مجلس (الشعب) الدولي، وسقوط العقيد من الخارج
لأول مرة في التاريخ، علي ما يبدو يسقط نظام حكم من الخارج، دون ان يكون في حالة حرب مع دول او حتي دولة واحدة خارجية. حدث ذلك مع نظام العقيد القذافي (القائد الاممي)، الذي أصبح بلا جيوش أممية او محلية، وإنما بمليشيات غامضة وجيوش مرتزقة يتولى قيادتها أبنائه. لقد تقطعت أوصال النظام من أطراف البلاد الداخلية التي تمردت علي نظام الحكم انطلاقا من بنغازي. هذا في حد ذاته لا يشكل أمرا غريبا، اذ كثيرا ما يزحف الثوار علي عواصم بلدانهم من مناطق اخري. الغريب هو الاستقالات الخارجية التي حدثت بمجرد اندلاع العنف في ليبيا. استقال السفراء بسفاراتهم بموظفيها وأصولها وأموالها، وقياسا علي دور سفارات العقيد القذافي فان خزائنها تمتلئ بالأموال، يعني ذلك ان السفراء قد أعلنوا استقالاتهم وهم في كامل الثراء. هل فعلا انحاز هؤلاء السفراء الي الشعب؟ أين كانوا إذن حتي صباح اندلاع الثورة في بلادهم؟ هل كانوا مجرد موظفين، لا يعصون ما يأمرون به من قبل مخدمهم القذافي، ام أنهم كانوا ممثلين لبلادهم في الخارج؟ من الذي أعطاهم التفويض بتمثيل الشعب الثائر والحديث باسمه والدفاع عن مصالحه، بعد ان كانوا يؤدون تلك الخدمة بكل شرف وتفاني لمصلحة نظام العقيد؟ ماذا يقول القانون الدولي حول كل ذلك؟ ام هل تفويضهم هو (تفويض ثوري من طراز جديد)؟ هل من الممكن التخلي عن المسؤولية والإفلات من أي تبعات هكذا وبمجرد إعلان الاستقالة وبدون أي جرد للحساب؟ وإجراء عمليات التسليم والتسلم للسفارات بملفاتها وممتلكاتها؟ لمصلحة من كل هذا الخداع الكبير؟ سيحتاج الأمر لويكليكس كبير لحل هذا اللغز.
يمكن القول ان القانون الدولي والشرعية الدولية نفسها قد دخلت في مأزق قانوني وأخلاقي. لا زال نظام القذافي يحكم نظريا علي الأقل ، في نفس الوقت نجد ان مجلس الأمن قد جرده من أي حق تمثيلي له وقد قبل المندوب الليبي الدائم في الأمم المتحدة ممثلا لشعبه دون تفويض من الشعب، أي انه قبل استقالة السفير وقام بتعينه ممثلا للشعب الليبي وتقبل دموعه بنبل دولي يقطع أنياط القلوب، بل قام السادة والسيدات الممثلين لحكوماتهم بتطييب خاطر السفير الليبي ومواساته. انه نفس السفير الذي كان يستميت في الدفاع عن القائد الاممي والذي انقلب ممثلا لشعبه دون تفويض من احد؟ الم يكن من الأكرم للسفير الاستقالة والابتعاد عن مقعده وترك المجال لأعضاء مجلس (الشعب) ( Sorry) (الأمن) الدولي، الممثلين لحكوماتهم والراعين لمصالحها القيام بذلك؟ الا يذكر هذا المندوب ما حدث قبل أيام قلائل من وقوف هذا المجلس عاجزا أمام الفيتو الأمريكي المعطل لإدانة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية العاصمة الشرعية لدولة فلسطين الافتراضية التي اعترفت بها العديد من دول امريكا اللاتينية دون ان تتبعها دولة عربية واحدة؟ لماذا يدافع هذا المجلس عن الشعب الليبي ضد مجازر العقيد ولا يدافع عن الشعب الفلسطيني ضد مجازر الدولة اليهودية (الدينية).؟ هل الحقوق قابلة للتجزئة؟ هل الأشخاص الذين يموتون في فلسطين وفي مشارق إفريقيا ومغاربها من قبل الأنظمة الديكتاتورية ليسوا بشرا؟ أم أن دمائهم رخيصة غير مزكاة ببترول وسيولة بنكية يسيل لها اللعاب؟ هل تحول مجلس الأمن الدولي الي مجلس (الشعب) الدولي؟اذا كانت الإجابة نعم فليخلص هذا المجلس جميع الشعوب المضطهدة وليطرد ممثليها من أروقته وليدعو مجلس الناتو للانعقاد وليجمد الأموال ويفرض الحصار علي الدول ذات الأنظمة المماثلة لنظام القذافي او حتي الأكثر قسوة منه. هل سيتعامل مجلس الأمن و (المجتمع الدولي) مستقبلا، مع جميع الشعوب بلهذا المبدأ ويحول موقفه هذا لسابقة قانونية؟
لا يوجد شخص في العالم يؤمن بحرية الشعوب وحقها في العيش بكرامة وان تنال حقوقها لا يدعم ثورة الشعب الليبي ولا يقف معها، كما لا يوجد أي شخص لديه ذرة من الإنسانية لا يدين مجازر نظام القذافي الوحشية ضد شعبه الأعزل المنتفض ضد ظلم السنين والمتعطش للحرية والديمقراطية واسترداد كرامته. الا أن من قام بالثورة في ليبيا هو الشعب الليبي. لم يقم بها سفراء النظام الذين تقلبوا في نعمه لسنين طويلة بينما كان يعاني الشعب من الحرمان والظلم والاضطهاد. من جانب اخر فان مجلس الأمن قبل انتفاضة الشعب الليبي هو نفسه بعدها، كذلك مجموعة العشرين والاتحاد الأوربي وحلف الناتو، الذي تغير هو موقف الشعوب العربية من حكامها وتمردها عليهم. إلا أن لعبة المصالح كانت واضحة في ثورة الشعبين التونسي والمصري وها هي تأخذ شكلا جديدا غير مسبوق مع ثورة الشعب الليبي، وهكذا ستتلون المواقف الدولية وفقا لتنوع المصالح وطبيعتها في أي دولة من الدول التي تشهد، او ستشهد ثورات للشعوب.
هل يترك العالم الشعب الليبي ينجز ثورته بنفسه ويقدم له دعما مشروعا بالتساوي مع الشعوب الاخري دون اعتبارات المصالح النفطية والخوف من زحف الفقراء الأفارقة (المقملين، حسب وصف القذافي لشعبه) الي أوربا المغتسلة النظيفة المستدفئة بالنفط الإفريقي؟ هل من الممكن ان يستقيل السادة السفراء والوزراء ويذهبون الي منازلهم او يشترون منازل بمخصصاتهم القابلة للتحويل الحر في دول أجنبية ويعيشون بهناء مع أسرهم دون المتاجرة بثورة الشعب الليبي. ان ما يقوم به العالم اليوم ممثلا في اوربا وامريكا، وخدام النظام السابقين ما هو إلا إجهاض مبكر واستباقي لثورة الشعب الليبي ومصادرتها او الاستيلاء عليها. اما فيما يتعلق بمصير العقيد القذافي وأبنائه فيبدو انه قد تقرر من قبل الشعب الليبي الذي سيقتص لنفسه من السفاح دون الحاجة لمحكمة الجنايات الدولية التي اكتشفت فجأة جرائم القذفي.كلمة أخيرة للذين لا يفهمون منطق الثورات العربية ويتخبطون في قراراتهم، نقول لهؤلاء متي كانت الثورات مفهومة لكم؟ أما بالنسبة للإخوة الليبيين المقيمين في الخارج الذين يتحدثون للفضائيات (خاصة الاوربية) ويصفون بعض مرتزقة او مؤيدي القذافي بأنهم، أفارقة وسود وفي بعض الحالات (عبيد) نقول لهم ان ليبيا دولة افريقية، اللهم إلا إذا كنتم تريدون نقلها بعد سقوط العقيد الي القارة الأوربية.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]