أثر الصراعات المذهبية والسياسية علي حاضر لبنان

 


 

 


الجزء الأول

Matasm al-ameen [matasm.alameen@gmail.com]

مقدمة :
إن الانتصار الذى حققته حزب الله   علي إسرائيل في يوليو 2006م ربما يشكل بداية النهاية لإسرائيل بعد أن ظلت ومنذ تأسيسها رسميا في 15 مايو 1948م لاتعتمد في شيء علي بقائها مثل اعتمادها على القوة والقوة المجردة فقط، بيد أن هذا الانتصار لم يكن ميسوراً ، ولم  يأت  بالصدفة  ذلك أنه قد سبقه تخطيط وتدريب طويل امتد لأكثر من ربع قرن من الزمان .
وتأتي صعوبة الانتصار وأهميته من كونه انطلق من لبنان تحديدا بمساندة عديد من الأقطار والفعاليات المجاورة ، إلا أن لبنان يحتوي في تكوينه البنويّ على تعقيدات هائلة وقديمة ، وربما نبعت  جذورها منذ مايقرب من الالف عام أو يزيد وذلك لأن لبنان لم يكن خالصا لحزب الله أو الطائفة الشيعية ولكن احتوى على العديد من الطوائف الأخرى التي تصادمت مع الشيعة وتصادمت مع بعضها البعض في مراحل لاحقة  نتيجة لرغبتها في فرض نموذجها أو تحقيق طموحاتها وأطماعها الخاصة ، وبما أن لبنان بتكوينه الحالي لا يتسع إلا لكل هذه الطوائف مجتمعة فإنه ينبغي مراعاتها والحذر منها عند اتخاذ أي خطوة تؤثر على الآخرين.
والمفاجأة أن لبنان بكل تعقيداته هذه استطاعت جماعة محدودة فيه أن تواجه إسرائيل  بقوة محدودة وأن تنتصر عليها ، مع العلم أن مجموعات  طائفية عديدة داخل لبنان لا تخفي تحالفها مع إسرائيل ، وهو أمر معروف ومشهود ربما منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان 1975م .
ولكى نملك صورة وافية حول هذا الانتصار الذى يبث روحاً جديدة في الأمة الإسلامية  كان لابد  أن نقوص بعيدا في تاريخ الطوائف اللبنانية وأثرها على الحاضر اللبناني ، ودافع كل منها في الالتزام بموقف معين ، والنتائج التي تمخّضت عن هذا الالتزام  ، وأثر كل ذلك على حاضر ومستقبل حزب الله .

مدخل:
قصة حزب الله ولبنان والشيعة والمسيحيين الموارنة وإسرائيل وفرنسا والدول العربية والغربية من أعقد القصص في المنطقة، حيث أنه من الصعب تمحيصها ومعرفة دوافعها ما لم نغص بعيدا في تاريخ المنطقة ربما بأكثر من ألف وخمسمائة عام حتى يمكن معرفة القليل والقليل جدا عن هذا الصراع المعقد الذي لازال يؤثر بشدة في الأحداث اليومية وكأن   السنوات الطويلة لم تمر وكأن الناس الذين عايشوا تاريخها استمروا بنفس عقلياتهم زهاء ألف عامٍ أو يزيد.
حفر في تجاويف الذاكرة اللبنانية:
ظل الصراع ممتداً في لبنان منذ ما قبل ظهور الإسلام وخصوصاً في جبال لبنان الوعرة، وذلك لأن وعورة هذه الجبال استطاعت أن تحافظ على مجموعات سكانية وعرقية بثقافتها المتميزة بمعزل عن الآخرين لأزمان طويلة، وكانت أولى هذه الصراعات فيما هو معروف حتى الآن الصراع بين الوثنيين وأصحاب الديانات السماوية من يهود ومسيحيين في شعاب جبال لبنان بحيث لم يستطع أصحاب الديانات السماوية القضاء على الوثنيين إلا مؤخراً جداً ولا تزال كثير  من العادات الوثنية مثل تعظيم الأشجار والمزارات تلقي بظلالها حتى يومنا هذا على الحياة الثقافية اللبنانية(1).
أما أصحاب الديانات السماوية وعلى وجه الخصوص الديانة المسيحية فقد اصطرعوا مع بعضهم البعض إلى يوم الناس هذا، وتلخص الصراع بينهم حول طبيعة السيد المسيح حيث رأت بعض الكنائس المحلية مثل السريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس والسريان الكلدانيين أن للمسيح طبيعة واحدة بينما أيدت بعض الكنائس الأخرى الطبيعة الثنائية للسيد المسيح مثل السريان الكاثوليك والروم الكاثوليك والموارنة في زمن متأخر نسبياً (2).
والجدير بالذكر هنا أن هذا الصراع الكبير بين الكنائس لم يكن  قاصرا  على لبنان فقط ولكن شمل جميع اتباع الكنائس المسيحية في العالم ولا يزال إلى يومنا الحاضر بعض الكنائس تتناسل عن بعضها البعض لتكون كنائس جديدة بأفكار جديدة وجلها يرتكز حول طبيعة السيد المسيح.
إلا أن لبنان ومنطقة الشام على وجه العموم امتازت بتقارب أصحاب المذاهب الكنسية في الموقع الجغرافي وتركزهم في شعاب جبل لبنان الوعرة حيث خلق هذا التقارب انعزالاً جغرافياً ومنافسة حامية بين الجميع وصراعات لاتنطفىء أبدا منذ ذلك التاريخ البعيد إبان انعقاد مؤتمر  نيقيا الذي نادي بالطبيعة المزدوجة للسيد المسيح ومؤتمر خلدقونيا ومؤتمر أفسس   ، وقد بدأ هذا الصراع أكثر وضوحا في الحرب اللبنانية الأهلية في الفترة من 1975- 1990م عندما  كانت لمختلف هذه الكنائس رؤيتها لهذه الحرب الأهلية   حتى أنها  أبانت الفروق  والمواقف من مختلف القضايا المطروحة في الساحة يومئذ مثل الصراع العربي الإسرائيلي والاندماج مع الشرق أو الغرب والسياسة الخارجية التي يجب أن يتبعها لبنان في ظل الصراع بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي .
وبمجيء الإسلام وتوسعه وانتشاره في الشام حتى في أيام الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم ) وخلفائه الأربعة دخل عامل ديني وثقافي جديد لهذه المنطقة وأثر فيها تأثيراً بالغاً وذلك لطول مدة سيطرته على هذه المنطقة واستفراده بحكمها إلا في فترات قليلة ومنح ثقافته الخاصة لهذه المنطقة والتأثير فيها حتى عند أصحاب الديانات الاخرى.
وقد ساعدت بعض هذه الطوائف المسيحية المسلمين في الانتصار على الروم وقدمت خدمات جليلة للفاتحين الجدد وكانت أبرز هذه الطوائف الطائفة المارونية صاحبة الشوكة في لبنان في زماننا الحاضر وذلك بسبب إجبار الرومان لرعايا الكنائس الشرقية إتباع منهج الطبيعة المزدوج للسيد المسيح عليه السلام، حيث استقبلوا المسلمين في فرح نتيجة لتحريرهم من التعسف الديني والمذهبي الروماني (3) وكانوا في ذلك أشبه بأتباع الكنيسة القبطية في مصر الذين كانوا مضطهدين في عهد الرومان لنفس هذا السبب، بيد أن الاختلاف بين أصحاب المذهبين الماروني والقبطي ظهر فيما بعد عندما تحول الموارنة إبان الحروب الصليبية من أتباع مذهب الطبيعة الواحدة إلى أصحاب مذهب الطبيعيين واعتبار أنفسهم جزءاَ لا يتجزأ من كنائس الكاثوليك بقيادة البابا الأكبر في روما، وفيما يبدو أن الحبر الأكبر   اكتفى بانتظام الموارنة في كنيسته ولم يفرض عليهم الالتزام الصارم بتعاليم مذهبه الديني بدليل السماح للكهنة الموارنة بالزواج وتكوين أسرة وإقامة رهبانيات مختلطة بين الكهنة والراهبات (4).
وبحدوث الفتنة الكبرى وانقسام المسلمين إلى ثلاثة معسكرات متحاربة أثناء وبعد معركة صفين التى دارت بين الإمام علي رضي الله عنه ومعاوية ابن أبى سفيان   الذي رفع المصاحف فوق أسنة الرماح في إشارة للرغبة في الصلح والتحكيم، وخروج الآلاف من أنصار سيدنا علي كرم الله وجهه بسبب موافقته على هذا التحكيم لأنهم رأوا فيه خدعة واضحة لا يجوز للإمام الوقوع فيها، وهنا وقع الاختلاف الكبير الذي لازالت آثاره موجودة حتى اليوم والمتمثلة في الصراع مابين السنة والشيعة بعد أن أندثر معسكر الخوارج، ويمكن تشبيه فكرة الانحياز لآل البيت وضرورة أن يحكموا (5) باعتبارهم الأئمة الذين يقتدى بهم خصوصا بعد مأساة كربلاء وقتل سبط النبي الكريم وأكثر من خمسة وثلاثين من آل بيته بالصراع الذي دار بين أصحاب الكنائس حول طبيعة السيد المسيح، صحيح أن الصراع بين أصحاب المذاهب الكنسية مس صُلب العقيدة المسيحية بينما لم يمس الصراع بين الشيعة وخصومها أسس العقيدة الإسلامية وجوهرها بيد أن وجه الشبه يتمثل في أن نقطة الخلاف حول تولية آل البيت وأحقيتهم بها مثلت العلامة الفارقة في اختلاف وتناسل مذاهب عديدة في المذهب الشيعي مثل الإثنى عشرية والجعفرية والموحدين فيما بعد.
وفيما يختص بلبنان فقد تمركز   الشيعة في جبال لبنان وتحديدا حول جبل عامل بالقرب من صور بعد أن انتصر الأمويون والعباسيون وأذاقوهم    ومناصريهم عذاباً شديداً لذلك لا نستغرب تمركز الشيعة في هذه المناطق الوعرة في لبنان مثلما تمركزوا في بعض جزر البحر الأحمر وهضاب اليمن والهضبة الإثيوبية والساحل الشرقي لإفريقيا وجزره النائية وباختصار كل المناطق التي يصعب الوصول إليها من قبل الحكام المخالفين لهم في المذهب الديني.
وملخص الأمر أن معظم معتنقي المذهب الشيعي بعد انتهاء عصر الاضطهاد قد تقوقعوا  أو اندمجوا في محيطهم المحلي أو حملوا أفكار المذهب الشيعي ولم ينشروها أو يبشروا بها فيما عدا شيعة جبل عامل في لبنان حيث قاموا بنشر المذهب الشيعي ، ليس في لبنان فقط وإنما في العراق وإيران على وجه التحديد، وسوف نرى مزيدا من التفصيل حول هذا الموضوع فيما بعد وإنما أردنا الإشارة إلي الصلابة الداخلية التي تمتع بها شيعة جبل لبنان والتي سوف تساعدهم فيما بعد على مواجهة إسرائيل والتصدي لها.
ويستمر بعد ذلك جبل لبنان وشعابه في استقبال الجماعات الدينية المضطهدة كدأبه عندما يستقبل في وقت متأخر نسبيا جماعات الدروز الشيعية التي هربت من مصر إبان القضاء على الدولة الفاطمية ولجأت إلى لبنان وظلت محافظة على كينونتها الذاتية لما يقارب ثمانمائة عام دون تغيير وذلك بفضل وعورة الجبل، والمذهب الشيعي الدرزي غريب في معتقداته الدينية حيث يؤمن بالحلول والتغمص وهو أن الإنسان لا يموت مرة واحدة ثم ينتظر الحساب ولكن يستمر في الظهور بعد موته في أشكال مختلفة تبعاً لأعماله، فلو كانت روحه طيبة ظهر إنسياً مرة أخرى، أما لو كانت روحه شريرة فيظهر في شكل حشرة وضيعة أو جزر حتى يقضي منه ثم يعـود إنسيا. ويعفي الدروز منتسبيهم من الصلاة والعبادة إلا لطبقة العلماء وهـم قليل، بالإضافة إلى أنه لا مساجد لهم أو قرآن يتعبدون به، وبالرغم من هذا الشذوذ العقدي المخالف لأي مذهب آخر في المنطقة إلا أنه استمر وتتابع وأنتشر في سوريا وفلسطين بالإضافة إلي لبنان (6).
أما آخر الجماعات المذهبية المحتمية بجبل لبنان بشكل جماعي فقد كانت جماعات الأرمن التي لجأت إلى هذا المكان إبان الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 م هاربة من  جمعية الاتحاد والترقي العثمانية التي قلبت الأوضاع السياسية في تركيا بمناداتها بضرورة تتريك الحياة السياسية العثمانية بعد أن كانت تنزع نحو الأمة أو الرابطة الإسلامية  والتحالف التقليدي مع بريطانيا حيث خالفت الجمعية كل تلك المبادىء والأسس القديمة ونادت بالقومية التركية والتحالف مع ألمانيا ، وعندها  ثارت أرمينيا إحدى الولايات العثمانية ( لهذا السبب وأسباب أخرى كثيرة بالطبع ) حتي قضى عليها الاتحاديون الأتراك  وطردوا كثيراً من أهلها  بعد أن قضوا على  رؤوس الثورة  .
والأرمن مذهبيا ينتمون إلى طائفتين في لبنان وهما الأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك وكلاهما معترف به كطائفة قائمة بذاتها لها الحق في الوظيفة العامة والتمثيل السياسي اللائق بها مثلما لبقية الطوائف من حقوق مماثلة ومتفاوتة.
الصراع السياسي في لبنان وأثره على الحاضر:
بسيطرة المسلمين على لبنان وجواره الجغرافي سكنت الصراعات المذهبية المسيحية القديمة وانطوت على نفسها بعد عجز أيا منها في التأثير على الآخرين، أضف إلى ذلك أن انتهاء الصراع مع الكنيسة الرومانية أراح كثيراً من أتباع الكنائس الشرقية وجعلهم مفرّغين للاهتمام بشؤون مذاهبهم وكنائسهم المحلية، وقد ساعد على ذلك أيضا أن الإسلام اعترف بهذه الكنائس ولم يجبرها على شيء طالما التزمت بدفع الجزية لقاء الحماية والأمن  كما فعل  الرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم) عندما حالف يهود المدينة وسالم نصارى نجران عكس الكفار الذين لا يتبعون ديناً سماوياً عندما خيرهم الإسلام مابين اعتناقه أو الحرب (7).
بيد أنه من المحال القول أن الصراع فيما بين أتباع الكنائس قد انتهى بدوره لأن الرغبة في التوسع ونشر المذهب وسط رعايا كثر مطلب هذه الكنائس لذلك استمر الصراع بسبب هذا الأمر   بالإضافة إلى تقدير الجزية أو إلزام النصارى بزي وعادات معينة في أحيان أخرى، وكانت أولى بذور الصراع الحقيقي في المنطقة قد أتت مع الحروب الصليبية ضد المسلمين والتي استمرت زهاء ثلاثة قرون، ولا يزال البعض يذكر أن الحروب الصليبية لم تنتهه حتي اليوم وأن الغرب بالرغم من علمانيته لا يزال يستحضر الحرب الصليبية كلما اتجه بجنوده شرقا (8).
وكانت أول الجماعات الدينية الكنسية المتصلة بالصليبيين – الموارنة – بالرغم من الاختلاف الكنسي بين الأرثوذكس الموارنة والكاثوليك الصليبيين، وقد كان هذا الاتصال مؤثراً في كلا الطرفين لأن الصليبيين كانوا كلما قصدوا المنطقة يعلمون أن حلفاء مسيحيين سوف يتضامنون معهم في الشرق وهم الموارنة، بالإضافة إلى فتح أفق الموارنة من خلال تعرفهم الوثيق بالصليبيين واعتبار أنفسهم جزءاً من عائلة مسيحية كبرى منتشرة في كل العالم المطروق وليست جزءا من أقلية دينية وسط بحار من المسلمين كما كان في السابق، هذه الرؤية سمحت للموارنة فيما بعد بارتياد العالم المسيحي والاحتكاك به أكثر من اي طائفة شرقية أخرى، وقد توسع هذا الاحتكاك وتوثق بتحول الكنيسة المارونية الأرثوذكسية إلى كنيسة مارونية كاثوليكية (9).
بيد أن المماليك انتبهوا للتحالف الوثيق بين الطرفين والخطر الذي يشكله هذا الحلف   لذلك عملوا على وضع حاجز سكاني وبشري حول شاطىء البحر المتوسط مخالف للمذهب المسيحي ككل بغرض قطع الطريق أمام هذا الاتصال، وكان المرشحون الأوائل لملء هذا الفراغ الدروز المتمركزين حول جبل الشيخ في لبنان بالرغم من اختلافهم في المذهب مع المماليك السنة القابضين على السلطة فى مصر والشام، إلا أنه فيما يبدو أن الدروز لم يتمكنوا من سد الثغرة كاملة لذلك استعان المماليك بقبائل تركمانية وعربية للتمركز حول شاطىء البحر وكان ذلك أول تمركز سني كثيف في هذه المناطق وتحديداً في طرابلس وبيروت وصيدا (10).
ولكي يتم التمهيد لبناء سلطة في هذه المنطقة الحساسة تم اختيار أسرة المعينيين لأجل فرض سيطرتها ونفوذها بمساعدة سكان المنطقة المسلمين على وجه التحديد، وكانت هذه الأسرة فيما يبدو درزية وجدت نفوذاً كبيراً بتقوية المماليك لها إلا أنها تحولت إلى مذهب السنة فيما بعد مع كثرة قدوم السنة وتمركزهم حول الساحل، ورغبة منها فيما يبدو بالتماهي مع وضعها الإقليمي تحولت إلى المذهب السني، وعندما ضعفت هذه الأسرة استلمت السلطة أسرة أخرى هم الشهابيون وهم على صلة وثيقة بالأسرة السابقة إن لم تكن تنحدر منها مباشرة في مرحلة من المراحل (11).
المهم أن هاتين الأسرتين استطاعتا أن تجسدا أول سلطة مصنوعة في هذه المنطقة بعد استمرارية بلغت عدة مئات من السنوات ولازال الشهابيون في لبنان الحاضر يشكلون مصدر ثقل في السياسة المحلية اللبنانية.
وأهم ما يميز سياسي هاتين الأسرتين أنهم يعتنقون دين الغالب على وجه العموم حيث تحولوا من الدرزية إلى المذهب السني ثم تحول البعض الآخر إلى المسيحية المارونية عند غلبة هؤلاء على السلطة والنفوذ بفضل اتصالهم الوثيق بالغرب، ولازالت الأسرة الشهابية تحوى الدروز والسنة والموارنة (12) !!.
العثمانيون ولبنان:
أزال العثمانيون سلطة المماليك من الشام في حوالي 1516 م ثم أزالوها من مصر ذاتها في 1517م بعد معركة مرج دابق وقتل السلطان الغوري آخر سلاطين المماليك الأقوياء.
وفيما يختص بلبنان فقد أقروا سياسة المماليك بتولية المعينيين السلطة للفصل بين المسيحيين الشرقيين والفرنجة بيد أنهم شددوا من قبضتهم على السلطة فى الجبل من خلال تعيين والٍ يقيم في صيدا أو دمشق للأشراف على حكم المعينيين واستخلاص الضرائب.
وكانت أكبر أخطاء العثمانيين بعد بسط نفوذهم على القسطنطينية ومعظم أوربا الشرقية وجزر البحر الأبيض المتوسط مثل قبرص وغيرها أنهم سمحوا لفرنسا أولا بالاحتكاك الوثيق بهم من دون أن يضعوا شروطا بضرورة المعاملة بالمثل فيما يختص بهذا الاتصال(13).
والأغرب من ذلك أنهم سمحوا لفرنسا بامتيازات تجارية هائلة لم تكن تحلم بها دون أي مقابل عثماني داخل فرنسا، والأعجب أن الدولة العثمانية عندما منحت هذه الامتيازات كانت في أوج قوتها في حوالي 1553 وفي أوج قوة أعظم سلاطينها مثل سليمان القانوني والسلطان سليم الأول، وكان الأسطول العثماني يومئذٍ أكبر قوة ضاربة في البحر الأبيض المتوسط إلا أن هذه الامتيازات   غيرت وجه التاريخ في المنطقة لأنها تمثلت في(14):-
1-    لا يجوز سماع الدعاوى المدنية التي يقيمها الأتراك ضد رعايا فرنسا إلا بوجود سندات مكتوبة بخط المدعى عليه أو بواسطة القنصل الفرنسي.
2-    في حالة وجود هذه المستندات لا تسمع الدعاوى إلا بحضور ممثل القنصل الفرنسي.
3-    لا يجوز محاكمة التجار الفرنسيين أو مستخدميهم فيما يختص بالمسائل الدينية إلا أمام الباب العالي شخصياً.
4-     إذا استدان الفرنسي أو أحد رعايا فرنسا وخرج خارج سلطات الباب العالي لا يجوز مساءلة أحد أقارب المستدين أو أي شخص فرنسي، ولا يكون ملك فرنسا ملزما بشأنه.
هذه الشروط الأربعة غيرت وجه التاريخ لأنها منحت الضعيف يومئذٍ امتيازات لا يستطيع أن يأتي بها بقوته الحربية، وقد تحيّر الناس والمؤرخون من إعطاء هذه الامتيازات لفرنسا وعدم منح الدولة العثمانية امتيازات شبيهة بها في المملكة الفرنسية لأن من شأن ذلك أن يحول الميزان التجاري كليا لصالح الفرنسيين دون فائدة تذكر للعثمانيين، وقد ذكر بعض المؤرخين أن هذه الامتيازات منحت للفرنسيين لتنميتهم لأنها كانت داخلة في نزاع مع الإمبراطورية النمساوية والبندقية والبابا في روما بالإضافة إلى انجلترا، بيد   أن هناك فقرة أخرى داخل هذه الاتفاقية تمنح الحق لملك انجلترا واستكلندا والبابا في روما بالانضمام لهذه المعاهدة لو أرادوا ذلك، فيما يشير هذا ضمنيا إلى أن تأليب الأوربيين بعضهم بعضا لم يكن وارد  في حسابات العثمانيين عندما تم منح هذه الامتيازات (15).
والأخطر من ذلك أن السلطان العثماني ومستشاريه كانوا على علم ودراية تامة بما فعله الفونسو ملك قشتالا مع ملكة أرغون اليزابيلا الأولى عندما اتحدا تحت راية الصليب قبل حوالي 60 عاما من هذه المعاهدة ضد المسلمين في الأندلس وقرطبة على وجه التحديد برعاية مباشرة من بابا الفاتيكان حينما قاموا بنصب محاكم التفتيش سيئة السمعة في أسبانيا وأجبروا مئات الآلاف من المسلمين على مغادرة شبه الجزيرة الأسبانية وتنصير البعض الآخر وإجبارهم على تعليق فخذ الخنزير أمام منازلهم للتدليل على اعتناقهم المسيحية والدخول عليهم في أوقات الصلاة والأعياد للتأكد من التخلي عن العبادات الإسلامية وإجبارهم على حضور قداس الأحد والتشديد عليهم في ذلك، وقد استمر هذا الاضطهاد لأكثر من قرن ونصف حتى تم التأكد من إخلاء أسبانيا والبرتغال تماما من المسلمين بعد أن سيطروا عليها زهاء الثمانمائة عام أو تزيد وشادوا فيها الحضارات العظيمة (16).
في ظل هذه الظروف العصيبة كان الأسطول العثماني القوي يومئذٍ يساند الفرنسيين في حربهم ضد الممالك المسيحية الأخرى بينما مسلمو أسبانيا في الرمق الأخير ويمكن مساندتهم ببساطة للنهوض مرة أخرى.
ولم يكتف سليمان القانوني بذلك الخذلان وإنما سمح لسفير فرنسا في الآستانة بزيارة بيت المقدس ومقابلة الرهبان والقساوسة وجعل جميع الكاثوليك رعايا فرنسا ! ويدخلون ضمن معاهدة الامتيازات السابقة وتحت حمايتها المباشرة (17) .
وقد استمرت هذه المعاهدة  سارية المفعول حتى بعد أن نفذ البرتغاليون الى المحيط الهندي بعد سنوات قليلة على توقيعها وقطعوا طرق التجارة الإسلامية التقليدية مع الهند وحطموا مدناً تجارية زاهرة مثل مسقط ومقديشو وكلوة وماليدي وغيرها، والأخطر من ذلك أن البرتغاليين كانوا يحملون معهم مشاريع قاتلة للمنطقة تمثل أحداها في النفاذ إلى جزيرة العرب واقتحام مكة المكرمة وتدمير الكعبة، وكان ذلك المخطط بقيادة البوكريك القائد البرتغالي المشهور في تلك الحقبة(18).
ومن جهة أخرى حمل البرتغاليون معهم جسارة هائلة لتحقيق أهدافهم حتى أنها تثير العجب وتكبر في هؤلاء الناس شدة بأسهم وعظيم هممهم، ولعل أبرز أهدافهم التي حققوها بعد اقتحام المحيط الهندي تتمثل في إنقاذ مسيحي إثيوبيا بعد أن كادوا أن يسقطوا في قبضة أحمد إبراهيم الجران الرجل الذي اقتحم الهضبة الإثيوبية الحصينة لأول مرة ونجح في تشتيت حكامها من المسيحيين وكاد أن يضمها لحظيرة الإسلام لولا التدخل البرتغالي بقيادة ابن المستكشف الشهير فاسكو دي جاما (19).
وبمقارنة همة البرتغاليين فى إنقاذ مسيحي إثيوبيا وتقاعس العثمانيين عن إنقاذ مسلمي قرناطة لا نملك إلا أن نستعجب من هذا الخذلان بالرغم من أن العثمانيين كانوا يومئذٍ سادة العالم في العلوم العسكرية والبحرية بينما كان البرتغاليون دولة مسيحية نائية تبحث عن دور في المحيط الواسع دون امتلاك الحد الأدنى لتحقيق هذا الطموح، وبالرغم من ذلك نجحت نجاحا مذهلا بينما فشل العثمانيون.
والمتأمل في شروط معاهدة الامتيازات العثمانية يجد أنها فتحت ثغرات هائلة في جسد الأمة الإسلامية وأولى هذه الثغرات تمثلت في تدخل القنصل الفرنسي في القضاء العثماني وتعويق سير العدالة إن أراد ذلك ويكفي أّلا يحضر للمحاكمة حتى تؤجل إلى وقت لاحق، وفي حالة مغادرة المتهم الأراضي العثمانية خلسة لا يسمح نص المحادثة بمسائلة القنصل أو أقارب المتهم أو أي فرنسي آخر أو أحد رعاياهم وإن كان شريكا تجاريا له !! .
ولم توضح المعاهدة المقصود بالرعايا الفرنسيين   ليتم حصرهم والتعامل معهم بحرص شديد كي لا يفقد مواطنو السلطان حقوقهم وإنما تركت كلمة الرعايا دون تعريف بحيث يستطيع الملك الفرنسي أن يدخل من يشاء في رعيته وإن كانوا آلافاً مؤلفة وهذا ما حدث عندما ضُمت الطائفة المارونية بأكملها إلى الرعية الفرنسية لتستفيد من كل مزايا الاتفاقية السابقة.
وقد أضرت هذه المعاهدة التي استمرت لأكثر من أربعة قرون متتالية   بالتجار المسلمين لأنهم لا يتمتعون بالحماية القانونية نفسها، ولأن صلاتهم بفرنسا والخارج محدودة لا يستطيعون أن ينافسوا الفرنسيين ورعاياهم، ولأنهم مشمولين أيضاً بالحماية في الإمبراطورية العثمانية والمملكة الفرنسية!.
هذه المعاهدة فتحت الباب واسعا للأقليات الدينية مثل الموارنة وغيرهم بالارتباط أكثر بالدولة الفرنسية وسحب ولائهم تدريجيا من سلطة الحاكم العثماني لدرجة أن هذه الطوائف أصبحت دولة داخل الدولة، ولا أحد يستطيع أن يتعرض لها بنص القانون إلا الباب العالي شخصيا أو ممثل القنصل الفرنسي، لذلك لا يستطيع البسطاء ومتوسطو الحال من المسلمين نيل حقوقهم وسط هذا التعقيد الهائل في إجراءات العدالة.
وقد يقول قائل إن السلطان سليمان القانوني وخليفته سليم الأول قدما هذه المعاهدة المنحازة لفرنسا للثقة   في قوتهم الذاتية وقوة إمبراطوريتهم التي كانت تدين لها الرقاب يومئذ ولم يفترضا أن الدولة يمكن أن تتدهور سريعا مثل سابقاتها، وأن تقديم هذه الامتيازات نابع من باب الثقة في النفس والغرور بالقوة.
والحقيقة أن الدول الغربية أخذت تتطور منذ ذلك التاريخ إي 1553 م بسرعة فائقة بفضل عدة عوامل أهمها كسر احتكار المسلمين للتجارة الدولية بعد أن استطاع البرتغاليون الوصول إلى رأس الرجاء الصالح والإبحار في المحيط الهندي والتجارة مع الهند والصين وجنوب شرق آسيا عموما دون الإشراف الإسلامي التجاري القديم، بالإضافة إلى اكتشاف الأمريكتين واستراليا وآلاف الجزر في المحيط الهادي والهندي والمتجمد الجنوبي وكلها أسهمت في زيادة حجم التجارة الدولية بفضــل نهب ثروات هذه القارات العذراء (20).
كما أن إغراءات التجارة المربحة عبر المحيط حتمت تطوير الأساطيل الغربية والمدفعية المحمولة عليها مما مكن الغربيين في سنوات قلائل من التفوق على الأسطول العثماني الذي كان   يبحر في البحر الأسود ومضايق الدردنيل والبحر الأبيض المتوسط مما أجبر العثمانيين فعليا على التراجع أخيرا أمام الأوربيين.
وعندما شعر الخلفاء العثمانيون أخيرا بخطورة اتفاقية الامتيازات الممنوحة لفرنسا وغيرها من بلدان غربية وأرادوا إلغاءها والتراجع عنها أجبرتهم الأساطيل الغربية على الالتزام بها باعتبارها جزءاً من القانون الدولي ولا يجوز تغييرها إلا بموافقة جميع الأطراف، وقد ظلت هذه الاتفاقية تخنق الأتراك حتى الحرب العالمية الأولى عندما أعلنت جمعية الاتحاد والترقي إلغاءها من جانب واحد إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية أجبرتها على الالتزام بها مجدداً (21) ! ولم يتم التخلص منها إلا بعد استيلاء مصطفى كمال أتاتورك على السلطة في 1923م وفقدان الإمبراطورية العثمانية جميع ولاياتها والتزام الحكم الجديد بالانخراط في الثقافة الغربية كليا عندها فقط تم إلغاء اتفاقية الامتيازات.
أما فيما يختص بلبنان وبعد ضعف الدولة في القرن الخامس عشر وما بعده لم يتطلب الأمر يومئذٍ إذنا خاصاً بزيارة القدس أو الأماكن المقدسة والأقليات المسيحية في المنطقة بل أصبح الاتصال مباشراً مع استجلاب مؤسسات تعليمية كنسية بالكامل للتبشير بالمذاهب الأوروبية، وبما أن التنصير وسط المسلمين لم يكن مجدياً فقد تركز التبشير وسط الأقليات الدينية المسيحية مثل الروم الأرثوذكس والسريان الكلدانيين وغيرهم مما جعل جبل لبنان يغلي بالخلافات بين أتباع الديانة المسيحية بسبب الدعوة لاتباع الكتلة الكاثوليكية أو البروتستانتية  أو الإنجيليين الجدد .
والطريف في الأمر أن الشكاوى من الرهبانيات ومؤسسات التعليم الغربية في لبنان وسوريا لم تعد تأتي من المسلمين ولكن من المسيحيين الشرقيين أنفسهم مثل الطائفة الأرثوذوكسية التي نبهت الباب العالي مراراً إلى خطورة فتح الباب واسعاً أمام الغربيين للولوج إلى الشرق لأن من شأن ذلك تحويل الولاء للباب العالي إلى فرنسا وغيرها من دول غربية (22).
الموارنة والقوة المسلحة:
ظل الموارنة يحتكرون التجارة والمال والتعليم في لبنان منذ القرن السادس عشر وحتى يومنا هذا بفضل العلاقة القوية مع فرنسا بعد أن شملتهم برعايتها الخاصة بمنشور رسمي صادر مــن الملك لويس الرابع في 1556 م(23)، وقد أتاحت لهم هذه الرعاية كما وضّحنا سهولة عقد صفقات تجارية مربحة مع الشركات الفرنسية في كل الإقليم السوري الكبير لأنهم وكلاءها الدائمون في المنطقة.
أضف إلى ذلك عدم وقوفهم أمام المحاكم العادية التي يكثر فيها تقديم الرشوة والمحاباة عندما تم استثناؤهم منها، وأصبحوا لا يحاكمون إلا أمام الباب العالي شخصياً فيما يختص بالاحتكاكات الدينية كما رأينا، أو بحضور الممثل الفرنسي في الأمور التجارية.
أما السلطة السياسية والعسكرية فقد ظلّت محتكرة للدروز بفضل التنظيمات الإقطاعية التي انشأوها والدعم السياسي الذي ظل يقدمه المماليك أو العثمانيون في مرحلة من المراحل، وبالتالي افتقد الموارنة هذا الجانب، وفيما يبدو أنهم ظلوا يتطلعون إليه بشدة بالرغم من الوضع المالي والقانوني المريح الذي كانوا يتمتعون به بدليل أن معظم الأراضي التي تم شراؤها فى عهد المتصرفية وحتى الحرب العالمية الأولى كان لصالح الموارنة وكان معظم البائعين من الدروز الفقراء (24).
وجاءت أول فرصة للموارنة لاحتكار القوة والسلطة السياسية مع غزو إبراهيم ابن محمد علي باشا للشام واستيلائه على سوريا الكبرى ووصوله حتى أبواب الآستانة نفسها حوالي 1835م حيث وقف الدروز حلفاء العثمانيين التقليديين ضد غزو محمد علي بينما ساعد الأمير بشير الشهابي إبراهيم باشا ضد العثمانيين، أما الموارنة فقد وقفوا على الحياد منتظرين نتائج المعركة(25).
وبما أن إبراهيم باشا انتصر في حربه أولاً فقد هربت أعداد هائلة من الدروز من جبل لبنان لأول مرة وخصوصا أصحاب الإقطاعيات الكبيرة مثل آل ارسلان وآل جنبلاط وآل حمادة، وعملوا على تأليب الأوضاع داخل الجبل ضد إبراهيم وبشير الشهابي فما كان من الآخرين إلا وقاما بتجنيد الموارنة ومنحهم السلاح حتى يحموا ظهرهم وهم متجهون إلى قلب الهضبة التركية، ومن هنا جاء امتلاك الموارنة لأول مرة للسلاح إضافة للمال والتعليم والثقافة والاحتكاك الخارجي (26).
وبتدخل الدول الغربية وإجبار ابن محمد علي على التراجع عن الآستانة على أن يمنح ولاية الشام الكبرى مدى حياته وأن يمنح ولاية مصر مدى حياته مع توريثها لأبنائه من بعده ! عندها تم الصلح ورجع الدروز إلى مناطقهم ليجدوا أن بعضاً منها قد تم الاستيلاء عليها بواسطة الموارنة، وكانت النتيجة الطبيعية أن تحدث الاحتكاكات والمواجهات الطائفية المحدودة في ظل وجود سلطة قوية ممثلة في دولة محمد علي الأ أنها كانت قد استنزفت يومئذٍ بعد الحروب الهائلة داخل الهضبة التركية وفي جزيرة المورة وشبه الجزيرة العربية والسودان، ثم ما لبث إن توفي إبراهيم باشا وأبيه محمد علي باشا بعد عام من وفاة أبنه أي 1849 م، كما ان بشير الشهابي تم نفيه إلى خارج لبنان بواسطة الإنجليز، والإجراء الوحيد الذي استطاعت الدولة فعله تجريد الأهالي جميعهم من السلاح،  وفيها يبدو أن الدروز قاموا بتسليم سلاحهم بينما رفض الموارنة أو رفض جزءُ كبير منهم(27).
وجاءت مثل هذه الخطوة كفيلة بزيادة حدة المواجهات الطائفية في ظل ضعف الدولة البائن بعد انسحاب أحفاد محمد علي من الشام حسب الاتفاقية.
وجاءت سنة 1860 لتشهد قمة المواجهات الطائفية بين الدروز والموارنة حيث قتل الآلاف وشردوا في جبل لبنان وكانت الخسارة الفادحة من نصيب الموارنة بفعل تعود الدروز على حمل السلاح ومساهمة الأسر الإقطاعية بالرجال والمال لدعم القضية الدرزية بينما افتقد الموارنة التنظيم الفاعل بالرغم من دعم الكنيسة وهجرة أعداد مقدرة منهم للعمل التجاري وخدمة فرنسا في مستعمراتها في إفريقيا.
وحوادث 1860 سيكون لها صدى فيما بعد في الحرب الأهلية 1975- 1990م حيث ستكون النقطة المحرضة للثأر لقتلى ذلك العام خصوصاً وأن الطرفين المتواجهين كانا من نفس الطائفتين الدينتين وبنفس القيادات تقريبا بعد أن توارثها الأبناء عن الآباء (28).
لبنان في قبضة الغرب:
استغلت فرنسا وبريطانيا حوادث 1860 الدموية وتدخلتا في جبل لبنان بدعوى حماية المسيحيين وأجبرتا الباب العالي على وضع نظام جديد لحكم المنطقة وكان ذلك   بدايات تأسيس الدولة اللبنانية المستقلة لأنهم جعلوا من جبل لبنان لواء عثمانياً مستقلاً يدار من بيروت ولا علاقة لممثل السلطة العثمانية في دمشق بهذا اللواء، كما أنهم اشترطوا أن يكون الحاكم لهذا اللواء مسيحياً على أن لا يكون لبنانيا، أما داخل الجبل فقد قسموه إلى قسمين هما المتن ويتبع للموارنة والشوف ويتبع للدروز وجعلوا من الطريق الذي يربط بين بيروت ودمشق الحد الفاصل بين الطرفين، أضف إلى ذلك منعوا تدخل الجيش العثماني في الجبل إلا بموافقة الحاكم المسيحي (29).
وبما أن الباب العالي كان في قمة ضعفه يومئذٍ فقد استجاب لهذه الشروط كما أن مسالة تولية مسيحي أحد الولايات العثمانية كانت مشهودة وخصوصا في السودان عندما ولي الخديوي إسماعيل غوردون باشا الأراضي السودانية بالإضافة إلى أمين باشا النمساوي في جنوب السودان.
وقد استشعر الموارنة يومئذ لأول مرة أنهم يمكن أن يفوزوا بدولة مسيحية في المنطقة وخصوصا أنهم كانوا يشكلون الأغلبية في جبل لبنان أبان السنوات التي أعقبت حوادث 1860م لأنهم تجمعوا بفعل هذه الحوادث من مختلف أنحاء الإقليم السوري الكبير، إلا أن الأغلبية هذه سرعان ما أصبح مشكوكاً فيها مع التوسع الفرنسي والبريطاني في القارة الإفريقية واحتياجهم لطبقة خارجية تفصل بينهم والتعامل المباشر مع الإفريقيين ! أضف إلى ذلك كانت أبواب الهجرة مشرعة للغاية إلى الأمريكتين واستراليا للبنانيين والسوريين على وجه الخصوص حيث شهد ذلك القرن هجرة أعداد هائلة إلى تلك الأنحاء وجلّهم من الموارنة والروم الأرثوذكس.
استمرت الأوضاع علي ماهي عليه حتى الحرب العالمية الأولى وإعلان تركيا الحرب معهم على الحلفاء بالتضامن مع ألمانيا وكان أن خسرت الحرب وخسرت معها تقريبا كل ولاياتها الآسيوية والإفريقية بعد أن كانت قد خسرت ولاياتها الأوروبية أبان حرب المورة في 1830م ! ، وقد غدرت فرنسا وبريطانيا بالعرب كما هو معروف في اتفاقية سايكس بيكو بعد أن دخلوا الحرب مقابل الفوز بدولة عربية تشمل الهلال الخصيب والشام والجزيرة العربية، بيد أن بريطانيا كانت تنوي إقامة دولة يهودية في فلسطين ،  وفرنسا تنوي إقامة دولة صليبية في لبنان بعد أن وفرت كل ضروراتها عبر القرون الماضية وكانت أبرز هذه الشروط تجميع أغلبية المسيحيين الشوام في منطقة جبل لبنان، وتحطيم الإقطاع الماروني لصالح الأكليريوس تحت إشراف البطريرك الماروني، وعزل جبل لبنان عن محيطه عبر إجبار الباب العالي على جعله ولاية مستقلة بالرغم من صغر حجمه واستحالة عزله اقتصاديا وثقافيا عن جواره الإقليمي ! ومنح الموارنة تفضيلاً اقتصادياً واسعاً بحيث أصبحوا المحتكرين الرسميين للبضائع الأوروبية والفرنسية على وجه الخصوص في المنطقة، وأخيرا عبر إقامة مؤسسات تعليمية مستقلة ومزودة بأفضل معينات التعليم مثل المطابع والأراضي الواسعة والمرتبات المجزية ومن ثم الاحتلال المباشر غداة انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918م.
وبالرغم من تلك المعاونة صعب على فرنسا إقامة وطن باسم لبنان بين الحربين عندما أخذ الاستعمار في الرحيل عن المنطقة بعد ظهور الاتحاد السوفيتي وثبات شكل الدولة الغربي في القارات المختلفة ووضع أسس لإدارة الدولة يصعب تغييرها.
وكان الاعتراض الأساسي على هذه الدولة المختلفة يأتي من المسلمين لأنهم يرون في أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من الوطن السوري وأن مسألة الاستقلال قصد بها دعم الموارنة سياسيا وفصلهم عن الأمة (31).
وهنا أيضا تدخلت فرنسا عندما فرقت فيما بين المسلمين وقسمتهم إلي ثلاث  طوائف هي السنة والشيعة والدروز بعد أن كانوا كتلة واحدة عبر الإغراءات والمنح والمكاسب في الدولة الجديدة حيث منحت الشيعة مجلساً أعلى لأول مرة بمعزل عن المجلس الإسلامي السابق، كما أنها أحيت الأسر الإقطاعية الدرزية السابقة ووضعت في أيديهم النفوذ والمال مثل آل ارسلان وجنبلاط وحمادة ونكد وعماد وغيرهم بالإضافة إلى إبراز أسر سنية علمانية مثل آل كرامي والصلح وأليافي ومن هنا تمكنت من إعلان الاستقلال شريطة أن يكون التمثيل المسيحي 5 إلى 3 لأكثريتهم العددية وهذه الجزئية خاصة لم يتم التأكد منها في ظل المقاطعة السنية للتعداد ، وفوق ذلك منحت  فرنسا الوطن اللبناني الجديد أراضي واسعة تضم طرابلس وصيدا وصور والبقاع الغربي كي   تتمكن الدولة من الحياة كما يقولون وهي مناطق ذات أغلبية سنية وشيعية على التوالي وبالتالي يصعب التأكد من التفوق العددي المسيحي خصوصاً وأن آخر إحصاء سكاني تم في 1943 ومن ثم لم يتكرر حتى اليوم خشية من انقلاب موازين الوظائف  التي يقوم عليها لبنان الحديث والتي يتسيدها الموارنة كما هو مُخطط .

لبنان المستقل:
مع استقلال الدولة اللبنانية الحديثة في 1943 واجهت عدة معضلات أدت إلى تدميرها آخر المطاف عبر الحرب الأهلية 1975 – 1990 ولازال التوتر سائدا حتى يوم الناس هذا بفعل الشعور بعدم اتزان الدولة من عدة نواحي حيث يرى الموارنة وعدد كبير من المسيحيين أن للبنان وجهاً غربياً لايمكن تجاهله ويجب ربط البلاد بالعلمانية والحداثية الغربية، بينما يرى كثير من المسلمين أن للبنان وجهاً إسلامياً عربياً لابد وأن يمثل في السياسات الوطنية،  وقد أدى هذا التباين في العام 1958 إلى نشوب حرب أهلية محدودة وذلك في أوج صعود المد العربي الناصري في المنطقة وصراعه مع الغرب وفرنسا على وجه التحديد حول عدة قضايا أبرزها تأميم قناة السويس واستقلال الجزائر التي اعتبرها كثير من الفرنسيين جزءاً من الوطن الأم خصوصاً وان طول فترة استعمارها الذي بدأ منذ العام 1831م حتى خمسينيات القرن العشرين وانتشار اللغة والثقافة الفرنسية سمح بخلق مثل هذا التصور.
وكانت النخبة المارونية المسيحية الحاكمة في لبنان تؤيد الموقف الفرنسي وتتعاطف معه، وقد جر مثل هذا التعاطف تفاهماً ما مع إسرائيل كذلك لأن إسرائيل نسقت مع فرنسا وبريطانيا لإعادة قناة السويس إلى الاحتكارات الغربية كما هو معروف بعد أن أممها جمال عبد الناصر 1956م (32).
وكانت قاصمة الظهر بالنسبة للتآلف بين الفريقين في لبنان اندحار التيار العربي بهزيمة 1967م وبدء ظهور التيار الديني وذلك لأن كثيراً من المسيحيين اللبنانيين وجدوا أنهم يمكنهم التعايش في ظل تيار عروبي علماني ناهض ولكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك مع التيار الديني بالرغم من عدم حضور تيار ديني فاعل أصلاً في لبنان يومئذٍ ولكن حضور التيار الديني في المنطقة ككل يجعل   الموارنة تلقائيا ملتصقين مع فرنسا، وقد زادت الحساسية المشتركة مع علم الموارنة والمسيحيين بغلبة المسلمين ديمغرافياً إثر التوالد الواسع في الطائفة الشيعية والهجرة إلى فرنسا من قبل الآخرين(33).
ثم ما لبثت مخاوف الموارنة أن ازدادت فى العام 1970 عندما طرد الملك حسين رجال منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن لتدخلهم في الشأن الداخلي بحسب الحكومة الأردنية، حيث نقلت المنظمة أنشطتها إلى لبنان وجعلت من حي الفاكهاني الشهير في بيروت الغربية مركز قيادتها، وقد أستمر التوتر فيما بين الموارنة والفلسطينيين زهاء الخمس سنوات حتى انفجر مع بداية الحرب الأهلية عندما تصدت مجموعة من شباب حزب الكتائب الماروني المتطرف لأحد الحافلات التي تنقل فلسطينيين عزلاً فقضوا على 36 منهم، وكانت هذه الشرارة التي أشعلت الحرب.
والحقيقة أن الخوف الماروني من المحيط الإسلامي المجاور كان عظيماً للغاية دون وجود شواهد تاريخية محسوسة تبرر هذا الخوف سوى بعض المجازر التي أحاقت بهم بعد حوادث 1860 نتيجة لتضامنهم مع حكم بشير الشهابي وأسرة محمد علي، وبعد اندثار هذه الأطراف وجد الموارنة أنفسهم أمام استحقاقات التنازل عن الامتيازات التي نالوها إبان العهد السابق وهو ما رفضوه فكانت حرباً شرسة خسر فيها الموارنة مثلما خسر كثيرون غيرهم في نفس الظروف والحالات المماثلة، أما الحادث الآخر فكانت المجاعة التي ضربت جبل لبنان وفتكت بالكثير منهم نتيجة لإغلاق العثمانيين للطرق في الحرب العالمية الأولى، وفي هذه المجاعة هلك الكثير من الطوائف الأخرى أيضا بما فيهم الدروز أعداؤهم التقليديين.
وفي مقابل ذلك تمتع الموارنة بحماية فرنسا بموافقة الباب العالي لأكثر من أربعة قرون متتابعة بحث جعلت منهم الطليعة الأكثر تنويراً واكتنازا للمال في المنطقة.
كما أن العثمانيين على وجه العموم وقفوا مواقف مشرفة مع المسيحيين في التاريخ حيث سجل أن محمد الفاتح أعظم السلاطين العثمانيين جمع النصارى في القسطنطينية لينتخبوا مسؤولاً عنهم ثم منح هذا المسئول سلطات كبيرة فاقت تلك التي حصل عليها إبان عهد الأباطرة المسيحيين أنفسهم ، ثم منح هذا الحق في الولايات العثمانية للمطارنة والقساوسة  واستثناهم  من الخراج الواجب على المسيحيين (34) .
ثم منح المسيحيين الشرقيين الاستفادة من نظام الامتيازات بحيث يجدون العمل التجاري المربح والحماية والإعفاء من الضرائب وضمان تعليم أجنبي متميز وحرية في السفر والانتقال الي أي مكان شاءوا، ولم تكن الدولة العثمانية مضطرة لمنح هذه الامتيازات خصوصا في السنوات الأولى لأنها كانت في عنفوان قوتها.
ثم إنه ومن شدة استفادة المسيحيين واليهود من نظام الامتيازات رفضوا إصلاحات 1856م العثمانية والقاضية بمساواة الجميع تحت قانون واحد والجميع هنا المقصود بهم المسلمين والمسيحيين واليهود لأن من شأن ذلك أن يحرمهم من امتيازات هائلة ظلوا يتمتعون بـها أكثر من ثلاثة قرون ونصف(35) !
وبالرغم من ذلك ما أن تولى الموارنة السلطة في لبنان حتى بدوا يشكون من الاضطهاد الذي لازم طوائف المسيحيين في ظل الدولة الإسلامية.
كما أن الحرب الأهلية في لبنان وضّحت كثيراً من عوامل الغيظ المكتوم في الصدور عندما صار القتل على الهوية معمولاً به، صحيح أن الأردنيين والفلسطينيين حاربوا بعضهم بعضاً إلا أن القتال انحصر وسط المتقاتلين ولم يمس المدنيين ولازال الأردن يحوي أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، بينما الحرب في لبنان مست المدنيين والنساء والأطفال، فمذابح مثل تل الزعتر والكرنتينا وسوق الغرب والثلاثاء الأسود وصبرا وشاتيلا خير دليل على الفجور في الخصومة من قبل حزب الكتائب والقوات اللبنانية على وجه الخصوص (36).
وكان المحرض الأكبر على هذه الحرب بحسب إفادات جوناثان رندل مراسل صحيفة الواشنطن بوست أثناء الحرب الأهلية ( والرجل الذي يعرف بأنه الأكثر دراية بلبنان ) القساوسة المسيحيين حيث ذكر (37) أن هؤلاء  هم من قاموا بجمع التبرعات   لشراء السلاح!وهم من أقاموا علاقات متميزة مع إسرائيل لأن هدنة1949 سمحت للرهبان باجتياز الحدود اللبنانية الإسرائيلية برياً لتفقد الابريشيات في الجانب الإسرائيلي ومن هنا خلقوا علاقة متينة مع إسرائيل وساعدوها فيما بعد على اجتياح لبنان في 1982م.
بيد أن مراسل الواشنطن بوست والحق يقال لا يدين كل الكهنة الموارنة بممارسة عملية شراء السلاح والاتصال بإسرائيل والتنسيق معها بقدر ما يحصره في عدد محدود منهم بقيادة الأب شربل قسيس والأب نعمان، ويذكر أن بطريرك الموارنة العام الأب خريش كان في قرارة نفسه متعاطفا مع الفلسطينيين.
كما أنه من ناحية أخرى كان من أبرز من قاتل في صفوف الفلسطينيين رجال من الطائفة المارونية وعلى رأسهم مجموعة كبيرة من منتسبي الحزب الشيوعي اللبناني بقيادة جورج حاوي والياس عطاء الله وغيرهم.


مصادر الفصل الأول :
1-    هاني فارس ، النزاعات الطائفية في تاريخ لبنان الحديث ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت 1980م ، ص 43 .
2-    المصدر السابق ، ص 44 .
3-    جوناثان رندل ، حرب الألف سنة حتى آخر مسيحي – أمراء الحرب المسيحيون والمغامرة الإسرائيلية في لبنان  ، ترجمة بشار رضا ، ط3 ، بدون بلد نشر ، 1984م ، ص 49 .
4-  المصدر السابق ، ص 52.
5-     جورج جُرداق ،  الإمام علي صوت العدالة الإنسانية ، تحقيق حسن حميد السنيد ، ط2 ، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت ، طهران 1426هـ ، ص 429 .
6-  د. عبدالمنعم النمر ، الشيعة – المهدي – الدروز ، تاريخ ووثائق ، ط ثانية ، بدون دار نشر ، القاهرة 1988م ، ص 252.
7-     فهمي هويدي ، القرآن والسلطان ، ط5 ، دار الشروق القاهرة 2002م ، ص 35 .
8-     كارلين آرمسترونغ ،  الحرب المقدسة – الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم ، ترجمة سامي الكعكي ، الناشر دار الكتاب العربي ، بيروت ، 2004م ، ص 538 .
9-     هاني فارس ، النزاعات الطائفية في تاريخ لبنان الحديث ، مرجع سابق ، ص 45 .
10- د. أحمد طربيين ، أزمة الحكم في لبنان منذ سقوط الأسرة الشهابية حتى أبتداء عصر المتصرفية 1842 – 1861، دار الفكر المعاصر ، بيروت 1990 ، ص 17.
11-     المرجع السابق ، ص36.
12-      هاني فارس ، النزاعات الطائفية في تاريخ لبنان الحديث،مرجع سابق،ص 33 .
13-     د. قيس جواد العزاوي ،  الدولة العثمانية – قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، الدار العربية للعوم ، بيروت ، 2003م ، ص 18 .
14-     المرجع السابق ، ص 19 .
15-     المرجع نفسه ، ص 21 .
16-     مرثيدس غارثيا أرينال وجيرارد ويغرس ،  بين الإسلام والغرب – حياة صمويل باياتشي يهودي من فاس ، ترجمة ممدوح البستاوي ، المشروع القومي للترجمة ، إصدار المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 2005م ، ص 37.
17-     د. قيس جواد العزاوي ، الدولة العثمانية قراءة جديدة لعوامل الانحطاط ، مرجع سابق ، ص 21 .
18     ريتشارد هول ،  إمبراطوريات الرياح الموسمية ، ترجمة كامل يوسف حسين ، مركز الأمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية ، أبوظبي 1999م ، ص 299.
19-     د. رجب محمد عبد الحليم، العلاقات السياسية بين مسلمي الزيلع ونصاري الحبشة في العصور الوسطي ، الناشر دار النهضة العربية ، القاهرة 1985م ، ص 249 .
20-     د. والتر رودني ،  أوربا والتخلف في إفريقيا ، ترجمة د. أحمد القصير ، سلسلة عالم المعرفة رقم 132 ، الكويت 1988، ص 215 .
21-     - د. قيس جواد العزاوي ، الدولة العثمانية قراءة جديدة لعوامل الإنحطاط ، مرجع سابق ، ص 28 .
22- المرجع السابق ، ص 97 .
23- نفسه ، ص 87.
24- هاني فارس ، النزاعات الطائفية في تاريخ لبنان الحديث ، مرجع سابق، ص 49.
25-     جيلبير سينويه ،  الفرعون الأخير- محمد علي بين 1770 – 1849م ، ترجمة حافظ الجمالي ، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية ، دمشق 2005م ، ص 367
26- د. قيس جواد العزاوي ، الدولة العثمانية – قراءة جديدة لعوامل الإنحطاط، مرجع سابق ، ص 87.
27-     جيلبير سينويه ،  الفرعون الأخير- محمد علي بين 1770 – 1849م ، مرجع سابق ، ص 423 .
28- د. أحمد طربيين ، أزمة الحكم في لبنان، مرجع سابق ، ص 98.
29- المصدر السابق ، ص 194 .
30- د. محمد سعيد القدال ، تاريخ السودان الحديث 1820 – 1955م ، ط ثانية، الناشر مركز عبد الكريم ميرغني ، دار مصحف إفريقيا ، الخرطوم 2002م ، ص 211.
31-     جوناثان رندل ، حرب الألف سنة حتى آخر مسيحي ، مرجع سابق ، ص67
32-     محمد حسنين هيكل ، قصة السويس ، ط2 ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، بيروت 1983م ، ص 135 .
33-    د. عبد الإله بلقزيز ، حزب الله من التحرير إلى الردع 1982م – 2006م ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 2006م ، ص 38.
34- د.قيس جواد العزاوي ، الدولة العثمانية ، قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، مرجـــع سابق ص 82.
35- المصدر السابق ، 65.
36-     جوناثان رندل ، حرب الألف سنة حتى آخر مسيحي،مرجع سابق ، ص 29.
37- المصدر السابق ، ص 098

 

آراء