منتدى قرب الكرملين

 


 

د. حسن بشير
16 December, 2012

 




انعقد المؤتمر العالمي الثالث لروابط خريجي مؤسسات التعليم العالي (السوفيتية) والروسية في الفترة من 27 نوفمبر وحتى الأول من ديسمبر 2012م. تميز هذا المؤتمر بعدة جوانب منها انعقاد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بما يعرف بدار الاتحاد (دوم سايوزف)، وهي الدار المشهورة التي كانت تعقد فيها جلسات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، أيام مجده المعروفة للعالم. كان الوصول الي هذه الدار عصيا ، ليس لعامة الناس فحسب بل أيضا لأشخاص مثل الأكاديميين والباحثين والمثقفين ومجموعات من الأشخاص العاملين في مجالات الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة والمخترعين والعاملين في القطاع الخاص. تلك النوعية من الناس شكلت السواد الأعظم لمرتادي المنتدى الذين تنادوا من جميع أنحاء العالم ممثلين لروابطهم وانتماءاتهم المهنية ومنظمات المجتمع المدني للخريجين. كانت تلك أول دلالات الأهمية التي علقها الروس علي المنتدي.
بالنسبة للخريجين خاصة من أمثالنا الذين درسوا المرحلة الجامعية وفوق الجامعية في حقب مختلفة من العهد السوفيتي والروسي معا، كانت المناسبة فريدة ومثيرة للشجون.التقت الأجيال المختلفة من أفريقيا، آسيا، أمريكا اللاتينية وأوروبا. الملفت للنظر ان روابط الدول الأوربية مثل دول أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة شكلت جزءا كبيرا من الحضور، حتي ان دولة مثل بلغاريا قد حضرت ممثلة لروابط للخريجين علي مستوي المدن، مثل رابطة خريجي الجامعات الموسكوفية وجامعات سانت بطرسبورغ، كذلك كان بارزا حضور الألمان بالإشارة الي دولة ألمانيا الشرقية السابقة.
سجل حفل الافتتاح الحضور الأكبر نسبة لعدد المدعوين من المؤسسات الرسمية والأكاديمية والعلمية وقد بلغ عدد حضور جلسة الافتتاح حوالي 1300 شخص (ألف وثلاثمائة). افتتح المنتدى بالنشيد الوطني الروسي الذي هو في نفس الوقت النشيد الوطني للاتحاد السوفيتي السابق. شكل الحضور الرسمي رقما مميزا بحضور ممثل شخصي للرئيس الروسي، المبعوث الروسي لدول أفريقيا مارغيلوف، وزير التعليم والعلوم، ممثلي وزارات اقتصادية واجتماعية وممثل لوزارة الخارجية وغيرها. بالرغم من كل ذلك إلا ان المنتدى لم يأخذ منحي سياسي وإنما كان الاهتمام منصبا علي محوره الرئيسي المتمثل في بحث السبل التي تمكن من تفعيل عمل روابط الخريجين وربطها بالتوظيف الأمثل في مجال العلوم والتكنولوجيا، فتح مجالات أوسع للاستفادة من إمكانيات المؤسسات الأكاديمية والعلمية والبحثية الروسية وتوظيفها في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إتاحة الفرص أمام استيعاب طلاب جدد للدراسة من خلال نظام (الكوتة)، الذي يتيح إمكانية الحصول علي الدراسة المجانية والإعانة المادية خلال فترة الدراسة.
بالإضافة لما تقدم كان هناك بحث لإمكانية تطوير أساليب انتشار اللغة الروسية التي تعتبر الحاضن الرئيس للمكونات الثقافية والحضارية الروسية. هذا الموضوع الأخير حظي بقدر كبير من النقاش نسبة لكبر التحديات التي تواجهه، اذ تم التركيز في هذا الجانب علي ضرورة نقل وضخ المعلومات عبر اللغة الروسية خاصة فيما يتعلق بالابتكار والإنتاج العلمي، إضافة للتوسع في افتتاح المراكز العلمية – الثقافية في مختلف أنحاء العالم وتمتين الروابط بالخريجين وعدم الانكفاء علي العلاقات الرسمية. تمت الإشارة هنا الي ضرورة تطوير الدبلوماسية الشعبية لمختلف مكونات النسيج القومي الروسي الذي يمتاز بالتنوع والثراء.بالتنكيد لم يغب موضوع المصالح المتبادلة بين مختلف الشعوب والدولة الروسية وضرورة المساهمة الفاعلة في عمليات التنمية وتمكين الدول الفقيرة من الاستفادة من مواردها وثرواتها المتاحة والكامنة.
فتح المنتدى مجالا واسعا للتعرف علي مؤسسات التعليم العالي الروسية وبرامجها الدراسية المختلفة إضافة لمجالات التدريب المتنوعة في مختلف التخصصات، مع إمكانية استخدام أكثر الأساليب تطورا بما فيها تكنولوجيا الفضاء، التي أصبحت تمتاز بتوظيف علي درجة كبيرة من التنوع. يدخل في ذلك مختلف فروع العلم والمعرفة، تكنولوجيا الاتصال، التنبؤ، الاستكشاف الخاص بباطن الأرض والبحار، البيئة والتغيرات المناخية، إضافة للاستخدامات الإستراتيجية الخاصة بالدول في مجالات الدفاع والأمن وغيرها.
فوق كل ذلك تعتبر الروابط التي تمت إقامتها مع مختلف الهيئات الممثلة للخريجين من جميع أنحاء العالم فصلا قائما بذاته ويكتسب أهمية استثنائية خاصة بالنسبة لنا كممثلين لرابطة خريجي مؤسسات التعليم العالي (السوفيتية) والروسية، إذ أن الخريجين، من مختلف أنحاء العالم قد حققوا انجازات مميزة في مختلف التخصصات والأنشطة العلمية،المهنية، الثقافية والاجتماعية. ظهر ذلك جليا في الدول ذات الإمكانيات الأكبر في مجال التوظيف والاستفادة من القدرات والتخصصات لأبنائها وبناتها من الخريجين.الاكثر وضوحا كان في دول مثل البرازيل، الأرجنتين وتشيلي وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، كما ظهر من خلال الانجازات الصينية، الهندية، الفيتنامية والمنغولية كأمثلة للدول الآسيوية. أما في الدول العربية فقد تمتعت روابط دول مثل لبنان، مصر ودول المغرب العربي بتميز واضح إضافة لفلسطين التي احتفلت رابطتها بشكل بهيج بمناسبة قبول دولة فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة وفقا لقرار الجمعية العامة الذي تصادف مع انعقاد المؤتمر. لابد من التنويه إلي أهمية دور خريجي إثيوبيا الذين حضروا ممثلين علي اعلي المستويات. ارتبط حجم النجاح والانجاز بطبيعة الدول وتطورها ونجاح مسارات التنمية المادية والبشرية فيها. في هذا المجال تجدر الإشارة الي النجاحات الكبيرة التي حققها خريجي مؤسسات التعليم العالي (السوفيتية) والروسية السودانيين، إلا أنها قائمة علي المجهود الفردي وبفضل المجهود المضني والتكاتف بين الخريجين خاصة بعد النجاح في تكوين رابطتهم وانتظام عملها. إلا أن استفادة الدولة من قدرات الخريجين وتوظيفها بالشكل الأمثل في إقامة روابط مع روسيا الاتحادية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق تعتبر معدومة.
لم تقتصر فعاليات المنتدى علي الأوراق التي تمت مناقشتها والموائد المستديرة المتخصصة التي خاطبت الكثير من القضايا الحيوية، كما لم تقتصر علي زيارة المؤسسات الأكاديمية والعلمية مثل مركز أبحاث الفضاء بجامعة موسكو (الجامعة الوحيدة في العالم التي تمتلك ثلاث أقمار اصطناعية توظف في مجال البحث العلمي والتكنولوجي، حسب بيانات المنتدي)، كذلك المراكز العلمية وعدد من الكليات بجامعة الصداقة كما أقمت شخصيا ولمدة أسبوع كامل بأكاديمية العلوم الروسية التي تعتبر معين لا ينضب من المعارف. لم يقتصر المنتدى علي تلك الأنشطة بل أقيمت حفلات ترفيهية علي مستوي رفيع من الفرق الغنائية الاستعراضية لتراث شعوب الاتحاد الروسي، الجمهوريات السوفيتية السابقة ومختلف دول العالم بما فيها دول افريقية وعربية اذكر منها، جنوب إفريقيا، ساحل العاج، غانا، فلسطين وغيرها. كما استمتعنا بما قدم لنا من فن رفيع علي مسرح أكاديمية العلوم الروسية وبالرحلات التعريفية علي موسكو.
كل ذلك جانب، إلا أن الجوانب الإنسانية التي التقت بها وفود روابط الخريجين كانت الأعظم والأكثر إشراقا في صدقها وإنسانيتها والجدير بالملاحظة انه، حسب انطباعاتي الشخصية ، فان الأكثر قربا لنا كانت الروابط الإثيوبية، غرب أفريقيا، اليمن، الأردن وبطبيعة الحال دول أمريكا الوسطي والجنوبية التي تمتاز أصلا بالإبداع والمواهب، إضافة للطف واللباقة والتحضر في التعامل. تم كل ذلك علي ما يبدو تحت رقابة لصيقة من سادة الكرملين، بدليل أن أول مؤتمر للخريجين كان قد انعقد بمبادرة شخصية من الرئيس بوتين خلال فترة رئاسته الأولي وأيضا بدليل ان مظاهر التشريف كانت تسبق رواد المؤتمر وتأتي من خلفهم، إضافة لكرم الضيافة الذي وجد كل فيه ما يهوي.
هناك أمر في الإنسانية لا يمكن تجاوزه، هو تعرفنا علي نفر كريم من السودانيين الذين طاب لهم المقام هناك ومنهم من أصبح مواطنا صالحا، كامل الأهلية. لا يمكن تجاوز حالة مثل النشاط، المساهمة المثمرة معرفيا وإعلاميا، إضافة للكرم السوداني الأصيل، لا يمكن تجاهل ما وجدناه من مكارم في الأخلاق وتفاني وتضحية بالوقت والراحة مقابل أشخاص لا يجمعك بهم إلا حب الوطن إلام والولاء له، وجدنا ذلك مجسدا في أمثلة مثل د. محمد عبد المطلب ساتي علي ود. السر عباس وحرمه.
شكرا لكم أيها الأصدقاء من منظمين ومضيفين ومشاركين وضيوف، سعدنا بصحبتكم لساعات جسدت معاني الصداقة بين الشعوب والوفاء للأوطان، ثم افترقنا، كل إلي مكانه وما قدر له من مصير ونصيب في الحياة والدول والمقام. 
Hassan bashir Mohamed nour [mnhassanb85@yahoo.com]

 

آراء