قراءة في ورقة الصادق المهدي: دور الصحوة الإسلامية في تأمين حقوق الشعوب. بقلم: بابكر عباس الأمين
بابكر عباس الامين
23 September, 2011
23 September, 2011
استهل الإمام الصادق ورقته بسؤال عن تعريف الصحوة الإسلامية ومعناها. بيد ان المرء لا يلمس تعريفاً لصحوة إسلامية من إجابته؛ ويلمس بدلاً عنه سرداً تاريخياً وغير دقيق، لأن حركات التحرر الوطني، التي قاومت الاستعمار الأوروبي لم تنطلق من أيدلوجيا إسلامية إنما من منطلقات وطنية وقومية، كما في الشام والعراق ومصر. وربما كان السبب وراء تبنّي معظم الحركات لنهج قومي هو مرارة حقبة الأتراك العثمانيين، فكان إنشاء الجامعة العربية، وليس الجامعة الإسلامية. بل أن المد القومي امتد ليشمل الشريف حسين في الحجاز، أرض الحرمين؛ ولاحقاً شاء الملك عبدالعزيز بن سعود، مؤسس الدولة الحديثة ان يطلق علي مملكته صفة "العربية" لا "الإسلامية." ومن جانب ثان، فإن الاستعمار الأوربي قد شمل دولاً مسيحية (أمريكا اللاتينية) وهندوسية، وبوذية.
ثم دلف الصادق ذاكراً انه: "يؤكد ان الصحوة الإسلامية والإحياء الإسلامي مشروع مستقبلي وليس ماضوي." كلام رائع، خاصة أن الأمة تحتاج لمنهج ثالث بعد فشل كل من الشيوعية والرأسمالية. ولإقناع القارئ أو المستمع بهذه الصحوة ذكر بأنه "وسط اجتهادات" ولديه عشر حجج، نتناول منها الثانية "التعامل مع المستجدات في الإسلام" والتاسعة "الصحوة الإسلامية مشروع مستقبلي"، لأنه يُفترض وجود توافق بينهما: أن نجد حلاً للمستجدات في الصحوة، خاصة وان هنالك أسئلة صعبة تدور حول ما أفرزه العصر من مستجدات. سرد السيد الصادق في "الحجة الثانية" الطرق التي تمت بها بيعة الخلفاء الراشدين وهي، كما هو معلوم، اربعة انماط مختلفة. أما في "الحجة التاسعة" فقد ذكر ان "الإحياء الإسلامي يمكن أن يقوم علي فكرة الرجوع للماضي واستنساخه" في ملفات منها استنساخ الخلافة. حسناً، كيف يتم هذا الاستنساخ؟ جاءت إجابة الإمام في "الحجة العاشرة": ان ذلك يتطلب اجتهاداً هو مسؤولية الأمة كلها (لا شك ان القاريء الكريم مثلي ضمنها)؛ لأن ديننا الحنيف لا يعرف كهانة أو طبقة فقهاء كالمسيحية!
عجباً لهذا المنطق الغريب والعجيب، أنت زعمت ان هنالك صحوة إسلامية، ثُم تطالب الأمة ان تجتهد لتصوغها لك، وتضع استراتيجيتها، وتجد الردود علي تساؤلات معقدة وشائكة؟ وما هو دورك أنت؟ لعمري هذا كعالم جيلوجيا ومعادن، يقول لثلة عرب رُحل في الصحراء الكبري ان هنالك بقعة معينة بها ذهب في باطن هذه البيداء، من مصر إلي المغرب، فابحثوا عنها! هل دورك أنت كإمام و"مفكر" أن تعلن بان هنالك صحوة إسلامية مستقبلية، ولديك عشر حجج ووسط اجتهادات لإثباتها، ثم تطالب الأمة (كلها) ان تجتهد لتبرهن لك اطروحة اخترتها انت بكامل وعيك؟ هل هذه الأمة "المسكينة" إدَّعت ان هنالك صحوة إسلامية، أو أعلنت عن برنامج نهج صحوة في الديمقراطية الأخيرة، لتُطالَب باثباته؟ والحق ان المرء ليشفق علي هذه الأمة المسكينة لأنها مطالبة أيضاً باستنساخ الماضي في الاقتصاد، والعلاقات الدولية، وحقوق المرأة (الحجة التاسعة).
وجاء في "الحجة الخامسة" بعنوان "الصحوة الإسلامية"، "انبري عدد من المجددين أجازوا الخروج علي الحاكم وأجازوا الخروج علي المذاهب، رفعوا القدسية عن المذاهب." وبدهي وطبيعي أن يكون علي رأس هؤلاء جده المهدي. وفي ذلك استند الصادق علي منشورين لجده، أحدهما يتعلق بالناسخ والمنسوخ في القرآن والحديث، والآخر دعوة للفكاك من تقليد القديم. وصف جده تلك الحقبة ونفسه كالآتي: "لكل وقت ومقام حال، ولكل زمان وأوان رجال." سنفترض مؤقتاً ان المهدي كان مجدداً، وان تجديده هو صحوة إسلامية أهَّلته لأن يكون من رجال القرن التاسع عشر، فأين رجال القرن الحادي والعشرين؟ بعبارة أخري، أين تجديد الحفيد؟ أم أن الحفيد يتكيء علي الجد ويعتبر صحوته هي المستقبل التي بشَّر بها؟
نعود بعد استطراد لقصة استنساخ الخلافة، التي طالب الأمة ان تجتهد فيها. دعنا نتفق ان ثلاث منها قد تمت بشوري، فكيف يمكن استنساخ تلك التي تمت بمكتوب من خلفية لآخر؟ أما بالنسبة للمهدي والمذاهب فلم تكن المسألة جواز الخروج من المذاهب، إنما كانت إلغاءً لها وحرق كتبها، واستبدالها براتبه، وهذا قمة الاستبداد الفكري في بلد تتنوع فيه المدارس الإسلامية. علاوة علي أن راتبه اكتسب قدسية في دولته ولدي أنصاره، أي ان رفع المهدي لقدسية المذاهب - كما ذكر الصادق - قد اُستُبدل بقدسية الراتب. حاول الحفيد إيجاد تبرير لذلك قائلاً: "ان التعصب للمذاهب وإلزام الناس بها، لم يكن من صفات الأئمة ولكنها انطبقت علي المتأخرين الذين قالوا بتجميد الاجتهاد." وهذه حقيقة، بيد أن الأئمة الأربعة لم يأتوا باجتهاداتهم من الماركسية اللينينية أو الناصرية، إنما استنبطوها من ذينك المصدرين اللذين استنبط منهما المهدي مذهبه. لذا، مثلما ذكر الصادق كانوا يقولون "لا تقلدنا بل خذ من حيث أخذنا." ولكن المهدي لم يقل هكذا بل فرض مذهبه بقوة الحديد والنار، ومن ناحية أخري، فان تعدد المذاهب فيه نوع من الليبرالية، إن جاز التعبير، يُقال عنها اختلاف المذاهب رحمة. لا يعني ذلك اننا نعتقد بصلاحية المذاهب لكل زمان ومكان بحكم تطور الزمن وحدوث مستجدات لم يشهدها عصر الأئمة، بما يتطلب الاجتهاد.
الذي يدعو للأسف ان الصادق انتهج نهج جده محمد أحمد في الشطط والتحامل علي الصوفية، حين ذكر أن "الكتاب ميت لدي الصوفية." هذه العبارة، التي تتخطي التجريح لتدخل في دائرة التجديف لم نتوقعها من الصادق. وما كان المرء ليستغرب إن صدرت من صهره ابن العاص، الذي طال لسانه الصحابة ورواة الحديث، وتكلم بصورة غير مهذبة عن النبي الكريم. وتظل الحقيقة التي لا يختلف حولها اثنان ان الصوفية هي التي نشرت الإسلام واللغة العربية ليس في السودان فحسب، بل في المغرب العربي وأفريقيا وآسيا. هذه ورقة مقدمة في مؤتمر، ثم نُشرت في هذه الصحيفة، وليست خطبة في ليلة سياسية يخاطب فيها الأنصار، أو يصفِّي فيها حسابات مع الحزب الاتحادي أو طائفة الختمية، وبالتالي كان أجدر ان لا يلجأ لعبارات تسبب استياءً للآخرين، ولا تحترم الحقائق والتاريخ.
"وصفت دعوة المهدي بالسلفية ومعني ذلك العودة للأصول قبل استنباطات الفقهاء كما قال محمد عمارة، فالقصد انه رجع للأصول: الكتاب والسنة قبل استنباطات المذاهب وفتح باب الاجتهاد. بيد ان المهدي قد فرض احكاماً متطرفة، ليس لديها مرجعية في الكتاب والسنة، كمنع الموسيقي وقرع الطبول، ومنع النساء من الذهاب للأسواق، ولبس المجوهرات، والبذخ في الإعراس، وعويل النساء في المآتم. إضافة إلي انه فرض عقوبة قاسية علي ماضغي التمباك والمدخنين تساوي حد القذف: ثمانين جلدة. مثل هذه القوانين التي أصابت حياة الناس بالكدر، لم تبدر حتي من المذهب الوهابي، وبالتالي لا يخالجنا شك في أن حركة طالبان قد استمدت قوانينها من نظام المهدي.
(يتبع)
Babiker Elamin [babiker200@yahoo.ca]