الإسلاميون .. سذاجة التفكير وبوابة العنف … بقلم: د.معتز بلال محمد
9 August, 2009
يحتج الإسلاميون كثيراً على تمسك فرنسا بالمضي قدماً في تنفيذ خططها لحظر ارتداء الحجاب الإسلامي بالمدارس الحكومية وعلى القوانين التي تمنع الفتاة المحجبة في تركيا من الدخول إلي الحرم الجامعي أو المؤسسات التابعة للدولة وهي ترتدي حجابها،وهو احتجاج يسنده المنطق والعقل فحزب العدالة والتنمية ذو الأصول الإسلامية يرى أن ما تحدده الفتاة من ذي تلبسه،أمرٌ شخصيٌ لا يحتاج لقانون لكي ينظمه داعيك أن يمنعه.إذ لا يمكن أن يفرض على المرأة المسلمة نموذج المغنية التركية سيرتاب ايرينير التي ترتدي في حفلاتها ملابس عارية مازجة الايقاعات الشرقية مع الموسيقى الغربية (لتصبح أول تركية تفوز بجائزة في مسابقة الأغنية الأوروبية). ويتعاطف مع هذا الرأى عشيرة الإسلاميين وغير قليل من عامة المسلمين.كما نجد أيضا أصوات في الغرب تنادي بمزيد من حرية التدين والتعبير وأداء الشعائر واحترام خصوصيات الأديان. وفي الوقت نفسه تسيطر علي عقول الإسلاميين وتطبق في العديد من نماذجهم قوانين تقيد حرية الآخرين وتصادر حقوقهم الاجتماعية والفكرية والسياسية ترسيخاً لعقلية الإنقلاب والقهر في زمن يتحرك فيه المجتمع ببطء نحو مفاهيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتأبى الحركات الإسلامية إلا أن تصر على تهديد مخالفيها الرأى باستهداف عنيف تحميه أحياناً الأجهزة الأمنية لأنظمتها. كما تسن قوانين أخرى تلزم المرأة بلباسٍ معينٍ أو تمنعها من آخر تفترض فيه الفسوق والعصيان رافعةً شعار الحفاظ على المظهر العام غير آبهة بمشيئة الفرد وخصوصية خياراته الشخصية في أمور كهذه.وتمارس قهرا يجبر المجتمع خوفاً على نفاق يظهر لك فيه ما يعجبك ويفعل هو ما يريد.ويتبنى العديد منهم أفكاراً مثل منع النصارى من إقامة كنائس جديدة بالدول المسلمة وأن يمنع أصحاب الأديان الأخرى من الدعوة لدينهم بل وأكثر من ذلك تدعوا بعض الحركات الإسلامية السلفية بأن تضيق عليهم الطرقات وألا يبدأوهم بالسلام.ويستحل هولاء دم المسلم وغيره بسبب الإختلاف في الرائ،مع أن أغلب المجتمع من غير المنتمين لهذه الحركات يرون أن الواجب عليهم أن يعتذروا لمن اخطأوا في حقه ولو خطئاً صغيراً. تناقض لا يمكن أن يقع فيه إلا من اختل عقله قبل أن تختل معاييره في الحكم على الأشياء.
لا تحمل الحركات الاسلامية رؤى وتصورات ناضجة للتغيير الإجتماعي يكون أساسها السعي لترسيخ الحريات الشخصية والعامة التي تتيح للمرء ان يقتنع ويفعل ما يشاء بمسؤلية في إطار مساحةٍ واسعةٍ من الحريات مراهنةً علي قوة المنطق والحجة لا القهر والإجبار فالقرآن الكريم في كثيرٍ من الآيات تكررت فيه مصطلحات مثل التفكر والتعقل لصنع مجتمعٍ مؤمنٍ بما يفعل.ولم يكن الخطاب القرآءني خطاب إلزام بقوالب وأشكال ظاهرة من غير وعي وإدراك ولم تكن النماذج التي يدعو لها تأطر المجتمع بقوانين وعقوبات. بل كان العقاب الدنيوي مستهدفاً لبعض جرائم التعدي في حق المجتمع شأنه في ذلك شأن كل الأنظومات التي تردع من يشذ مستبيحاً لخصوصيات الآخرين.
كاتب هذا المقال وغيره ممن ينتمون للحركات الإسلامية -المحتاجه لمزيدٍ من المراجعات لمفاهيمها واطروحاتها- كانوا ولا زال أغلبهم يستسهل ويستحسن التغيير لما يخالف تصوراتهم إما بإبطال مباشر له عبر القوة والعنف أو بأمل في سلطانٍ يجبر الناس على تنفيذ النموذج الذي يرونه صحيحاً.
قبل عقد من الزمان وبالجامعة التي درست بها أحداثنا عنفا كان ضحيته العشرات من الجرحى وهلع نفسي مصاحب وتهديد لاستقرار التحصيل الأكاديمي بالجامعة وكان سبب كل ذلك أَن طالباً وطالبةً كانا يجلسان جلسةً لم يستحسنها أحد أفراد الحركة الاسلامية فقرر أن يرهبهما تغييرا لهذا المنكر بيده الأمر الذي جر الي تلك الأحداث. وقبل تلك الحادثة بعام قررت أحزاب التجمع بالجامعة الخروج للشارع عقب إغتيال الطالب محمد عبدالسلام كادر الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم (الذى اتهم جهاز الأمن حينها بقتله).وقد علمنا لاحقاً أن تقديرات الجهاز كانت أن نسعى نحن طلاب الحركة الاسلامية لإحداث عنف داخل الجامعة مع تنظيمات التجمع،خوفاً من احتمال الخروج الي الشارع.فقمنا بذلك الدور وفي أذهاننا تصفية حساب مع تلك التنظيمات التي صارت تُكثر التحدي غير مكترثةٍ لهيبة تنظيمنا الحاكم. الغريب في الأمر وبعد كل تلك السنوات وإدراكنا أن جلَ تلك العنتريات والمعارك الوهمية كانت أموراً ليس لها أدنى علاقة بنصرة الدين أو الدولة الاسلامية (وحمداً لله أنها لم تكن عمليات استشهادية لقتل المدنيين باسم الجهاد) بعد كل تلك الفترة قابلني عدد من الإخوة المتدينين غير المنتمين للحركة الإسلامية وهم سعيدون لما كنا نفعل اقتناعاً منهم بضرورة تأديب تلك المجموعة من الطلاب الذين يستهزؤن بالدين والمتدينين.إذاً هي آفةٌ عقليةٌ يختلف مقدارها نسبياً بين الإسلاميين،تسيطر عليهم وتهيئهم نفسيا لاستخدام العنف أو اقراره وفي مرحلة قبل ذلك السعي للوصول للسلطة بأي طريقة أو الأمل بأن يأتي من يجبر الناس على فعل ما يعتقدون من أفكارٍ ساذجةٍ،متناسين مطالبهم بأن يلقى المسلمون في كل أرجاء العالم حريةً تمكنهم من تطبيق شعائرهم والدعوة لدينهم!!
على هذه الحركات (الكارثية) ومن يعتقد صحة افكارها وإن كان غير منتمٍ لها ادراك أخطائهم اولاً ثم محاولة الخروج من هذا التناقض رجوعاً للحق وعملاً بالمنطق السليم للأشياء. فعليهم قبل السعي للدعوة أن يؤمنوا أولاً بحرية الأفراد والجماعات وحقهم في اختيار ما يشآءون بكامل إرادتهم ثم يسعوا بوعي لوضع مناهج مدروسة وتصوارات ناضجة للتغيير المجتمعي تمسكاً بالقيم والمثل الحميدة وابتعاداً عن المادية والعبثية.وعلى الحركات الإسلامية أن تسعي لتشجيع المجتمع عبر توضيح الإيجابيات والثمار الناتجة عن اتباع المناهج المستقاة من مقاصد الأديان وخطورة اتباع هوى الأنفس وفوضى الحياة فتكون بذلك قادرةً على التنافس الفكري مع الآخرين من غير إرهاب.ولتعلم هذه الحركات أن انعطاف المجتمع مع خطابهم سيتناسب طردياً مع مدى جهدهم في إحداث تلك المراجعات وصياغة الجديد من الأطروحات المبتدئة في تحركها من واقع المجتمع ومرحلته لا من تجريد الأذهان وجميل الأحلام.
د.معتز بلال محمد
elmutaz16@gmail.com