قبيلة الأرتيقة والحمران البجا و المك نمر

 


 

 



jbamkar@yahoo.com



قبيلة الحمران تسكن شرق القضارف وعلى ضفاف نهر سيتيت وأعالي نهر عطبرة وعلى ضفاف نهر باسلام ويحد الحمران من الشمال الهدندوة ومن الجنوب الضباينة ومن الشرق الباريا والبازا والاساورتا ومن الغرب الشكرية والحمران بجا وهم فرع من فروع قبيلة الارتيقة بشرق السودان وقد هاجروا من سواكن حتى استقروا في موطنهم الحالي منذ قرون وقد تعربوا وأصبحت لغتهم اللغة العربية رغم بقاء الثقافة البجاوية سائدة بينهم فهم كانوا يربون شعر رؤوسهم كبقية البجا ، ونساؤهم لا يحلبن المواشي ولا يذكرون أسماء أمهاتهم ويقدسون ويحترمون النسيبة ، ويعزفون الموسيقى على الباسنكو أي الربابة وعاداتهم مثل عادات البجا تماماً وطقوسهم في الأعراس والمآتم والختان والحرب تطابق طقوس وعادات البجا .. وهم مقسمون إلى فروع هي :

1/المحمداب            2/الجيقناب

3/المرعياب           4/ العبسياب

5/العريباب            6/ الكريماب

7/المحلقاب           8/ الضراراب

9/الرياناب           10/العطواب

1/ الشرفه

ظاهرة استعراب الحمران ليست ظاهرة شاذة أو غريبة فكل القبائل البجاوية الطرفية معرضة لهذه الظاهرة وخيرمثال لذلك القبائل البجاوية الموجودة بنهر عطبرة من بشاريين وهدندوة وأمرار بل أنني اعتقد أن كثيراً من القبائل العربية باواسط وشمال السودان قبائل بجاوية مستعربة أدعت النسب العربي بتأثير الإسلام وبحثاً عن المكانة الاجتماعية والشرف .





قبيلة الأرتيقة :

وصفهم بول في كتابه تاريخ قبائل البجة على لسان دوين أحد الكتاب الفرنسيين " كانت تعيش بسواكن مجموعة صغيرة من الحدارب الذين اشتهروا بالتجارة والسفر وبعلاقاتهم الحميمة مع الآخرين، رغم أن عددهم كان بسيطا إلا أنهم كانوا مؤثرين بفضل ذكائهم ومقدرتهم على استيعاب وسائل التقدم التي وفدت إليهم عن طريق الأوروبيين" ( ) ويوضح لنا بول في كتابه في نفس الصفحة0 أن الأرتيقه الذين اكتسبوا مكانة اجتماعية مرموقة وسط البجة بفضل هجرتهم المبكرة للمنطقة0 قد أعانهم دهاءهم ومكرهم وطموحهم الشديد لكي يحافظوا على تلك المكانة، والتي دعموها بالتزاوج مع أهل المنطقة 0 وعلى أثر طرد البلو في بداية القرن السادس عشر 0 استلم الأرتيقه زمام الأمور في سواكن وورثوا عن البلو إمارة سواكن بالإضافة إلى الاسم البجاوي القديم حدارب الذي كان يعرف به البلو في الماضي وأصبح يطلق على زعيم الأرتيقه لقب أمير الحدارب0

وصفهم محمد صالح ضرار في كتابه عن تاريخ سواكن، فقال: (الأرتيقه هي القبيلة الوحيدة الموفقة في الصلح بين المتخاصمين في شرق السودان، وهم مستعدون لبذل أموالهم في سبيل إرضاء المتخاصمين، ولو كانوا من قبيلتين مختلفتين، ويعترف لهم كل من له معرفة أو إلمام بعادات أهل هذا الإقليم وأصعب القضايا والمشكلات هي تقدير الجروح 0 ولهم ماض مجيد في الصلح 0 تشهد به مدونات التاريخ0 وأول ما يبدأ به الأرتيقه عند اجتماع المتخاصمين هو أخذ العهود والمواثيق على عدم الاعتداء ويسمونها (القلد)0 والقضايا مهما تعقدت لا ييئسون من البت فيها بصلح يرضي الفريقين المتخاصمين حتى يصادفهم التوفيق0 والأرتيقه هم نعم الأصدقاء عندما تدلهم الخطوب وتتساقط الملمات والنوائب على صديقهم0 فينجدونه بالمال والنفس والنفيس حتى تنقشع عنه تلك المصائب والنكبات وفي الشدائد والملمات لا يتوانون عن بذل أموالهم ودمائهم في سبيل إنقاذ صديقهم مهما كلفهم الأمر0)

ويقول المؤلف: (إن ما دونته من أخلاق هؤلاء الغطاريف ماهو إلا عن معرفة حقيقية، وخبرة تامة ، ودراسة مستوفاة عن كثب يندر أن يعلمها غيري لأنني خبرت بيئاتهم ودخائلهم وخصوصياتهم وعموميا تهم في سواكن وتوكر وكسلا والعقيق فهم القوم الذين يضرون أنفسهم في سبيل منع الأذى عن أصدقائهم)( )

وفي كتابه تاريخ شرق السودان يقول ضرار (اشتهر رجال الأرتيقه بخبرتهم الواسعة بأصول التجارة والزراعة وإدارة الأحكام بين القبائل والصلح بين المتخاصمين لأنهم اعرف أهل هذا الإقليم بأخلاق وعادات القبائل التي تسكنه ولا يبالون بالأخطار التي تنتابهم في رحلاتهم البرية والبحرية ، ويجتهد تجارهم في مصاهرة رؤساء القبائل التي تقطن في طرق سيرهم ، ولن تجد قبيلة في هذه البوادي خالية من رجل من الأرتيقه خصوصا مدن القطر الرئيسية0 وكانوا من أغنى وأكبر التجار الذين يرتادون أسواق شندي والأبيض والفاشر وسنار ، ويتمتعون بثقة ملوكها ، وهؤلاء الرواد هم أشرف بيوتات سواكن، ولذلك لا يصبرون على ضيم، ولا يتحملون أقل إساءة في دار الغربة، فأينما حطوا رحالهم يلاقون كل مودة ومجاملة واحترام من القبائل التي في طرقهم 0 وهم أي الأرتيقه يعتبرون كل من سكن معهم في مدينتهم فرداً من قبيلتهم، كما أنهم يترفعون عن مزاولة المهن الحقيرة فكان يتولاها عندهم الأرقاء والمماليك( ) )

كما أن الأستاذ ضرار صالح ضرار كتب في كتابه هجرة القبائل العربية إلى وادي النيل:

(هبط الحضارمة " الأرتيقه " في سواكن وبدءوا في مصاهرة زعماء البجة حتى يأمنوا على أنفسهم وأموالهم غائلة الإغارة والمشـكلات0 وأخذوا يمارسون تجارتهم بهمة ونشاط 0 فلما استقر بهم المقام في سواكن وما حولها أظهروا شمائلهم التي عرفوا بها والتي كانت تتمثل في الصدق والأمانة وحسن المعاملة بالإضافة إلى الابتعاد عن كل ما يمكن أن يسئ إليهم من قريب أو بعيد0 وكانوا لا يعتدون على أحد من أبناء البجة ، ولا يثيرون أي فرد من الأهالي الذين كانوا يسكنون معهم0 وكانوا بما عرف عنهم من خلق حسن ، وخلال حميدة قد جعلوا من أنفسهم سادة ونبلاء وأشرافا مما أجبر البجة أهل البداوة أن يحترموهم ويقبلوا على توقيرهم وأطلق الأهالي عليهم لفظ "أرتيقه" وهي كلمة تحمل معنى الزعامة والنبل والشرف والسيادة 0 كما أنها كلمة لا تطلق إلا على أبناء هذه القبيلة)0( ))

أخذ نفوذ الأرتيقه الاقتصادي يتزايد وينموا ليصبح نفوذا سياسيا أيضا0 وقد وصل ذلك إلى القمة في سنة 663هـ / 1264م عندما خلت المدينة ( سواكن) من أميرها وكل من كان بجانبه من البلويين0 وكانت سمعة هؤلاء القوم (الأرتيقه) ، وتحضرهم ونفوذهم الاقتصادي قد جعل منهم خير من يتولى أمور سواكن وما حولها من قبائل البادية0 ( )

وعملياً ارتبطت مدينة سواكن بالأرتيقه أكثر من أي قبيلة أخرى، فقد ارتبط تاريخها بتاريخهم ، كما قال السيد محمد صالح ضرار (إن تاريخ سواكن مرتبط بتاريخ الأرتيقه فحياتهم مرتبطة بحياة سواكن كما أن خرابها يضر بحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والصناعية)0

فمن هم الأرتيقه الذين استطاعوا أن يربطوا تأريخ سواكن بتأريخهم؟

ينتسب الأرتيقه إلى على بن عبد الله الداعي بن سعيد المشهور (ببصفار) الغمري الحسني0 والغمري منسوبة إلى إبراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب رضي الله عنهم0 وكلمة باصفار تحريف لكلمة بجاوية هي (باسوفير) وتعني الَّذي لا يكترث بالأعداء لشجاعته، أوْ الَّذي لا يفرِّق بين الناس لكرمه وجوده0 أما قول الأستاذ ضرار بأنه لقب ببصفار لصفَّارة كان يستعملها في ساعة فراغه( ) فهو قول لا يكاد يكون معروفاً في أوسط الأرتيقه أنفسهم وربما اختلط الأمر على الأستاذ ضرار وغيره بلقب (باصفار) الَّذي كانَ يُعرف به السـيد عبد الله العقيقي بن الحسـين الأصغر بن زين العابدين والذي قيل أنه

كانَ يستعمل صفَّارةً في أوقات فراغه( )0

وكما أشرنا في الصفحات السابقة فقد وصل الشريف على بن عبد الله الداعي بن سعيد، الجد الأعلى للأرتيقه، إلى مصوع قادما إليها من اليمن ضمن من جاء من الأشراف واستقر بها وكانت له تجارة ناجحة، وتزوج هناك من آل باعلوي أحفاد الإمام المهاجر إمام حضرموت احمد بن عيسي بن على العريضي بن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد على زين العابدين بن السبط الحسين بن على بن آبى طالب}0 وانجب الشريف علي بن عبد الله الداعي ابنه محمد جمال الدين من تلك الزيجة0

تطورت تجارة الشريف على الداعي وشملت مصوع وسواكن وسواحل اليمن والحجاز، فاتخذ من جزيرة سـواكن مركزا لتجارته واسـتقر بها وكان موقع الجزيرة والتي تفصلها المياه عن اليابسة يشكل تحصينات طبيعية ، لكل من تحدثه نفسه بالاعتداء على سكان الجزيرة الذين كانت سفنهم ترابط في رصيف الجزيرة0 رغم هذه التحصينات الطبيعية عمل الشريف على تأمين تجارته فخالط السكان0 وأصبحت له شخصية معروفة لها مكانتها0

عمل الشريف على الداعي "باسوفير"على حفظ التوازنات القبيلة في سواكن فطلب من أبنه محمد جمال الدين مصاهرة البلو وكانوا سادة الأمر فيها في ذلك الوقت0 فصاهر محمد جمال الدين كبير قبائل البلو العربية في سواكن أحمد البلوي، وأنجب أبناءه من ابنة أحمد البلوي0 وكان محمد جمال الدين لم ينجب من زواجه الأول في مصوع0 ولم يكتف الشريف على الداعي "باسوفير" بمصاهرة ابنه للبلو ، بل ذهب أبعد من ذلك وذلك بمصاهرته شخصيا للشق الثاني من سكان سواكن وهم البجة البويكناب أصحاب الشوكة في سواكن (وهم قوم شديدو البأس، واسـمهم الذي يعنى أصحاب الدماء، باللغة البجاوية ، كناية عن الشجاعة والبطش يدل على ذلك) حتى يأمن على تجارته وماله0 فأنجب منهم ابنه أحمد، (وهو والد الشريف علم الدين الذي تولى إمارة سواكن فيما بعد) وإخوانه ثمرة لتلك المصاهرة0

ونستطيع أن نقول أن الشريف على الداعي "باسوفير" وأبناءه أصبحوا يمثلون قوة لا يستهان بها في سواكن، بما كسبوه من مكانة تجارية مرموقة بصلاتهم التجارية بين مصوع واليمن وينبع والحجاز، بالإضافة إلى نسبهم الشريف ومصاهرته لأقوي جناحين في سواكن إلا وهما البلو والبجة البويكناب0

ويبدو أن مكانة هذه الأسرة تعدت سواكن إلى الحجاز وغيرها وذلك عندما نرى الشريف أبانمي بن الحسن على بن قتادة بن إدريس شريف مكة يصاهر الشريف علم الدين بن أحمد بن الشريف على الداعي "باسوفير" ويتزوج ابنته فينجب منها أبنه عز الدين زيد الأصغر الذي استلم إمارة سواكن فيما بعد 00

عمل الشريف على بن عبد الله وابنه محمد جمال الدين في التجارة بين سـواكن ومصوع والمخا وينبع ، وتربى أبنه أحمد في كنف أبيه بحماية أخواله البويكناب وصاحب أباه وأخاه محمد جمال الدين في رحلات تجارية امتدت على طول سواحل البحر الأحمر الغربية والشرقية تقريباً0

ولما شب محمد جمال الدين بن الشريف على الداعي وترعرع في سواكن، اثبت مكانته وكفاءته فولاه شريف مكة القضاء في سواكن (وكانت سواكن كما أسلفنا تتبغ إدارياً لإمارة مكة المكرمة شأنها في ذلك شأن جدة ومصوع)0 ولما اطمأن الشريف على الداعي لموقف أسرته ومكانتها في سواكن، آثر أن يرجع إلى دياره الأولى في الجزيرة العربية، فرجع إلى جبل حرام باليمن، وقضى بقية حياته هناك حتى توفي فيها0

استمر محمد جمال الدين بمساعدة أخيه أحمد في تنمية أعمالهما في الساحل الغربي من البحر الأحمر0 ثُمَّ سعى محمد جمال الدين لتزويج أخيه أحمد من شقيقة زوجته بنت أحمد البلوي زعيم قبيلة البلو في سواكن0 وهكذا تزوج محمد جمال الدين وأحمد من بنات أحمد البلوي زعيم قبيلة البلو في سواكن0 وأنجب أحمد أبناءه الخمسة ، علم الدين، أبوالقاسم ، وعلي، وكريم ، ومحمود من هذه الزيجة0

إلا أن هناك أمراً هاماً يجب أن لا يفوت علينا وهو أن زوجة محمد جمال الدين الأولى كانت من مصوع ويرجع نسبها إلى الإمام محمد بن الحنفية إلا أنها لم تنجب وقدر الله أن تتوفى زوجة محمد جمال الدين الثانية وهي بنت أحمد البلوي فتربى أبناؤها في كنف زوجة أبيهم التي تنتسب إلى الإمام محمد بن الحنفية؛ وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل بعض المؤرخين يرجع نسب الأرتيقه إلى الإمام محمد بن الحنفية0

ثم ذهب علـم الدين بن أحمد مع عمه محمد جمال الدين إلى جبل حرام باليمن

حيث تعرف على أهله أمراء جبل حرام وعاش ما عاش بينهم0 أما أبناء أحمد الآخرون وكانوا خمسة ، وأبناء محمد جمال الدين الستة فقد استقروا في سواكن وعملوا على تدعيم مكانتهم الاجتماعية، فكان هؤلاء هم النواة الأولى لقبيلة من الأشراف عرفت فيما بعد باسم الأرتيقه0 وكلمة الأرتيقه كلمة بجاوية تعنيرعاة الشباب أي حُماة العِرض) وذلك لأنهم اشتهروا بحرصهم على حماية الشباب وستر العورات ومساعدة وإيواء اليتيمات0

قبيلة الحمران :

ينتمى الحمران إلى السادة الأرتيقه الكرام وهم فرع من الفروع التي ترجع إلى (سينايف) آل محمد جمال الدين إلا أنهم اشتهروا وعرفوا فيما بعد كقبيلة قائمة بذاتها بعد أن وطدوا أنفسهم في المنطقة التي تعرف باسمهم اليوم ووهنت صلتهم بأصولهم في سواكن لدرجة أن اختلف الكتاب في نسبهم ومرجعهم0

استقر الحمران ووطنوا قبيلتهم ومملكتهم تحت ظلال السيوف في المثلث الذي يقع على الحدود في المنطقة المعروفة (بالفشقه) والتي تطل عليها مدينتا الحمرة الأثيوبية (والتي عرفت بحمرة كريت نسبة لكريت الحمراني) وأم حجر الإرترية ويفصل بينهما نهر سيتيت الذي يلتقي بنهري باسلام واتبره ليكون أخصب أراضي شرق السودان وتشمل المنطقة مدن (الجيرة وزهانا وحامداييت وود الحليو التي اختاروها عاصمة لهم) وشمل نفوذهم عبوده والحفيره والقرقف ووادي عناتر والمنطقة من حوله0

سـاد الحمران هذه المنطقة بخلقهم وأخلاقهم الرفيعة ورجولتهم الفذة فقد عرف عنهم الترفع عن صغائر الأمور ولم يعرف عن أحد منهم قط الخناء "والزنا"( ) ويرجع ذلك لمحافظة القبيلة على مكانتها ونسبها الرفيع ، ولا غرو فهم المنتمون إلى الدوحة الكريمة السادة الأشراف أحفاد إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن آبى طالب رضي الله عنه0

تكونت القبيلة أثر هجرة محمد أدروب (محمد الأحمر) من سواكن اثر الخلافات التي سادت قبيلة الأرتيقه الأم في ذلك الوقت وهي الخلافات التي تسببت في هجرة الكثيرين من الأرتيقه في ذلك الوقت0

ومحمد أدروب الذي ترجع إليه القبيلة هو أبن علي محلق (الكبير) بن الشريف حسين بن محمد بن شرف الدين بن ضرار بن سينايف بن محمد جمال الدين (جد الأرتيقه فرع المحمداب) ووالدة علي محلق بن الشريف حسين من (الحروب) بين مكة المكرمة والمدينة المنورة كان قد تزوجها عند استقراره بالمدينة المنورة بعد أن ذهب إليها دارساً في الحرم النبوي الشريف حيث استقر به الحال ثم لحق به أخوته وأصبحوا جماعة وبعد أن كبرت الأسرة وكبر الأبناء والأحفاد رجع بهم (على محلق) إلى حيث أهله في سواكن وكونوا مجموعة (المحلقاب)0 احتفظ المحلقاب بعنصرهم العربي الأصيل محافظين على سحنتهم الحجازية ولم يختلطوا بالقبائل البجاوية كبقية فروع قبيلة الأرتيقه الأخرى بل أنهم لم يتأثروا باللسان البجاوي غير أن لسانهم العربي لم يخلو من ألفاظ بجاوية هنا وهناك، وأشهر من تحدث منهم بالبجاوية هو الشاعر (علي محلق) الحفيد صاحب (وتر شابييت) وتر الأرتيقه المعروف الذي برع في عزفه فرع (الشملي) بنهر عطبره0( )

كانت قبيلة الأرتيقه على صغرها تتبع تنظيم إداري دقيق في إدارة القبيلة وذلك بتقسيمها على مجموعات كل مجموعة من البيوتات تحت إمرة واحدة تسهل اتصالها بأمير الأرتيقه0 وكانت هناك مجموعة بيوتات مكونة من (المحلقاب ، والأكريماب والمحمداب ، وارياناب ، والعيسياب، والعريباب ، والريقاب ، والمرعياب والدرارياب) كبرت تلك المجموعة وكثر تعدادها مما جعلها تختار العيش خارج مدينة سواكن في البادية القريبة من الشاطه ، حيث اعتنوا بتربية المواشي والتجارة واشتهرت تلك المجموعة بالمحلقاب نسبة لتعاملهم بالفضة في التبادل التجاري والتي كانوا يصوغونها في شكل (حلقان( )) وكانت هذه المجموعة تحت زعامة الشيخ سعد بن محلق الذي اختلف مع رؤساء تلك البيوتات0

تفاقم الخلاف بين الشيخ سعد ورؤساء مجموعته لدرجة استدعت تدخل أمير الأرتيقه الذي وقف بجانب الشيخ سعد ضد مجموعته بل أن أمير الأرتيقه أرسل قوة من حرسه الخاص لمساندة الشيخ سعد وحمايته0 غير أن زعماء تلك المجموعة اتفقوا فيما بينهم على التخلص من الشيخ سعد لكنهم اختلفوا في كيفية ذلك التخلص0 فبينما كانت مجموعة المرعياب ترى التخلص منه بالرحيل عنه والالتحاق برئاسة القبيلة في مدينة سواكن0 كانت هناك مجموعة أخرى بقيادة أبن أخيه (محمد أدروب) بن علي محلق ترى أن السبيل الوحيد للتخلص من الشيخ سعد هو قتله واختيار زعيم جديد بدلاً عنه0

وعندما رأى محمد أدروب عدم اتفاق الجميع على رأي واحد اتفق مع مجموعته على تنفيذ رأيهم وقتل عمه الشيخ سعد والرحيل من سواكن في نفس تلك الليلة0

هكذا اصطحب محمـد أدروب أسرته في جمع ممن كان على رأيه ميمماً وجهه شطر كسلا، وعندما وصولهم إلى منطقة (هيا) قابلتهم بعض العصابات فاستطاعوا أن يدحروها ليواصلوا سيرهم إلى أن دخلوا أراضي قبيلة الهدندوة الذين حاولوا اعتراضهم فاستمالوهم بحكمة الأرتيقه المعهودة ومكث محمد أدروب وصحبة بعض الوقت وسط الهدندوة ، عابرين غير مقيمين0

ثم واصل محمد أدروب ومن معه سيرهم إلى أن وصلوا منطقة نهر عطبره واستقروا في منطقة قريبة من قوز رجب تعرف بـ (قلال دبه) ، وهناك وجدوا مقاومة شديدة من الشكرية أصحاب المنطقة فدخلوا معهم في حروب اثبت فيها رهط محمد أدروب على قلتهم جدارتهم بالعيش في المنطقة التي وصلوا إليها، وتناقل الرواة بسالتهم وشجاعتهم وثباتهم في تلك الحروبات فسمع بهم قائد جيوش (العبدلاب) الفونج فطلب مقابلة كبيرهم (محمد ادروب) وعبر عن إعجابه بما سمع عنهم من شجاعة ومرؤة0 وعلى اثر تلك المقابلة ازدادت هيبة محمد ادروب وسط القبائل في تلك المنطقة، وبسط نفوذه ، واستقر بمن معه في منطقة ود الشجرة بالقرب من (دوكـه) جنوب منطقة القضارف وعرفوا باسم الحمران نسبة لمحمد أدروب والتي تعني (محمد الأحمر) بالبجاوية0

استقر الحمران في تلك المنطقة وتنقلوا فيما حولها إلى أن وصلوا إلى منطقة سيتيت وبالتحديد إلى وادي عناتر حيث اتخذوا من عناتر عاصمة لهم ، وهنا تولى رئاستهم الشيخ (علي بن محمد)( )0 وما كان لهم أن يستقروا هناك دون أن يدخلوا في معارك مع سكان تلك المنطقة وما حولها فكانت معركتهم الأولى مع البازين اللذين اندحروا أمام فرسان الحمران المغاوير ثم توالت معاركهم مع الأحباش وغيرهم من القبائل في تلك المنطقة ليثبت الحمران أحقيتهم للمواطنة

فيها بل زعامتهم المطلقة لها( )0

توفي الشيخ على بن محمد فخلفه أبنه محمد الذي سار على خطا والده فاعتني بتدريب أفراد قبيلته واهتم بتربية الخيول وإعداد الفرسان والتأهب الدائم للقتال0 مما جعل الأحباش والقبائل الأخرى يتحاشون الدخول معهم في معارك وخاصة بعد أن اثبتوا درايتهم بفنون القتال وشهامتهم عند السلم0 وتوج اعتراف الأحباش بهم عندما تزوج أحد زعماء الحمران من أعرق البيوتات الحبشـية0

ووفت تلك الزوجة (الحبشية) لزوجها فكانت سبب نجاة الحمران من الإبادة وذلك عندما علمت بأن قومها يدبرون مكيدة للقضاء على الحمران وذلك بالاتفاق مع مندوب الفونج (الشيخ النيل أبوقنفه) الذي كان حاقدا على الحمران بسبب تخلفهم لطلبه عندما طلب منهم إرسال مائة فارس بخيولهم للاشتراك في الاحتفال بختان أنجاله وكان تخلف الحمران من ذلك الاحتفال بسبب سفر زعيمهم (الشيخ محمد بن على) إلى عاصمة البني عامر (هواشايت بالقرب من اغردات في أرتريا) والتي تعرف (بدقا دقلل) حيث صاهر أعرق بيوتات النابتاب هناك بزواجه من (ملوك بنت الشيخ أكد أولباب بن توليب) والتي أنجب منها ابنه علي وابنته التي أطلق عليها اسـم (تويدود) لصغرها ونعومتها وحرف الاسم فيما بعد لتاجوج واشتهرت به لصعوبة نطق (تويدود) بالعربية0

وعندما عاد الشيخ محمد من عند أصهاره النابتاب حاول تلافي الأمر فأرسل فرسانه إلى الشيخ (النيل) الذي غدر بفرسان الحمران واستولى على خيولهم0 ثم حاول إبادة الحمران إلا أنه مني بهزيمة نكراء من فرسان الحمران في (عقدة جبريل) وتناقل الرواة هزيمة الشيخ النيل0 مما زاد من حقد الشيخ النيل على الحمران وخاصة أنه خشي على سمعته ومكانته بين القبائل كممثل لسلطنة الفونج فعمل على إقناع الأحباش بخطورة وجود الحمران في المنطقة والذين اتفقوا معه على إبادتهم0

غير أن زوجة الزعيم الحمراني (الحبشية) علمت بالأمر فحذرت زوجها الذي بلغ الرسالة إلى قومه فانتهز الحمران وكانوا عصبة قليلة ، فرصة انشغال الأحباش بعيد من أعيادهم فاتجهوا شرقاً صوب منطقة القاش حيث أصهارهم البني عامر (النابتاب) فوصلوا إلى هناك وأقاموا حوالي خمسة وخمسين عاماً0 حيث تمت عدة مصاهرات بينهم وبين النابتاب وفي تلك الفترة انتهت زعامة بيت (المحلقاب) للحمران وانتقلت الزعامة لبيت (الهمداب) حيث تولها الشيخ (أبوسهمين) بعد تدبيره لقتل الشيخ محمد بن علي اثر رفضه انتقال القبيلة بكاملها إلى أراضي القاش 0

ثم جاور الحمران الحلنقه غير أن الحلنقة الذين خافوا على مراعيهم من مواشي الحمران و(الأكريماب وهم فرع آخر من الأرتيقه) الذين توغلوا في أراضيهم في جهة (كراي درير) فطلبوا عوائد لمراعيهم (ثور في كل مراح من البقر وابن عشار في كل مراح من الأبل ورأس من الضان أوالغنم في كل قطيع على أن تسلم تلك العوائد لوكيل ملك الحلنقة في "كلهود") فرفض الحمران تلك الشروط وأصروا على تواجدهم في مراعي الحلنقه ولم يتقبل الحلنقة الأمر فجأروا منهم، وكاد يحصل بينهم قتال لولا تدخل زعيم البني عامر (الشيخ أكد) الذي أصلح ذات بينهم وتوصل لاتفاق برحيل الحمران والأكريماب بمواشيهم إلى منطقة قلسه( ) شـرقاً وغرباً والمنطقة إلى (كاتاكوا) ( ) غير أن الخلافات أطلت مرة أخري بين الأرتيقه فرحل (الأكريماب) وفاصلوا الحمران وأستقر الحمران بمواشيهم في تلك المنطقة0

مات اشيخ أبو سهمين فتولى الأمر من بعده الشيخ (أبولوح إدريس الهمدابي) الذي دخل في مناوشات مع قبائل الهدندوة اثر نهب فرسان الحمران لمواشي الهدندوة، غير أن (أبناء الطاهر أحمد الهوتر الحمراني( ))وهم فرع من الحمران وسط الهدندوة أعادوا المواشي المنهوبة إلى أصحابها الهدندوة0

لم يجد الحمران في منطقة القاش عوضاً عن ديارهم على ضفاف سيتيت فلم يلبثوا أن رجعوا إليها عندما واتتهم الفرصة مرة أخرى واستقروا هناك0

وتشاء الأقدار أن يختلف الشيخ (أبولوح إدريس) مع أهله الحمران حيث قرر زعمائهم التخلص منه وأهله (الهمداب) وذلك بقتلهم جميعاً في منطقة (القرقف)0

بعد قتل الشيخ (أبولوح) انتقلت زعامة الحمران إلى بيت (الدراراياب) فتولى الشيخ (عجيل بن النور إجكين) زعامة الحمران، حيث بدأ تثبت زعامته بحروبه مع الشكرية التي استمر فيها القتال لمدة سنة كاملة، كما هجم الشيخ عجيل على قرية الشيخ عيسى ود زايد (من زعماء الضباينة) في أم بريقه حيث اسـتولى على (نقارتهم أم شامه) وبقيت تلك النقارة مع الحمران إلى أيام المهدية (1885م)0

وفي حوالي عام 1823م وصل المك نمر، ملك الجعليين، إلى ديار الحمران وكان ذلك بعد وقعته المشهورة التي حرَّق فيها إسماعيل باشا بن خديوي مصر وجيشه، ثم ارتحل شرقاً فراراً بعرضه من انتقام الحكومة المصرية0 وكان المك قد وجد الأمرّين من القبائل التي مر بها، فلم يأووه وخافوا من مغبة الترحيب به، حتى وصل إلى ديار الحمران فرحبوا به وأكرموه وبالغوا في إكرامه ووجد فيهم من الخصال الحميدة ما لم يجده في القبائل من حولهم0 وكان المك نمر قد سمع عنهم وعن كرمهم ومروءتم وشجاعتهم، فقد تناقل الرواة من قبل أخبار معارك الحمران مع الشكرية والضباينة والحبشة ففاقت شهرتهم الأفاق وتكلم بها الركبان0

وكان المك نمر قد مر بالشـكرية ونزل بالقرب من جبل (تيواوا) في القضارق وأرسل رسله للشكرية طالبا السماح له ولمن معه من الجعليين باجتياز أراضيهم0 ثم واصل سيره جنوب القضارف حيث اراضي الضبباينة وازعج وصوله إلى أرض الضباينة شيخهم (سوار ابو بنيه) الذي جمع رجاله وشاورهم في أمر المك نمر وقال لهم أن الرجل هو قاتل "الباشا" ويعني به إسماعيل باشا0 وأرسل إلى المك طالباً منه الرحيل فاستمهله المك للراحة ومن ثم مواصلة سفره غير أن الشيخ سوار رفض طلب المك وأعلن الحرب، فواصل المك سفره إلى الجنوب في اتجاه أرض الحبشه إلى أن وصل أرض الحمران الذين استقبلوه بتلك الحفاوة وكان على رأس مستقبلي المك زعيم الحمران (عجيل ود النور إجكين)0

استقبل الحمران المك دون الالتفات إلى طلب الحكومة التركية له فقد كانت العداوة مستحكمة بين الحمران والحكومة التركية التي حاولت مراراً كسر شوكتهم فكان الحمران ينسحبون إلى الغابات ويدخلون في الأراضي التي تحت نفوذ إمبراطور الحبشة حتى يأمنوا من سطوة جيوش الأتراك0

ساند الحمران المك نمر ومن معه من الجعليين واحتضنوهم ومكنوا لهم إلى أن وصلوا إلى "غبته" حيث استقروا هناك وأنشأ في تلك المنطقة أربعة مساجد وخمسة وعشرين خلوة لتدريس القرآن0



حمد الجعليين للحمران استقبالهم لهم ومساندتهم لهم في تلك الظروف العصيبة فكان الرأي أن يمتنوا علاقتهم بهؤلاء الأبطال فاستقر رأي كبيرهم المك عمر على مصاهرتهم، فكانت المصاهر بين الحمران والجعليين، فتزوج االأرباب عثمان بن المك نمر من فاطمة بنت سعد وتزوج الأرباب خالد بن عمر بن المك نمر من ستنا بنت عوض عجيل وتعتبر هذا أول سابقة في تاريخ الحمران اذ انهم لا يزوجون الحمرانية إلا من حمراني0 وانجب الأرباب خالد من ستنا بنت الشيخ عوض عجيل ولديه عمر وعماره0 قتل الأول وهو شاب في غارة على الشكرية ، أما الثاني وهو الأرباب عماره فقد انجب عمر والحسين والحسن وعلي وخالد والفحل ونمر وفاطمة0 توفي عمر تاركا ذرية من خمسة أولاد وبنت0

وفي المقابل تزوج الشيخ عوض عجيل من (ست البنات) بنت المك نمر 0 وهكذا أصبح الحمران والجعلين أولاد المك نمر أسرة واحدة0

وخلف الشيخ عجيل أبنه الشيخ العوض الذي اشتهر باستعداده للحروب وأشهر  معاركه كانت في (1845م) حيث رفض الحمران دفع الجزية للحكومة التركية فأرسل إليهم الياس بك حملة مؤلفة من (خمسمائة) جندي بقيادة أحمد أغا عبود، فقابلهم فرسان الحمران في (الجيرة) بعد أن أرسل الشيخ عوض النساء والأطفال إلى الحبشة بعد اتفاقه مع حاكم (سيتيت)0 استمر القتال مدة ثلاث أيام حصد فيها رصاص الأتراك فرسان الحمران الذين أجبروا أحمد أغا عبود بالعودة بفلول جيشه إلى كسلا دون أن يرغم الحمران على دفع الجزية0

ووصل في تلك الفترة إلى أرض الحمران "صوميل بيكر" الذي أوفدته ملكة بريطانيا لاكتشـاف منابع النيل في الثلث الأول من القرن التاسع عشـر حوالي (1861م) فمكث في مدينة الجيرة على نهر سيتيت عاصمة الحمران آنذاك0 وخالط الحمران أكثر من عاميين فبهروه بكرمهم وشجاعتهم وقوة شكيمتهم وبراعتهم في صيد الضواري الوحشية0 وبراعتهم في طريقة صيدهم للفيل الذي يعتبر من أشرس الحيوانات وأقواها ورسم مشاهد لتلك الطريقة البارعة0 فقد اشتهر الحمران بالكرم والمروءة والبسالة والإقدام والفروسية التي أصبحت سمة من سماتهم وضربت بشجاعتهم الأمثال ويبالغ الرواة في وصف سيطرتهم على المنطقة فيرون أن الحمران كانوا يطلقون مواشيهم دون رعاة متحدين الضواري في تلك البقاع أن تفتك بماشية عليها وسمهم فيزعمون أن مواشيهم ترعى بين الضواري في أمن وأمان!!

رجع الشيخ (عوض عجيل) إلى ديار الحمران بعد أن مكث بعض الوقت في الحبشة وبعد وصوله إلى ديار الحمران بمدة قصير توفي إلى رحمة مولاه ، وكان قد أوصي لأخيه (النور) ليتولى زعامة الحمران من بعده ، ثم خلف اشيخ (النور) أبنه عجيل ، ولا تزال زعامة الحمران معقودة لبيت (الدراراب) إلى يومنا هذا حيث تولى ( العمدة محمد عمر عوض عجيل ) زعامة الحمران خلفاً لعمه العمدة (على عوض عجيل) الذي توفي في ديسمبر 1999م0

العمدة علي عوض عجيل:

يعتبر العمدة علي عوض عجيل زعيم الحمران خاتمة العقد الفريد من ذلك الجيل الذي وهب نفسـه لمسـاعدة الآخرين0 وهو من أقوى حكام الشـرق واعرفهم بطبائع الناس وأحوالهم وهو العليم بالديار وحدودها ويعرفها شبراً شبراً وقد  كان حكما فيصلا في حرب الطليان والإنجليز عام 1936م ، واشتهر العمدة بالحساسية المفرطة وشدة الذكاء فقد كان حكيماً في إدارته لشؤون قبيلته الحمران وحكيماً في اتصاله بقبيلته الكبرى (الأرتيقه) وتجلى ذلك في صلته القوية بالأستاذ محمد الأمين شريف (أحد عرابي الرابطة الإصلاحية للأرتيقه) ومساندته وتشجيعه له في إبراز الرابطة الإصلاحية والعمل على لم شمل القبيلة الكبيرة0 وكان ذلك فيما بين عامي 1954و1956م والأستاذ محمد الأمين شريف كان يعمل ناظراً لمدسة الشوك الأولية والتي أنشأت في عام 1949م0ولم تنقطع صلة العمدة علي بأهله الأرتيقه إلى وفاته في ديسمبر 1999م عن عمر ناهز التسعين ليفقد الأرتيقه بفقده رجلآً من أعظم رجالهم المعاصرين وعزاؤهم في خلفه ابن أخيه العمدة محمد عمر 0

تزوج العمده علي بنت الشيخ إبراهيم الحفيان وانجب منها محمد والحسين (ابوطه) كما تزوج بنت المك وأنجب منها النور وحسين (ابو عبدالحليم) وسعد وعبدالعزيز ويسين وعجيل0 0( )

قبيلة الحمران في موطنها المذكور كان معظم تاريخها حروب متواصلة مع جيرانها جميعاً فقد حاربوا الضباينة والشكرية والهدندوة والاحباش واحياناً حاربوا بعضهم البعض حتى كادوا أن ينقرضوا وخصوصاً بعد حربهم مع الاتراك والمهدية وهم فرسان لا يشق لهم غبار ولكنني لا أريد أن أفصل في هذا الحروب لحساسية الموضوع وعدم جدواها ولكن فقط أذكر شعراً قاله شكري لايقاع الفتنة والحرب بينهم وبين الهدندوة الشبوديناب والشعر يقول :

ولاد شوتاي من العفريب تفرو

وبالحراب ام كنداب على بيساي تهزو

مرا  كتال ماشفتو عزو

ما ظنيت من الحمران تفزو

ولاد شوتاي يقصد بهم الهدندوة والعفريب كلمة بجاوية تعني الأخلاق الرديئة والرزيلة وبيت الشعر يعني أنتم يا هدندوة دائماً تبعدون أنفسكم من الأخلاق الرديئة والرزيلة التي تجلب العيب وفي البيت الثاني يذكر حراب الهدندوة أم كنداب والكنداب حزام حديد تشد به مؤخرة الحربة وبيساي او دبيساي هو وتر الحماسة والحرب بالبسنكو عند البجا ومعنى البيت أنتم يا هدندوة عندما يعزف وتر الحرب على آلة الباسنكو تعرضون عليه بحرابكم القاتلة ام كنداب وفي البيت الثالث يذكر الهدندوة ببطولاتهم الحربية ثم يقول لا اعتقد أنكم تخافون من الحمران وتهربون أمامهم ..

ثم لا بد من ذكر قصة فارس الحمران المشهور البلوله وقد خاض معارك كبيرة مع القبائل المجاورة والأحباش .. وفي إحدى معاركه مع الشكرية قطعت يده فأمر بوضعها في مخلاية علوق الجواد وذهب بها إلى سيتيت ورماها في النهر قائلاً "هذه يدي هدية وفداء لك يا سيتيت" ومنها سمي نهر سيتيت بسيتيت البلوله .

للحمران قصة نبيلة وعظيمة مع الملك نمر وأسرته ولكن للاسف الشديد لا تذكر هذه القصة والكل يقول أن المك نمر بعد أن قتل اسماعيل باشا هرب إلى الحبشة ولا يزيدون شيئاً على ذلك ولا يذكرون لماذا فر للحبشة ولماذا لم يسلبه أو يقتله الأحباش أو يسلموه للاتراك ويستلموا الجائزة .   حقيقة الأمر أن المك نمر بعد محنته ومطاردة الأتراك له لم يجد قبيلة من القبائل السودانية تجيره أو تحميه من الأتراك والقبائل السودانية معذورة فالموقف جلل ولا قبل لهم بمجابهة الأتراك ومدافعهم وأسلحتهم النارية فلجأ المك نمر لأهله البجا بشرق السودان فلجأ للحمران فأجاروه وحموه ودافعوا عنه وموقف الحمران هذا مع المك نمر أشبه بموقف قبائل البشتون بافغانستان عندما أجارت وحمت بن لادن ضد دول الغرب فدفعوا ثمناً باهظاً من الأرواح والأموال وكذلك فعل الحمران .   إنني أقول وأكرر أن المك نمر لم يلجأ للأحباش والأحباش لم يجيروه أو يحموه بل الحمران البجا فعلوا ذلك ولا بد من تصحيح وإعادة قراءة هذا التاريخ .   الحمران لم يكتفوا بإجارة وحماية المك نمر بل تصاهروا معه رغم أن البجا قلما يتصاهرون مع الأغراب .   قائد وزعيم وشيخ وفارس الحمران عوض ود العجيل تزوج ست البنات بنت المك نمر وأنجب منها ولده عمر وشقيقاته الثلاث آمنه وعشه وستنا .   كما أن ابن المك نمر خالد وحفيده عثمان تزوجا حمرانيات فقد تزوج خالد ستنا بنت عوض ود عجيل المذكور كما تزوج عثمان ابن عمارة ابن المك نمر  فاطمة الزهراء بنت سعد أخ عوض ود عجيل .  إذاً فالحمران قد صاهروا المك نمر وحموه وقاسموه الأموال وبذلوا في سبيله الأرواح ومع ذلك نقول أن المك هرب إلى الأحباش ولا نذكر أي شيء عن الحمران ودورهم التاريخي النبيل نحو المك نمر وأسرته .  هذا والله عيب كبير وتزوير للتاريخ فاضح .

هناك قصة تاجوج بنت زعيم الحمران الشيخ ود علي الهاكين والمحلق وهي قصة مشهورة ولكنني لن أتحدث عنها احتراماً لمشاعر الحمران فالبجا لا يحبون الحديث عن أمور النساء وهو السبب الذي دفع والد تاجوج لتطليقها من المحلق لأنه قال فيها شعراً سارت به الركبان والبجا قد يتسامحون في الغزل بالنساء شعراً إن لم يتم ذكر واحدة معينة بالاسم كما أنهم لا يذكرون أسماء أمهاتهم وكثيرون منهم يرفضون استخراج البطاقة لأن اسم الأم يكتب في وجه من وجوه البطاقة وهم غاضبون من حكومة الإنقاذ لهذا القرار ويعتبرونه اسوأ قرار في تاريخ السودان .

الحمران مثل بقية البجا يجيدون العزف على آلة الباسنكو ولهم مقطوعة خاصة بهم أسمها شبابيت لا يسمحمون لأي شخص غيرهم أن يعزفها والبجا عندهم مقطوعات موسيقية بحتة خاصة لا يكون معها غناء وأشهر هذه المقطوعات الموسيقية بيساي أو دبيساي وايقاي وشاب قليل وساواي كلي ومقد وباسعاو وضريس وغيرها كثير والباسنكو له خمسة أوتار الدردار والشمبر والبيساي والدردار الكبير ولكل وتر من هذه الأوتار خاصية معينة كوتر البيساي لمقطوعات الحماسة والحرب ووتر الديرباي للألحان الخفيفة الراقصة ووتر الشمبر ألحان الأشواق والعواطف والدردار الصغير والكبير للمشاركة والمناغمة .   لكل عزف لأي مقطوعة أوقات مفضلة فمن غروب الشمس وحتى ضحى اليوم الثاني يكون العزف على وتر الشمبر وبعد الضحى ومعظم النهار يكون وتر بيساي سيد الموقف وفي العصر وتر ديرباي .

ختاماً أقدم شعراً جميلاً قيل في مدح فارس الحمران وزعيمهم عجيل ود النور الذي قاتل المهدية قتالاً شرساً .

بغني ليك يا عجيل

صاقعة الهوا الوقعت هوية ليل

جاموس الخلا يا عقيد الخيل

مأمون يالعجل تسوقن ديل فوق ديل

*****

قومي وزغريتلو البشق الراي

شدولو وركب وبندقو العواي

اسد الملقطا ال للدرق كفاي

حقالو الاسم عجيل خراب ام رأي

*****

سموك العجل اسم العجل حقيتو

جاموس لجه الهرف البكر في سيتو

سموك المقص كل اليفوت واسيتو

تسلم يا جليس بهماً يضوي خديدو

******

سموك العجل ماك عجل الكروريات

عجل بقر الضريس الفوق التروس راتعات

وكت الشوف يشوف يتوجب الشاردات

تخمش الكيك وتدفر على السالات

******



1.   الملقطا : الحرب

2.   الهرف : المكان الخطر

3.   سيتو : نهر سيتيت

4.   واسيتو : قومته

5.   البهم : كناية عن النساء الجميلات

6.   الكروريات : نوع ردئ من الأبقار

7.   بقر الدريس : الجاموس البري

8.   الدريس : المكان الوعر

9.   الكيك : الفارس

10.                      الشاردات : الخيول

11.                      ام راى : الحرب

 

آراء