الاتفاق الإطاري بين الحلم والواقع …. بقلم: رباح الصادق
1 March, 2010
بسم الله الرحمن الرحيم
في الخامس والعشرين من يناير الماضي نشرت حركة العدل والمساواة الدارفورية (مشروع اتفاق إطاري لحل مشكلة السودان في دارفور) احتوى على مبادئ عامة وأسس لتقاسم السلطة، وتقاسم الثروة، والأرض والحوا كير، وشكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة وحدة السودان، والترتيبات الأمنية وحقوق ومستقبل النازحين واللاجئين والمهجرين. وبعد شهر بالتمام والكمال وفي 25 فبراير الجاري تم توقيع (الاتفاق إطاري لحل النزاع في دارفور بين حكومة السودان وحركة العدل والمساواة السودانية) وفي هذه المساحة نتبادل المعلومات والأفكار حول الوثيقتين.
مشروع حركة العدل والمساواة في جوهره مشروع نسخة لاحقة من نيفاشا يكررها بذات عباءتها القومية الشاملة في الخطوط العريضة، مع الحرص على القسمة الحزبية الثنائية من ناحية الاتفاق على نسب للمؤتمر الوطني وللحركة الشعبية في نيفاشا، وتحديد نسب للحركة العدل والمساواة في المشروع المقدم، وكذلك تحديد حقوق إقليمية مفصلة على مقاسات بعض المتضررين فقط؛ ففي نيفاشا تم التركيز على حقوق أهل الجنوب وفي وثيقة العدل والمساواة تم التركيز على حقوق دارفور وكردفان. كما غيرت الوثيقة من التنظير الأساسي في نيفاشا لدولة بنظامين فيدرالية في الشمال/ وكنفدرالية ما بين الشمال والجنوب، للحديث عن دولة فيدرالية بسبع أقاليم هي: كردفان، دارفور، الأوسط، الشمالي، الجنوبي، الخرطوم، والشرقي. على أن تجرى فترة تمهيدية بعد توقيع الاتفاق من ثلاثة أشهر تعقبها فترة انتقالية من سبع سنوات، وتكون الرئاسة في الفترة الانتقالية تناوبا بين الحركة والحكومة على رئاسة الجمهورية، وتتولى الحركة حكم وإدارة كل من دارفور وكردفان والخرطوم وتتقاسم حكم وإدارة بقية الأقاليم بنسب يتفق عليها، وتخصص نسبة 42% من الوظائف الدستوية والتشريعية والتنفيذية والقضائية العليا والخدمة المدنية في كل مستويات الحكم الاتحادي للحركة، مع إعمال معيار التمييز الايجابي بنسبة 25% في التوظيف للخدمة العامة واستيعاب الطلاب في المؤسسات التعليمية العليا لأبناء إقليمي دارفور وكردفان لفترة لا تقل عن 25 سنة، و تشارك حركة العدل والمساواة السودانية في إدارة المؤسسات المالية القومية من شركات وبنوك ومصانع وهيئات بنسبة 42% بالإضافة إلى التمييز الايجابي. بعد الفترة الانتقالية تجرى انتخابات عامة حرة وتكون الرئاسة دورية بين الأقاليم السبعة. على أن يوضع الدستور الدائم عبر مؤتمر دستوري تشارك فيه الأقاليم السبعة ويجرى عليه استفتاء شعبي. بالنسبة للتعويضات الفردية طالب المشروع بتعويض كل نازح ولاجئ ومهجر بخمسة آلاف يورو مع بناء منزل لائق بالمواد الثابتة فرديا، وتعويضات جماعية متمثلة في إعادة بناء وتعمير القرى والمؤسسات الخدمية.
هذه بعض ملامح مشروع الاتفاق الإطاري الذي قدمته حركة العدل والمساواة المشتمل على مطالبات أخرى بشأن الأرض والحواكير وإعادة حدود الإقليم لما كانت عليه عشية الإنقاذ وإقرار مبدأ المحاسبة والعدالة وعدم الإفلات من العقوبة لكل من ارتكب جريمة في حق المواطنين وغيرها من المطالبات، وهي مطالبات تأتي متسقة مع اتفاق الدوحة لتبادل حسن النوايا بين كل من الحركة وحكومة السودان اسما (المؤتمر الوطني فعلا) والذي جرى في 17 فبراير 2009م. ومن غير المتوقع بالطبع أن يتم الاتفاق على كل هذه المطالبات فالحركة تقدم سقف مطالبها، والحكومة تفاوض بملف مبادرة أهل السودان الذي تم تقليص ظل الحقوق الدارفورية فيه بشكل كبير فلم تتم الإشارة لحظوظ دارفور في الرئاسة ولا مسألة الحدود ولا الإقليم الواحد ولا التعويضات الفردية والجماعية ولا مسألة المساءلة عن الجرائم.
المفاوضات بطبيعتها تهبط بسقف مطالبات الحركة وترفع سقف الحكومة المتدني، وهناك عوامل كثيرة تلعب دورها على الطرفين مثل مجهودات الوسيط الدولي والدول اللاعبة في الإقليم، والوصول لاتفاق بين الحكومة وتشاد الراعي الأساسي للعدل والمساواة، ومناخ الانتخابات الذي جعل المؤتمر الوطني يحاول الخروج من عنق الزجاجة والملف الخالي الوفاض من الإنجازات والضاج بالاحتجاجات والتململات بملف إنجازي أو بفرقعة إعلامية حول إنجازات ولو كانت حبرا على ورق.. في هذا المناخ الذي يبحث عن إنجاز وأبواق عالية تم توقيع اتفاق الدوحة الإطاري، فما الجديد في هذا الاتفاق؟
الجديد الذي لا يغالط عليه أحد أن هناك اختراق تم بالجلوس بين المؤتمر الوطني والعدل والمساواة أو هو استمرار للجلوس الذي وصل من قبل باتفاق حسن النوايا في الدوحة قبل نحو عام والذي خرق تعهدات المؤتمر الوطني الخرقاء بعدم الجلوس للعدل والمساواة أبدا بعد غزو أمدرمان في مايو2008م. هذه محمدة كبيرة للاتفاق الجديد. وأيضا أنه صحبه اتفاق على وقف إطلاق النار وعلى تبادل للأسرى وإطلاق سراح المحكومين وقد تم بالفعل من الجانبين بما أوقف تيار المرارات ومشاعر الانتقام المتبادلة نوعا ما. فماذا عن مضامين الاتفاق وهل تعبّر عن طموحات أهل داروفور المشروعة؟
اشتمل الاتفاق على دستة من المواد الأولى حول وقف إطلاق النار والثانية حول إصدار عفو عام عن منسوبي الحركة وإطلاق سراح الأسرى، والثالثة حول (مشاركة حركة العدل والمساواة في السلطة على كافة مستويات الحكم وفقاً لكيفية يتم الاتفاق عليها بين الجانبين) والرابعة بتحول الحركة لحزب سياسي، والخامسة بإدماج قوات الحركة في القوات النظامية (وفقاً لآلية وكيفية يتفق عليها الجانبان)، والسادسة بتحمل حكومة السودان لنفقات قوات الحركة أثناء فترة التجميع والتدريب، والسابعة (يُعاد إلى الخدمة كل أعضاء حركة العدل والمساواة السودانية العسكريين المفصولين والمدنيين المفصولين عن الخدمة ويتم إلحاقهم برصفائهم بالكيفية التي يتفق عليها الطرفان)، والثامنة نصت على تعويض النازحين واللاجئين تعويضا عادلا مركزة على التعويضات الجماعية، والتاسعة (يخضع موضوع إعادة التنظيم الإداري في دارفور لمفاوضات من الجانبين للوصول إلى الاتفاق النهائي.) والعاشرة تنص بإخضاع مواضيع قسمة الثروة والأرض والحواكير لمزيد من التفاوض، والحادية عشر أن تطبيق الاتفاق ينبني (على حسن النوايا وعلى أساس تضامن وشراكة سياسية وفق مبادئ وقضايا وطنية توحد بين الطرفين) والأخيرة أن يتم إعداد البروتوكولات المنفذة وتوقيعها في الدوحة قبل 15/3/2010م.
هذا الاتفاق إطاري لحسن النوايا والنوايا الحسنة قد تكون (دقسة) حينما يتعامل المرء مع المؤتمر الوطني لأن الأصح في التعامل معه هو: سوء الظن من حسن الفطن!
الفرقعة الإعلامية الكبيرة التي صاحبت الاتفاق لم تتناسب مع حجم المتحقق من مطالب أهل دارفور المشروعة والتي عددتها المنابر المدنية والحزبية والدراسات الدارفورية فصارت محفوظة للجميع. لقد تبنت حركة العدل والمساواة في ورقتها كثير من تلك المطالب، وبالرغم من أنها وضعت بعضها في شكل مكتسبات حزبية ورفضت أي تفاوض مع جهات أخرى وقالت إنها الوحيدة التي تمثل دارفور مما يعقد المسألة إذ ينبغي ألا يتم التركيز على من يمثل أهل دارفور من الحركات ولكن التركيز على ما هي مطالب أهل دارفور المشروعة لتتم الاستجابة لها ولتتوحد حولها كل الحركات، وحتى لو تغاضينا عن ذلك كله فإن رصيد المطالب المستجابة في الاتفاق الإطاري الموقع يكاد يؤول للصفر. وضعت لافتات عريضة وتركت التفاصيل لعشرين يوما تالية ليتم التوقيع بعدها على بروتوكولات تفصيلية ملامحها غير معلومة.
الحل الوحيد والأمل أن يتم استصحاب المطالب المتمثلة في إعادة حدود الإقليم مع بقية أقاليم السودان، وحظ الإقليم في الرئاسة، والحواكير لما قبل يونيو 1989م، وفي حظ الإقليم في السلطة والثروة بنسبة حجم السكان، وفي التعويضات الفردية إضافة للجماعية للمهجرين والنازحين واللاجئين، وفي إعادة هيكلة الخدمة المدنية والنظامية بشكل قومي لا حزبي، وفي إعادة الديمقراطية وكفالة الحريات، وفي حسن الجوار مع دول الإقليم والوصول لاتفاقية أمنية معها، وفي عدم الإفلات من العقوبة والوصول لصيغة للمساءلة عن الجرائم التي ارتكبت في دارفور في سني الحرب والوصول لتسوية للملف الدولي.
مسألة المساءلة هذه لها ما بعدها، فيما يتعلق بالمؤتمر الوطني ومرشحه للرئاسة، فهي مطلب حقيقي ويتطلب تنازلات حقيقية من نظام الإنقاذ. وكذلك إصغاء حقيقي للأصوات المخلصة التي ظلت تلح طارقة باب السيد عمر البشير مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة. منهم صوت الأستاذ يوسف علي النور حسن الذي كتب في مجلسة سودانايل الإلكترونية بعنوان: لأننا نحبك يا البشير اسمع ما نقول: (إذا كنت تعتقد يا أخي أنك تسير علي الدرب الصحيح فإننا نقول لك خلاف ذلك وإذا كنت تعرف أنك تسير علي الدر ب الخطأ فنقول لك إتق الله في نفسك وأهلك وفي شعبك حتي لا يذكرك التاريخ بالحاكم الفاسد فإن السمعة أطول من العمر. نحن نحبك سيدي الرئيس أكثر من الذين يكذبون خلف المكبرات لم نأخذ منك شيء ولا نريد منك شيء ولا أنت معطينا شيء ونعلم أن أوكامبو لا يستطيع فعل شيء وإن أراد فنحن نفديك بنفوسنا ولكننا لا نملك لك من الله شيئاً).
وأخيرا ما قاله أول أمس الإمام الصادق المهدي في كلمته بعنوان (خطوة جديدة نحو جمع الشمل في ظل الحزب الأم) التي قيلت احتفالا بالخطوة المتخذة في سبيل لملمة أطراف حزب الأمة القومي، قال: (إنني أوجه نداءً مخلصا للأخ الرئيس عمر حسن أحمد البشير. نداء ليس من حزب ولا جماعة ولكن من شخص أقول: أيها الأخ الكريم إن الذين تعاملوا مع ملف المحكمة الجنائية الدولية لم يحسنوا التصرف). ثم عدد ما يؤكد وقوع جرائم في دارفور، وأن الاتهام فيها قائم ومستمر لا يسقط بالتقادم ولا بالحصانة، وأنه لا يوجد سبيل إلا أن تقف الحركة السياسية بين السيد البشير وبين مجلس الأمن وباقتناعه يقف بينه وبين المحكمة، وختم حديثه بالقول: (نحن نلتزم بتحقيق موقف سياسي موحد إلى جانب هذا التدبير وأن نقنع مجلس الأمن به في معادلة كسبية توفق بين العدالة والاستقرار. سيقول لك بعضهم لا تسمع فإن هؤلاء خصومك. ولكن مهما كان شعورنا نحوك فإن إشفاقنا على السودان غير مشكوك فيه فأمرنا ليس عن كره فيك ولكن عن حب للوطن.)
نعم ملف دارفور يجب أن يعامل بأقصى درجات الإخلاص والمحبة الوطنية، وبعيدا عن مشاعر الانتقام والغضب، ولكن بعيدا أيضا عن أي (حسن نوايا) لا تتبعها تفاصيل وأفعال جادة فتكون بابا لريح جديدة، فالطريق إلى جهنم محفوف بالنوايا الحسنة، خاصة لو كان للمؤتمر الوطني طرف!.. أو كما قيل.
وليبق ما بيننا
Rabah Al Sadig [ralsadig@hotmail.com]