أثر الإستقرار السياسي في صناعة النفط بالسودان
بسم الله الرحمن الرحيم
Matasm al-ameen [matasm.alameen@gmail.com]
تمهيد :
تعتبر منطقة الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من إفريقيا الإستوائية من أهم مناطق تواجد النفط في العالم ، وقد تمكنت بلدان كثيرة في هذه المناطق من إستخراج النفط منذ وقتٍ مبكر ربما منذ ثلاثينات القرن العشرين أبان الحقبة الإستعمارية ، ثم ما لبثت ان تطورت حقولها وزادت من معدل إنتاجها مع إعتماد العالم بشكل متزايد علي منتجات النفط في تسيير حياته اليومية .
والسودان بوجه عام تدلل كثير من الشواهد علي وجود النفط بأرضيه بكميات تجارية منذ عقود إلا ان أمر إستخراجه تجارياً لم يتيسر إلا في العقد الماضي وتحديداً في أغسطس 1998م، ولقد لعبت الاختلافات السياسة وعدم الإستقرار السياسي دوراً كبيراً في تأخير إنتاج النفط ، ومن المعروف ان رحى الحرب الأهلية دارت في السودان بين المركز والجنوب قبل ان ينال إستقلاله رسمياً في أول يناير 1956م(1) ، وهذأ الأمر في حقيقته يدلل علي مدي الصعوبات التي إكتنفت مسيرته التنموية بشكل عام ومسيرته في إنتاج النفط بشكل خاص ، كما ان تخوم الحدود الشمالية الجنوبية صاحبة الإحتمالية الأكبر في تواجد النفط ، وقد تم تعزيز هذه الحقيقة مؤخراً عبر الإنتاج الكثيف من الحقول الواقعة في هذه المناطق تحديداً .
والحرب الأهلية التي إندلعت في السودان في 18 من أغسطس عام 1955م لعبت دوراً سالباً ليس في مسألة الإستفادة من الثروة النفطية فحسب ولكنها أعاقت البلاد وأرجعتها عقود طويلة الي الوراء بسبب تأجيل التنمية وتحسين الظروف التعليمية والصحية وتركيز الجهود في تقوية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والبوليسية من أجل السيطرة علي الأوضاع المتفجرة في جنوب السودان(2) ، ثم ما لبث أن سيطر العسكريين علي السلطة كاملة في 17 نوفمبر 1958م اي بعد سنتين من إستقلال السودان كنتيجة مباشرة لشعور الجيش أنه يجب أن يكون المتصرف بكافة شئون البلاد طالما أنه يتصدي بالسلاح لحركات التمرد التي إندلعت في مناطق شاسعة في الجنوب، وأن المدنيين بحسب رؤية الجيش ربما لا يكونوا علي إطلاع كامل بالإحتياجات العسكرية اللازمة لإدارة حرب أهلية بهذأ التعقيد، وفي تلك المناطق الشاسعة في جنوب السودان المليئة بالعقبات الطبيعية التي تعطي المتمردين خيارات واسعة في المناورة ومفاجأة الجيش وتحقيق مكاسب يستحيل الحصول عليها في المناطق المكشوفة .
وبسبب الحرب الأهلية لم يتثني للحكومات السودانية المتعاقبة بعد حكومة الفريق إبراهيم عبود أن تشرع عملياً في إستخراج النفط التي تدلل كل الشواهد علي وجوده إلا بعد إتفاقية اديس أبابا في مارس 1972م ، والتي أوقفت الحرب الأهلية لعقد كامل من الزمان وأحيت الآمال العراض في قيام تنمية حقيقية تخرج السودان من أزماته الإقتصادية وتضعه في مراتب يستحقها بسبب موارده الطبيعية الهائلة سواء كانت مياه عذبة (26 نهر ومجري مائي) أو أراضي زراعية خصبة تقدر نسبتها بحوالي (200 مليون فدان زراعي) صالحة للزراعة وأمطار موسمية وثروة حيوانية كبيرة ومتنوعة بالإضافة الي ثروة معدنية تشمل الذهب والنفط والحديد (3) .
إلا أنه وبالرغم من ذلك فشلت عملية التنمية بعد إتفاقية اديس أبابا عام 1972م لعدة عوامل أهمها خلافات النظام المايوي مع أهم الأحزاب والتيارات الشعبية المؤثرة في الساحة السياسية والدخول معها في صدامات إنتهي إحداها بتدمير معاقل الأنصار في الجزيرة أبا عام 1970م، وإغتيال إمامهم الإمام الهادي المهدي علي الحدود السودانية الإثيوبية في نفس العام ، والإمام كان حامل لواء الأنصار وحزبهم حزب الأمة القومي صاحب الجماهيرية الكبيرة التي أهلته علي الدوام للوصول الي السلطة في كل الإنتخابات الديموقراطية التي أجريت منذ أن نال السودان إستقلاله وحتى أخر انتخابات ديمقراطية إجريت في 1986م(4).
كما ان خلافات النظام المايوي شملت كذلك الحزب الإتحادي الديموقراطي صاحب الشعبية المقدرة في شمال ووسط وشرق السودان ، أضف الي ذلك ان صدامات النظام المايوي كانت معقودة مع أكبر حزبين نوعيين يتحلق من حولهما المتعلمين والمثقفين وقادة الراي وهما جبهة الميثاق الإسلامي والحزب الشيوعي السوداني (5).
وبالتالي وكنتيجة لهذه الخلافات الدموية مع أغلبية التيارات الشعبية والمثقفة في السودان كان من الصعب علي النظام المايوي أن يشرع في عملية تنمية حقيقية تستطيع أن تستخرج الموارد الطبيعية السودانية وتستخدمها في خدمة التنمية والتطور بالرغم من إتفاقية السلام التي أوقفت الحرب الأهلية لعقد من الزمان 1972-1982م.
أما السبب الآخر الذي أفشل عملية التنمية وإستخراج السودان لثروته النفطية فهو وثيق بالسبب الأول ويتمثل بشعور كثير من الكوادر المؤهلة بالضيق من عدم التوافق السياسي في السودان، بالإضافة الي أن دول الخليج العربي وعلي رأسها المملكة العربية السعودية إستطاعت ان تخطو خطوات متطورة في مجال التنمية بعد أن زادت أسعار النفط زيادة كبيرة نتيجة حرب إكتوبر 1973م وقرار بعض الدول النفطية وقف تصدير النفط للدول المسانده لإسرائيل (6).
وقد أدت هذه الطفرة الي هجرة أعداد كبيرة من السودانيين المؤهلين لقيادة عملية التنمية في السودان علي قلتهم ومحدودية التعليم يومئذٍ نتيجة لعدم الإستقرار السياسي أولاً ونتيجة للفرص التي توفرت في دول الخليج العربي للمؤهلين علي وجه الخصوص ونتيجة أيضاً للإغراءات المالية الكبيرة .
كل ذلك أدي مع نهاية سبعينات القرن العشرين الي تحطم الآمال في تنمية إقتصادية بعد أن إمتصت دول الخليج كل العمالة السودانية الماهرة ، وتخبط النظام في إتجاهاته وولاءاته من أقصي اليسار الي أقصي اليمين في آخر المطاف .
ومع بدايات الثمانينات من القرن العشرين أخذت أزمات السودان تتفاقم شيئاً فشيئاً نتيجة لعدة أسباب أهمها تدهور البنية التحتية التي أوجدها المستعمر من خطوط سكك حديد وشبكات مياه وكهرباء وطرق معبدة نتيجة لعدم الصيانة وإفتقاد الكوادر المؤهلة لذلك وزيادة عدد السكان ، ونتيجة للجفاف والتصحر الذي ضرب الكثير من دول إفريقيا شمال الصحراء مع بدايات العام 1983م والمجاعات المشهورة حينها التي أثرت في الملايين من سكان إفريقيا بما فيهم السودان (7) ، بالإضافة الي تزايد أسعار الوقود وإنعدامه والشلل الكبير الذي أصاب الصناعة والزراعة نتيجة للشح في هذه المادة الحيوية التي لا بديل لها بالنسية الي الدول التي تفتقد التنكلوجيا للإتجاه الي خيارات بديلة مثل طاقة الرياح أوالطاقة النووية .
وقد أدت هذه الأزمات الي هجرة العمالة نصف الماهرة والعمالة اليدوية الرخيصة كذلك والمزارعين والرعاه الي دول الخليج والعراق مما أصاب البلاد بضعف إضافي فوق ضعفها الأول.
إلا أنه وبالرغم من ذلك كله تواصلت مساعي النظام المايوي الحثيثة الي إستخراج النفط مهما كلف ذلك من جهد بعد ان تبين له إستحالة قيادة قاطرة التنمية في السودان من دون تلك المادة الحيوية التي لا يمكن الإستغناء عنها .
وقد تكللت مساعي النظام المايوي أخيراً بدخول شركات أمريكية عملاقة مثال شركة شيفرون الي البلاد وشروعها الفعلي في الإستكشاف وحفر الآبار ، بيد ان دوافع هذه الشركات فيما يبدو لم يكن حقيقياً بقدر ما كان دافعاً تحسبياً إحتياطياً بعد ان اضطربت الاحوال السياسية حول الخليج العربي إثر تفجر الثورة الإسلامية الإيرانية في 1979م، والخوف من إعادة أحياء الإصولية المتشددة في هذه المناطق صاحبة الأغلبية المسلمة، بالإضافة الي تفجّر الحرب العراقية الإيرانية بعد عام من ذلك التاريخ وتهديدها دول المنطقة وناقلات النفط العملاقة التي تؤمن وصول هذه السلعة الحيوية الي الأسواق العالمية ، كما إن إفتقاد الخام الإيراني في الأسواق الأمريكية نتيجةً لقيام الثورة أدي الي نشوء مخاوف لدي المخططين الإستراتيجيين الأمريكيين من تناقص معدلات النمو الأمريكية التي كان يوفرها النفط الرخيص المنساب من مناطق الخليج العربي .
أما السبب الثالث وهو علي درجة كبيرة من الأهمية فقد تمثل في اجتياح الإتحاد السوفيتي أفغانستان عام 1979م وبالتالي إقترابه من المياه الدافئة التي طالما حلم بها في الخليج العربي وبحر العرب مما سبب إضطراباً في الإستراتيجية الأمريكية وجعلها توعز لشركاتها النفطية بالبحث عن مناطق تنقيب جديدة لو ساءت الأمور أكثر حول الخليج العربي ، ومن هنا يتبين لنا أن دخول الشركات الأمريكية للسودان ربما لم يكن بدافع إستخراج النفط وتصديره بقدر ما يتمثل في إيجاد البديل الجاهز في حالة الحوجة القصوي .
وفيما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها لم يلجأوا الي البدء الفعلي في خيارات جديدة بعد ان نجحت إستراتيجيتهم في حفظ تدفق بترول الخليج بالرغم من تهديد الإتحاد السوفيتي وتفّجر الحرب العراقية الإيرانية .
فبالنسبة للإتحاد السوفيتي عملت الولايات المتحدة علي تشجيع الأحزاب الإصولية والمتشددين في أفغانستان وباكستان والدول العربية علي إعلان الحرب المقدسة ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان ، وتشجيع الحكومات الإسلامية والعربية علي تسهيل خروج الشباب الراغب في القتال ضد الإتحاد السوفيتي و عملت علي تمويلهم بالأموال العربية المكدسة في البنوك الغربية بعد أن زادت كثيراً نتيجة ً لزيادة قيمة النفط نتيجةً للمخاطر التي أحدقت بمناطق إستخراجه(8).
ومن جهة أخري عملت علي رفع العلم الأمريكي فوق ناقلات النفط العملاقة كي لا تستهدف من قبل إيران أو العراق ، لان إستهداف ناقلات ترفع العلم الأمريكي يعني الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة .
ومن خلال كل ذلك السرد ربما يتبين لنا أن دافع دخول الشركات النفطية الأمريكية إلى السودان كان بغرض الإستكشاف أوالإستعداد للإستفادة من الثروة النفطية السودانية متى ما دعت الحاجة لذلك ! أكثر من كونه مطلب آني وعاجل ، وذلك لأن النفط السوداني ومناطق آخري في إفريقيا لم تأتي ساعة إستخراجه بحسب المخططين الإستراتيجيين الأمريكيين ، وهذا ما أنبأنا به المستقبل بالرغم من توفر النفط بكميات تجارية إلا أن الشركات الأمريكية جمدّت العمل فيه.
ولكن ومن جهة آخري لا يمكن تحميل الشركات الأمريكية كل المسؤلية بسبب خروجها من السودان وذلك لعدة إعتبارات أولها أن شواهد إستخراج النفط من السودان وخصوصاً في مناطق الجنوب وجنوب أواسط البلاد فجّر خلافات عميقة بين الطرفين وهما الحكومة السودانية والحكومة الإقليمية لجنوب السودان ، حيث رأي الجنوبيين ضرورة تصدير النفط عبر ميناء ممبسا الكيني بدلاً من ميناء بورتسودان ، كما ان الجنوبيين طالبوا أيضاً بان تكون مصفاة النفط المزمع إنشاءها بأحد مدن الجنوب بدلاً من ان تكون بمدينة كوستي شمال السودان ، كما أثيرت مشكلات كبيرة حول ضم الحكومة السودانية أراضي شاسعة من جنوب السودان لإقليم كردفان ودارفور والمناطق المتاخمة الأخري للجنوب بغرض الإستيلاء علي ثروة الجنوب النفطية (9).
ومما لا شك فيه ان الخلافات العميقة بين الشمال والجنوب حول النفط ولدتّ هواجساً كبيرة لدي شركات النفط الأمريكية وربما أدت الي إنسحابها آخر المطاف بسبب تجدد الحرب في جنوب السودان مرةً آخري في 30 يونيو 1983م ، وكان النزاع حول النفط من أهم أسباب تجددها بالإضافة الي أسباب آخري عديدة .
وبالتالي يمكن القول أن إمكانية إستخراج النفط من التربة السودانية قد فقدت فرص سانحة وتلاشت بخروج الشركات الأمريكية ، كما ان عدم الإستقرار السياسي الذي لازم السودان في سنوات مايو الأخيرة والفترة الإنتقالية وفترة الحزبية الثالثة 1986-1989م حد من المحاولة مرة آخري ، ولم تتجدد الآمال بإستخراج الثروة النفطية مرة أخرى إلا مع مجي نظام الإنقاذ الوطني في السودان في يونيو 1989م .
- من عوامل نجاح صناعة إستخراج النفط في عهد نظام الإنقاذ الوطني :
أتت الإنقاذ الي الحكم في العام 1989م وهي مصممة فيما يبدو علي حل مشكلة الطاقة وإستخراج النفط بعد ان أوضحت التجارب السابقة أن عملية التنمية لا يمكن لها النجاح بسهولة طالما لا تتحكم في أهم مفاتيحها وهي مسألةً الطاقة .
كما أن سقوط الإتحاد السوفيتي في العام 1990م وإنفراد الولايات المتحدة بالهيمنة الدولية ودخول نظام الإنقاذ في مواجهات متجددة معها بسبب الموقف من الحرب ضد العراق (10) ، أو إزالته لنظام حكم منتخب في ظل إتجاه دولي غالب ينحو نحو الديموقراطية والتعددية ويدين الأنظمة الشمولية بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وتهليل كثير من الكتاب للنظام الرأسمالي وإعتباره نهاية المطاف للتجربة السياسية الإنسانية وهي تسعي لوضع أفضل نظام حكم ممكن .
كما ان الخلاف مع نظام الإنقاذ تطور وإتسع بعد إعتبار الولايات المتحدة أن حربها ضد الإرهاب والإصولية هي ما يجب ان تركز عليه مستقبلاً حتي تنهي آخر مظاهر الشمولية التي وسمت العالم في العقود السابقة من القرن العشرين ، أضف الي ذلك ان نظام الإنقاذ لم يتجنب لفت الانظار اليه بسبب الإصولية بعد ان أوي كثير من الجماعات الدينية المتشددة التي قدمت من أفغانستان غداه وصول سلطة جديدة هناك ترتكز علي الطائفة والعرقية بقيادة برهان الدين رباني وإنسحاب الإتحاد السوفيتي قبيل سقوطه النهائي في 1990م (11).
هذه هي الظروف السياسية علي الصعيد الدولي التي واجهت حكومة السودان غداه إستلامها السلطة، بيد ان الموقف الدولي لم يكن جميعه في غير صالحها ولعل سقوط نظام الرئيس منقستو هايلاماريام في إثيوبيا في العام 1991م شكل أكبر عامل مساندة للحكومة وأدي فيما بعد للشروع جزئياً في بدء عملية إستغلال النفط السوداني، ويعود السبب في ذلك الي إحتضان السلطات الإثيوبية للحركة الشعبية لتحرير السودان منذ نشأتها الأولي في العام 1983م بسبب الشكوك من دعم السودان للثوار الأرتريين المطالبيين بتكوين دولتهم المستقلة ، أضف الي ذلك أن الحركة الشعبية تأسست حول الفكرة الماركسية وهو ما وجد هوي في نفس النظام الإثيوبي، لذلك وفرت إثيوبيا دعماً كبيراً ومناطق تدريب وإمدادات عسكرية للحركة الشعبية بغرض تمكينها من حكم السودان منفردة أو عبر تحالف مع جهات أثنية وسياسية داخلية ، وفيما يبدو أن مسألة الإنفصال لم تكن واردة لدي نظام منقستوهايلاماريام لأن قيام دولة جديدة يشجع الأرتريين في مساعيهم لقيام دولتهم المستقلة ، كما أن إثيوبيا التاريخية هي التي سعت لإبقاء الحدود الافريقية كما هي غداه انسحاب الاستعمار منها.
لذلك وبإنهيار إثيوبيا الماركسية فقدت الحركة الشعبية لتحرير السودان أهم مساند لها في المنطقة وفقدت أراضي الإنطلاق القريبة من الحدود السودانية التي تتركز فيها مواقع حيوية وإستراتيجية كانت كثيراً ما تقلق السلطات السودانية فتحشد فيها قوة معتبرة مثل خزان الرصيرص وجنوب النيل الأزرق وطرق التجارة والتبادل بين المجموعات السكانية في السودان وإثيوبيا .
أضف الي ذلك أن القوات الإثيوبية المندحرة الممثلة بالجيش الثاني والثالث الإثيوبي التي كانت متمركزة في غرب إثيوبيا إندفعت بكل ما تحمل من أسلحة وعتاد الي داخل الحدود السودانية خوفاً من إنتقام الثوار الذين إستطاعوا السيطرة علي أديس أبابا في 1991م ، هذه الأسلحة والمعدات الثقيلة سنرى فيما بعد أنها إستعلمت بكثافة ضد الحركة الشعبية لتحرير السوداني وخصوصاً في عمليات صيف العبور الشهيرة .
ثم مالبث أن توالت الخلافات والحروب داخل تنظيم الحركة الشعبية بسبب الضربات العنيفة التي وجهت لها ، كما أن بعض القيادات أمثال رياك مشار ولام أكول وجهت إتهامات صريحة (12) لرئيس الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق دي مابيور في إفقاد فرص الحركة الشعبية في فصل الشمال عن الجنوب ودياً في حقبة الديمقراطية الثالثة بسبب التعنت والرغبة في السيطرة علي كل السودان ! وهذا من الصعوبة بمكان بحسب هؤلاء القادة ويتطلب تضحيات جسيمة قد تضر بشعب جنوب السودان علي المستوي البعيد .
ومن جهة آخري لم تكتفي حكومة إثيوبيا بطرد الحركة الشعبية لتحرير السودان من أراضيها فحسب بل وجهت لها ضربات قاسية في مناطق تواجدها الجديدة داخل حدود السودان بالإشتراك مع الجيش الســـوداني حول مدينتين الناصر وفشلا (13) ، وبالتالي أسهمت كل هذه التطورات في إعادة النظر مرة أخري في أمر إستخراج النفط من مناطق التخوم الشمالية الجنوبية بعد أن عاد إليها الاستقرار والهدوء .
أما علي الصعيد الدولي فقد زادت الحاجة الي النفط وخصوصاً لدي الصين بعد أن نمت إقتصادياً وخطت خطوات واسعة في سياسة التصنيع والتصدير الي خارج أراضيها لدرجة هددت معها تفوق الولايات المتحدة إقتصادياً بعد أن ظلت مهيمنة على الاقتصاد العالمي منذ العام 1929م ، بيد أن معضلة الصين ومعها دول جنوب شرق آسيا مثل الهند وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان كانت تتمثل في الظمأ الدائم لسلعة النفط نتيجة للتوسع الاقتصادي المفرط، ولم تستطيع هذه الدول تحدى الاحتكار الأمريكي والغربي لهذه السلعة في مناطق انتاجه التقليدية حول الخليج العربي بسبب طول هيمنة الولايات المتحدة على هذه المناطق، وخروجها ظافرة من الحرب الباردة وسعيها لإدامة هيمنتها على كل العالم ، وكانت سلعة النفط من أهم أسلحتها التى تستطيع بها تحجيم الدول المنافسة لها واخضاعها لهيمنتها، وقد تمكنت بفضل هذا السلاح المؤثر من تحجيم القوة الاقتصادية الألمانية واليابانية بعد أن رضوا أخيراً ببعض النصيب من سلعة النفط.
ومن هنا سعت الصين والهند وماليزيا لتجربة أسواق جديدة خارج مناطق هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية التقليدية وكانت إفريقيا أكبر المرشحين لهذا الاتجاه، وصادفت هذه اللحظة في السودان لحظة إتجاه وإلتفات نحو أطراف خارجية ليست من بينها الدول الغربية في المساعدة في إستخراج وصناعة النفط ، والدخول في شراكة حقيقية بعد أن مهدت الأرض أمنياً وعسكرياً في هذا الاتجاه.
كما أنه ومن جهة أخرى توفرت عوامل عديدة لنجاح الحكومة السودانية في إستخراج نفطها ، ولعل أهم هذه العوامل استكشافات شركة شيفرون الامريكية السابقة بعد أن حفرت كثير من الآبار المرشحة للإنتاج ولم يعد باقياً من عملها سوى مد أنبوب النفط للتصدير ، كذلك أسهم العراق في التأكيد للحكومة السودانية أبان مساندة السودان له عقب إجتياح الكويت 2 أغسطس 1991م على غني بلاده، بالنفط ، كما أنه أرسل العديد من خبرائه في مجال النفط للمساعدة ، ومن المعروف أن الخبراء العراقيين ربما يكونوا من أوائل الخبراء في المنطقة نتيجة لقدم تعاملهم مع النفط منذ ثلاثينيات القرن العشرين ومعرفتهم بطرق إستخراج وتجميع ونقل النفط إلى موانئ التصدير.
أضف إلى ذلك أن تكنلوجيا صناعة النفط ومعداته لم تعد محتكرة لدى الغربيين وروسيا بعد أن دخلت المعدات الصينية بقوة في هذا المجال مما أسهم في كسر الاحتكار الغربي لعملية إستخراج النفط، بيد أن هذا الأمر فيما يبدو لم يكن بالمطلق بعد أن إحتاجت الشركات الصينية لشريك غربي للتصدى لبعض المعوقات، وسنرى فيما بعد أن هذه الشركات الغربية سببت قلقاً للحكومة السودانية بسبب تهديدها الانسحاب نتيجة لضغوط منظمات حقوق الإنسان والحكومات الغربية بسبب إتهامات وجهت للحكومة السودانية بإنتهاك حقوق الإنسان(14)..
ومن العوامل المحلية التي أسهمت في صناعة النفط اعتبار كثير من رجالات الانقاذ أن النجاح في استغلال النفط ربما يمنح شرعية وتفويض بالحكم ، وإنجاز يصعب تجاوزه بعد أن فشلت الحكومات السابقة الوصول إلى هذه المرحلة ، كما أن مسألة الاستغلال يمكن أن تضخ في الخزينة العامة أموالاً طائلة تخرج السودان من أزماته الاقتصادية التي طالما تسببت في معاناة وهجرة سكانه! وأسهمت في الاطاحة بالحكومات السابقة نتيجة لتدهور الحالة الاقتصادية وعجز الدولة عن الإيفاء بإلتزاماتها تجاه مواطنيها.
لذلك عملت الإنقاذ على تفويض أهم رجالاتها لإستخراج النفط وبصلاحيات مطلقة من ضمنها توفير اعتمادات مالية كافية ، والتأمين على كل الخطوات والطرق التي يود إتباعها في سبيل بلوغ هذه الغاية .
أضف إلى ذلك استدعاء كافة كوادرها التنظيمية العاملة في خارج السودان بأمر تنظيمي صادر من أمينها العام الدكتور حسن عبد الله الترابي لأجل الإسهام في عملية التنمية وعلى رأسها مشروع إستخراج واستغلال النفط السوداني، وبالرغم من قلة هذه الكوادر إلا أنها كانت مؤهلة وصاحبة خبرة خارجية طويلة مكنتها من التعامل مع الخارج بحسب مفاهيمه وإحتياجاته، ووفرت حلقة إتصال تنظيمية فاعلة بين القيادة ومختلف المؤسسات الاقتصادية التي يهيمن عليها هؤلاء القادمون من الخارج، مما مكنها من تجاوز كافة الأطر البيروقراطية وإمكانية إتخاذ قرار مهم في وقت وجيز.
ثم انتبه النظام إلى تأهيل كوادر جديدة ترتكز على الإحتكاك الخارجي حتى تظل عملية التواصل بين الأجيال مستمرة ، كما أنها لم تدخر وسعاً في الصرف عليها وتوفير مختلف إحتياجاتها.
ومن العوامل التي ساعدت إستمرارية تصدير النفط وهي غير متعلقة بالحكومة السودانية مباشرة وصول الجمهوريين للسلطة في واشنطن في العام 2000م أي بعد عامين من بدء استخراج النفط بصورة تجارية ، ومن المعلوم أن الجمهوريين عادة ما يركزون على إستقرار أسعار النفط وفرض الهيمنة الاقتصادية والعسكرية نسبة للوبيات التي تتحكم في هذا الحزب وهي لوبي شركات النفط العملاقة ولوبي تجارة السلاح والشركات المصنعة له، وبالتالي خفت كثيراً وإن لم تنعدم ضغوط الحكومة الأمريكية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان والاتهامات المثارة فيما يتعلق بإستعمال عائدات النفط في الأسلمة القصرية في جنوب السودان وممارسة تجارة الرق وشراء السلاح المتطور وقصف المدنيين وانتهاك حقوق الإنسان ، وهي إتهامات كانت مثارة أبان الحكومة الديمقراطية السابقة بقيادة الرئيس بيل كلنتون ، أضف إلى ذلك أن أحداث الحادى من سبتمر 2001م ساعدت هي الأخرى في صرف جهود الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها حول أفغانستان والعراق والصومال وإيران وسوريا ولبنان وغيرها بينما حرصت الحكومة السودانية على التعاون الواسع مع الحكومة الأمريكية في ملف الجماعات الإسلامية المتشددة والتفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية حول عديد من القضايا في هذا الشأن بالذات (15).
كذلك عملت الشركات الصينية على التفاهم السرى مع الحركة الشعبية لتحرير السودان فيما يختص بإستثماراتها النفطية التي تقدر بالمليارات في جنوب وجنوب أواسط البلاد، وقد ذكر الإعلام البريطاني بالذات أن الشركات الصينية حولّت ملايين الدولارات لصالح الحركة الشعبية لتحرير السودان مقابل عدم إستهداف منشأتها في الجنوب، ولا عجب أن تفعل الشركات الصينية ذلك لأنها أنفقت مليارات الدولارات في هذا الإستثمار، كما أن عملياتها بدأت مبشرة للغاية في السودان وأخذت تحقق أرباح متعاظمة مع إرتفاع أسعار الخام عالمياً خصوصاً في السنوات التي تلت دخول الألفية الثالثة لذلك ليس من المستغرب أن تنفق بضع ملايين من الدولارات لصالح الحركة الشعبية شرط الابتعاد عن منشأتها ومهندسيها(16).
ومن العوامل الأخري غير المتعلقة بالحكومة السودانية وأدت إلى نجاح إستخراج النفط موقف الحركة الشعبية الحقيقي من الاستثمار في جنوب وجنوب أواسط البلاد من سلعة النفط حيث بدأ أن الحركة الشعبية حرصت على عدم مس المنشأت النفطية ربما منذ البدايات الأولي لتحقيق هذا المشروع المؤثر علي مستقبلها، وهو عكس موقف الحركة من حفر قناة جونقلي غداة البدء فيها في 1983م حينما هاجمت جرارات الحفر الضخمة وأسرت كثير من المهندسين الفرنسيين مما أوئد معه هذا المشروع منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، صحيح أن الحكومة السودانية بذلك جهوداً عسكرية لحماية مناطق الاستكشاف، وصحيح أنها كذلك عملت على حمايته بواسطة الفصائل المنشقة عن الحركة الشعبية بقيادة اللواء فاولينو ماتيب بعد أن بذلت الأموال الطائلة لهم وعفتهم من كثير من القوانين الملزمة حتى في مدينة الخرطوم ، وصحيح أن الشركات الصينية كما رشح في أجهزة الإعلام قد دفعت ملايين الدولارات لصالح قيادات الحركة الشعبية لعدم تهديد مناطق الإستثمار إلا أن كل ذلك قد لا يكون مقنعاً للحركة الشعبية للقيام بهجوم كبير تئد فيه مشروع النفط على الأقل في مناطق الجنوب والمناطق المحازية لحدوده مع الشمال لولا حرصها فيما يبدو على أن لا تمس عملية الإستثمار في النفط، وسر هذا الموقف ربما يكون في رغبة الوصول إلى سلام مع الحكومة السودانية وخصوصاً أن الأخيرة المحت ربما منذ العام 1992م (17) بالاعتراف بحق تقرير المصير لجنوب السودان أثناء مفاوضات الوزير على الحاج محمد مع بعض قيادات الحركة في فرانكفورت ، كما أن الحكومة السودانية أعادت تأكيد موقفها مع بعض الفصائل المنشقة من الحركة الشعبية لتحرير السودان في اتفاقية الخرطوم للسلام 1996م، أضف إلى ذلك أن مختلف التيارات السياسية بما فيها حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوداني دعموا حق الجنوب في تقرير مصيره بمؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا 1995م (18).
وبالتالي يتضح لنا أن الحركة الشعبية حرصت على عدم المساس بالاستثمارات النفطية حتى يكون النفط وأسعاره المتزايدة نقطة انطلاق لتنمية جنوب السودان بعد تحقيق السلام ، وإمكانية الإستفادة على كامل حصة الجنوب في حالة إستقلال جنوب السودان فيما بعد، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تفاهم مع الشمال حتى في حالة الانفصال لأن طرق نقله إلى العالم الخارجي لا تتم في الوقت الحالي أو المستقبل القريب إلا عبر الشمال.
وفيما يبدو أيضاً أن قيادات الحركة الشعبية لم تعد تثق كثيراً في وعود المجتمع الدولي بتقديم معونات سخية في حالة تحقيق السلام بعد أن رأت تنكر المجتمع الدولي مالياً للفلسطينيين بعد اتفاقية أوسلو 1992م، وتخلي المجتمع الدولي عن دعم ضحايا سونامي في جنوب آسيا 2004م بعد أن وعد بضخ مليارات الدولارات لمساعدة الضحايا ، والتخلي عن دعم ضحايا الجفاف والتصحر في القارة الإفريقية، وبالتالي فمن المحتمل جداً أن لا يساعد الشمال والجنوب في حالة توقف الحرب، وهذا الأمر يهدد بإشتعال الحرب مرة أخرى لعدم توفر الخدمات الاساسية وإحتمالية إنفلات زمام الامور من أيدي قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان ، لذلك ربما قدروا أن سلعة النفط ستكون حجر الزاوية في تنمية جنوب السودان.
ومن العوامل الخارجية الاخرى التي أسهمت في نجاح استخراج النفط السوداني العامل الإقليمي وخصوصاً موقف إثيوبيا وكينيا حيث بدأ أن الدولتين قد وقفتا موقفاً إيجابياً تجاه هذا المشروع وربما تكونان قد أسهمتا في إثناء الحركة الشعبية لتحرير السودان عن مهاجمة مواقع الانتاج وذلك بتوضيحها للحركة الشعبية إمكانية الاستفادة المشتركة من هذا المشروع في حالة نجاحه، وهو الامر الذي دفع بالحركة الشعبية عدم التعرض للمشروع، وهذا الموقف لو حدث حقيقة يكون دافعه الأهم التعطش الشديد للنفط بعد أن زادت أسعاره عالمياً ولم تعد تطاق حتى من قبل مواطني الدول العظمى دعك عن مواطني دول العالم الثالث، ومنبع هذا العطش خلو الإقليم حالياً من هذه السلعة الإستراتيجية وإستجلابها بأسعار باهظة التكاليف ، لذلك حينما علما أن مشروع النفط السوداني القريب منهما قد يسهم في إغلاق هذه الفجوة في إقتصادهما المثقل بأجندة كثيرة أخرى دعما هذا المشروع، كما أننا لا نستغرب لو علمنا أن الدبلماسية السودانية ممثلة في قياداتها العليا لعبت دوراً نشطاً في اقناع هاتين الدولتين بالفوائد التي يمكن أن يحصل عليها الإقليم في حالة تمكن السودان من إستخراج هذه السلعة الحيوية، والشيء الذي يؤكد هذه المقولات أن الاحتياجات الحالية من سلعة النفط لكينيا وإثيوبيا تأتي من السودان بأسعار زهيدة للغاية (19)، كما أن الدولتان وبما تمتلكانه من علاقات وثيقة بالحركة الشعبية لتحرير السودان تلعبان دوراً هاماً في تقريب وجهات نظر الطرفين وهما المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حتى بعد خمس سنوات من التوصل لإتفاقية سلام بين الطرفين وإنشاء حكومة الوحدة الوطنية.
وأخيراً من عوامل نجاح استخراج النفط أن الشركات الصينية والماليزية والهندية بشكل أقل ربما لا تتأثر كثيراً بموقف منظمات حقوق الإنسان من القضايا المثارة تجاه السودان، وهذا الأمر ينبع ربما من الطابع الغربي لهذه المؤسسات وتأثرها في كثير من الأحيان بسياسات الدول الغربية وغضها الطرف عن كثير من الإنتهاكات الغربية وخصوصاً لحقوق الإنسان بعد تفجّر الحرب ضد الارهاب سبتمبر 2001م ، والموقف الإسرائيلي من الفلسطينيين ، والسبب الاخر هو عدم تأثر هذه الشركات بالرأي العام وخصوصاً في الصين، وبالتالي لا تستجيب هذه الشركات إلا لرؤى حكوماتها المركزية ، وهذا الامر أدي إلى إستمرار عمليات استخراج النفط حتى بعد إنسحاب بعض الشركات الغربية مثل شركة تلسمان الكندية .
مخاطر صناعة النفط في السودان بعد تحقيق السلام يناير 2005م:
يمكن القول أن مستقبل صناعة النفط في السودان قد يأخذ عدة إحتمالات منها الإيجابي ومنها السلبي، وإذا تغلبت الأزمات السياسية على صناعة النفط فسيؤدي ذلك إلى تحطيم هذه الصناعة نهائياً أو إنتقالها إلى مناطق خارج أماكنها الحالية ! وإن كان ذلك يصعب كثيراً لأن معظم أقاليم السودان لها مطالب ويمكن أن تفجر أزمات مثل التي فجرها جنوب السودان، وبالتالي تؤدي إلى توقف هذه الصناعة الحيوية ، وفيما يبدو أن العوامل السلبية وعدم الاستقرار السياسي سيغلب على صناعة النفط وذلك من خلال عدة مؤشرات منها تفّجر الحرب في دارفور قبيل التوصل إلى اتفاقيات سلام بين الشمال والجنوب ولعل من أهم عوامل قيامها النظر في المكاسب التي بدأ أن الحركة الشعبية وجنوب السودان قد تحصلت عليها بعد شهور طويلة من المفاوضات حيث رُشح أن الحكومة السودانية وافقت على اقتسام عائدات النفط المستخرجة من الجنوب بنسبة 50% ، وأنها ستترك حكم الجنوب للجنوبيين ، بالاضافة إلى ثلث وظائف الحكومة المركزية بما فيها نائب رئيس الجمهورية ، بالاضافة إلى ترك جيش الحركة الشعبية لحين البت في أمر تقرير المصير في العام 2011م، ومن هنا أثارت هذه الالتزامات حفيظة بعض الدارفوريين خصوصاً بعد أن علموا أنها ملزمة وستضّمن في الدستور السوداني بعد أن يشهد عليها المجتمع الدولي لذلك نشب الصراع في دارفور ضمن أسباب أخرى كثيرة للحصول على نفس مكاسب الجنوب.
ومن المؤشرات السالبة فيما يخص بالحرب في دارفور تدخل الدول الغربية بقيادة فرنسا وربما الولايات المتحدة الامريكية فيها من أجل العودة إلى مخزونات السودان النفطية ، كي لا يتجه كلياً نحو وضع احتياطاته النفطية في أيدي الصين وبعض دول جنوب شرق آسيا مهددا بذلك خروج الشركات الغربية نهائياً من هذه المنطقة الهامة والحيوية ، وهو أمر قد لا تتحمله السلطات الغربية خصوصاً وأنها تعتقد أنها كان لها قصب السبق في إكتشاف مخزونات النفط في هذه المناطق لولا تفجر الحرب الأهلية ورخص أسعاره في تلك الأونة ، والتكلفة الكبيرة لإنشاء انبوب نفط يقطع مسافة 1600 كيلو متر من مناطق الانتاج وحتى موانئ التصدير بالقرب من بورسودان.
أضف إلى ذلك بدأ أن الإستثمارات الصينية في مجال النفط بعد نجاحها لن تكتفي بمناطق جنوب وجنوب أواسط السودان فقط بل أخذت تتجه نحو جنوب دارفور بالقرب من مناطق استكشاف الشركات الفرنسية في جمهورية تشاد ! مما يؤدى إلى قيام منافسة كبيرة في هذه المنطقة ، لذلك عملت الدول الغربية على النفخ في أزمة دارفور مستغلة عدالة بعض المطالب في التنمية المتوازنة والإدارة وربط هذا الإقليم الشاسع بمناطق وسط وشمال وشرق السودان ، وتوفير المياه ، والفصل بين القبائل الزراعية والرعوية ، وعدم استغلال نزاعاتها التاريخية لزيادة هيمنة المركز على الإقليم وإبقائه خارج نطاق تأثيرات السياسة السودانية (20).
ومن المؤشرات السالبة كذلك عدم حسم إتفاقية السلام الشامل في نيروبي 2005م لبعض القضايا الخلافية حول منطقة أبيي الغنية بالنفط على وجه التحديد، وإمكانية تجدد الحرب مرة أخرى لعدم حسم هذه المعضلة الحيوية، وقد كانت مشكلة أبيي من أكبر أسباب النزاع بين الشريكين في فترة حكومة الوحدة الوطنية .
كذلك يمكن أن تكون عائدات النفط سبباً من أسباب النزاع المستقبلي وذلك للاتهامات المثارة من قبل عدة فعاليات جنوبية كُنهها أن الشمال يأخذ أكثر من نصيبه من نفط الجنوب، وأن الجنوب يجب أن يصوت للإنفصال حتى يستطيع أن يسيطر على جميع عائدات نفطه بدلاً من تقاسيمها مع الشمال، ومن المحتمل أن تزيد هذه النبرة مع تدني عائدات النفط نتيجة لتدني أسعاره عالمياً في أواخر عام 2008م.
ومن جهة أخرى أدت بعض بنود اتفاقية السلام الشامل إلى إثارة خلافات مستترة بين أقاليم السودان بعد أن منحت نسبة 2% من عائدات النفط للأقاليم التي توجد فيها عمليات الاستخراج، حيث إعتبرت بعض الاقاليم أن نسبة 2% من صافي الارباح يجب أن تشمل جميع الولايات التي توجد بها مشاريع اقتصادية قومية ترفد السودان بخياراتها ، حيث طالبت ولايات شرق السودان بنفس هذه النسبة من عائدات الذهب المستخرج فيها ، كما أن المتأثرين بقيام سد مروي والسدود الأخرى طالبوا بنفس النسبة من عائدات السدود التي تشمل الأراضي المروية إنسيابياً والكهرباء والثروة السمكية والنقل، كما أن سكان منطقة الجزيرة طالب البعض منهم بنفس النسبة من المشروع الزراعي العملاق في هذه الولاية، وبالتالي إذا تطورت المطالب وزادت من حدتها وعجزت السلطة الإستجابة لها فمن المحتمل أن تؤدي إلى قيام نزاعات حقيقية في المستقبل.
ومن مؤشرات النزاع الأخرى هشاشة التكوين العرقي والقبلي واللغوي في جنوب السودان حيث من المحتمل أن تؤدي هذه الهشاشة إلى حروب أهلية في جنوب السودان شبيهة بالحروب في منطقة البحيرات العظمى لو نالت حكومة جنوب السودان إستقلالها لأن معظم القبائل المكونة لجنوب السودان لا يجمع بيينها رابط عرقي أو لغوي أو ديني(21)! وأن الرابط الأساسي يتركز في مواجهة الشمال أبان تفجر الحرب الأهلية، وبفرضية انتفاء هذا العنصر فمن المحتمل أن تطالب بعض القبائل التي توجد فيها مخزونات معتبرة من النفط مثل قبيلة النوير الاستقلال عبر الإغراء بمخزوناتها الضخمة، ومن المحتمل أن يولّد ذلك صراع عنيف بين الحكومة في الخرطوم وإثيوبيا والدول المساندة للقبائل الجنوبية الأخرى وأبرزها قبيلة الدينكا صاحبة الهيمنة في جنوب السودان.
ومن المؤشرات السالبة كذلك تحفّز القبائل الرعوية المتاخمة لحدود الشمال مع الجنوب بغرض فرض رؤيتها فيما يختص بالنزاع حول حدود جنوب وشمال السودان حيث تضغط هذه القبائل على الحكومة السودانية لعدم التوصل إلى أي حل مرن بين الطرفين وتحقيق مطالبها في كل الأراضي التي تري أنها جزء تاريخي منها، وهذه القبائل تبدو مفهومة في مطالبها لأن تعيين الحدود يبدو مصيرياً لها خصوصاً لو تم حرمانها من موارد المياه الوفيرة في المناطق المتنازع عليها حول بحر العرب والتي تتجه إليها سنوياً مع زيادة حدة الجفاف في أواخر شهر أبريل ومايو، وفي حالة حرمانها من هذه المصادر قد يؤدي ذلك الحرمان إلى إفنائها وتشريد أبنائها الذين تتوقف حياتهم قبيل فصل الامطار على هذه المياه، أضف إلى ذلك أن إعتماد الحكومات المختلفة التى مرت على سدة الحكم فى الخرطوم على هذه القبائل في فرض الامن جعل منها قوة داخل قوة الدولة نفسها خصوصاً وأنها مدربة جيداً على حمل السلاح، وتعرف معالم الأرض الطبوغرافية والجغرافية لذلك تبدو الحكومات ضعيفة تجاه هذه القبائل، وربما لا يحد من تأثيرها وغلواءها سوي التهديد بجعلها داخل كماشة عسكرية بين القبائل الجنوبية والحكومة المركزية في الخرطوم .
أضف إلى ذلك نشأت ثقافة مؤخراً بالسودان أتت عبر الاتفاقيات الموقعة مع العديد من الحركات الخارجة على الدولة تقر بأن أقرب طريق لتحقيق المطالب والتنمية هو البندقية لذلك من المحتمل أن تتزايد المخاطر في المستقبل المتوسط والبعيد.
ومن المخاطر الأخرى التي يمكن أن تؤثر على صناعة النفط تلبس كثير من الصراعات لبوس النزاعات العرقية بدلاً من أن تكون مطالب إقتصادية وتنموية بسبب الصراع كما كان يحدث في السابق ، والإختلاف يقع في أن المطالب الاقتصادية بالتنمية يمكن أن تتم معالجتها والاستجابة لها في حالة توفر العزيمة والرغبة والتمويل اللازم لذلك، أما الصراعات العرقية والجهوية فهي من الصعب معالجتها وغالباً ما تكون خسائرها عميقة الأثر بسبب التوجس المستقبلي من صدقية الطرف الآخر، والرغبة في قطع الصلات وإثارة الخلاف مع الأطراف التي تتهم بالتعالي العرقي والأنانية ، وهذا الامر لو عم وشمل مختلف أقاليم السودان فمن المحتمل أن يؤدي إلى تفكيك البلاد أخر المطاف وبالتالي تكون عملية استخراج واستقلال النفط من اول ضحايا الصراع.
ومن المخاطر على صناعة النفط أيضاً إعتماد الدولة على سلعة النفط وحدها دون السلع الأخرى مما سبب تدهوراً بالسلع الأخرى لعدم الاهتمام الكافي بها، وقد تحققت مثل هذا النبؤة بعد أن أصبحت الخزينة العامة تعتمد على أكثر من 90% من تمويلها على سلعة النفط وتم تجاهل الزراعة والرعي والتعدين في المعادن الأخرى، وقد ساعد السير في هذا الاتجاه إرتفاع برميل النفط إلى مستويات قياسية ووصوله إلى 148 دولار للبرميل الواحد أواخر العام 2007م في أعلي سعر في كل تاريخه مما أدي إلى تراكم عائدات النفط داخل الخزينة السودانية وزيادة الاستهلاك والصرف غير المرشد وتحقيق المطالب المالية والسلطوية لكل من يترك حمل السلاح خصوصاً في دارفور وجنوب كردفان وشرق السودان مما حّمل الخزينة العامة اعباءاً كبيرة تنوء بها في الظروف العادية لولا توالي ارتفاع أسعار البترول، ثم ما لبثت أن هبطت هذه السلعة الحيوية إلى مستويات متدنية في أواخر العام 2008م لدرجة أنها وصلت إلى ثلاثين دولاراً للبرميل بعد أن كاد أن يكسر السعر حاجز المئة وخمسين دولار.
هذا الهبوط المفاجيء صنع أزمة اقتصادية لا يمكن تجاهلها مع وجود إلتزامات مالية لا يمكن التملص منها، صحيح أن الدولة حاولت علاج ذلك الأمر بفرض مزيد من الضرائب والجمارك إلا أنها في حالة إخفاق خططها قد يؤدي ذلك إلى إضطرابات سياسية تهدد بإنفراط عقد على حكومة الوحدة الوطنية ، ومن المعلوم أن إستثمارات النفط لا تحمل أي إضطرابات سياسية شديدة الوطأة وخصوصاً أبان تدني أسعاره عالمياً .
وأخيراً من المخاطر التي يمكن أن تهدد صناعة النفط في السودان إلتزام المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بإجراء إنتخابات حرة وشفافة في خواتيم هذا العام (2009م)، ومن المعلوم أن كلا الطرفين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان لم تكن المساندة الجماهيرية المحضة من خلفهما ساعة وصولهما إلى السلطة وإنما وصلها عبر القوة ، وأن الأمر الواقع هو ما جعلهما يتسيدا الساحة السياسية ويفرضان ما يراه مناسباً من إتفاقيات وتفاهمات وتحالفات، لذلك في حالة إجراء انتخابات حرة ووصول أحزاب سياسية في شمال أو جنوب السودان من خارج الحزبين المسيطرين فمن المحتمل أن يحدث إضطراب ما نتيجة لإبتعادهما عن السلطة وهم يحملون أدق أسرار صناعة النفط، وهم من يتكفلون بالقوة اللازمة للحفاظ على هذه الصناعة ! وبالتالي تراكمت خبرات السلطة والقوة لديهما لأكثر من عشرين عاماً، فلو هددا برفض العملية الانتخابية وهذا سيناريو معروف في إفريقيا فمن من شأن ذلك أن يقضى على صناعة النفط نهائياً في السودان أو يؤخرها، والذي يدلل على ميل البلاد نحو هذا الاتجاه وجود معارضة قوية لكلا الحزبين ووجود قيادات تاريخية مؤثرة مثل السيد الصادق المهدي قد تصل إلى السلطة، بالإضافة إلى غياب ثقافة ترك السلطة سلمياً والإذعان طوعاً بفوز الطرف الأخر.
كذلك للمؤتمر الوطني دوافع اكبر للهيمنة على السلطة وعدم التفريض فيها حيث يعتقد كثير من قياداته أن المجتمع الدولي أو بعض منه له أغراض في إستهداف السودان وتمزيقه من خلال إستهداف قيادته العليا ، والحقيقة أن هذه الرؤيا قد لا تخلو من وجاهة لو نظرنا تعامل المجتمع الدولي ومحكمة الجزاءات الدولية إلى الجرائم المشهودة والموثقة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين وأخرها حرب غزة في أواخر العام 2008م وإستعمالها مختلف الأسلحة المحرمة دولياً ضد الأهالي العزل، لذلك ليس من المنتظر أن يسلم المؤتمر الوطني السلطة لأي طرف اخر قد يتفاهم مع بعض القوة الدولية في هذا الملف تحديدا .
الخاتمة :-
وإخيراً يمكن القول من جهة أخري إن مستقبل صناعة النفط في السودان قد يبدو مضيئا بالرغم من المصاعب والتحديات السابقة وذلك لتوفر عدة عوامل حملت في ثناياها مؤشرات إيجابية على إمكانية إزدهار صناعة النفط، ولعل أهم هذه المؤشرات تتمثل في أن السودان إستطاع إن يجتاز صعوبات جمة في سبيل الوصول إلى مرحلة إستخراج وإستغلال النفط وهذه المرحله تمت في إوان إشتداد الحرب ولم يقف ذلك الأمر حجِر عثرة في طريقه ، وكذلك تمكن من مواصلة الإنتاج بعد تحقيق السلام برغم الصعوبات الكبيرة التي واجهت الطرفين لإنزال إتفاقية السلام إلى أرض الواقع ، وإقتسام عائدات النفط ، وتأجيل النزاع حول أبيي لحين الوصول إلى تسوية ما برغم الإنفجارات الأمنية في المنطقة الغنية بالنفط.
كذلك نجد أن نجاح إستمرار تدفق النفط لأكثر من عشر سنوات ولّد خبرات وطنية لا يستهان بها في مجال إستخراج وتصدير النفط بعد أن كانت الخبرات الوطنية محدودة للغاية ، وإذا ما إستمرت الأمور بنفس سيرها فسيستطيع السودان في مرحلة من المراحل السيطرة على كافة عمليات إنتاج وتصدير النفط وقد يصل إلى مرحلة الإستكشاف وإدخال آبار وحقول جديدة في مجال الإنتاج.
ومن المؤشرات الاخرى الدالة على إمكانية إستمرار نجاح عمليات الإنتاج علم الحركة الشعبية لتحريرالسودان إنها لا تستطيع في المستقبل القريب الإعتماد على نفسها أو أصدقائها في تصدير النفط المستخرج من أراضي الجنوب حتى في حالة إعلان الإنفصال في 2011م وذلك لإرتباط عمليات الإنتاج بالشمال من خلال الخبرة المتراكمة وانبوب النفط الطويل الذي يقطع حوالي 1600كيلو لحين الوصول إلى موانيء التصدير بالقرب من ميناء سواكن ، ومن دون هذا الخط يتعذر على حكومة الجنوب تصدير نفطها خصوصاً وأن جنوب السودان في حالة إنفصاله لا يملك موانيء بحرية تطل عبر العالم الخارجي ، لذلك عليه لو أراد الإستغناء عن الشمال أن يتعاون مع كينيا في هذا المجال حتى يتمكن من تصدير نفطه وهذا يتطلب جهود سنوات من اجل مد انبوب جديد حتى المحيط الهندي ، هذا لو توفرت العوامل الأمنية والإستقرار السياسي وخصوصاً في مناطق الحدود الجنوبية الكينية ، وهي مناطق تشهد نزاعات مستمرة بين قبائل التبوسا والتركان والمساي ووجود العرق الصومالي المعارض في منطقة (NVD)، كما أن مثلث اليمي سيكون موضع نزاع بين الدولة الجنوبية الوليدة والسلطات الكينية (22)، وبالتالي يبدو أمر مد أنبوب جديد متعذر للغاية خصوصاً وأن حكومة جنوب السودان إعتادت في السنوات السابقة الاعتماد في ميزانيتها على عوائد النفط وبالتالي هي لا تستطيع أن تصبر سنوات حتى يتم مد الأنبوب الجديد من دون مساعدات مادية مقدرة وهذا أمر مشكوك فيه في ظل الازمة الإقتصادية العالمية التى بدأ العالم يعانى منها في خواتيم العام 2008م.
والنتيجة التى يمكن أن نتوصل لها من كل ذلك هي أن حكومة جنوب السودان ستحرص على عدم الإحتكاك مع الشمال وحل الخلافات بالطرق السلمية بقدر ما تستطيع ، وحتى لو قرر مواطنوها الإنفصال بعد الإستفناء المزمع إنشاءه في 2011م فإن حكومة جنوب السودان ستحرص على إقامة تعاون إقتصادي وتجاري وثيق مع الشمال والإبقاء على التفاهمات فيما يختص بنقل النفط وإقتسام عائداته مع الشمال والحفاظ على الأمن والهدوء في مناطق الإنتاج بالقرب من الحدود المشتركة ، و إرسال الخلافات العالقة للفصل فيها بالطرق الدبلوماسية وطلب معاونة أصدقاء الطرفين وضغوطات المجتمع الدولي .
كذلك من دوافع الإستقرار السياسي في الفترة القادمة هو أن تجربة الشريكين في الحكم طوال الفترة الإنتقالية 2005- 2009م قد أزالت كثيراً من مرارات الحرب السابقة وولدت تفاهمات جديدة لا يمكن تجاوزها ، ومما لا شك فيه أن هذه التجربة ستسهم في إستتباب الأمن و الإستقرار حتى لو إنتهى الأمر بالإنفصال ، والذي سوف يزيد من متانة العلاقات كذلك إن الطرق التجارية المربحة السالكة إلى الجنوب هي الطرق المؤدية للشمال وذلك لإمكانية إستقلال النقل النهري الذي يمكن أن يربط بين كثير من مدن الجنوب ويرفدها بكميات كبيرة من البضائع بأقل التكاليف ،كما أن القطار الذي يربط بين بابنوسة في جنوب كردفان ومدينة واو بولاية شمال بحرالغزال سيسهم في تسهيل التبادل التجاري ، هذا بخلاف النقل الجوي والبري عبر الطرق المفتوحة إلى جنوب السودان .
ومميزات الطرق التجارية مع الشمال لا يمكن أن تماثلها أي طرق أخرى بدول الجوار وذلك لمعرفة المواطنين بهذه الطرق وسهولة المرور بها بعد إزالة الألغام وإمكانية النقل النهري والبري دون عقبات تذكر .
ومن الأسباب الأخرى أيضاً التي سوف تصب في عوامل الإستقرار وبالتالي في نمو عملية إستغلال النفط السوداني موقف دول الجوار الإقليمي من نجاح عملية إستغلال وأستخراج النفط السوداني بعد أن أسهم في تخفيف حدة الأزمة لدى هذه الدول. بالنسبة لسلعة النفط الحيوية حيث سيُعد مطلب إستقرار الأوضاع في السودان من أهم مطالب الأمن القومي لهذه البلدان ،ولعل كثير من الدول الإفريقية والعربية إنتبهت أخيراً إلى أن أهم أسباب حل النزاعات في الإقليم ينبع من خلق الرابط الإقتصادي الذي يمكن أن يحد من عوامل الخلاف أو يبطيء من حدتها كي تؤثر على المصالح التجارية بين البلدين .
كذلك تتخوف القارة الإفريقية على وجه العموم من تفتت دولها الإقليمية إلى دويلات صغيرة متنازعة فيما بينها لأن معظم دولها تعاني من وجود إقليم أو أكثر يطمح في الإنفصال وتكوين دولة جديدة تحت مختلف الزرائع والدعاوي ، ولو أن الباب فتح لمثل ذلك الأمر ربما يدخل القارة الإفريقية في نفق مظلم لا يمكن الخروج منه قريباً، ومن هنا ستعمل الدول الإفريقية والغربية على إبقاء الجنوب ضمن السودان الموحد ولكن برابطة فضفاضة أقرب إلى الإنفصال منهما للوحده خصوصاً وأن مواطني جنوب السودان الذين إمتلكوا أراضي ووظائف في شمال السودان وإستقروا ربما لأكثر من عشرين عاماً، من الصعب أن يبدأو حياة جديدة بالجنوب مرة أخرى لذلك سيكونوا أكثر حرصاً على بقاء الرابط بين الشمال والجنوب وهم من سيلعبون دوراً في المستقبل في بناء السودان الجديد المبني على التفاهم بين الطرفين المتنازعين.
مصادر الدراسة :
1- M.O. Beshir , The Southern Sudan , Background to Conflict, Pub., In Hurst co. London 1968,P. 80
2- د. منصور خالد ، السودان أهوال الحرب وطموحات السلام – قصة بلدين ، دار تراث ، لندن 2003م ، ص 236
3- د. محمد عبدالغني سعودي ، السودان ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص ه .
4- د. منصور خالد ، النخبة السودانية وإدمان الفشل ، ج ثاني ، دار الأمين للنشر والتوزيع ، القاهرة 1993م ، ص 115.
5- د. منصور خالد ، النخبة السودانية وإدمان الفشل ، ج أول ، دار الأمين للنشر والتوزيع ، القاهرة 1993م ، ص 376 .
6- - Dr. JLALALAD- DINE MADANCE , HISTORY OF ISLAMIC REVOLUTION OF IRAN, PUB.INT- PUB, CO.TEHRAN 1966.P.260
7- حسن علي الساعوري ، السودان والبحث عن السلام ، المطبعة النموذجية ، القاهرة 1990م ، ص 99.
8- محمد حسنين هيكل ، الزمن الأمريكي من نيويورك إلي كابول ، ط ثالثة ، المصرية للنشرالعربي والدولي ، القاهرة 2002م ، ص 130 .
9- المحبوب عبدالسلام ، فصول من حريق الجنوب السوداني ، بيت المعرفة للإنتاج الثقافي ، أمدرمان السودان 1989م ، ص 80.
10- سعد البزاز ، حرب تلد أخري – التاريخ السري لحرب الخليج ، الأهلية للنشر والتوزيع ، عمان 1993م ، ص 118.
11- فتحي الضو محمد ، السودان ، سقوط الأقنعة- سنوات الخيبة والامل ، الطابعون شركة سوتير ، القاهرة 2006م ، ص 296.
12- أسماء الحسيني ، مقال حول كتاب الدكتور لام أكول ، داخل ثورة إفريقية ، صحيفة الصحافة ، العـــدد (5603 ) ، بتاريخ 8/2/ 2009م ، ص 4 ، الخرطوم .
13- المصدر السابق ، نفس الصفحة .
14- انظر صحيفة الشرق الأوسط السعودية اليومية ، العدد( 8372) بتاريخ الثلاثاء 30 اكتوبر 2001م .
15- د. اسامة علي زين العابدين ، سياسة السودان الخارجية ، الناشر ، مكتبة الشريف الأكاديمية الخرطوم 2005م ، ص 182 .
16- انظر صحيفة الصحافة السودانية اليومية ، العدد رقم (5297) بتاريخ 18/3/2008م بعنوان : بوادر إنقسام جديد في الحركات الشعبية لتحرير السودان .
17- محمد الأمين خليفة ، خطي السلام خلال عهد الإنقاذ أديس ابابا 89 – نيفاشا 2005 ط ثالثة ، شركة مطابع السودان للعملة المحدودة – الخرطوم 2005م ص 117.
18- فتحي الضو محمد ، السودان سقوط الاقنعة ، مرجع سابق ، ص 287.
19- د. الفاتح الابوابي عبدالوهاب ، السودان – مواجهة العولمة الإقتصادية عبر التكتلات الإقليمية ، الناشر الشركة العالمية للطباعة والنشر ، بدون بلد نشر ، 2007م ، ص 146 .
20- انظر أعمال الحلقة النقاشية حول أزمة دارفور الاصول والمواقف وسيناريوهات الحل والتدخل ، د. حسن مكي ود. السيد فليفل ، إصدار معهد البحوث والدراسات الإفريقية . القاهرة 2005م .
21- د. سعاد شعبان ، النيليون ، من أعمال ندوة الدنكا ، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ، جامعة القاهرة ، 2001م ، ص 141 .
22- حافظ تميم الدار بابكر ، العلاقات السودانية الكينية 1955م – 2007م ، رسالة ماجستير غير منشورة ، مركز البحوث والدراسات الإفريقية ، جامعة إفريقيا العالمية 2008م ، ص 65 .