تعظيم سلام للبشير وصوتوا لفلان الفلاني … بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
25 April, 2010
استعجبت للطريقة السهلة التي حولت بها الإنقاذ أعوامها العشرين فينا إلى مأثرة. فأكبر دعواها لنا لننتخب مرشحيها هو سبقها إلى الإنجاز. وبإنتخابها تستكمل ما بدأت. فكثرت إشاراتها للطرق والكباري والبترول والمستشفيات والسدود والمياه وغيرها. ولا يجرؤ على مثل هذا التطفيف في الحساب أو الاستعباط إلا من لم "يتمتع" بمعارضة ماكرة.
مثل هذه المعارضة لا تكتفي بوصف الإنجاز المزعوم للنظام كمجرد "موبقات" كما يفعل السيد الصادق المهدي يتبعها ب "المنجيات التي قوام برنامجه الإنتخابي. فهذا التكييف (مهلكات ومنجيات) متعسف لأنه "مانوي". أي أن الأشياء عنده (يا أسود يا أبيض). وهي عقيدة العالم الفارسي "مان" الذي اعتقد أن العالم مدفوع في حركته بصراع أزلي بين الخير والشر. فالسيد الصادق قريب من هذه المعني. فالإنقاذ عنده كتلة موبقات. ولكنها للاسف جعلت من "موبقاتها" منجزات ولا تجد مستمعين لها فحسب بل هناك من يطلب منها أن تشمله من جديد بنعمها. بل هناك من يبتزونها بأصواتهم لتلك الغاية. ولذا نجدها تبالغ في المكرمات الأميرية: جامعات، تشغيل شباب عاطلين، صرف متأخرات معاشات ومما جميعه.
فترة الإنقاذ هي التطبيق الأطول والأسوأ لنظرية أن بناء الوطن لا يكون إلا خصماً على الحرية. فالحرية بزعم هذه النظرية معوق للتنمية التي لا صوت يعلو فوق صوتها. وقد تنبه بابكر بدري إلى عواقب طلاق الحرية عن التنمية. قيل له إن مستر برامبل، مفتش أم درمان الذي سٌميت به سينما برامبل، قد طوَّر أم درمان فعبَّد الشوارع ونظم الحارات وغيرها. فقال: "لقد عمَّر المدينة وخصى رجالها". وعقيدة التنمية الطالق من الحرية جربناها ب "أحكموا علينا بأعمالنا" التي هي شعار نظام الفريق عبود. وعليه فالمواطن مدعو للحكم على النظام بما فعل لأنه ليس طرفاً أصيلاً في النقاش حول ما ينبغي أن يفعله النظام. وفعلها نميري حين أذاب كل السلطات في يده وجعل التنمية وثناً سدنته التكنوقراط.
وكذلك فعلت الإنقاذ. وها هي تعرض مأثرتها على الناخبين. وهي تفترض أنها أروع ما وقع لنا. وتنسى أنها بعد هذه العمر الطويل في خدمتها الممتازة المزعومة ما تزال تعد مدناً كبيرة بما تقوم به عادة المجالس المحلية من شفخانات وآبار. ولا تدخل الإنقاذ في معادلتها أن سنيها العشرين الكثيرة فينا استكفت بها دول أخرى مثل ماليزيا فخرجت من ربقة النقص المعيب في الخدمات الأساسية إلى النهضة. ولم أسمع بعد من صفوتنا رأياً راجحاً حول تباهي الإنقاذ بكباريها مثل قول واحد من العامة. قيل له إن الإنقاذ بنت جسراً بين رفاعة والحصاحيصا فقال: "طيب. لو قطعت بالكبري من رفاعة للحصاحيصا حألقى شنو مختلف؟". وهذه هي الكباري التي لا تفضي إلى شيء.
ليس من فقه التصويت في الإنتخابات أن يكون لصاحب المأثرة المزعومة. فقد سقط حتى ونستون تشيرشل في انتخابات 1945 وهو الذي قاد مقاومة بريطانيا لغزو المانيا النازية . . . حتى انتصر. وسبب هزيمته أن حزب العمال بدا للناس كالحزب البديل موضع الثقة لتنفيذ برنامج دولة الرعاية الاجتماعية التي بشَّر بها بينما كان من رأي تشيرشل ان بريطانيا أفقر من أن تقيم دولة الرفاه. وسقط مثخناًً بمأثرته الماضوية ليصوت الإنجليز لحزب استعد لمأثرة جديدة: دولة الرفاه في ظروف ما بعد الحرب العالمية التي برزت للعيان فيها الدولة السوفيتية الاشتراكية الجاذبة. وكان شعار حزب العمال: تعظيم سلام لتشيرشل لكن صوتوا للعمال.
هل بوسعنا أن نقول: تعظيم سلام للبشير وصوتو للحزب الفلاني الفرتكاني؟ إذا خاض الإنتخابات أصلاً.
(IbrahimA@missouri.edu)