لن يطالكم منه إلا الفقر والمسغبة!!
25 February, 2010
دشن حزب المؤتمر الوطني حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية، وولاية الخرطوم من إستاد الهلال بأم درمان مساء السبت 13/2/2010م، فخاطبه المواطن عمر حسن البشير، مرشح الحزب للرئاسة، مرتجلاً برنامجه الانتخابي، أو بالأحرى مفصحاً عن مواصلة برنامج الإنقاذ، الذي بدأ منذ أكثر من عشرين عاماً، والذي سوف نعرض لتحليله في عدة مقالات – لنرى أن كان يقول الصدق أم لا - تحت عنوان: (لن يطالكم منه إلا....)، فنسلسلها بإكمال النقاط بكلمات وصفية لكل عنوان مقال؛ إذ سيتناول المقال الأول الفقر والمسغبة التي لاقاهما الشعب السوداني منذ قيام انقلاب الإنقاذ في 30 يونيو 1989م وحتى الآن؛ ومع ذلك يود مرشح المؤتمر الوطني أن يوردنا إياهما لخمس سنوات حسومة، قادمة.
تحدث مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة عن صفوف الرغيف، والبنزين في العهد الديمقراطي، وانعدامها تماماً بعد قيام الإنقاذ. ففي هذا الصدد نود أن نعقد مقارنة بسيطة: في العهد الديمقراطي كان سعر الرغيف اليومي لأسرة متوسطة الحال يبلغ حوالي ستة قروش، والتي لا تتعدى نسبة 0.005% من الدخل الشهري (1200 جنيهاً – قبل استبداله بالدينار"الممحوق")؛ أما اليوم فنفس هذه الأسرة تحتاج لمبلغ4000 جنيهاً لتغطية تكاليف الرغيف اليومي،أي بنسبة 0.33% من دخلها الشهري البالغ 1200000جنيهاً؛ أي أن سعر الرغيف تضاعف حوالي 70 مرة بالمقارنة مع الارتفاع في الدخل الشهري؛ بمعنى آخر، وحتى تتضح الصورة أكثر، نجد أن المرتب الشهري في العهد الديمقراطي يعادل سعر الرغيف لمدة 20000 يوم، في حين أنه لا يغطي أكثر من 300 يوم في عهد الوفرة الإنقاذية. فالكل يتذكر قبل الإنقاذ أن من سبقك ليشتري رغيفاً بجنيه واحد فقط – لغرض التجارة بالطبع - ، فلن تكفيه كل "الخبزة"، نظراً لتدني سعره المدعوم من قبل الدولة الديمقراطية الميمونة؛ أما اليوم فلن يستطع كائناً من كان شراء كل "الخبزة" بسبب ارتفاع سعره الذي تعرض لسحب الدعم عنه بواسطة الدولة الإنقاذية المشؤومة. إذن وفرة رغيف الإنقاذ المزعومة هي نتاج ارتفاع سعره، مقرونة مع الفقر الذي رعته الإنقاذ منذ يومها الأول، ليصرع اليوم أكثر من 90% من الشعب السوداني، فصاروا من الجوعى (أكل وجبتين بدل ثلاث وجبات حسب التعريف العالمي للجوعان)؛ ما عدا، بالطبع، أهل المشروع الحضاري، الذين أثروا على حساب الشعب السوداني، فبدلوا مباني الطين بالفلل ذات الحدائق الغناء، والمسابح الخضراء.
أما فيما يختص بالبنزين، فان الشعب السوداني لم يحس البتة إلى الآن: أن السودان أصبح من مصدري النفط، علي الرغم من مرور أكثر من عشرة أعوام على ذلك. من المؤكد أن سعر البنزين إبان الفترة الديمقراطية كان أقل من سعره الآن، وذلك لسبب بسيط جداً وهو أن حكومة الإنقاذ قد رفعت الدعم بالكامل حتى عن الإنتاج المحلي؛ إذ يبلغ سعر اللتر منه الآن حوالي 1.4 جنيهاً، في حين أن سعر اللتر بالخليج لا يتجاوز 0.306 قرشاً؛ أي أن سعر اللتر من البنزين في السودان يساوي حوالي خمسة أضعاف سعره بالخليج؛ فما تدفعه لشراء لتر واحد في الأول يشتري لك جالوناً في الثاني. المفارقة أنه حتى في الندرة المزعومة إبان الديمقراطية الثالثة، كان المواطن يشتري البنزين بالجالون لأنه يمتلك من المال ما يمكنه من شراء أكثر من جالون، مما يساعد على زيادة الطلب عليه؛ أما الآن وبرغم الوفرة المدّعاة فإن الفرد يشتري البنزين باللتر لأنه في أغلب الأحيان لا يمتلك أكثر من سعر لترات لا تتجاوز الجالون، أو الجالونين، الأمر الذي يقود إلى نقصان الطلب عليه، بسبب الفقر الذي أثقل كاهل الشعب كوليد شرعي لسياسات الإنقاذ الخرقاء.
قبل أن أبرح هذه الجزئية، أود أن استعرض نوع الحياة التي كنا نعيشها نحن كأكاديميين في فترة الديمقراطية الثالثة، المفترى عليها؛ ومقارنتها بما نشهده وشهدناه منذ بواكير فجر الإنقاذ الكاذب، لندلل على كذبهم الصراح، والمستند على فقه التقية.
كنت ضمن عدد كبير ممن ابتعثوا لنيل الدرجات العليا ببريطانيا، وأمريكا، وغيرها من دول العالم الأول، فعدت إلي السودان في أواخر عام 1986م، لتتولى جامعة الخرطوم مسؤولية استقراري بالبلاد، فخاطبت جهات داخلها، وخارجها، لتسهيل هذه المهمة؛ فأصدرت لي وزارة التجارة رخصة لاستيراد سيارة - كنت قد تمكنت أثناء البعثة، من شراء سيارة تويوتا كراون ديزل من بلجيكا – واستخرجت لي الجامعة تذاكر سفر بالطائرة إلي بورتسودان لتخليص أغراضي المنزلية، بعد أن صرفت لي بديلاً نقدياً محترماً لتأثيث سكن يليق بالأستاذ الجامعي، والذي جرت العادة أن يظل فيه طالما كان قادراً على العطاء. كما كان الأستاذ الجامعي يتمتع بتذاكر سفر سنوية بالطيران له ولأسرته، تمكنهم من قضاء عطلاتهم بالخارج، بعد أن يصرف لهم بدل السكرتارية المجزي، لإعانتهم على تحمل نفقات هذه العطلة. ليس ذلك فحسب، بل أن العلاقات الثقافية الخارجية الطيبة التي يتمتع بها السودان عامة، وجامعة الخرطوم على وجه الخصوص، تمكننا من قضاء إجازات التفرغ العلمي، واتفاقيات البحث العلمي الأخرى، بأرقي الجامعات العالمية، فتصير الفائدة ليست علمية فقط، وإنما اقتصادية على حد سواء. كما كان نادي الأساتذة مزدهراً بأهله من مختلف الكليات، وعامراً بأشهى المأكولات، والمشروبات ذات الأسعار الزهيدة جداً؛ فكانت الوجبة تتكون من صنفين من الطعام على الأقل، بالإضافة إلي المشروب البارد، والساخن. ولذا كنا لا نذهب إلي المنزل لتناول طعام الغداء، إذا كان هنالك بحث نتابعه، أو محاضرة نؤديها، في العصر، أو المساء.
والآن عزيزي القارئ، أود منك أن تلاحظ التردي المريع الذي ألحقته الإنقاذ بمستوى معيشة أستاذ جامعة الخرطوم، الذي يفترض أن يكون رأس الرمح فيما أسميته أنا بثورة "التحطيم العالي" المزعومة. بدءاً أحالت خيرة الأساتذة إلي الصالح العام بقرار رئاسي من مرشح المؤتمر الوطني الحالي لرئاسة الجمهورية، وبدون إبداء لأي أسباب؛ غير الاختلاف في وجهة النظر السياسية، ولكنه بغرض إفساح المجال للتمكين؛ وأوقفت إرسال مساعدي التدريس إلي الخارج لنيل الدرجات العليا بالجامعات الغربية، بحجة تشرب الثقافة الغربية الكافرة، مما جعل وظيفة عضو التدريس بالجامعات غير جاذبة؛ وقصرت التأهيل، والتدريب علي الداخل، رغم مضاره البينة على التلاقح العلمي. فشطبت بجرة قلم كل الفوائد العلمية، والثقافية، والاقتصادية التي كان يجنيها مساعد التدريس من الابتعاث إلي الخارج؛ فلم تعد هناك فرصة لاستيراد سيارة من الخارج؛ كما تآكلت كل البدلات حتى صارت لا قيمة لها، بفعل التضخم الفاحش الذي ضرب البلاد. ليس ذلك فحسب، بل أوقفت، أو جمدت أنشئت، تذاكر الطيران السنوية حتي صار للأساتذة ديون على الدولة تقدر بالمليارات، تضن عليهم بها حكومة المرشح الرئاسي رغم حاجتهم الماسة لها. دخلت كذلك دولة "أمريكا روسيا قد دنا عذابها" في عداء سافر مع كل دول العالم – ما عدا بعض الدول المارقة علي الإجماع العالمي– فالطيور علي أشكالها تقع – ففقد السودان، وجامعة الخرطوم، علاقاتهم الثقافية الحسنة مع دول العالم المتحضر، الأمر الذي أثر سلباً على انسياب موارد مالية كانت داعمة لمستوى معيشة الأساتذة. حرمان الأساتذة من هذه المعينات، وتآكل البدلات التي كانوا يتقاضونها، مع تدني المرتبات، وتعدد واجهات الاستقطاعات غير المأذونة، مثل: الزكاة (هل تجب الزكاة على راتب شهري لا يمكث في جيب صاحبه أكثر من أسبوع، يا علماء السلطان؟)، ودمغة الجريح، والنقابات؛ مصحوبة بارتفاع الأسعار؛ أفضت جميعها إلي إفراغ جيوبهم من أي قرش مدخر، فغادروا الطبقة الوسطي، وغدوا لا يملكون قوت يومهم بعد مرور الأسبوع الأول من بداية كل شهر. فلجأ بعض الأساتذة، من الذين يملكون سيارات خاصة إلي العمل بالنقل الطارئ، حتى يؤمنوا قوت أسرهم لبقية الشهر. كما هجر الأساتذة ناديهم العامر في السابق، والذي أصبحت فيه وجبات الفول، أو العدس المفردة، هي سيدة الموقف، كما دخلت "القراصة بالويكة" قائمة طعامه، بكل ما تحمل هذه الخطوة من دلائل. هذا الوضع دفع كثير من الأساتذة، وأنا منهم، إلي الهجرة بغية البحث عن حق الحياة، وليس بغرض تشييد الفلل الفاخرة، كما كان يطمح الذين هاجروا قبل الإنقاذ. واذكر أنني أجبرت، في سنين الإنقاذ الأولى، ضد رغبة إدارة جامعة الخرطوم، على الاغتراب بدولة واحدة – كغيري من الزملاء - شتائم المدعو يونس محمود الصباحية لم تترك للسودان "صليحاً"- تتميز بتوفر الغذاء الرخيص، ولكنها كانت تعاني من انعدام الأمن، فقد تتعرض لحادث نهب، وسلب في رابعة النهار يمكن أن يزهق روحك. بعد أن قضيت حوالي الشهرين بعملي الجديد، أبرقني البروفسير على محمد خير – متعه الله بالصحة والعافية – بأن السيد المدير، آنئذ، قد وافق على إعارتي بشرط حضوري إلي السودان لاستكمال الإجراءات بنفسي. أضمرت في نفسي بأن أنتهز هذه الفرصة بالذهاب للسودان، وألا أعود لعملي الجديد مطلقاً، ليس فقط بسبب انعدام الأمن، ولكن لأنني حتى ذلك التأريخ لم أستلم منهم قرشاً واحداً، ولم يكن من المنظور تحقيق ذلك إلا بعد انقضاء ما يقارب العام، حسب إفادة من سبقونا إلي ذلك البلد الميمون. بمجرد وصولي إلي المنزل، كنت قد تركت أسرتي خلفي بالسودان، أبلغت زوجتي بعزمي علي عدم الرجوع لذلك البلد، بعد أن أوردت لها أسبابي، السالفة، لذلك القرار. لم تتردد زوجتي لحظة حين قالت: الموت الفجائي مع الشبع خير من موت الجوع البطيء، فالحياة المعيشية بالسودان أصبحت لا تطاق مطلقاً. فتوكلنا علي الحي الذي لا يموت ففضلنا الخوف علي الجوع؛ اتساقاً مع قوله تعالي: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).هكذا ساق حكام الإنقاذ السواد الأعظم من الشعب السوداني إلي الفقر المدقع في العشر سنوات الأولي من حكمهم القهري؛ وهي فترة تعادل ما يقارب ثلاثة أضعاف حكم الإمام الصادق المهدي في فترة الديمقراطية الثالثة، ومع ذلك يوسمونه بالفشل، من غير أن يرمش لهم جفن، وفي تناغم تام مع المثل:"رمتني بدائها وانسلت". أما ما يردده الإنقلابيون، والأمنجية؛ بأن الإمام الصادق المهدي قد أخذ فرصتين ولم يفعل شيئاً، فهو حديث مردود؛ إذ كان ينبغي أن يترك ليكمل فترته، التي نعارضه حينها بكل آليات الديمقراطية المتاحة، ومن ثم يقول الشعب كلمته فيه عبر الانتخابات العامة، وليس من قبل الذين يدبجون الحجج للانقضاض على الديمقراطية.
في سنوات الإنقاذ العجاف تلك، كان مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة يقطع أرزاق طوابير من السودانيين بإحالتهم للصالح العام، مبتغياً في ذلك ثواباً، وأجراً عظيماً، ومن ثم تترك أسرهم، من نساء، وأطفال، وعجزة، يتضورون جوعاً، وحسرة. فحينها كان الدكتور "نافع"، مدير جهاز الأمن، آنئذ، ومرشح حزب المؤتمر الوطني الحالي للدوائر الجغرافية بالمجلس الوطني، قد أعتقل أستاذه الدكتور فاروق محمد إبراهيم ليترك أسرته دون عائل، وليعذبه في بيوت الأشباح، بسبب أنه كان يدرس لطلابه نظرية التطور – التي أقرها مجلس الأساتذة بجامعة الخرطوم – ، وما في ذلك من دعوة للإلحاد، من وجهة نظره المتزمت. كما أرسل منسوبيه، في ساعات الصباح الأولي، إلي حيث يسكن الدكتور محمد رجب عبد الله - زميله بكلية الزراعة جامعة الخرطوم- ليأخذوه إلي بيوت الأشباح، وليتركوا زوجته وطفله الصغير بالشقة لوحدهما، ومن دون أن يبلغوا أحداً إلي أي مكان سيأخذونه؛ في صورة لا تمت للأخلاق السودانية الموروثة بصلة. أما البروفسير التيجاني حسن الأمين، مدير جامعة الجزيرة آنئذ، وبعد أن غفر الله له "ما تقدم" من ذنبه، فقد ابتغي الثواب العظيم عند الله تعالى عبر طلبه إلي المجلس البريطاني إنهاء كفالته المالية للأستاذ مصطفي آدم أحمد، حتى لا يتمكن من إكمال دراسته؛ والذي كان قد أحيل بقرار رئاسي سابق للصالح العام، وهو مازال يحضر لدرجة الدكتوراة ببريطانيا، على نفقة المجلس البريطاني، وليس على حكومة السودان. كل هذا الثواب لم يرض طموح العصبة المنقذة، بل تاقوا للمزيد بإرهاب مؤسسات التعليم الأهلية حتى لا تطلب خدمات الأستاذ مصطفى. فلا يهم عندهم إن تضورت طفلة الأستاذ مصطفي الصغيرة جوعاً، طالما أنهم يبتغون وجه الله في كل حركاتهم، وسكناتهم.
هذا غيض من فيض ما فعله حكام الإنقاذ بالشعب السوداني؛ قصدنا فيه تسليط بعض الضوء على أمثلة محددة للعنت، والتضييق في الرزق، الذي أذاقه أصحاب المشروع الحضاري لأساتذة الجامعات؛ وهي أمثلة لا تمثل، بالضرورة، أبشع ما تعرضوا له من ظلم، وتعذيب. فإذا كان هذا حال الفئة التي كانت تجلس على قمة الطبقة الوسطي، فما بالك بما لحق بالسواد الأعظم من الشعب السوداني من ضائقة معيشية خانقة، وبطالة مستشرية، وتضخم فاحش، لترتفع معدلات الفقر، ويعم الجوع؛ فيتمظر كل ذلك في شكل انعدام واضح للأمن، وجرائم لم يألفها الشعب السوداني، مثل: ظاهرة الأطفال مجهولي الأبويين، واغتصاب الأطفال وقتلهم، وجرائم السرقات المنظمة، والشيكات الطائرة بسبب الإعسار، الذي لم يطال أهل الحظوة، والسلطان، بسبب استفرادهم بقروض بنك أم درمان الوطني الحسنة، والمحسنة عند الطلب.
أفصح مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة كذلك بالعمل علي رفع مستوى المعيشة، ومكافحة الفقر عبر ديوان الزكاة، ومؤسسات التكافل، التي تعتبر، بلا استثناء، واجهات حزبية تهدف لخدمة أهل المشروع الحضاري وأسرهم؛ وفي هذا يحضرني أحد الأمثلة الصارخة؛ بأن أبرز لنا أحد الطلاب الجدد المقبولين بكلية العلوم على النفقة الخاصة، في إحدى السنوات، صكاً مالياً مسحوباً علي حساب ديوان الزكاة، ليسدد به مصروفاته الدراسية. وللعلم فإن المقصد الأول للدراسة على النفقة الخاصة هو: التمويل الجزئي للجامعات من الطلاب الموسرين، بأن يدفعوا مصاريف دراسية عالية في مقابل قبولهم بالجامعات بنسب تنافسية أقل من زملائهم بالقبول العام. فهل تسديد مصاريف الدراسة على النفقة الخاصة يندرج تحت مصارف الزكاة المحددة شرعاً؟ إن كانت الإجابة بلا، فأترك لك (أعانك الله) استقراء الأسباب التي جعلت ديوان الزكاة يرق قلبه إلي الحد الذي يدفعه لتجاوز حدود الله في مصارف الزكاة، فيقوم بتسديد المصاريف الدراسية لهذا الطالب؛ في حين أنه يستنكف عن تمويل تكاليف العلاج لمرضي، هم في أشد الحاجة لعونه.
مما سبق يتضح أن الإنقاذ قد أفقرت السواد الأعظم من الشعب السوداني؛ في حين أنها أغدقت المال على من كان لا يملك من خشاش ألأرض شيئاً، من منسوبيها؛ فأسسوا الشركات المتنوعة، والمشاريع الزراعية، والمصانع من عرق الشعب السوداني الصابر. ولكي لا نطلق الكلام على عواهنه هنا، فمثلاً نجد: أن عشيرة مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة تمتلك، أو تساهم في أكثر من عشرين شركة؛ وأن وزير الزراعة دكتور المتعافي يحوز على أكثر من ستة عشر شركة؛ ولجمال الوالي حوالي العشر شركات؛ كما أن لوداد يعقوب إبراهيم أكثر من سبعة شركات؛ وغيرهم الكثير ممن لهم مساهمات مؤثرة في شركات هجين (حكومية/خاصة). فكل هذه الشركات والمصانع قد حالفها "النجاح" نظراً لترك الحبل على الغارب لها فيما يختص بتحديد الأسعار، التي ارتفعت بشكل جنوني مما جعل السودان من أغلي البلدان معيشة في العالم؛ كما أن كل مشتريات، وعطاءات الدولة توجه لها بحكم أنها مملوكة لهذه العصبة المنقذة، فجمعوا المال، وعددوه.
في ختام هذا المقال، وبعد كل الذي أوردناه؛ هل تعتقد، عزيزي القارئ، أن مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة يقول الصدق عندما يتحدث عن وعوده برفع مستوى المعيشة، ومحاربة الفقر؟ أترك الإجابة لفطنتك، ولكني أقول وبالصوت العالي: لن يطالكم منه إلا الفقر والمسغبة.
osman30 i [osman30i@hotmail.com]