الدبلوماسية وجنقور الدولة (2-2) …. بقلم: خالد موسي دفع الله

 


 

 

Kha_daf@yahoo.com

 

في العرض الذي قدمته الفرقة المسرحية التشادية في مهرجان البقعة الأسبوع الماضي، تحت عنوان (لقاء في الثامنة من مساء الجمعة)،والذي قاده المخرج التشادي عبدالله عبدالكريم الذي تخرج من كلية الموسيقي والمسرح بالخرطوم في بداية عقد التسعينات، دار حوار معبر باللهجة التشادية المحلية المفعمة بالحركات، وإمتداد الأصوات المتفجرة والمهموسة للتعبير عن دلالة الفعل والموقف.دار الحوار بين بدوي من رعاة البقر، وعسكري في السلطة، فقال له مشيرا الي علم الدولة المرفرف في السماء: ما هذا؟ فقال البدوي (ده جنقور ساكت كي)، أي أن هذه خرقة بالية لا يؤبه لها، فغضب العسكري مكررا ذات السؤال، فلما ردد البقاري أجابته السابقة أنتفض العسكري في غضب، وقرر تغريم البقاري عشرين بقرة، لأهانته علم الدولة.ولم يشفع للبقاري جهله برمز تلك الخرقة التي تلوح في الهواء. وهذا مما يطلق عليه في الذهن الشعبي (الصلبتة)، أي أن يتعلق صاحب الغرض بالأسباب الواهية، لأسقاط الحكم المعد سلفا أبتغاءا لمغنم أو إتقاءا لمغرم  مثل قصة القط والفأر في عباب البحر. ولعل الدبلوماسية، خاصة الوقائية منها تقوم لتجنب المغارم من جنس جنقور الدولة المشار إليه. ويظن البعض أن الدبلوماسية هي باب في اللباقة وحسن البيان فقط، أي طق حنك ساكت..وهي صنعة يحذق فنها، من عكف عليها، وتدبر سعيها في مظانها وأصولها السليقية. وكان ذلك مطلب الأعراب في البادية، حيث ألحق أحمد بن الحسين ببادية السماوة في الكوفة ليطلب الفصاحة والبيان، ومن ثم أستوي شاعرا مفلقا، وخنذيذا مجندلا بالقوافي والنشيد، حتي حمل أسم المتنبئ لأنه تعلم من البادية خاصية التنبؤ بنزول المطر.. ولكن الدبلوماسية هي التعبير الناعم عن قوة الدولة الفعلية أو الرمزية،و تعني ببناء النفوذ وزيادة تأثير الدولة في محيطها الأقليمي والدولي،لتحقيق مصالحها القومية، بأقل كلفة ممكنة. فقد أستخدمت قطر دبلوماسية الأعلام، لتكتسب قوة رمزية لا تتسق مع حجم مساحتها الجغرافية أو تعدادها السكاني عندما دشنت قناة الجزيرة لتنقل الأعلام العربي الي آفاق جديدة، غير مسبوقة. وقد تستخدم الآلة العسكرية لتحقيق مصالح سياسية ودبلوماسية، كما حدث في حرب العراق التي وصفها الرئيس السابق بوش الأبن بأنها هدفت لأعادة النفوذ الأمريكي الي مناطقه التقليدية في الشرق الأوسط re-centering of the American power in its traditional spots in the Middle East

يقود التحليل السيسيلوجي للعمل الدبلوماسي، الي أنه أحد منتجات الحداثة،وفي فترة الدولة ما بعد الكولونيالية، تماهي مع التقاليد الغربية السائدة دون البحث عن أصول الهوية الوطنية،ولما جاء الرعيل الأول من لدن البوليس ،الضباط الأداريين، والمدرسين، تم التركيز علي إتقان البروتكول، واللغات، دون الأهتمام بتصميم رسالة دبلوماسية تخرج من شعارات تحرير لا تعمير وتعبر عن هوية الدولة الوليدة، لأن مظان النخب، وموئل الطليعة المثقفة، يجب أن تعبر عن سلوك الطبقة الأرستقراطية المنبتة عن عمقها الأجتماعي.في أطار هذا التماهي مع الثقافة السائدة فقد ترصد وزير الخارجية في بداية عقد السبعينات فاروق أبوعيسي كل من يؤدي الصلاة في أروقة الوزارة، وكان أن وشي الواشون بالسكرتير الثاني حينها والسفير لاحقا أحمد الطيب الكردفاني الذي كان يؤم بعض العمال في صلاة الظهر،وقد ترصده الوزير وضبطه وهو يؤدي المحظور الذي كان يعتبر ضياعا لوقت العمل، و أصدر توا قرارا بفصل الكردفاني، ولكن في صبيحة اليوم الثاني، عزفت موسيقي يوليو 1971، بقيادة هاشم العطا مارشات الثورة،وتبعها بعد ثلاثة أيام عودة نميري مجددا،فضاعت أوراق الفصل في فوضي الثورة الحمراء المجهضة ، فأفلت من عقوبة الفصل. ويذكر الراحل أحمد سليمان في هذا الصدد، أنه عندما كان سفيرا في لندن،زاره وزير الدولة بوزارة الخارجية، وكان في وقتها قامة أدبية مرهوبة الجانب، سامية المقام فوجده يصلي في مكتبه، فما كان منه إلا أن زجره قائلا (كبير كده قايم وقاعد زي الأهبل)..وذكر آخر في مذكرات شفاهية متناقلة أن سبب أختلافه مع الدكتور منصور خالد رغم علاقات الجوار الأمدرماني الحميم هو تلك المليحة الكندية، التي تقاسما معها الأنس الجميل بين لندن والخرطوم، مما أضطر الوزير الي نقله الي منفي دبلوماسي قاحل  . وقد بلغ الحرص علي المال العام من بعض السفراء أثناء فترة الضيافات الكحولية مثل السفير عباس موسي، في بغداد وكان صارما عفيفا لا يقربها أو يعب منها، أن قام بتعليم زجاجات الخمر،بالقلم الشيني بعد قلبها رأسا علي عقب حتي يعرف عبوتها،عقب كل حفل منعا للتلاعب بها من قبل سدنتها وحراسها. وبعد أن ألغت الدولة تقاليد الضيافة الكحولية في المناسبات الرسمية، أصبحت تبرعات سفارات السودان في المناسبات الجماعية المختلفة مثل الأحتفال بيوم أفريقيا، مدعاة للهزل والسخرية، لأن صفة التبرع معلومة وهي قوارير المياه، والمشروبات الغازية. ولكن مع مرور الوقت أصبح هذا السلوك مصدرا للكرامة الوطنية وعلامة تجارية مسجلة للسودان. وفي هذا الصدد فقد كشفت صحيفة الأندبندنت عن قائمة الهدايا التي تلقاها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير،والتي لا يحق له تملكها لتجاوز قيمتها المادية السقف الذي حدده القانون.وعثر ضمن القائمة علي زجاجة خمر معتقة باهظة الثمن أهديت له من قبل مسئول رسمي لدولة تحارب في قانونها تعاطي المشروبات الروحية.فطارت بالخبر الصحف.

يتعلق الكثيرون بأكذوبة العصر الذهبي إنتصارا لجيلهم،وقد وجدنا جيل أكتوبر، أكثر الأجيال تمسكا بألقابه الزاهية ومجده الأدبي والسياسي،لأنه فتح لهم طريق الريادة، وتسنم القيادة الي يوم الناس هذا، كأنه جيل الله المختار في السودان.وتكشف الحلقات التي أعدها الصحافي الحصيف محمد علي صالح في واشنطون من أضابير وثائق الخارجية الأمريكية،عن ذهبية ذلك الجيل، الذي عاش عصره، وتحديات أقداره، بمزيج من المبدئية والأنتهازية السياسية. كما يعيش الجيل الراهن تحدياته المعاصرة متأرجحا بين المبدئية والأنتهازية التي أصبح أسمها النفعية التسهيلية.لذا ليس هناك فضل بين السابق واللاحق، لأن كليهما تصرف بما تقتضيه ظروفه وأقداره، أي ليس هناك عبقرية مخصوصة ظفرت بها الأجيال السابقة، وحرمت منها الأجيال اللاحقة. فما هي العبقرية إذن في السعي بين السفارات لأستقطاب الدعم المادي للعمل الحزبي الصرف؟.في التقرير الذي أعده السفير الأمريكي بالخرطوم في يوم 4 أبريل 1957،عن مقابلته للسياسي و الدينمو يحي الفضلي، قال السفير في تقريره أن الأزهري أرسل يحي الفضلي بحثا عن مساعدات مالية للحزب، بعد ان جفت المساعدات المصرية بعد انشقاق حزب الشعب الذي يمالئ الختمية، والذي استحوذ على نسبة كبيرة من المساعدات المصريةخاصة بعد ان تحول الازهري من الحكومة الى المعارضة، ولم يعد فعالا بالنسبة للمصريين ...وكان عبدالله خليل قد ساند الحزب الأتحادي لطلب المال من السفارة الأمريكية بالخرطوم حتي يبتعد عن النفوذ الشيوعي. وذكر التقرير أن السفير البريطاني بالخرطوم سبق وأن أبلغ السفير الأمريكي بان الحزب الاتحادي طلب، عن طريق وسيط، مائة الف جنية، قبل حرب السويس (سنة 1956، عندما اشتركت بريطانيا وفرنسا واسرائيل في احتلال قناة السويس، بعد ان امم الرئيس عبد الناصر قناة السويس).  وقال السفير البريطاني ان الحزب الاتحادي، ربما بسبب نفقات بريطانيا في الحرب، خفض الطلب الى خمسين الف جنية.  لكنه لم يلغ الطلب، رغم انه ادان العدوان على مصر. وأتهم الفضلي الختمية بالحصول علي أموال من السفارة المصرية، كما أن حزب الامة يحصل، بطريقة غير مباشرة، على مساعدات من الولايات المتحدة، عن طريق السفارة السعودية، والسفارة الاثيوبية، بدعوي وقف المد الشيوعي في السودان.

هذا السلوك السياسي في لغة اليوم يسمي عمالة،وأرتهان لأجندة الأجنبي. ولكن في المصطلحات السياسية القديمة يعتبر هذا السلوك ضربا من الفهلوة السياسية لأستقطاب دعم الدول والسفارات الأجنبية للتقوي به علي الأحزاب المناوئة لأنها أيضا تتلقي دعما من الحكومات الموالية والسفارات الأجنبية بالخرطوم.

وقفت علي مقولة للراحل العبقري السفير عبدالهادي الصديق وهو يخط نقوشه الشهيرة علي قبر الخليل إذ قال: أدركوا القدامي ، أما الدبلوماسيون الجدد فأمامهم مزيد من الوقت ليتعلموا. ويحكي عن الأستاذ أحمد خير وزير الخارجية في عهد عبود وصاحب فكرة مؤتمر الخريجين، ومؤلف كتاب (كفاح جيل) الذي يعتبر أنجيل الحركة الوطنية كما وصفه البروفيسور مدثر عبدالرحيم، بأنه كان يطلع علي كل المكاتبات الواردة الي الوزارة، وكان لا يتردد في كتابة جملة واحدة This is rubbish فهل كان جيل العباقرة يستحق أن تكتب له هذه الجملة في تقاريره ومذكراته.

ليس في هذا قدحا في جيل الرواد الوطنيين،الذين يحفظ لهم التاريخ مواقف مشرفة،وأنجازات باهرة، ولكن الأرتهان للماضي، وأعتقال الناس تاريخيا في محطة أكتوبر، لا يعني تجريد الجيل الراهن عن أنجازاته التي يستحق أن يحتفي بها، وألا يكون ضحية للنوستالجيا، والنزعة الماضوية لمصادرة مستقبله.فجيل الدبلوماسية الراهن يظن أنه تعرض الي تمحيص وأبتلاء عظيم.فهو قد عاصر أنهيار الأتحاد السوفيتي،وبروز عصر الهيمنة الأحادية، وشاهد خيوط العزلة والعقوبات وهي تنسج حول السودان تارة بالحرير وتارة بحبل المسد الغليظ،وذاق مرارة التصنيف في قائمة الدول الراعية للأرهاب ودول الضد والعقوبات الأقتصادية والتجارية،والعزلة الدولية،وكابد رهق أصدار القرارات الدولية من مجلس الأمن ، وعاصر حرب السودان عن طريق جيرانه، وأنفجار الحرب في دارفور،وكابد الكوارث الأنسانية ، وتدفق اللاجئين،وأنتشار معسكرات النازحين.صبر هذا الجيل علي مرارة الطرد من المنظمات، ومظاهر التحرش السياسي والأجتماعي في المنابر العامة، واجه التشهير والقذف ، وأغتيال الشخصية والحرب المعنوية القاسية، كما تعرض للأعتداء أثناء فورة المظاهرات، ودمغ بصفات سلبية كثيفة لعل أقلها أنه من مصاصي الدماء ومغتصبي النساء ومسترقي العبيد ومضطهدي المسيحيين.تعرضت مجموعات منهم لمحاولات أغتيال وأعتقال في يوغندا ، أثيوبيا، تشاد،أرتيريا والصومال. شارك هذا الجيل في صنع السلام ، ووقف الحرب الأهلية بعد عقود متطاولة من الدماء، ويشارك الآن في صنع السلام في دارفور.

 ويحفظ التاريخ للطاقم الدبلوماسي في طهران في منتصف الثمانينات أثناء حرب الخليج بين العراق وأيران، أنه دفع ثمن التجاذبات السياسية للحزبين الحاكمين ، إذ مال أحدهما الي جانب العراق، فيما أيد الآخر موقف أيران.وقد أنعم رئيس الدولة الأيرانية حينها علي القائم بالأعمال بوسام رفيع من الدولة، عرفانا وتكريما للدبلوماسية السودانية التي صمدت في فترة الحرب،في وقت كانت تنهمر فيه الصورايخ علي الرؤوس،والتهديدات بالأغتيال تملأ باحة السفارة صباح مساء. وساعد هذا الصمود، والقدرة علي تخريج مواقف الحزبين المتناقضة علي بقاء العلاقات الثنائية بين الخرطوم وطهران حية ونابضة في أوقات عصيبة ،ومنعطفات تاريخية مستحيلة.  المعتزون بهذه التجربة يظنون – ربما لا أوافقهم في ذلك- ، أنهم تعرضوا لأبتلاءات وتمحيص أكثر من السابقين، الذين أنحصر تحديهم الأكبر في أتقان التقاليد البروتكولية، وحذق مفردات الخطابة والبيان، حسب الأعراف الدبلوماسية السائدة.لذا لا يعقل أن يبخس أحد كسب هذا الجيل، أو أن يقلل من التضحيات الكبيرة التي قدمها عقلهم الجمعي قربانا لهذا الوطن. أيعقل بعد كل هذه التجارب، والمدافعات أن يتهموا بالضعف المهني أو الخور المعنوي. ولكن رغم هذه الأنجازات،فأن تجاريبهم مليئة بالثقوب والعيوب طبيعة كل كسب بشري،ربما يكون قد قل بينهم الأدباء،من ذوي العطاء الباذخ،والثقافة الموسوعية. وربما لن تجد من يلامس قامة جمال محمد أحمد، أو محمد المكي أبراهيم أو عبدالهادي الصديق أو فخر الدين محمد،ولكنك بلا شك تجد بينهم الشاعر الخنذيذ، والأديب الأريب، والمتحدث الذرب واللماح الفطن، بما يتناسب ومقتضيات عصرهم،وضرورات كسبهم. وهم بذلك يدافعون عن هويتهم التاريخية ويحفظون خصوصيتهم الذاتية . وأمعانا في رحلة البحث عن الذات، وتكريسا لهذه الخصوصية لم يغرهم  أن يكونوا أستنساخا مشوها من منصور خالد في الدبلوماسية، أوجمال محمد أحمد في الأدب، أو محمد المكي أبراهيم في الشاعرية. أو كما قال الأمام المهدي لكل عصر حال، ولكل زمان وأوان رجال. من أين أتت عقدة تفوق الأجيال هذه؟.

هذا الجدل يسلط الضوء علي ما أسماه الفرنجة الفجوة الجيلية،Generation Gap وهو مصطلح ساد في عقد الستينات في الدول الغربية،حيث فشا الأختلاف بين الأجيال الناهضة،والناضجة، وربما تكون أظهر أثرا بين جيل الأبناء والآباء. ورغم طبيعة وصيرورة الأختلاف في المجتمعات البشرية عبر التاريخ، إلا أن الفجوة الجيلية أكتسبت خصوصيتها من أتساع الفارق الثقافي سيما في نواحي التذوق الموسيقي، وثورة الأزياء والموضة،ونوعية التيارات السياسية والثقافية السائدة.ومع أتساع قاعدة الشباب العددية،وتنوع مشاربهم الثقافية نشأت قوة غير مسبوقة، أستطاعت أن تتمرد علي الأنماط والتقاليد السائدة التي أرساها الكبار في المجتمع. وتعمقت الفجوة أكثر في فترة ما بعد الحرب، حيث أتسع الفتق أكثر مع أكتساب جيل المراهقين هوية جدية لظهور موسيقي الروك أند رول، وأنتشار ثقافة التلفزيون، وأفلام المتوحش الأول،وأنطلاق الحرية الجنسية وسط المراهقين.

إن كل من يعلي من شأن جيله،ويقلل من شأن الأجيال اللاحقة ينتمي الي ما يسمي baby boomers وهم جيل الآباء الذين ولدوا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهم رغم رفضهم التلقائي للتقاليد الكلاسيكية،إلا أنهم حظوا بأمتيازات مالية وصحية أكثر من جيل آبائهم،لذا توقعوا أن يترقي العالم حسب طموحاتهم.ولعل أوضح مزاياهم، هو أعتقادهم أنهم جيل خاص لا يرقي من سبقهم الي مصاف صفاتهم ومناقبهم الذاتية.ويعود اليهم الفضل في تصنيف المجتمعات بالحقب الجيلية. وتكريسا لهذه الخصوصية،أسموا الأجيال اللاحقة X  وY، وهما رمزان أصطكهما روبرت قابا ليصف ثقافة وتطلعات جيل ما بعد الستينات. ففي بريطانيا مثلا وصفت جين ديفرسون هذا الجيل، بأنه يألف الجنس قبل الزواج، ويكره الملكة، ولا يحترم الآباء.

ورغم تعافي السودان من هذه التصنيفات الجيلية الحادة، إلا أننا نرفض أن يحتكر جيل أيا كان كسبه، فضائل التميز والعبقرية علي حساب الأجيال اللاحقة. لأن كل جيل يعيش أقداره الغلابة، وتحدياته المتقلبة حسب طاقته وأستعداده، وكسبه. فأذا كان ذلك ديدن المجتمع فأن تلك القاعدة أولي بالرعاية في المسارات المهنية خاصة في دائرة الخدمة الدبلوماسية وغيرها من مؤسسات الشأن العام في البلاد..

هذا الجيل يتشرف بأن يقبل بكثير من الود والعرفان أبوية الجيل السابق، ولكن دون إلغاء لهويته ، أو تقليل لمكتسباته، أو تبخيس لأنجازاته. وللتدليل علي أبوية الأجيال السابقة يحكي السفير أبوبكر عثمان محمد صالح في مذكراته (في بلاط الدبلوماسية والسلطة) قائلا أنه في فترة عمله في سفارة القاهرة في بداية عقد الستينات كان أن زامله الدبلوماسي أبو بكر عثمان محمد خير، وقد أدي تشابه أسمائهما لأرتباك كبير في العمل، وللتفريق بينهما أصطلح علي تسمية أحدهما أبوبكر الأحمر، والآخر أبوبكر الأزرق حسب لون البشرة السائد. وعندما جاء الفريق أبراهيم عبود في زيارة للقاهرة، ناداه أحد حاشيته بأسم أبوبكر الأحمر، فأنتفض عبود سائلا عن سر هذا الأسم، حيث غلب عليه الظن أنه شيوعي، وكان يكره ذلك التوجه، فقال له أحد مرافقيه من السفارة وكان يعلم ميول أبوبكر صالح اليسارية في الجامعة، تلك صفته، فغضب الرئيس عبود، متسائلا كيف تسمحوا لشيوعي بالعمل دبلوماسيا في سفارة السودان بالقاهرة،وكاد أن يصدر أمرا فوريا بفصل الدبلوماسي أبوبكرعثمان محد صالح، لولا أن أسرع أحدهم ليشرح له سر التسمية للتفريق بينه وزميل آخر بلون البشرة.فما كان من عبود إلا أن أقترب منه معتذرا وقائلا: ( معليش يا أبني، أعفي لي..  كنت حأخش في ذنبك).  

 

آراء