الإفك الإلكتروني

 


 

فيصل بسمة
10 October, 2024

 

فيصل بسمة

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

و لقد تنامت ظاهرة الأخبار و الأحاديث الكاذبة و المفبركة (الإفك الإلكتروني) المبثوثة/المطلوقة في أسافير الشبكة العنكبوتية من و عبر الهواتف و الأجهزة الذكية بصورة مذهلة حتى صارت السمة الأساسية للعالم المعاصر...
و تشير الشواهد و الدلآئل على أن بعض/كثير من المتعاملين مع هذه النوعية من الأخبار و حين يلتقطونها/يلتقفونها/يتلقفونها فإنه سرعان ما يتغلب في أنفسهم حب الإثارة و الرغبة و العجلة في إعادة النشر و التوزيع و الإنتشار و اللهفة على المشاركات و الحصول على الإستحسانات على حكمة التفكير و التأني/التروي و الفحص و التمحيص في محتوى الخبر ، و يبدوا أنهم لا يكلفون أنفسهم بالنظر فيما قبل الخبر و محتواه و ما ورآءه ، و يبدوا أنهم لا يبذلون أي جهد في التمعن في المغزى و الهدف من نشره و إذاعته ، أو إلى ما يترتب على ذلك...
أما ما قد يترتب على الخبر فقد يتراوح ما بين اللاشيء و التفاعل العابر الذي لا يثير الإنتباه و الأثر الوخيم المدمر الذي يؤدي في بعض/كثير من الأحيان إلى ردود أفعال عظيمة و نتآئج بالغة الخطورة فيها من الأذى الكثير و من الضرر البليغ ، و خير مثال للنوعية الأخيرة من الأخبار ما حدث في صيف هذا العام في مدن عديدة في أنحآء متفرقة من المملكة المتحدة عندما قامت جماعات من اليمين المتطرف و الغوغآء بتظاهرات عنيفة و أقدمت على إحداث حرآئق و تخريب و مهاجمة أماكن إقامة طالبي اللجوء و المهاجرين و الإعتدآء على قوات الشرطة ، و قد طال الدمار الأسواق و متاجر مسلمين و مساجد و سيارات و ممتلكات أصحابها من ذوي البشرة السودآء ، و قد حدث كل ذلك جرآء إنتشار خبر كاذب و مفبرك في الوسآئط الإجتماعية مفاده أن شاب مهاجر أسود مسلح ، فُبرِكَ له إسمٌ ”إسلامي“ ، قد هاجم تجمع لطفلات في حصة غنآء و رقص في إستوديو للرقص في مدينة سَاوثبُورت Southport ، و قتل منهن ثلاث (٣) ، و أصاب ثماني (٨) أخريات و رَاشِدَين (٢) بإصابات بالغة ، إستعدت جراحات عاجلة و حجز و عناية في المستشفيات...
و إذا كان هذا أنموذج لما قد يترتب على نشر الأخبار الكاذبة المفبركة و المضللة فليس من المستغرب أن يزداد القلق من تفاقم ظاهرة الإفك الإلكتروني ، خصوصاً إذا علمنا أن أجهزة الإتصالات الذكية المتطورة و تقنيات أسافير الشبكة العنكبوتية الممتدة و تطبيقات الوسآئط الإجتماعية المتعددة و المتجددة قد أتاحت دقة و سرعة في التواصل ربما تقارب مهارة و سرعة عفريت سيدنا سليمان عليه السلام ، هذا إن لم تتفوق عليه!!! ، و إذا ما كان الأمر كذلك فإنه من الطبيعي أن تقفز إلى الأذهان العديد من الأسئلة مثل:
- و ما العمل حيال ظاهرة الأخبار الإلكترونية المفبركة المتنامية؟...
- و ما هي الكيفية/الطريقة التي يتم التعامل بها معها؟...
- و كيف يُحَدُّ من آثارها الضارة؟...
و ما الذي يترتب على إنتشارها الواسع و السريع؟...
- و هل بالإمكان منعها؟...
- و هل يمكن مراقبتها و ضبطها؟...
- و هل يمكن محاسبة و معاقبة مروجيها إن هي تسببت في أضرار و أذى لأخرين؟...
- و من هو الذي سوف يتكفل بأتعاب التعويضات عن الأضرار و الأذى؟...
و أسئلة أخرى عديدة...
في الأوضاع المثالية تكون بداية التعامل مع الأخبار في التقصي و معرفة مصدر الخبر (صاحب الخبر) ، و التأكد من مؤهلاته و مصداقيته ، و كذلك الإجابة على أسئلة أساسية: أهو مصدرٌ محترمٌ و موثوقٌ به؟ ، أم أنه كَشَىَٰ مَشَىَٰ ساكت و كَتَبلَاص سَاي؟ ، أم أنه و كما تقول المصارنة في شمال الوادي أَيِّ كلام؟ ، أم أنه خبرٌ صادرٌ من الجهات إياه؟!!! ، الجهات صاحبة منصات و غرف الجِدَاد (الدجاج) الإلكتروني و الصقور الأسفيرية التي تمتلك المقدرات العجيبة على التحليق و الهجرة الإسفيرية و الدخول إلى مصارين و بيوت كلاوي الأجهزة الذكية و العَشعَشَة فيها ثم الشروع في ممارسة التصنت و التجسس و اللعب بالذاكرات الإلكترونية ، الجهات التي تمتلك الإمكانيات و المؤهلات و القدرات على السيطرة من على البعد و قرآءة و سلب المحتويات و مونتاجها و إعادة إنتاجها و بثها/نشرها ، أو حجبها ، أو إدخارها و إستخدامها عند الضرورة و الحاجة في اليوم الأسود أو عند اللزوم!!!...
و إذا ما عُلِمَ/عُرِفَ المصدر سَهُلَت عملية التحري من المصداقية ، و كذلك معرفة الغرض من الفبركة و التلفيق و المغزى من البث ، و لماذا النشر في هذا التوقيت أو ذاك ، و معرفة صاحب الخبر ليست بالأمر السهل لكنها أيضاً ليست بالعسيرة ، و تبدأ في الإجابة على السؤال عن من هو المستفيد من بث و إنتشار الخبر؟ ، و من سريان أثره/مفعوله في جمهور المتلقين/المتلقفين؟ ، و هذه الإجابات تستدعي/تستلزم إجرآء الإتصالات و التحريات الأولية عن المصدر: الملكية و التمويل و الإتجاهات الفكرية/الدينية/السياسية و أي معلومات أخرى إضافية...
أما الإجابة على بقية الأسئلة أعلاه فترتكز في المقام الأول على إعمال العقل و التفكير و التدبر و التدقيق في سياق الخبر ، و التمحيص في الكيفية و البيئة التي تمت فيها صياغة الخبر و إعداده ، و من المفترض أن تقود هذه التمارين إلى معرفة المعاني و المفاهيم المصاحبة للخبر و ما حولها و ما ورآءها ، و من الواضح إن مثل هذه التمارين تتطلب زمناً و جهداً يُبذلُ في نقد الخبر نقداً حرجاً ، مما يعني تفكيك الخبر حرف حرف و كلمة كلمة و جملة جملة و سطر سطر و فقرة فقرة و تمحيصه تمحيصاً دقيقاً ، و المرجو من مثل هذه التمارين هي أن تفضي/تخلص إلى قرآءة الخبر قرآءةً صحيحةً توضح المضامين و تكشف الملابسات المحيطة بالخبر و الهدف منه و الجهات من ورآءه ، و كذلك تلك المستهدفة و الأخرى المستفيدة من نشره و إنتشاره...
الوقاية من الآثار الضآرة المترتبة من أحاديث الإفك و الأخبار المفبركة تتطلب/تستلزم التوعية الجماهيرية و تنوير جمهور المتلقين/المتلقفين و تنبيههم إلى خطورة ظاهرة الإفك الإلكتروني المتعاظمة ، و ذلك حتى تستبين لهم حقيقة أمر جماعات الأفاكين المفبركين و زيفهم و ضلالهم ، و قد تفلح عمليات التوعية في الإجابة على بعض/كثير من الأسئله المطروحة ، لكن تبقى/تظل الإجابات على أمور المراقبة و الضبط و الحساب و العقاب عسيرة و معقدة ، فقد دلت التجارب و الشواهد على أن الأفراد و الشركات و الجهات التي تمتلك: الإمكانيات و التقنيات و المهارات و المنصات و حقوق التطبيقات و العضلات لها رؤى و أهداف ربما لا تتوافق مع الأرآء و الأفكار التي تساند المصلحة العامة و حقوق و سلامة و أمن جماهير المتعاملين (الزبآئن) مع الأجهزة الذكية و تطبيقاتها...
الخلاصة:
علاج ظاهرة الإفك الإلكتروني يكمن في التفكير و التدبر و التمحيص ، و في (تَروِيق المَنقَة) ، مما يعني التروي و عدم الإندفاع في الترويج للإفك و الأكاذيب عن طريق النقل و المشاركات و إعادة النشر...
أما الإجابة النهآئية فهي ضرورة إستخدام الذكآء الشخصي عوضاً عن الإعتماد التآم و الوثوق الكامل في الهواتف و الأجهزة الذكية و الذكآء الإصطناعي...
الختام:
و سوف يجد الراغبون في معرفة و قياس قدراتهم على فحص و تمحيص الزيف و الكذب و الضلال و قرآءة و تحليل الأخبار المفبركة و دراسة ظاهرة الإفك الإلكتروني و نقدها في المنشورات الصادرة من أفراد و منصات الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و أبواقهم من الإعلاميين و أذنابهم من الناشطين و الأرزقية حقول و جبال بل كنوز من مواد الإفك يمكنهم إجرآء جميع تمارين المصداقية عليها...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء