الذي يجعل الحرب السودانية إستثناءً مُفارِقاً؟ و يجعلها تنتهي في عام أو عامين فقط؟ إذا أبعدنا التحليلات الرغائبية، و الغرائز الفطرية!
تتشابه التقاطعات الإقليمية، و الدولية، في كل تِلك الحالات السابقة، مع الحالة السودانية المُستعصية، إلا أن الوضع الجيوسياسي الخارجي للسودان، يُعتبر أقل تعقيداً من أوضاعها مُجتمعة، و لكن يتفوق السودان عليها جميعاً بتعقيداته السياسية الداخلية، و أزماته البنيوية المُتعددة.
بلقيس :
إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عربٌ .. ويأكل لحمنا عربٌ ..
ويبقر بطننا عربٌ .. ويفتح قبرنا عربٌ .. فكيف نفر من هذا القضاء ؟ فالخنجر العربي .. ليس يقيم فرقاً، بين أعناق الرجال .. وبين أعناق النساء ..
إنتهت الحرب اللبنانية، بإتفاق الطائف، و هو الإسم الذي تُعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، و التي وُضعت بين الأطراف المُتنازعة في لبنان، وذلك بوساطة سورية - سعودية، في ٣٠ سبتمبر ١٩٨٩م.
تُعتبر مُفاوضات مِنبر جِدة، الجارية الآن، و الخاصة بالحالة السودانية، مُحاولة مُعاصرة، لإعادة إستتساخ إتفاق الطائف اللبناني، برعاية سعودية - أمريكية.
إلا أن مُفاوضات جِدة، تتأثر بِشكل عميق، و ترتبط إرتباطاً وثيقاً و مباشراً، بتطورات العمليات العسكرية اليومية، و الأحداث السياسية المُختلفة، على أرض الواقع السوداني المُتحرك، مثل تحرك رِمال الصحراء.
لذلك، فإن قدرة مِنبر جِدة، على إحداث إختراق سياسي سريع و كبير، ترتبط بعدة عوامل كثيرة و مُعقدة، و لا يُمكن التنؤ بها، و قد تستمر المفاوضات بِالمنبر، لِمدة ثلاثة أعوام أخرى قادمة، قبل أن تؤدي في النهاية، إلى إيقاف الحرب بصورة كامِلة.
إن أقصى نصر عسكري، يُمكِن أن يُحقِقه الجيش السوداني، هو إخراج الدعم السريع مِن ولاية الخرطوم، و ولاية الجزيرة، و هو ما قد يستغرق فترة طوية جِداً، قد تمتد إلي مُدة خمسة أعوام قادمة.
لكن ولايات دارفور جميعها، و أجزاء واسعة مِن ولايات كردفان، فستكون تحت قبضة قوات الدعم السريع، و حواضنها الإجتماعية، و لو إستمرت الحرب السودانية، لِمدة ثلاثين عاماً قادمة. لذلك، فإن الحديث عن مُستقبل إقليم دارفور، و دولته المُرتقبة، منذ الآن، يحمل صفة أكثر مِن منطقية.
أقصى نصر عسكري، يُمكِن أن يُحققه الدعم السريع، هو تمدده نحو القضارف، و كسلا، و مُدن ولاية نهر النيل. أما ساحل البحر الأحمر، فيعتبر خط أحمر للمملكة الشقيقة و القِوى الغربية، و كذلك تُعتبر الولاية الشمالية، خط إحمر أيضاً، بالنسبة للجارة المِصرية.
لكن حتى لو سيطر الدعم السريع، على منطِقة حوض النيل، لِمدة ستة عشر عاماً قادمة، كما فعلت الدولة المهدية، و خليفتها التعايشي، فسيتم إخراجه مِنها بالقوة، في النهاية، لتهديده للمصالح الرأسمالية التأريخية، الموجودة هناك، و لفشله السياسي الواضح، فِي التعاطي الإيجابي مع المُجتمعات المحلية.
لو إستمرت هذه الحرب لِمدة ستة أعوام قادمة، فستنهار الدولة السودانية تماماً، و يتحلل جيشها بالكاِمل، و كذلك بقية مؤسساتها الأخرى، و يتحول السودان فِي النهاية إلى إقطاعيات فقيرة، و إلى جُزر صغيرة مُنعزلة، و دولة لأمراء الحرب، و عندئذٍ ستتقاسمها و تقتطعها الدول الإقليمية، و الغربية، و تقوم بنهب مواردها.
إن تنسيقية القِوى المدنية "تقدم"، لا تُعتبر طرفاً مُباشراً فِي الحرب الدائرة الآن، و لكنها طرف ثالث أصيل فِي الصراع السياسي، و لا يجوز إلحاقها إعتباطاً بالدعم السري، لأنها تمتلك أجندتها السياسية الذاتية، و رؤيتها المنهجية الخاصة بها، داخل حدود الأزمة السودانية. لذلك، فإن عدم إستصحاب القِوي المدنية، فِي خطوات الحل السياسي القادِم، سيعقد الأزمة أكثر و أكثر، و يطيل مِن أمد الحرب السودانية.
كذلك الإسلاميين، فهم طرف رابع أصيل، فِي الحرب و الصراع السياسي معاً، و يجب وضع رؤية تفصيلية مُتكاملة، للتعامل معهم مستقبلاً.
و أتساءل فِي النهاية، عن ما هو شكل التسوية! المقبول لدى الإسلاميين؟
magboul80@gmail.com