السودان وقضية حق تقرير المصير (١- ٢)
طلعت محمد الطيب
23 May, 2024
23 May, 2024
يتكون الإتحاد الفيدرالي الكندي من عشر محافظات وثلاث مقاطعات ويعتبر تجربه مهمة لأنه واجه تحديات الإنفصال خاصة من من قبل إقليم كويبيك الفرنسي.
ولأن أهل المحافظة من أصل فرنسي فقد طالبوا بعقد استفتاء في العام ١٩٨٠م يهدف إلي انفصال كويبيك عن كندا، إلا إن ذلك الاستفتاء كان قد اسفر عن سقوط مقترح الإنفصال بنسبة ٦٠%. وبعد تكوين حزب كتلة كوبيك أو ماعرف ال( بلوكيبوكوا) بالفرنسية، بداية تسعينات القرن الماضي وتعاظم نفوذه، تم تنظيم إستفتاء آخر في العام ١٩٩٥م ولكنه سقط ايضا بنسبه ٤٩% ، وهو فارق ضئيل حيث صوت فقط ٥١% من سكان الاقليم الفرانكفوني لصالح البقاء داخل كندا. وكان ذلك آخر إستفتاء تم وسط المقيمين بتلك المحافظة وبقيت بموجبه محافظة كويبيك جزء من الاتحاد الفيدرالي الكندي حتي الآن.
ولأن الدستور الكندي لا يعطي حق تقرير المصير لأي إقليم، فقد كان يتعين علي أهل كوبيك، حتي في حالة فوز مقترح الانفصال في الاستفتاءات المذكورة، كان يتعين عليهم تقديم طلب للعاصمة الفيدرالية اتاوا خاص بتعديل الدستور كي يسمح لهم بالانفصال حتي يتمكنوا من الإعلان عن دولتهم المستقلة، شريطة أن يكون ذلك الطلب مسنود باستفتاء شعبي آخر .
وهكذا رأينا إنه وبرغم من أن كندا دولة عريقة في تطبيق التعددية الديمقراطية، ومن أن الإتحاد الفيدرالي الكندي إتحاد طوعي، إلا إن دستورها لا ينص علي حق تقرير المصير ويبدو أن الآباء المؤسسين قد رأوا ضروره هذه الإجراءات حتي يضمنوا أن يكون انفصال أي إقليم مسنودا برغيه شعبيه تتسم بقوة الإرادة والإتساق حتي تكون نتائجه في صالح أهل الاقليم وربما كذلك في مصلحة الاتحاد الفيدرالي الأم.
التأمل في تجربة كندا كنموذج لأتحاد فيدرالي ظل باقيا لأكثر قرن ونصف من الزمان، يتضح أن حق تقرير المصير لا يحدده أفراد أو قيادات أو احزاب حتي لو كانت تلك القيادات والاحزاب مجمعة علي ذلك في مؤتمر دستوري تاسيسى، لأن دور المؤتمرات الدستورية يكون في تأكيدها علي الطابع الشعبي الطوعي للإتحاد الفيدرالي لا اكثر من ذلك.
تجربة إنفصال جنوب السودان كانت تجربة إستئثنائية لايعتد بها، ولا يمكن إلاسترشاد بها ورغم إن الجنوبيين كانوا قد صوتوا لصالح الإنفصال بأغلبية ساحقة لأسباب نعلمها جميعا، إلا إن الإجراءات والكيفية التي تم بها الإعلان عن الإنفصال والاعتراف به لا علاقة له بالإجراءات الديمقراطية المتبعة، حيث لم يكتمل الإنفصال إلا بسبب رغبة الجميع تقريبا محليا وإقليميا ودوليا في إنهاء حرب أهليه مدمرة إستمرت لعشرات السنين ومات خلالها مئات الآلاف من البشر.
طلعت محمد الطيب
talaat1706@gmail.com
ولأن أهل المحافظة من أصل فرنسي فقد طالبوا بعقد استفتاء في العام ١٩٨٠م يهدف إلي انفصال كويبيك عن كندا، إلا إن ذلك الاستفتاء كان قد اسفر عن سقوط مقترح الإنفصال بنسبة ٦٠%. وبعد تكوين حزب كتلة كوبيك أو ماعرف ال( بلوكيبوكوا) بالفرنسية، بداية تسعينات القرن الماضي وتعاظم نفوذه، تم تنظيم إستفتاء آخر في العام ١٩٩٥م ولكنه سقط ايضا بنسبه ٤٩% ، وهو فارق ضئيل حيث صوت فقط ٥١% من سكان الاقليم الفرانكفوني لصالح البقاء داخل كندا. وكان ذلك آخر إستفتاء تم وسط المقيمين بتلك المحافظة وبقيت بموجبه محافظة كويبيك جزء من الاتحاد الفيدرالي الكندي حتي الآن.
ولأن الدستور الكندي لا يعطي حق تقرير المصير لأي إقليم، فقد كان يتعين علي أهل كوبيك، حتي في حالة فوز مقترح الانفصال في الاستفتاءات المذكورة، كان يتعين عليهم تقديم طلب للعاصمة الفيدرالية اتاوا خاص بتعديل الدستور كي يسمح لهم بالانفصال حتي يتمكنوا من الإعلان عن دولتهم المستقلة، شريطة أن يكون ذلك الطلب مسنود باستفتاء شعبي آخر .
وهكذا رأينا إنه وبرغم من أن كندا دولة عريقة في تطبيق التعددية الديمقراطية، ومن أن الإتحاد الفيدرالي الكندي إتحاد طوعي، إلا إن دستورها لا ينص علي حق تقرير المصير ويبدو أن الآباء المؤسسين قد رأوا ضروره هذه الإجراءات حتي يضمنوا أن يكون انفصال أي إقليم مسنودا برغيه شعبيه تتسم بقوة الإرادة والإتساق حتي تكون نتائجه في صالح أهل الاقليم وربما كذلك في مصلحة الاتحاد الفيدرالي الأم.
التأمل في تجربة كندا كنموذج لأتحاد فيدرالي ظل باقيا لأكثر قرن ونصف من الزمان، يتضح أن حق تقرير المصير لا يحدده أفراد أو قيادات أو احزاب حتي لو كانت تلك القيادات والاحزاب مجمعة علي ذلك في مؤتمر دستوري تاسيسى، لأن دور المؤتمرات الدستورية يكون في تأكيدها علي الطابع الشعبي الطوعي للإتحاد الفيدرالي لا اكثر من ذلك.
تجربة إنفصال جنوب السودان كانت تجربة إستئثنائية لايعتد بها، ولا يمكن إلاسترشاد بها ورغم إن الجنوبيين كانوا قد صوتوا لصالح الإنفصال بأغلبية ساحقة لأسباب نعلمها جميعا، إلا إن الإجراءات والكيفية التي تم بها الإعلان عن الإنفصال والاعتراف به لا علاقة له بالإجراءات الديمقراطية المتبعة، حيث لم يكتمل الإنفصال إلا بسبب رغبة الجميع تقريبا محليا وإقليميا ودوليا في إنهاء حرب أهليه مدمرة إستمرت لعشرات السنين ومات خلالها مئات الآلاف من البشر.
طلعت محمد الطيب
talaat1706@gmail.com