فى ايدولوجيا الدولة الاسلامية

 


 

 


كانت بداية الدولة الإسلامية الأولي بحسب راي العديد من المفكرين (1) الإسلاميين الصحيفة الدستورية التي عرفتها المدينة المنورة ، عهدا مكتوبا وصف بأنه أول دستور مكتوب في تاريخ البشرية ، مباديء وأسس تنزلت علي أرض الواقع ، ومن هذا المنطلق نجد إن الإسلام دين ودولة لأنه يعني بجميع شؤون الحياة ، بدليل أن هذا الدستور المكتوب أشتمل  علي بضع وستين فقرة غطت مختلف شؤون الحياة والحكم .
ومن فقرات دستور دولة المدينة الأولي (2):
إن المهاجرين والأنصار أمة واحدة وذمتهم واحدة ، وأن المدينة حرام لا حرب فيها ولا عدوان ، وتدل هذه الفقرة علي الحض علي وحدة الأمة الإسلامية وتكاتفها ، وعدم اختلافها ، حيث إن من أهم مميزات الأمة الوحدة والإنسجام .
ثم يمنع التعامل مع العدو ، والتأكيد علي ضرورة الأخذ بأيدي الظالمين والمجرمين ، وسيادة العدل ، وهذه فقرة أخري ايضا تنبه إلي أن من أهم مقومات الأمة تحري العدل ومعاقبة الظالمين ، بالإضافة إلي عدم التعامل مع العدو الذي يسعي لهدم الأمة .
وجاءت آيات القرآن الكريم تؤكد ضرورة الخضوع للدولة الجديدة ، علي وجه الخصوص وطاعة ولي الأمر الذي من خلاله تستطيع الامة أن تتوحد خلفه( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء 59 وفي آية أخري ( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء آية 80.
وفي آيات كثيرة من القرآن الكريم تم التشديد والتأكيد علي ضرورة الخضوع لحكم الله لدرجة اعتبار أن الإيمان بالله مرتبط أشد الإرتباط بالخضوع لحكم الله ، وربما تنبع أهمية هذا التأكيد من أن الامة التي تنحرف عن حكم الله لاتصير أمة الله ( فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيها شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) النساء 65 ، وفي هذا التأكيد علي الخضوع لحكم الله إشارة للأمة المسلمة والدولة المسلمة التي تسلم أمرها لحكم الله .
ثم يذكرون إن الذين يتحدثون عن أن الإسلام إنما يتحدثون عن تعاليم وسلطة روحية فقط لاشك أنهم مخطئون وذلك أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يفارق هذه الدنيا حتي وضع الأمة علي الدرب الصحيح وعلي رأسها دولة بها جيش مجاهد وسلطان رشيد ومجتمع متماسك له قوانينه وأحكامه .
إن إقامة الدولة وتنصيب الإمام من واجبات الدين المحكمة وسنة الرسول الكريم ، ونجد أن الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة الرسول (ص) مباشرة اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وشرعوا في اختيار خليفة للرسول ليكون إماما يقوم علي أمر الأمة في قيادتها وحراسة الدين .
ويدعم الساعون (3) إلي إحياء الدولة الإسلامية أقوالهم بعدة شواهد وأحاديث منسوبة لكبار فقهاء الأمة الإسلامية ، وفي ذلك يذكرون أن الماوردي دعم فكرة الدولة الإسلامية حينما قال ( إن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين والذود عنه ، وسياسة الدنيا وعقدها لمن  يقوم بها في الامة واجب بالإجماع ).
ويذكر ابن تيمية أيضا ( أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين إلا بها ) وقد ذكر العلماء من الأدلة علي وجوب إقامة الدولة قوله صلي الله عليه وسلم ( لايحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم ).
ويدعم الإسلاميون أفكارهم بخصوص الدولة الإسلامية من خلال القول إن الله عز وجل أوجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولايتم ذلك الأمر إلا بقوة أو إمارة ، وكذلك سائر الواجبات كالجهاد وإقامة الحدود والعدل ونصرة المظلوم ورد العدوان وكلها أمور لا تتم إلا بالقوة والسلطان ، والشيء الذي لايتم الأمر إلا به فهو واجب.
واستمر العلماء ( 4) للإسلاميين في التنظير للدولة الإسلامية حيث سعوا لمعرفة أهمية الدولة وسبب قيامها وأرجعها البعض إلي أن الله ( جل وعلا) ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه ( وما خلقت الجن والإنس إلا  ليعبدون ) الذاريات آية 56 ، وجعل الله الأرض مستقرا ومتاعا لبني أدم ، فيها يحيون ، وفيها يموتون ، ومنها يخرجون ، وأمرهم بعمارتها وعدد لهم الأسباب لذلك العمار ، هو أنشاكم من الارض واستعمركم في الارض ، ثم أخذ الإنسان يجنح إلي الظلم والكفر بنعمة الله ، ولم يؤد حق الله توحيدا وإيمانا وشكرا ، ولم يستجب لأمر الإحسان إلي خلقه ، فكانت الحياة في الارض علي غير منهج الله ، وبلغ الظلم في أول جيل من البشرية درجة القتل ( هابيل وقابيل ).
وعند ذلك ارسل الله الرسل بالشرائع والعقائد والعبادات والأخلاق مع حدود عقابية لتنظيم الحياة , والمعاملات فيها ليقيم أمر الناس علي دين الله ، وليؤدوا فرض الله في العبادة التي خلقوا من أجلها ، ومن أجل العبادة سخر الله لهم ما في السموات وما في الارض ، واسبغ عليهم نعمة ظاهرة وباطنة .
وهكذا كان رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أئمة هدي ، يعملون ، ويأمرون وينهون بأمر الله عز وجل ، وكان  فيهم أنبياء وملوك وحكام وقضاة ( يا داؤود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله ) ص ، وهكذا كان الدين في تاريخه القديم والحديث عقيدة وشعيرة وأمرا ونهيا ونبوءة وملكا .
إن غاية الأنظمة الإسلامية ضبط الإرتباط بالله سبحانه وتعالي ، بحيث تغدو الحياة بكل صورها ومعالمها ومؤسساتها مصبوغة بالصبغة الربانية ، ومن هذه الغاية الكبري للأنظمة ينبثق مفهوم الإسلام للدولة ، فهي ليست أداة للقهر والإكراه ، وليست وسيلة لتحقيق نفوذ طبقة علي أخري ، كما أنها لاتخضع للعوامل والمؤثرات المادية من أدوات إنتاج وغيرها ، أو من إرادة فرد أو أفراد إنما الدولة في الإسلام لضبط تصرفات الناس في الإتجاه الذي إرتضاه الله لهم ، فكما الإسلام دينا وشرعا ومنهجا ، فلابد من ضابط يشرف علي تنفيذ هذا الأمر ، ويسعي جاهدا لتنفيذ تعاليمه بكل دقة وإخلاص، ذلك الضابط الذي نعنيه هو الدولة.
إن الدولة من هذا المنطلق أداة لتجسيد رغبات المؤمنين (5) ، فهي من ذلك المنحي لا تهتم بالأفراد أو حتي بالجماعات إن هم خالفوا المصدر الذي تنبعث منه الدولة، ونعني بهذا المصدر، الشرع ، وليس لأي كائن حق تجاه الدولة يراه لنفسه،إلا ما أوجبه الشرع أو ما أقره ، ومن ناحية أخري ليس للدولة نفسها  أي سلطة  أو قرار أو أي حق تجاه الأفراد إلا ما أوجبه الشرع كذلك ، وبالتالي ليس بين الفرد والدولة عقد مباشر كما إفترض روسو وكثير من المفكرين ، إنما العقد بين الفرد وبين الله .
كما أن الأمة في الإسلام ليست مصدر السلطات (6) وإنما مصدرها شرع الله ، الذي جاء به رسول الله(ص) ، وللأمة دور وهو القيام بأمر الشريعة وتطبيقها ، أما الإمام وهو الحاكم فهو نائب عن الأمة ، وليس لها أن تخالف ما لقنها وعلمها الرسول الكريم في أي تشريع ، وبخصوص الأحكام والمسائل التي تطرأ دون أن يكون هناك تعاليم بشأنها يشرع لها بما لايخالف اصلا من أصول الدين أو يتعارض معه.
وللأمة دور آخر يتمثل في مراقبة سير السلطة حتي تبقي علي الصراط السوي وفق نظام الإسلام .
ويذكر علماء المسلمين (7) أيضا وظائف الدولة في الإسلام وهي :
-    حفظ الدين علي أصوله المستقرة .
-    حفظ وحدة الامة وتأمين وجودها عاملة وقوية .
-    إقامة الوظيفة العامة  وفق النظم والمعايير التي تحدد المسئوليات وتساعد علي حسن الأختيار وحسن الأداء مع العناية بالتدريب والتأهيل.
-    إقامة نظام للعدالة يكفل حسن التفاوض وسيادة العدل ونفاذه .
-    حماية الأمن العام.
-    إقامة أحكام الشرع في قوانين وحدود عقابية ، وقوانين تنظيم حياة الناس الأسرية والمدنية وسن التشريعات وفق المقاصد الكلية للشريعة.
-    اتخاذ أسباب القوة الدافعة والعدة المناسبة التي تؤمن وجود الدولة وتحمي الثغور .
-    القيام علي حقوق الدولة المالية .
-    الإرتقاء بحياة الناس بكل جوانبها الصحية والثقافية والإجتماعية ، والدعوة للأسرة الصالحة وإشاعة معاني الدين .
-    العناية بعلوم الكون والحياة كلها مما يؤهل الامة لنهضة علمية .
-    الإرتقاء بالحياة الإقتصادية وتنمية مواردها.
-    الإشراف والضبط والتنسيق  والمتابعة .
ومن أكبر العقبات التي واجهت الدولة الإسلامية كيفية تنصيب الحاكم حيث لاتوجد آية في الكتاب الكريم تنص صراحة علي كيفية اختيار وتنصيب الأمير أو الخليفة ، كما خلت الأحاديث النبوية الشريفة من هذا  أيضا ، وربما لهذا السبب وبمجرد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم أشتد النقاش في سقيفة بني ساعدة حول إختيار خليفة لرسول الله صلي الله علهي وسلم حيث دعا بعض الأنصار إلي أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير ، إلا أن البيعة  تمت في آخر الامر لسيدنا أبي بكر الصديق ، وأوصي بدوره عند وفاته صراحة لسيدنا عمر بن الخطاب ، أما هو ( عمر بن الخطاب ) فقد أوصي لستة من أصحاب الرسول الكريم علي أن يتم اختيار واحد منهم ووقع الإختيار في نهاية الأمر علي سيدنا عثمان بن عفان، وعند اغتياله علي يد ثوار الأمصار لم يوص لأحد وحدثت الفتنة الكبري المعروفة ، وقد رفضت جماعات إسلامية البيعة لسيدنا علي بن ابي طالب وادعت الخلافة لنفسها وقد أيدها في ذلك خلق كثير ثم ما لبثت أن تداعت الحوادث والحروب .
ومن هنا أخذ أمر تنصيب الخليفة أو الأمير جهدا كبيرا من علماء الإسلام، ومحاولات لابراز افضل الطرق لإنتقال السلطة من أمير راحل إلي أمير قادم بسلاسة ، وقد بدأ البحث من القرآن الكريم حيث استدلوا (8) بالآية( وإذ قال  ربك للملائكة  إني جاعل في الارض خليفة) البقرة 30 حيث ذكر القرطبي إن هذه الآية أصل في تنصيب إمام وخليفة يسمع له ويطاع ، لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة .
وجاء في الحديث الشريف ( لابد للناس من إمارة برة أو فاجرة ).
ثم ذكروا(9) أن نصوص الشريعة لم تأت علي ذكر الطريقة التي يتم بها إختيار الدولة ، ليس ذلك الأمر تجاهلا أو نسيانا من الشريعة لهذا الأمر الجلل ، وإنما سكتت عن ذلك عن عمد ، إذ لو نص الإسلام علي اسلوب معين لوجب علي الأمة إتباعه ، لانه نص شرعي لا محيص عنه ، ولابد لها من تنفيذه ، والإلتزام به ، وقد يكون هذا الاسلوب ملائما لعصر معين ولبيئة معينة ، فإن تغير العصر وتطورت البيئة أصبح المسلمون في حرج شديد ، لأنهم أمام خيارين ، الأول الأعراض عن الأسلوب الشرعي أو إتباعه علي ما فيه من حرج ومشقة ، وكلا الأمرين مر ولاشك ، ولهذا ترك الشرع الحنيف اسلوب اختيار رئيس الدولة للأمة لتري فيه ما تراه بكل إرادتها ولمصلحتها ، علي ضوء ما يقدمه عصرها وواقعها من تجارب نافعة ورأي مفيد .
بيد أن (10) علماء الإسلام كذلك يرون أن الحكم في دولة الإسلام لابد وأن يتميز بعده خصائص إسلامية لعل من أهمها:
-    إن رئيس الدولة لم يتول منصبه إلا بقضاء من الله تعالي ، وبيعة أهل الحل والعقد .
-    إن رئيس الدولة لايستمد سلطته إلا من الشريعة الإسلامية .
-    إن السلطة التي يمارسها الحاكم في دولة الإسلام لها هدف وغاية هي تحقيق رسالة الدولة في الإسلام.
-    الحكم في دولة الإسلام يقوم علي قوة مادية وقوة روحية.
-    لا عصمة لأحد في دولة الإسلام.
-    إن الحكم في دولة الإسلام أمانة في اعناق الحكام من رئيس الدولة إلي حامل أدني رتبة فيها .
-    إن كل ما يتمتع به رئيس الدولة من سلطة لم يكن له إلا بصفته كرئيس دولة لا بصفته الشخصية علي الإطلاق ما دامت الأمة قد قامته في هذا المنصب الأسمي .
وذكر علماء (11) الإسلام كذلك عدة حقوق للأمة علي رئيسها ، كما أن الرئيس ايضا له حقوق علي أمته أضف إلي ذلك توجد حقوق مشتركة بين الطرفين ، فمن حقوق الأمة علي الرئيس خلعه والخروج عليه في حالة تنكره لأحكام الشريعة الإسلامية ، وحق النصيحة ، وحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أما حقوق الأمير علي أمته فتتمثل في طاعته ما أطاع الله ، والوفاء بالبيعة ومعاونته ، أما الحقوق المشتركة فحق النصائح المتبادلة مع ممثلي الامة أو أهل الحل والعقد في الإسلام.
وللدولة رسالة في الإسلام لابد من مراعاتها مثل الدعوة إلي الإسلام وحماية الدين وتطبيق أحكامه ورعاية مصلحة الأمة ، والحرص علي الدين والتربية .
وركز (12) علماء الإسلام علي الشوري باعتبارها ركنا مهما من أركان الحكم ، لا يمكن أن يتصف النظام بالصفة الإسلامية في حالة عدم الإلتزام بها  ، كما أنه ومن جهة أخري يجب علي الذين يمارسونها الإلتزام بمجموعة من القيم الأخلاقية والمثل العليا مثل :
-    الإيمان بأن الناس سواسية كأسنان المشط لهم حقوق وواجبات متساوية.
-    إن لهم الحق في تكوين ارائهم باستقلالية والتعبير عنها بحرية ، ولهم الحق في أن يسمعوا آراءهم للآخرين.
-    ليس لأحد أن يدعي أن رايه دائما هو الأفضل ، أو أنه معصوم من الخطأ ، بل الكل يخضع رأيه برضي وسماحة للبحث والتمحيص والمداولة والنقد.
-    لاتستقيم الشوري إلا إذا رضي الجميع بأن الحكم لله والرسول .
-    لابد أن يقبل الجميع بمبدأ المحاسبة والمراجعة وحتي المساءلة.
وللشوري خصائص عند علماء المسلمين (13) ومزايا ، فعن طريق الشوري يمكن تحقيق العديد من المكاسب التي تصب في إستقرار الحكم ومن هذه الخصائص :
المشاركة الواسعة من جانب الجماهير المسلمة في العملية السياسية  أمر ضروري ولكي تكون هذه المشاركة فاعلة لابد من توفير مناخ الحرية الإعلامية مع ضرورة أن تكون هذه الجماهير علي جانب معقول من الإلمام الضروري بمقاصد الدين في المجالات العامة وعلي وجه الخصوص في المجال السياسي .
ولابد من السعي لإشراك أهل العلم والحل والعقد.
ولابد لأولي الأمر من بيعة باسم الشريعة الإسلامية ، فلا خلافة أو ولاية بلا بيعة من الناس .
والإستماع إلي نقد الجماهير وشوراهم والرد علي استفساراتهم ومن أخذ الشوري بجدية وبلا كثير حساسية .
لابد لولاة الأمور من قبول المساءلة والمحاسبة والرد على تلك المساءلة بلا عنت أو استكبار أو تذمر .
لابد أن يستشعر الحكام المسلمون أن الملك لله وأن لله السلطة بالأصالة ، وأنهم حكام علي الناس والجمهور بالوكالة .
بيد أن تأكيد علماء المسلمين علي الحرية السياسية في دولة الإسلام  لم يمنعهم من وضع شروط لهذه الحرية كي لايتحول هذا الأمر إلي فتنة من وجهة نظرهم لذلك نجد أن كثير من العلماءاجتهدوا في تحديد قواعد للحرية السياسية في الإسلام ، ومن هذه الإجتهادات نجد أن أحدهم يذكر (14):
-    إن الحرية السياسية في دولة الإسلام ليست منحة من أحد وإنما جزء لايتجزأ من الدين الإسلامي الحنيف.
-    إن الإسلام جعل المواطن رقيبا علي رئيس الدولة ، ومن دونه من مسؤولين وأهل حكم ، وجعله كذلك محاسبا ومراجعا لهم علي كل ما يأتون به ، لأحد علي الحرية السياسية في نظام الإسلام إلا ماوضعه من قيود عامة تنظم الحقوق وتضبطها ، بأن هذه الحقوق مردها إلي أمرين هما:
-    إلا يخرج المواطن عن حدود الإسلام وأحكامه ومبادئه وآدابه.
-    إلا ينشأ عن ممارسته لحريته السياسية ضرر بمصلحة الأمة أو الدولة أو فتنة تؤذي المجتمع.
-    ليس علي رئيس الدولة أن يهييء المناخ الصالح لتحيا الحرية السياسية وتترعرع فحسب بل عليه أن يحض الناس على ممارساتها وأن يكون لهم وجود في مراقبة الحكام .
-    علي رئيس الدولة في الإسلام أن يتجاوز عن كثير من أخطاء الساعين لتأكيد حريتهم السياسية ، ويتسامح معهم فتعليم الحرية السياسية يحتاج لزمن حتي يكبر نبتها وتؤتي أكلها.
-    هذه بعض الافكار عن الدولة الإسلامية والتي وردت في عصور مبكرة من الإسلام ثم أخذت في التكاثر والتوسع حتي عصرنا الحديث ، بمعني أن هذه الأفكار حول الدولة الإسلامية كان بعضها معروفا ومسلما به منذ بدايات الدعوة الأولي ، والبعض الآخر جاء بعد اجتهادات واستنباطات من علماء المسلمين علي مر العصور.
بيد أن هذه الافكار لم يتح لها التطبيق بكاملها في العصور المختلفة من عصور الدولة الإسلامية ، حيث حالت أطماع الحكم والمكايدات السياسية والرغبات الفردية في التوصل إلي صيغة موحدة لشكل الدولة الإسلامية وإنتقال السلطة من طرف إلي آخر دون عقبات.
فمع اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه ) علي أيدي الثوار(15) من بعض الأمصار الإسلامية بذرائع مختلفة رأت جماعة من المسلمين في الشام بقيادة الأمير معاوية بن أبي سفيان أنه من غير المعقول مبايعة خليفة جديد للمسلمين قبل أن يقتص من قاتلي الخليفة السابق ، أو علي أقل تقدير تأجيل مسالة الخلافة ريثما يتم التحقيق في مسألة اغتيال الخليفة عثمان بن عفان ، وبالتأكيد تقف خلف هذه الدعاوي أطماع سياسية ، فبعد استقرار في حكم الشام الإقليم الغنى في الدولة الإسلامية لأكثر من عشرين عاما ، ولبيت واحد من بيوت قريش هو بيت أبي سفيان بن حرب تجمعت لديهم قوة مادية كبيرة ، واجتمع من حولهم الأنصار والمؤيدون وصاروا من أكبر القوي في الدولة الإسلامية ، لذلك عندما اغتيل الخليفة الثالث الذي يمت لهم بقرابة رحمية طمعوا في خلافته ، وكيف لايطمعون وهم يملكون قوة لايمكن الإستهانة بها ، وتقف وراء دعاويهم السياسية أيضا المخاوف من تجريدهم من سلطتهم السياسية والمالية في حالة مبايعة خليفة جديد للمسلمين ، وهم متأكدون من أن الخليفة الجديد سيكون علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) الذي كان يرى عن قرب في أثناء خلافة سلفه تفرد الأمويين بالسلطة على طول الأمصار الإسلامية ، وربما مخاتلتهم الخليفة الثالث بحكم كبر سنه في الفوز ببعض المكاسب الدنيوية ، لذلك ستكون أول قراراته تعيين ولاة جدد للأمصار من أنصاره ، ومن عامة المسلمين .
ومن هنا حدثت الفتنة الكبري التي قسمت المسلمين إلي اقسام عديدة منهم أنصار سيدنا علي بن أبي طالب الخليفة الرابع والشرعي ، ومنهم جماعة معاوية إبن أبي سفيان وأنصاره والبيت والأموي ، ومنهم الخوارج الذين خرجوا علي سيدنا علي بن ابي طالب بدعوي موافقته علي التفاوض مع معاوية في  وقت لا يحتمل  التفاوض ، بعد أن كاد النصر أن يتحقق لهم ، كما أنهم كانوا متأكدين من أن الدعوة إلي التحكيم  لم تكن سوي خدعة يراد بها النجاة .
ثم ما لبث أن إغتيل الخليفة الرابع كذلك سيدنا علي بن ابي طالب لتستقر السلطة ولأزمان طويلة قادمة في أيدي الأمويين ، صحيح أن سيدنا الحسن رضي الله عنه ترك الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقنا لدماء المسلمين ، إلا أنه تركها بشرط أن تؤول من بعده لعامة المسلمين ليختاروا المناسب للخلافة .
إلا أن سيدنا معاوية إبن ابي سفيان خالف هذا الشرط عند وفاة سيدنا الحسن رضي الله عنه ، حيث أراد الخلافة لأبنه يزيد من بعده ، وبذلك تحولت الخلافة الإسلامية  ولأول مرة إلي ملك متوارث ، كما أن الأموال استعملت لتليين قلوب القبائل العربية المختلفة وإرضاء الكارهين لهذا الأمر.
أما في الحجاز موطن أنصار الطالبيين ومهد الدعوة الإسلامية فقد استعمل السيف لإجبار الناس علي مبايعة يزيد بن معاوية على الخلافة ، حيث تذكر الروايات (16) أن أمير المؤمنين معاوية أبن ابي سفيان قسم الأموال  أولا علي أبناء المهاجرين والأنصار ليغضوا الطرف عن بيعة أبنه يزيد ، أما من رفض ذلك فقد عالج ذلك الأمر بأن جمع الناس في المدينة المنورة ، ووضع عند راس كل من يخشي مخالفته جنديا شاهرا سيفه ثم تلي البيعة لابنه يزيد.
وزادت الأمور سوءا فيما يختص بإنتقال السلطة السياسية في عصور الدولة الإسلامية الأولي أثناء تولي يزيد بن معاوية السلطة وثورة سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما ومن ثم قتله هو وآل بيته في كربلاء ، ومما لاشك فيه أن اغتيال سبط الرسول الكريم وآل بيته كان حدثا كبيرا أثر بشكل عميق وما زال يؤثر في وجدان المسلم ، وصارت من بعده مسألة إنتقال السلطة من الأشياء التي يصعب الخوض فيها ، ولم تقف الإغتيالات السياسية والتصفيات عند ذلك الحد بل إستمرت حيث تمت تصفية الأئمة من آل بيت الرسول واحدا تلو الآخر .
وعندما استولي آل العباس علي السلطة أيضا قاموا (17) بتوريثها لأبنائهم ، ولم يعد الأمر ابدا شوري بين المسلمين ، كما أن سياسات القتل والتصفية الجسدية بقيت علي حالها حيث قاموا بتصفية الأمويون عن بكرة أبيهم ولم ينج منهم سوي القليل .
وحتي آل البيت الذين أتت السلطة الجديدة باسمهم ما لبثوا  بعد تحالف مع العباسيين لزمن قليل أن قلب لهم هؤلاء ظهر المجن وتمت إزاحتهم عن طريقها ، لينفرد آل العباس بالسلطة دون آل علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء وهم ما فهم الأنصار إنهم آل البيت المعنون بالدعوة وليس الفرع الآخر الذي لم يشتهر بخوضه غمار السياسة .
وبتوالي الليالي استولي أحفاد مزعومين لعلي بن أبي طالب علي جزء من الدولة الإسلامية في المغرب الاقصي ثم زحفوا إلي مصر وأسسوا الدولة الفاطمية إلا أنهم ساروا علي خطي سابقيهم في توريث السلطة للأبناء وقمع المعارضين .
ونجد نفس هذا النموذج ايضا يتكرر مع قيام الإمبراطورية العثمانية التي هيمنت علي العالم الأسلامي لأكثر من خمسة قرون متتالية ، حيث إن شكل إنتقال السلطة هو الشكل الوراثي من الأب لإبنه إلي حفيده وهكذا.
ويتضح من كل ذلك إن إنتقال السلطة في الدولة الإسلامية اصابه خلل كبير منذ إنتهاء الدولة الإسلامية الأولي أو الخلافة الراشدة ، والتي كان الحكم فيها ينتقل عبر آليات مختلفة ، منها الشوري أو الوصية لمجموعة من الأشخاص يتميزون بصفات عديدة تؤهلهم لتولي أمر المسلمين وكانت  القرابة العصبية لا محل لها  في تولي هذا الأمر.
ولشدة الأضطراب الذي اعترض سير الجهاز السياسي في تاريخ الإسلام نجد أن العديد من المفكرين المتقدمين والمتأخرين كتبوا عن إنتقال السلطة في الإسلام وتحدث آخرون عن عدم أهميتها حيث ذكروا (18) أن حديث الرسول (ص) الذي يقول فيه : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي ) فيه إشارة واضحة إلي أن قوة نظام الإسلام لا تكمن في جهازه السياسي بقدر ما تكمن في جهازه الإجتماعي والفكري الذي يرتكز علي نموذج ( الفرد المجتمع ) أو ( المواطن الدولة ) الذي متي ما عاش إسلامه اصبح قرآنا يمشي علي قدميه ، ولم يعد يتصرف في حياته بدافع رهبة أو خوف ، وإنما يلتزم بكل الفضائل ويتعد عن كل الرزائل بدافع من إيمانه ، فلا يعود للقانون من سلطان عليه لأن سلطان الدين والأخلاق قد قام مكان القانون .
عموما وبالرغم من هذه الخلافات الدموية التي تصاحب عادة إنتقال السلطة من ملك إلي ملك نجد أن الإسلام كحركة مجتمع رسالي تطور إلي الامام بشكل كبير ، ففي عهد الدولة الأموية الذي شهد أسوأ المذابح ضد آل  بيت النبي ( صلي الله عليه وسلم ) استطاع المسلمون أن يوسعوا رقعة الإسلام إلي أضعاف مضاعفة بعد ضم المغرب الإفريقي الشمالي بأكمله إلي الدولة الإسلامية بالإضافة إلي عبورهم إلي اسبانيا واستيلائهم عليها والوصول إلي حدود فرنسا الحالية .
وفي الشرق توسع الإسلام كذلك ليشمل الهند واجزاء من الصين وروسيا الحالية ، وبلغت جيوشهم في الشمال أسوار مدينة القسطنطينية حاضرة الدولة البيزنطية .
وتم في تلك الفترة أيضا إكمال تدوين الاحاديث النبوية في مجلدات صحيحة وتم تقسيم هذه الاحاديث إلي عدة أقسام ، منها الحديث المثبت والمتفق عليه والحسن والضعيف الإسناد ، وبذلك تكون للحضارة الإسلامية معين إسلامي ضخم من أقوال الرسول (ص) يمكن الوثوق من صحته ، ونتج عن ذلك توليد عشرات الكتب التي بنت فلسفتها في الفقه الإسلامي علي القرآن الكريم وأقوال الرسول (ص) المثبتة في كتب الأحاديث الصحيحة مما شكل في آخر الأمر ثورة علمية شاملة .
وفي تلك الحقبة والحقبة التي تلتها ومع تميزها بالإضطراب السياسي فإنها ولدت الأئمة الفقهاء الأربعة وهم الإمام مالك والإمام أبوحنيفة والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وظهرت فتاواهم وأحكامهم التي وضعت أسسا جديدة ومستمرة للدولة الإسلامية في مجال الفتاوي والفقه الإسلامي ، وعن طريقهم تم توضيح وإبانة كثير من المسائل التي ظهرت إثر معايشة الإسلام في فترات جديدة ومتجددة .
أزدهرت الدولة الإسلامية في تلك الحقبة التي تلت إنتهاء الخلافة الإسلامية والعهد العباسي الأول لعدة اعتبارات لعل من أهمها اندثار العبادات الوثنية القديمة بشكل شبه نهائي كما في فارس والهند والتي كان يتحلق حولها كثير من الأعراق والمجموعات السكانية ، وكانت تشبه الدمامل في جسد الامة الإسلامية الوليدة ، إلا أنه وبعد أن زحف الإسلام في هذه المناطق انحسرت الوثنية قليلا قليلا حتي باتت لاتشكل خطرا حقيقيا علي الدين ونظامه السياسي ، بيد أن بعض المجموعات المتعلمة من عناصرها القديمة والتي ترغب فما أن تلعب دورا سياسيا حاولت إزاحة الستائر من حول هذه العادات الوثنية ( أو محاولة إيجاد صلة بينها وبين الإسلام) ، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الغيبية مثل الروح وإحلالها وغيرها.
وبخصوص الديانة اليهودية التي كان لها وجود فاعل مع بدايات البعثة المحمدية فقد اندثرت نهائيا وبشكل ظاهر من شبه الجزيرة العربية بعد أن اجلاهم الرسول الكريم من خيبر ، وهي عموما لم تشكل تهديدا سياسيا للدولة الإسلامية خصوصا بعد أن أفاض الإسلام في الحديث عنها ، وعن غدر المنتسبين إليها بأنبيائهم ، وعدم إيفائهم بالعهود والنزور ، وحبهم للمال والربا ، وتخاذلهم عند الحرب .
بيد أن اليهود شكلوا تهديدا من نوعا آخر هو التهديد الثقافي التعليمي ، حيث استطاع بعض المنتسبين إليهم إضافة شروح عديدة للقرآن وللأحاديث النبوية ذات صلة  بالتفسيرات الإسرائيلية ، صحيح أن المسلمين انتبهوا إلي كثير من هذه الشروح إلا أن العديد منها ظل متداولا في كتب المتأخرين من فقهاء العالم الإسلامي ، وربما ساهمت هذه المفاهيم الإسرائيلية في زيادة حدة الأختلافات بين المسلمين .
أما المسيحيون الشرقيون فلم يكن لهم عداء مع الدين الجديد ، وكان عداؤهم منصبا في تلك الحقبة بالتحديد ( ونعنى بها بداية الإسلام) مع الدولة البيزنطية  التي حاولت اقناعهم بضرورة اتباع مذهبها الملكاني الذي كان يري أن الاب والإبن والروح القدس هم آلهة المسيحية ، بينما كان يرى المسيحيون الشرقيون أن الإله واحد أو ذا طبيعة واحدة متفردة .
وعندما وصل الإسلام إلي بلاد الشام ومصر وجد أن الخلاف بين المسيحيين قد وصل حدا بعيدا ، لدرجة أن آباء الكنيسة القبطية كانوا إما مسجونون وإما هاربون في الصحراوات بفعل الإضطهاد البيزنطي.
وقد أمن الإسلام الخائفين منهم واعترف بكنائسهم ، واعتبر أن نبيهم نبي عظيم شقيق للرسول الكريم ، وأن أمه مريم العذراء سيدة فاضلة وتقية ، بيد أن ضلالهم عن طريق الحق مسألة مسلم بها عند المسلمين ، لذلك لم يشكل هذا الدين تحديا للمسلمين ايضا .
أما أكبر أنواع التحدي التي واجهت الدولة الإسلامية وجهازها السياسي في عصورها المختلفة فقد تمثل في إنتشار الشعوبية بين طوائفها المتباينة ، ولهذه المسألة جذور مع بداية الدولة الأموية التي إنحازت للعرب وقبائلهم المختلفة ، ومع توالي الحروب والنزاعات داخل جسد هذه الامة انحازت مجموعات من الإيرانيين (19) ( الفرس) والأتراك والأكراد إلي رؤسائهم المحليين ، وأخذوا في إعلاء شأنهم فوق  شأن العرب نكاية  فيهم ، وهذه التحديات والتحديات المضادة أضعف الدولة الإسلامية علي المدى البعيد.
ثم ظهور طوائف الشيعة بفرقها المختلفة المعتدلة منها والغارق في تطرفه إلي حد بعيد ، ونبعت هذه الأفكار مع عمليات التصفيات الجسدية العنيفة لآل بيت الرسول وأنصارهم في كربلاء وغيرها ، والتي تركت جرحا غائرا في النفس الإسلامية ، كما أن اليهود استغلوا هذا الحادث ووضعوا العديد من الأأحاديث لزيادة الفتنة وتقديس الضحايا واعتبارهم كائنات تعلو فوق المستوي الإنساني العادي ، في إتجاه لم يعرفه الإسلام أو يقربه ، وقد أدي كل ذلك إلي ظهور فتن عظيمة أضعفت الدولة الإسلامية كثيرا.
ومن التحديات التي واجهت الإسلام ايضا ثورات المجموعات غير العربية مثل الزنج والمماليك بفضل الدعاية الشعوبية واليهودية ، حيث يرجع إلي هذه الحركات بالذات إضعاف الدولة العباسية والسماح للتتار باجتياح بغداد فيما بعد بيسر.
بيد أن علماء المسلمين وعلي مر العصور الإسلامية استطاعوا أن يواجهوا مختلف هذه الفتن ، ويوضحوا للعامة ما يعصمهم من الإندفاع فيها أو المشاركة فيها ، ووقفوا لها بالمرصاد وفندوا دعاويها ، ثم ما لبث أن أضمحل كثير من هذه الجماعات وزال خطرها.
ومن خلال ذلك السرد يمكن القول إن الدولة الإسلامية استطاعت أن تواصل سيرها في الطريق الذي أرتضاه الله لها مع هنات وانحرافات قليلة خصوصا في مسالة انتقال السلطة ، وفيما يبدو فإن شكل الخلافة الوراثي قد استقر في أذهان اغلبية الأمة المسلمة وصار من المسلمات من طول ما عمل به ، ذلك استمرت الخلافة العثمانية لأكثر من خمسة قرون دون خروج وثورات كبيرة عليها أو تشكيك في شرعية وجودها علي نطاق واسع.
وفي هذه الحقبة ايضا شهدت الأمة الإسلامية تحديات داخلية ذكرناها وتحديات خارجية  تمثّل في إجتياح المغول لأرض الخلافة وعاصمتها بغداد ، صحيح أن هذا الإجتياح مثلّ كارثة كبري على الأمة الإسلامية إلا أنها سرعان ما خرجت منها معافاة ، كما أن التتار أنفسهم لم يلبثوا أن صاروا من المسلمين .
أما التحدى الخارجي فقد تمثل في الصليبيين (20) القادمين من أوربا ، وهم أيضا شكلوا تحديا كبيرا للأمة الإسلامية ودمروا كثيرا من مقدراتها طوال الحملات التي شنوها علي ديار الإسلام ، والتي استمرت زهاء 176 عاما حيث تضعف فيها الحملات أحيانا وتشتد لتتحول إلي استيطان في فلسطين والشام ، بيد أن هذا التحدى ايضا تم إحتواؤه في آخر المطاف.
إلا أن التحدى الاكبر الذي واجه الأمة الإسلامية في بواكير القرن الثامن عشر والتاسع عشر وإلي يومنا الراهن جاء علي صورة ثقافية وتمثل في الحضارة الغربية الحديثة بإنتصاراتها التكنولوجية والعلمية وفلسفتها العلمانية وأسلوبها الديمقراطي في الحكم الذي أعجب به الكثيرون في الأمة الإسلامية وفتنوا به .
أضف إلي ذلك أن الأمة الإسلامية فقدت رؤيتها الموحدة مع إلغاء الخلافة الإسلامية لأول مرة  في 1924م ، ولم تعد هناك جهة واحدة يستظل تحتها المسلمون علي فقر وبؤس الخلافة العثمانية السابقة في أواخر أيامها.
وهنا حاول العلماء المسلمون المحدثون التنظير الجديد للأمة الإسلامية للتعرف علي مواطن العيوب وسبل النهضة والتطور .
وشهد أواخر القرن الثامن عشر كتابات عديدة لمفكرين إسلاميين لإستنهاض الأمة الإسلامية من كبوتها التي سقطت يها وصارت لأول مرة بالكامل تقريبا تحت سلطة المستعمر الخارجي دون أن يلوح أي أمل في الأفق للتخلص من المأزق الذي وجدت فيها فيه.
ويذكر (21) بعض علماء الأمة الإسلامية أن بداية دخول الفكر العلماني إلي العالم الإسلامي بدأ مع تولي محمد علي باشا للسلطة في مصر ، وينفي الأخرون ذلك الإتجاه العلماني حيث يذكر (22) أحد الإسلاميين أن محمد علي باشا كان عثمانيا مسلما ، وهو شبيه في إصلاحاته التي أنشأها بإصلاحات صلاح الدين الايوبي وأمثاله من الأعلام ، وكان الأخذ من أوربا في عهده  يجري  علي نطاق  نقل التكنلوجيا فقط ، ليخدم مشروعا إسلاميا سياسيا ، فالتيار الفكري الإسلامي في عهد محمد علي هو الاساس ، والذين يستشهدون باضطهاده للأزهر لتعزيز الفكرة عن علمانيته يخطئون الطريق ، ذلك أن الصدام بينه وبين الأزهر كان بسبب تمرده واستقلاله عن الباب العالي ، ويهمه دعم نظامه ، الذي سيهدده بلا شك انحياز علماء الأزهر لخصمه الباب العالي باعتباره ولي أمر المسلمين .
إلا أنه من عيوب نظام محمد علي باشا والتي أدت فيما بعد إلي نجاح العلمانية بحسب راي البعض إقامة المؤسسات الحديثة التعليمية والصناعية وغيرها جنبا إلي جنب مع المؤسسات التعليمية القديمة دون أن يمزج بينها ، ومن هنا حدثت الفجوة بين اصحاب التعليم الحديث والقديم .
ويرجع الإسلاميون (23) دخول العلمانية الحقيقية علي يد إسماعيل وبفعل النفوذ الاوربي كذلك ، فقد أخذ هذا التيار العلماني ، يعم البلاد الشرقية قليلا قليلا حتي الإحتلال الكامل لمصر من قبل الإنجليز في 1882م ، إلا أن التيار الإسلامي ظل هو المسيطر علي الساحة حيث كانت يومئذ جميع الفعاليات الإسلامية مستنفرة .
وقاد الحركات لمقاومة الإستعمار والعودة بالدين إلي جذوره رجال نابهون أمثال رفاعة رافع الطهطاوي وعلي مبارك ومحمود الفلكي وغيرهم كثيرون .
أما الأزهر كمؤسسة في تلك الحقبة فقد أصابه الجمود بفضل إبعاد علمائه وتشريدهم ، وسكوت المتبقي منهم عن معارضة السلطان ، أضف إلي ذلك أن الحكام الذين اعقبوا محمد علي كانوا ينظرون إلي قضية التعليم علي أنها فضيلة فردية ، ولم يكونوا يرون أن نشر التعليم من واجبات الدولة ، بل ترك ذلك الامر لجهود الأفراد والمؤسسات الخيرية .
أما العلم الذي كان موجودا في تلك الحقبة والمهتم به من قبل الأفراد فقد كان العلم الشرعي فحسب ، أما العلوم الأخري التي تطورت في الامم الأخري وأدت إلي قيام نهضتها فقد كانت مهملة تماما ولا قيمة لها في نظر الكثير (24) ، ولعل هذا السبب من أهم أسباب أضمحلال الدولة الإسلامية في قرونها الأخيرة .
وباحتلال بريطانيا لمصر كمعظم دول العالم الإسلامي مع شركائها الآخرين دخل العالم الإسلامي في موجة تحد ضد ذلك الغزو الخارجي.
وتمثلت أول إستجابة لذلك التحدي في الدعوة إلي الإسلام والتمسك به ، مع دعوة جمال الدين الأفغاني الذي جعل من منزله الخاص مدرسة لإستنهاض الهمم وأخذت المقاومة في شق طريقها وبرز العديد منهم في الحياة السياسية المصرية والإسلامية .
ومن أفكار الأفغاني التي ظل يدعو لها فكرة الجامعة الإسلامية ، ويذكر(35) في أول دعوته للنهوض الإسلامي أنه إذا كانت نهضة الأمة الإسلامية قد تحققت من قبل بواسطة الدين فإن اسباب الهوان والضعف والجمود تعود إلي البدع التي ألصقت بالدين وابتعاد المسلمين عن الأصول التي كانت سببا في نهضة المسلمين .
ودعا  ايضا إلي فتح باب الإجتهاد الذي يعد مبدأ اساسياً في النهضة الإسلامية المرتقبة ، ويذكر إن إلغاء باب الإجتهاد جمد الامة الإسلامية.
ودعا الأفغاني إلي ضرورة النضال الجماعي للأمة الإسلامية ضد الغرب، لذلك نادي بالجامعة الإسلامية وإقامة حكومة إسلامية كبري ، واهتم كذلك بالجانب الإيدلوجي للسياسة ، ذاكراً بأن دور السياسة  يتلخص في تصحيح البنية الفكرية للأمة الإسلامية ، وذلك لأن هذه البنية انحرفت عن مسارها الأخلاقي وضعفت مما ألحق بها تأثيرات علمانية ، والحل يكمن في العودة إلي الإيمان الصافي.
ثم دعا الأفغاني إلي أن يكون للعقل دوراً مقدراً وأساسياً في علاقته بالإسلام ومنهجه ، ويمكن أن نقول في خاتمة الأمر أن الأفغاني التزم بخط التجديد لإستنهاض الدولة الإسلامية ، وابتعد عن المدرسة التقليدية .
أما تلميذ الأفغاني المقرب محمد عبده فقد كان يدعو (36) كأستاذه إلي الدولة الإسلامية والجامعة الإسلامية وكان يدعو إلي عدة أفكار في هذا الخصوص لعل من أهمها :
1-    تطهير الإسلام من العادات والتأثيرات الفاسدة والتي يظن كثير من العامة أنها من صلب الدين .
2-    اعادة النظر في طريقة عرض المذاهب والمعارف الإسلامية في ضوء الفكر الحديث .
3-    إصلاح التعليم العالي والإسلامي .
4-    الدفاع عن الإسلام ضد التاثيرات الأوربية وهجمات المستشرقين.
ويذكر محمد عبده أن هناك أخطاء متعددة ألصقت بالإسلام منها الفهم المغلوط للقضاء والقدر ، ويقول إن المسلم يخطيء عادة في فهم التوكل علي الله والقدر .
ومن أبرز أفكاره حول الشريعة الإسلامية إنه يدعو إلي تفسيرها في ضوء العقل ، وإذا ما حدث تعارض بين العقل والشرع فإن العقل يأخذ المكانة الأولي .
ويذكر كذلك أن الدين لايمكن أن يتعارض مع العلم ، بل إن الدين يشجع في كثير من تعاليمه على دراسة العلم والتفكر في الكون وفي ملكوت الله والفكر الإصلاحي يعمل علي وضع الدين في محتوي علمي.
ثم يحذر محمد عبده من خطر تعليم أبناء المسلمين في المدارس الأجنبية ، ويذكر في هذا الشأن أن كتب التمرين والإملاء والمطالعة فيها كثير من  مما يوافق مذهب مدير  المدرسة ومشربه الديني ، وبذلك يسمع ابناء المسلمين ما يناقض عقائد الدين الإسلامي ، ولا يرون إلا ما يخالف أحكام الشرع ، بل لايطرق أسماعهم إلا مايزري بدينهم وعقائدهم ، فلا تكاد تنقضي سنوات التعليم حتي تكون قلوبهم قد خلت من كل أثر إسلامي ، وأصبحوا  كفارا تحت حجاب الإسلام ، ثم ما يلبثون إلا قليلا في هذا الجو حتي يكونوا من أكبر مناصري العلمانية والإستغراب ، وبذلك تحارب الدولة الإسلامية المرتقبة بيد بنيها.
ويأخذ محمد عبده علي المدارس اهتمامها بتخريج الطلاب لشغل مهن معينة دون أن تتم بموضوع التربية والأخلاق السليمة .
ويقول أن الدولة قائمة علي الدين  بالضرورة ، وكلما قوي الدين في القلوب ظهرت آثاره في الأعمال وكلما ضعفت آثار الدين ظهر أثره أيضا في الأعمال ، وأن من أهم اسباب الخذلان الذي يعيشه المسلمون القصور في التعليم الديني .
وبخصوص المقارنة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي يقول محمد عبده إن النزعة العلمانية ضرورة في الغرب لأن طبيعة الديانة المسيحية ذاتها تتعارض مع العلم والعقل بعد التحريف الكبير الذي تم فيها ، علي عكس الحالة الإسلامية إذ أن أصول الإسلام لا تتعارض مع العلم ولا مع العقل .
أما تلميذ جمال الدين الأفغاني الآخر  والمشهور كذلك الاستاذ رشيد رضا ، فتتبع رؤيته حول أهمية الدعوة الدعوة إلي الدولة الإسلامية  عبر حقب طويلة عاشها ، وأصدر من خلالها مجلته الشهيرة منار الإسلام والتي استمرت زهاء العشرين عاما في الصدور دون توقف مما خلق أنصارا عديدين للتيار الإسلامي الذي ظلت تدعو له .
وكان رشيد رضا يرفض ( 27) في كل تلك المدة ويحارب سلطة أولياء الصوفية في معظم أعماله تقريبا ، وكراماتهم التي يراها تتناقض مع العقل والعلم ، موضحا ومنبها إلي بطلان الاعتقاد في سلطة كراهات الصوفية، تلك الكرامات والبدع التي اثرت تأثيرا سلبيا في الواقع الإسلامي .
ويرجع مفكرو تلك الحقبة أسباب الجمود التي رانت علي العامل الإسلامي إلي عدة أسباب منها:
1-    سيادة الأسلوب التقليدي في  الدرس الكلامي المعتمد علي الحواشي والمتون والتقارير دون إضافة .
2-    غلبة التيار الصوفي ، وقد أتسم هذا التيار بالسلبية واللامبالاة والعيش علي هامش المجتمع ، ومشكلاته .     
3-    بازدهار الصحافة شاعت كثير من الافكار الغربية ، ولعبت الصحافة السورية والمسيحية دورا أكبر في العمل علي إذاعتها بين المسلمين ، مثل فكرة القومية العربية والإقليمية والقطرية .
وأرجع (28) العلماء المتأخرون سبب التدهور الذي أصاب المسلمين إلي الإستعمار حيث يقول أحدهم :
( كانت الإمامة الحاكمة عند المسلمين وعلمائهم وعاميتهم من واجبات الدين ، وذلك من لدن الرسول الكريم وحتي مطلع القرن العشرين الميلادي ، حيث غلب الكفار علي بلاد المسلمين فأبطلوا  الشرع فيما عدا الشعائر والأنكحة والمواريث والأوقاف ، وجاءوا بشرائع ونظم ما أنزل الله بها من سلطان ، وفتنت بهذه الدعوة طوائف من أبناء المسلمين ممن تربوا علي أيديهم فمرضت قلوبهم ، وماتت في نفوسهم الحمية لدين الله والغيرة علي حرماته .
وضرب الله عليهم الذلة والمسكنة ، وكانت لاتزال تسيطر علي كثير من  بلاد المسلمين ، وأصبح الناس أمام خيارين : منهم من جعل السلطان سلطان سلطة ومال ورئاسة فاعرض عن الدين معتقدا بأنه لا صلة بين الدين والسلطان ، وصار الدين عند هؤلاء في محل الذل والمسكنة لا في مكان العلو والشرف والقوة ، ومنهم من لزم شعائر الدين وأعرض عن السلطان مثلما فعل كثير من أمة أهل الكتاب .
ومن أجل ذلك اصبح كثير من حكام المسلمين لا هم من الولاة الأخيار أو الفجار ، بل في منزلة بين المنزلتين ، أما أنظمتهم فهي أنظمة مرتدة عن دين الله خارجة عن أمره ليس لها علي المسلمين طاعة ولا نصرة ، وإنما يخضعون لها علي سبيل الأضطرار الذي يبيح أكل الميتة ولحم الخنزيز.
وبخصوص الدعاوي (29) التي حدثت أثناء السيطرة العسكرية علي الأمة الإسلامية من قبل الدول الأوربية والتي كانت تدعو إلي أبعاد الدين عن الحياة العامة ، ثم استمرت بعد ذلك حتي بعد رحيل الإستعمار ، نبه العلماء إلي أن الرغبة في أبعاد الدين عن الحياة أخذت تتعالي لدرجة إن العلمانيين انزعجوا من خطبة الدكتور أحمد زكي عن المجد الإسلامي في خطبة أفتتاح الجامعة المصرية لأول مرة 1908 وقالوا إنها خطبة ثقيلة علي السمع وبعيدة عن الموضوع ، وفارغة من حسن الذوق ، خصوصا وانه تكلم عن الإسلام ومجده بأمور متكلفة ، وليس من اللباقة إلقاؤها في افتتاح جامعة لا دين لها إلا العلم
ومع نهاية العقد الثاني من القرن العشرين ظهرت جماعات الإخوان المسلمين منطلقة من مصر ثم ما لبثت أن انتشرت في شتي أقطار العالم الإسلامي ، وهي أول جماعات سياسية منظمة بطرق حديثة تدعو إلي الرجوع إلي الدين الإسلامي ، صحيح أنه قد سبقتها جماعات كثيرة دعت إلي نفس دعوتها ، وحمل بعضها السلاح وقاتلت ودعت بعضها بطريق السلم ، إلا أن تكوينها التنظيمي كان بدائيا بكس جماعة الأخوان المسلمين التي ظهرت في الإسماعيلية(30) في 1927 والتي اعتمدت علي تنظيم الخلايا العنقودية في إنتشارهاواستفادت من الصحف والمذياع وغيرها من الطرق الحديثة في نشر دعوتها.
ولم تفصل حركة الإخوان المسلمين بين الدين والسياسة بحسب التيار العام الموجود يومئذ وإنما اعتبرت أن الفصل بينهما اعتداء علي الدين ، وذكرت أنه إذا كان الإسلام شيئا غير السياسية وغير الإجتماع وغير الإقتصاد وغير الثقافة فما هو إذا ؟ أهو هذه الركعات الخالية من القلب الخاشع ، أم هي الالفاظ التي تنطق ، وذكرت أن القرآن والإسلام نظاما محكما مفصلا ( تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة لقوم يؤمنون ) النحل 117.
ويفيد الإمام حسن (31) البنا أن المسلم غير السياسي في إسلامه ثلمة إذ أن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا ، يقلب النظر في شؤون العالم كلها في اهتمام.
ويتساءل البنا هل كان الرسول الكريم حينما يأمر بالتناصح والتشاور والإشراف وحين يحض عليه  ويسميه بالجهاد الأكبر يخالف تعاليم الإسلام فيخلط السياسة بالدين.
ويفسر رحمه الله بأن دعوة الإسلام دين ودولة تعني أن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية وإحكام اجتماعية وعملت علي حمايتها ونشرها والإشراف علي تنفيذها بين المؤمين بها وتبيلغها للذين ييؤمنون بها إلي الدولة ، وإذا أهملت شرائع الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية مهما أدعت ذلك بلسانها.
ويرتبط فهم الإخوان المسلمون لقضية الاستخلاف في الأرض بالحكم الإسلامي لدوره الكبير في تحقيق قضية الإستخلاف ، ويقسمون الإستخلاف إلي إستخلاف عام وهو إستخلاف الإنسان في الأرض وإستخلاف خاص هو إستخلاف في الحكم.
ويمكن القول إن رؤية البنا والأخوان المسلمين لطبيعة السلطة السياسية في النظام الإسلامي تقوم اساسا علي عدم التفريق بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية ، حيث  يدمج الإسلام دائما بينهما ، في نصوصه وفي واقعه التاريخي وتجاربه الثرة ، ويرفضون تجزأته وتبغيضه ويعتبرونه كاملا متكاملا لايصح  أخذ بعضه وترك البعض الآخر ، ويبرز الحكم عندئذ كركن أصيل وجزء من إيمان المسلم ، وبالتالي  فالذي لايحكم بما أنزل الله يكون قد نزع ربغه الإسلام من عنقه وتلبس بأردية الكفار والظلم والفسق ، والأمة التي لاتحكم بالقرآن ليست أمة مسلمة مهما أدعت بل تصبح عند سيد قطب دار حرب ، ويرتبط الإيمان بفرضية الحكم الإسلامي بفهم الإخوان لقضية الإستخلاف التي توجب إقامة حكومة إسلامية لأن الإسلام يملك الآلية التي تؤهله للإستفادة مما عند الآخرين.
وهاجم الإمام حسن (32) البنا الدولة القائمة وقال إن الله بعث لكم إماماً ووضع لكم نظاما وفصل أحكاما ، وأنزل كتابا وأحل حلالا وحرم حراما ، وارشدكم إلي ما فيه خيركم وسعادتكم ، وهداكم سواء السبيل ، فهل أتبعتم إمامكم ، واحترمتم نظامه وانفذتم أحكامه ودرستم كتابه ، وأحللتم حلاله وحرمتم حرامه ، كونوا صرحاء في الجواب وسترون الحقيقة واضحة أمامكم ، كل النظم التي تسيرون عليها في شؤونكم الحيوية نظم وضعية بحتة لا تتصل بالإسلام ، ولا تستمد منه ولا تعتمد عليه مثل نظام الأمن الداخلي ونظام العلاقات الدولية ، ونظام القضاء ونظام الدفاع والجندية ، ونظام المال والإقتصاد.
والأخوانم المسلمون (33) إنتقدوا كذلك حكومات الجزيرة العربية وبالأخص العربية السعودية ، وذكروا أنها تدعي الإسلام وتقيم الحدود مثل قطع يد السارق وجلد الزاني ، بينما  تعاني تخلفا رهيبا في مختلف مجالات الحياة ، ويظنون  أنهم يقيمون كل الإسلام مع أن الحدود جزء منه ، وانتقدوا الإنتقائية في تطبيقها ، حيث تقطع يد اللص الصغير الذي يسرق دريهمات ، ثم يدرأ الحد ولا يفكر في إقامته أبدا علي لصوص القناطير المقنطرة من خزائن الدولة ومن موارد الشعب.
ويرى الأخوان المسلمون ضرورات الحكم الإسلامي كذلك لأجل الحياة الحاضرة فقد أقلقهم الفساد في كل المرافق وكل مظاهر الحياة ، وعدم الإستجابة للمطالب الوطنية من قبل الإستعمار ، والإنشقاق والخصام بين القادة  والزعماء ، وبين الحاكمين والمحكومين ، وفساد الجهاز الإداري ، وضعف سلطان القانون علي النفوس ، وفساد الأخلاق وإنتشار الرزائل ومظاهر  الإنحلال الأخلاقي .
ومنها أيضا مشاكل الإستيطان اليهودي في فلسطين والعدوان علي باكستان ، ومعاناة المسلمين في كل مكان جراء  الإستعمار الغربي .
ويدعو الإخوان المسلمون كذلك للدولة الإسلامية لأنها تستطيع أن تحمي التشريعات الإسلامية ، وذلك لأن جماعة الأخوان المسلمون تعلم أن كل تشريع لا تحميه قوة تنفيذية تشريع عاطل مهما كان عادلا ورحيما ، ولا يظفر من النفوس  إلا بدرجة من الإعجاب  لا تدفع إلي اتباعه والنزول علي حكمه ، لذلك لابد من قوة للبرهان ، بإحلاله واحترامه ، كذلك رعاية الحقوق وإقامة الحدود وحراسة القوانين بحاجة للدولة ( ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم للناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) الحديد 25  لذلك قال ابن تيمية من عدل عن الكتاب قوم بالحديد ، وتساءل أحد الإخوان هل نريد إيمانا اعزل أمام الحاد مسلح .
ومن دواعي إقامة الحكومة المسلمة عند الإخوان (34) المسلمون ، أن أي دولة إسلامية لابد وأن تقوم بغرس  أداب وأخلاق الإسلام في أنفس أبنائها بإيجاد مناهج التعليم الإسلامية ، ووسائل التثقيف والأعلام  وأدوات التوجيه والترفيه ، وتسييرها جميعا وفقا لمفاهيم وآداب الإسلام ، بحيث تعمل كلها علي غرس فضائله واحترام محرماته ، ولن يضمن حدوث ذلك إلا وجود الدولة الإسلامية التي تبني كل هذه المؤسسات علي هدي من الله .
كان موقف الإخوان المسلمين من قضية الديمقراطية (35) يتعدل من آن إلي آخر ففي البداية تم رفضها من قبل الإمام حسن البنا وذلك لعدة أسباب عدها البعض أسبابا ظرفية وليست أسبابا دينية فقهية ، وبالتالي متي ما تغيرت هذه الأسباب تغيرت النظرة إلي الديمقراطية ومن هذه الأسباب ، عدم موائمة الأحزاب التي سبقت قيام الثورة المصرية في يوليو 1952م لمرحلة النضال الوطني من أجل التحرر ومنها أنها أحزاب ظرفية مصلحية ، ومنها أن هذه الأحزاب قسمت البلاد شيعا وأحزابا وأثارت الشقاق والمنازعات .
إلا أن الحركة وافقت علي الحكم الديموقراطي في الفترة التي أتت بعد العام 1976م ، بعد أن شبه بعض الأخوان الأحزاب بالمذاهب الفقهية في العصور السابقة فإذا جاز تعدد المذاهب جاز تعدد الأحزاب.
ولكن لابد أن يكون للديمقراطية شروط عند جماعة الأخوان المسلمون من أهمها رفض التصريح بالعمل للحزب الذي يعارض ما علم أنه من الدين بالضرورة أو الذي يرفض الإسلام جهرا ، والحزب الذي  يوجه ولاءه لاعداء الإسلام .
ونحن نعتقد أن فكرة القومية العربية التي تبنتها كثير من الدول العربية بعد الإستقلال مباشرة دفع بمفكري الإسلام للرد عليها (36) حيث اعتبروها وليدا أجنبيا احتصنته بيئات نافرة من الإسلام ومبغضة له ، وأن هذا الوليد يستمد نماءه من الثقافات الدخيلة ، حيث تتسع دائرة القومية العربية علي أنقاض مواريثنا الروحية والخلقية وتقاليدنا الاجتماعية ، وهي استجابة صريحة للغزو الإستعماري بكل ما يحمله في نواياه من أحقاد وأطماع.
أن الذين يتحدثون عن العناصر التي تتكون منها النهضة العربية ويتعمدون طرح الإسلام منها  مخطئون ، ذلك أن القومية لم تنفخ فيها الروح وتبرز للحياة العالمية إلا مع الإسلام .
إن بعض مفكري العصور الحديثة والذين يضمرون شراً بهذه الأمة جعلوا من حب الأوطان الساذج البريء عبادة للتراب وولاء للوطنية وتفانيا فيها ، أي جعلوا الوطن إلها ، وضخمت المشاعر حول هذا المحور المسحور ، بحيث ابتعدت علاقات الناس بدينهم ، وإن تكن الدعوة للقومية لم تفلح في أستئصال الدين نهائيا من النفوس فإنها أفلحت في تأخير نهوضه .
إن التاريخ يقف شاهدا علي أن العرب من دون الإسلام كانوا ضعفاء ومهزومين حتي أن الحبشة الدولة الضعيفة مقارنة بالفرس والروم أفلحت في أن تجتاح اليمن كلها والحجاز حتي أنها كادت أن تدمر أقدس بقعة للعرب يومئذ لولا أن منعهم الله ، فأين العرب وأين كيانهم .
للأسف أن ما نجحت فيه القوة الإستعمارية المختلفة حين غزت العالم الإسلامي هو محو الرابطة الإسلامية محوا تاما وخلقت الوطنية لتحل محلها ، ومن ثم أصبحت الوطنية مناط الولاء ومظهر الحماس وأحد أسباب الرقي والإنطلاق ، والمعبد الذي يقدم علي المسجد والراية التي يجتمع حولها الكل ، ويلوم الإسلاميون الغربيين علي معاداتهم في التدهور الذي أصاب المسلمين ، وفي ذلك يستدلون ببراهين قديمة وحديثة ، ومن ذلك يذكرون (37) ، أنه ومنذ انتهاء الحرب الصليبية بانتصار المسلمين في دمياط وأسر لويس التاسع وهزيمته في رشيد ، دعا قومه بعد عودته إلي تأخير دور السيف ، واستعمال الخديعة ، وذلك لأن الحروب التي استمرت علي مدي قرون عديدة لم تؤت أكلها ، لذلك ظهرت مدارس الرحالة المستشرقين الذين جابوا العالم الإسلامي من أوله إلي آخره لمعرفته ومن ثم معرفة مناطق ضعفه للسيطرة عليه فيما بعد .
ومن أوائل الأفكار التي نفذت في العالم الإسلامي من قبل المستعمرين ازدواج التعليم وإنقسامه إلي مدني وديني ، والتعليم الديني يقوم علي مخلفات بآليه أو قشور من الفكر الإسلامي واللغة العربية ، والتعليم المدني لايوضح أو يبين عن الإسلام شيئا ، ويكاد التعليم الثانوي والجامعي أن يخلو في كل الأقطار من المعرفة الإسلامية الناهضة .
وعند هذه المرحلة يتخرج المهندسون والأطباء والكيميائون والضباط والمحاسبون وغيرهم وهم لايدرون شيئا عن أمور دينهم  ، بل أن دارس الحقوق لايعرف عن الشريعة الإسلامية إلا مثل ما يعرف عن القانون الروماني البائد .
ثم اتجه الغزو الثقافي إلي لغة القرآن فاصابها في مقتل ، إذ عزل هذه اللغة عزلا تاما عن تدريس العلوم ، فلا وجود للغة العربية في كليات الطب أو الصيدلة ، أو الهندسة أو العلوم أو غيرها من الكليات التي تدرس الكون والحياة ، وأخيرا صارت لغة التخاطب تتجه بقوة إلي اللهجات العامية المحلية في كل قطر عربي .
ثم عزل الإستعمار الثقافي الشريعة الإسلامية بابعادها عن مكان الصدارة ، وقد كانت من قبل تحكم الدماء والأموال والأعراض وتحرس الحقوق الخاصة والعامة ، حتي دخل الإستعمار الحديث والغي شرائع الحدود والقصاص ، وذلك لابعاد الإسلام عن الحياة العامة وتجريده من سلطة النهي والأمر وتمزيق القيم الدينية أمام أعين الرجل المسلم لأنه إذا رأي أمر الله معطلا في شأن من الشؤون هان عليه أن يعطل في شأن آخر كذلك .
ويلوم (38) العلماء المسلمون حكامهم كذلك ويحملونهم الشيء الكثير مما وصلت إليه الحال ويقولون إنه من الغريب أن دينا من الأديان لم يحفل بمثل الوصايا التي أكدها الإسلام عن النهي عن طلب الإمارة وزم الحريصين عليها، وتخويف الحكام من أمانة السلطة التي حملوها وترهيبهم من الغرور بها ، ومع ذلك فإن هذه الأمة لم تؤت من قبل أعدائها بقدر ما أوتيت من تنازع رجالها علي الرئاسة .
ولايدعو (39) العلماء المسلمون إلي مقاطعة الآخرين بالكامل كذلك بل يدعون إلي الإستفادة عما في أيدي الغير ، ذلك أن الحكمة ضالة المسلم ، ويذكرون أن الدساتير الحديثة التي صانت الحريات العامة ولها فوائد عديدة يجب أن يستفاد منها في بلاد المسلمين إذ كان غيرنا قد أحسن أحكامها ، والإسلام لم يمنع سيدنا عمر بن الخطاب  من أن يمصر الأمصار  ويدون الدواوين ويقتبس الطيب من نظم الفرس والرومان وهو يبني الدولة الإسلامية الحديثة .
ويستمر علماء المسلمين في الدفاع (40) عن الإسلام والدولة الإسلامية في العصور الحديثة ويزداد هذا الدفاع مع الإنحراف الذي يرونه من قبل الحكام باتباعهم الليبرالية او القومية العربية أو الإشتراكية أو غيرها  من المذاهب الوصفية الوضعية ، حيث يوضحون بأن الإسلام يختلف عن المسيحية وفصلها ما بين الدين والدولة ، ويذكرون أن الإسلام لا كهانة فيه ولا وساطة بين الخلق والخالق ، فكل مسلم في أطراف الارض أو في فجاج البحر يستطيع بمفرده أن يتصل بربه بلا كاهن ولا قسيس ، والإمام المسلم لايستمد ولايته من الحق الإلهي ولا من الوساطة بين الله والناس ، وإنما يستمد مباشرته للسلطة من الجماعة الإسلامية كما يستمد السلطة ذاتها من تنفيذ الشريعة ، فليس في الإسلام رجل دين بالمعني المفهوم في الديانات التي لا تفتتح مزاولة الشعائر التبعدية فيها إلا بحضور رجال الدين ، وإنما في الإسلام علماء بالدين ، وليس للعالم بهذا  الدين من حق خاص في رقاب المسلمين.
أما وقوف رجال الدين في صف السلطان وأصحاب المال وتخدير البسطاء بالدين من عاقبة الثورة والمطالبة بالحقوق والإلتزام بالشرع ، فلا نكران لوقوعه في بعض العهود التاريخية ، ولكن روح الدين الحقيقية تذكر علي هؤلاء موقفهم ، والذين يتوعدهم بالعذاب والنكال جزاء ما اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ، وقد حفظ التاريخ الإسلامي بجانب هؤلاء العلماء علماء آخرين لم تأخذهم في الله لومة لائم.
ويذكرون (41) إن الإسلام هو المؤهل للحكم وذلك عن طريق العديد من المزايا ومن أهمها أنه يحقق العدالة الإجتماعية حيث يضمن حقوق الفقراء في أموال الأغنياء وتصبح عنده سياسة المال والحكم عادلة ، كما أنه ينذر الذين لايتنازلون عن حقوق الفقراء في أموالهم بسوء العذاب في الآخرة ويسميهم بظالمي أنفسهم.
ويذكر العلماء كذلك أن الإنحرافات التي تحدث في العالم بأجمعه تأتي نتيجة للاعتداء علي سلطات الله في الأرض ، وبالأخص خصائص الألوهية ، وهي الحاكمية ، لأنها تسند الحاكمية إلي بشر فتجعل بعضهم لبعض أربابا ، لذلك يجب أن يقوم النظام الإسلامي علي أساس أن الحاكمية لله وحده ، وهو الذي يشرع وحده وسائر الأنظمة المنحرفة تقوم علي أساس أن الحاكمية للإنسان فهو الذي يشرع لنفسه ، ومن ثم فالنظام الإسلامي لايلتقي مع أي نظام آخر.
ثم تقوم سياسة الحكم في الإسلام بعد التسليم بقاعدة الألوهية الواحدة والحاكمية الواحدة علي أساس العدل من الحكام ، والطاعة من المحكومين ، والشوري بين الحاكم والمحكوم ، وهي خطوط أساسية كبيرة تتفرع منها سائر الخطوط التي ترسم شكل الحكم وصورته ، وسياسة الحكم في الإسلام تقوم علي أساس الضمير فوق قيامها علي أساس من التشريع ، والمؤمن يعرف أنه في كل لحظة مع الله وهو رقيب عليه .
أما الذين يرفضون الحكم بما أنزل الله فأولئك جاهلون ، والجاهلية تعني حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي (42) الله ، وتضع تنظيما يرفض الحكم بما أنزل الله ، ولذلك فالجاهلية ليست محصورة في فترة تاريخية سبقت الإسلام ، وإنما يمكن وجودها في أي زمان يرفض أهله فيه حكم الله .
وعلي العكس مما يتصور الكثيرون أن الكفار قبل الإسلام لم يكونوا يعرفون الله أو كانوا جاهلين به بل إنهم يعرفون الله جيدا إلا أنهم لاينفذون شريعته ولا يتحاكمون إليه في أمرهم ، وبهذه كانوا كفارا وكانوا جاهلين.
ويدافع الإسلاميون عن الشريعة الإسلامية ويرون صلاحيتها في كل زمان ومكان ، ويذكرون أنه قد اقتضت حكمت الله تعالي أن تكون هذه الشريعة هي خاتمة الشرائع ، فهي ناسخة لما قبلها ، ولا تنسخ بشريعة بعدها إذ ليس بعد كتابها كتاب ، ولابعد نبيها نبي ، فقد كمل الدين بالإسلام .
ويزعم (43) بعض الناس بحسب المفكرين الإسلاميين أن الشريعة الإسلامية لم تطبق إلا في عهدي أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ، ويدللون علي ذلك بأنها شريعة مثالية لاتصلح للتطبيق ، وهذه دعوي عريضة يكذبها الواقع التاريخي للمسلمين ، إذ أن الشريعة ظلت أساس الحكم والتعامل في جميع ديار الإسلام لمدة تزيد عن ثلاثة عشر قرنا ، ولم يدر بخلد شعب من الشعوب الإسلامية استبدال هذه الشريعة السماوية بغيرها حتي ابتليت بهجوم الإستعمار الصليبي عليها.
بيد أن الشريعة الإسلامية وفي أوقات (44) كثيرة طوال الثلاثة عشر قرنا أعقيت بأمرين مما حال دون الفوز بثمارها ، السبب الأول الإنحراف السياسي نتيجة لظلم الحكام وفسوقهم في سياسة الحكم وسياسة المال  ، والآخر هو الجمود الفقهي نتيجة لإغلاق المشتغلين بالفقه باب الإجتهاد .
إن تعاليم الإسلام والشريعة كل لايتجزأ يسند بعضها بعضا ويكمل أحدها الآخر، وأخذ بعضها دون بعض يضعف الجانب المأخوذ منه ، وربما أرهق الناس من أمرهم عسرا ، فإقامة حد الزني يفترض وجود مجتمع مسلم ييسر أمر الزواج الحلال لمن أراده ، وعندما يفتح  للحرام ألف باب وباب وينشأ في مجتمع يساعده علي الفاحشة ويقربه من المعصية يشعر الفرد بعدم عدالة عقوبة رجم الزاني .
ومثل ذلك السرقة فلا يجوز أن تنفذ أمر الله بقطع يد السارق ونهمل أمر الله بإيتاء الزكاة وإقامة  التكافل الإجتماعي ، لقد جاءت آية واحدة في القرآن الكريم تآمر بإقامة الحد علي السارق ولكن عشرات الآيات جاءت تآمر بايتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله وتحض علي إطعام المسكين .
إن سبل السياسة الرائدة موجودة في القرآن الكريم وموضحة وهي ( يا يها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء . .
إن رد  النزاع إلي الله والرسول يعني في خاتمة المطاف رده إلي القرآن والسنة وإلي أولي الأمر خاصة العلماء منهم أو الذين يملكون القدرة علي استنباط الأحكام وفهم المقاصد الكلية للدين .
ومع توالي الإتهامات من قبل الجناح العلماني المناهض  للتيار الديني بخصوص لجوء الإسلاميين إلي العنف ، وتعكير الحياة السياسية والإجتماعية مع الطوائف الأخري في المجتمع ، يعترف (45) الإسلاميون بالعنف الذي يقوم به كثير من المنتمين إليهم دون بصيرة ويرجعونه لعدة أسباب لعل من أهمها إن الذين يقومون بهذا العنف غالبا ما تكون نظرتهم ومعرفتهم بالدين قليلة ، يعرفون نصف العلم الذي يظن صاحبه أنه به دخل في زمن زمرة العالمين .
ومن أسباب العنف أيضا أن كثيرا من شباب الحركات الإسلامية يتمسكون بحرفية النصوص دون التغلغل إلي فهم محتواها ، كما أن عدم الرسوخ في الدين والإشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبري يساهم في زيادة الجدال وبالتالي الخصومات والعنف .
ومن أسبابه أيضا أن الشاب الملتزم بتعاليم دينه يرى المنكر ظاهرا والفساد يستشري والباطل يعلو والعلمانية تتحدث بملء فيها والماركسية تدعو إلي نفسها والصليبية تخطط وتعمل بلا وجل ، وأجهزة الإعلام تشيع الفاحشة وتنشر السوء ، ويري الخمر تشرب جهارا واندية الفساد منتشرة ، يري  المسلم كل هذا في ديار الإسلام ، ويري التشريع الذي يجب أن يمنع هذا  ويعبر عن عقائد المسلمين ، ثم يري حكامهم يوالون من عادي الله ويعادون من وإلي الله ، ولايذكرون الإسلام إلا في الأعياد والمناسبات تمويها علي شعوبهم ، ومعني ذلك أنه فرض علي الإسلام أن يكون نسخة من النصرانية أي يكون عقيدة دون شريعة وعبادة دون معاملة ودينا دون دولة وقرآنا دون سلطان.
فلا غرو أن تصدم هذه المنكرات بعنف وجدان الجيل المسلم وتقلقل ضميره ، مما يؤدي إلي الغليان النفسي الذي لايظل مكبوتا أبد الدهر .
ومن الأسباب الأخرى الهجوم العلني والتآمر الخفي علي الأمة الإسلامية ورؤية المسلمين في كل مكان يقتلون ويذبحون ولابواكي عليهم ، أضف إلي ذلك  أن الحكومات العلمانية قامت بمصادرة حرية الدعوة إلي الإسلام الشامل ، وعاقبت بأشد العقوبات كل من يخالف نواهيها حتي وإن لم تتفق مع الشرع .

مراجع الباب الرابع :
1-    أحمد محجوب حاج نور ، مقدمة في فقه الدولة ، سلسلة البعث الحضاري، رقم 8 ، المركز القومي للإنتاج الإعلامي ، الخرطوم 1995م ، ص 23.
2-    المرجع السابق ، ص 24.
3-    المرجع السابق ، ص 26.
4-    المرجع السابق ، ص 20.
5-     سعدي أبو حبيب ، دراسة في منهاج الإسلام السياسي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1985م ، ص 60.
6-    المرجع السابق ، ص 74.
7-    أحمد محجوب حاج نور ، مقدمة في فقه الحركة ، مرجع سابق ، ص 66.
8-    سعدي أبوحبيب ، دراسة في منهاج الإسلام السياسي ، مرجع سابق ، ص 150.
9-    المرجع السابق ، ص 211.
10-    المرجع السابق ، ص 110 .
11-    المرجع السابق ، ص 304.
12-    بروفيسور زكريا بشير إمام ، مدخل إلي النظرية السياسية في القرآن الكريم ، دار هزابر للنشر ، الخرطوم 1999م ، ص 82.
13-    المرجع السابق ، ص 98.
14-    سعدي أبوحبيب ، دراسة في منهاج الإسلام السياسي ، مرجع سابق .
15-    د. حسن إبراهيم حسن  ، تاريخ الإسلام ، جزء أول الطبعة السابعة ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة 1964م ، ص 267.
16-    المرجع السابق ، ص 281.
17-    جرير الطبري ، تاريخ الطبري ، ج 7 ، ط ثانية ، دار المعارف بمصر، بلا تاريخ ، ص 471.
18-    د. عادل ثابت ، الفكر السياسي الإسلامي ، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية ، مصر 2002م
19-    السيد أمير علي ، روح الإسلام ، ج 1 ، ترجمة أمين محمود الشريف، مكتبة الآداب ، القاهرة ، بلا تاريخ ، ص 178.
20-    أمين معلوف ، الحروب الصليبية كما رآها العرب ، ط ثانية ، ترجمة عفيف دمشقية ، دار الفارابي لبنان 1998م ، ص 215.
21-    عبدالرحمن الرافعي ، عصر محمد علي ، دار المعارف ، ط 4 ، القاهرة 1992م ، ص 81 .
22-    د. أحمد محمد جاد عبدالرازق ، فلسفة المشروع الحضاري بين الأحياء الإسلامي والتحديث الغربي ، ج أول ، إصدار المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجامعية رقم (16) ط أولي ، الولايات المتحدة الأمريكية  1995م ، ص 93.
23-    المرجع السابق ، ص 95.
24-    المرجع السابق ، ص 97.
25-    المرجع السابق ، ص 291.
26-    المرجع السابق ، ص 36.
27-    المرجع السابق ، ص 398.
28-    أحمد محجوب حاج نور ، مقدمة في فقه الحركة ، مرجع سابق ، ص 25.
29-    د. أحمد محمد جاد عبدالرازق ، فلسفة المشروع الحضاري بين الأحياء الإسلامي والتحديث الغربي  مرجع سابق ، ص 138.
30-    فؤاد عبدالرحمن البنا ، الإخوان المسلمون والسلطة السياسية في مصر ، دار جامعة إفريقيا العالمية للطباعة والنشر ، الخرطوم ، بلا تاريخ ، ص 46.
31-    المرجع السابق ، ص 303.
32-    المرجع السابق ، ص 146.
33-    المرجع السابق ، ص 147.
34-    المرجع السابق ، ص 154.
35-    المرجع السابق ، ص 206.
36-    محمد الغزالي ، حقيقة القومية العربية، دار نهضة مصر للطباعة ، والنشر والتوزيع القاهرة ، 1998م ، ص 4.
37-    المرجع السابق ، ص 56.
38-    المرجع السابق ، ص 274.
39-    المرجع السابق ، ص 277.
40-    سيد قطب ، العدالة الإجتماعية في الإسلام ، دار الشروق بيروت 1995م ، ص 14.
41-    المرجع السابق ، ص 17.
42-    محمد قطب ، جاهلية القرن العشرين ، دار الشروق ، بيروت 195 ، ص 44.
43-    د. يوسف القرضاوي ، شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ، ط خامسة ، مكتبة وهبة ، القاهرة 197م ، ص 40.
44-    المرجع السابق ، ص 41.
45-    د. يوسف القرضاوي ، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف ، ط 12، دار الشروق القاهرة ، 2001 ، ص 88




Matasm al-ameen [matasm.alameen@gmail.com]

 

آراء