هؤلاء قتلوا الصحافة وانتهكوا كرامة المهنة !! ” 1″
هل انهارت الصحافة السودانية بالفعل؟ أم ما زال هناك أمل يرتجى بان تعود إلى سيرتها الاولى، وضيئة مؤثرة مقروءة وقائدة للراي للعام. واقع الحال يقول إن المهنة دخلت غرفة العناية المكثفة أو انها تعاني حالة موت سريري لم تجد معه كل العقاقير والجراحات. نعم انهارت الصحافة السودانية لان مجموع ما يوزع لا يكاد يفوق 20% من توزيع الصحف خلال الديمقرطية الثالثة،بل لم تبلغ عشر صحف يومية ربع ما كانت توزعه الايام أو الصحافة في منتصف سبعينيات القرن قبل الماضي.وانطوت الصحف على نفسها فلم تعد تغادر الخرطوم الا لماما الى العواصم والارياف والاقاليم البعيدة.
ماتت مهنة الصحافة في السودان وقد تربع على عرشها كتاب الرأي وعادوا بها الى تاريخ الصحافة الاول حين صدرت صحيفة الوقائع المصرية قبل أربعة قرون عندما كان كاتب الراي هو الوسيلة التي تربط عامة القراء باهل الراي والسياسة فيكتبون للاميين من الناس يشرحون لهم ما التبس عليهم من افكار السلطة وسياستها وما تنوي فعله من توجهات. وللتدليل على ذلك ، تمنح الصحف العربية جميعها الصحفي المحترف في بداية السلم الوظيفي راتبا يعادل عشرة أضعاف راتب افضل كاتب من كتاب الراي بها. وهذا هو الوضع الطبيعي بينما في السودان اليوم يحصل الصحفي على عشر معشار ما يحصل عليه كاتب الراي، بل ان كتاب الراي أصبحوا رؤساء تحرير وناشرين واعضاء مجالس ادارات بينما الصحفيين المحترفين يقتاتون القديد بشعاب مهنتهم لا يلتفت إلى أمرهم أحد. وقد تنطع كتاب الراي وحارقي بخور السلطة في عهد الانقاذ حتى اصبحوا من القيادات الإعلامية، ورؤساء بعثات دبلوماسية وليس لهم من بضاعة يتربحون بها سوى التطبيل والعويل وادعاء البطولات الزائفة.
ماتت الصحافة عندما شنت حربا شعواء على الفساد ولكن ليس حربا تدافع عن الخير بل تصفية لحسابات ومصالح مفسدين اخرين. وابتاع الصحافيون أنفسهم حتى قال احد النجوم الرياضيين ان كتاب الصحف الرياضية يمكنهم أن يشنوا حربا لمصلحتك الشخصية بصحن فول!! وماتت الصحافة عندما قال نيال دينق ان الصحفيين مثل اجهزة الموبايل يتحدثون لك بقدر ما تدفع لهم! وماتت عندما قال العبيد مروح الامين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات ، ان بعض الصحف عبارة عن كناتين وهي بالفعل كذلك. تذكرت عند هذه المقولة تصريح الشريف الهندي الخطير عندما قال: ان "الديمقراطية لو خطفها كلب لم يجد من يقول له جر".
ماتت الصحافة عندما عجز الحزب الحاكم عن توفير قيادات صحافية متخصصة وأهمل كوادره ذات الباع الطويل وتلك التي خدمته في حروبه الاعلامية مع كافة الاحزاب، وانصرفت فئات هذه الكوادر الى المهن الرفيعة وتركت شرف المهنة لتدوسه سلة من النازيين الجدد الذين اتخذوها تجارة لا تبور.
وماتت الصحافة عندما فشلت الاحزاب في اصدار صحيفة الكترونية واحدة قوية ومؤثرة تشكل حائط صد ضد الانفراد بالسلطة وبالالة الاعلامية. هزلت صحافتنا حتى قال غسان شربل الكاتب البارز بصحيفة الحياة: قال في مصر توجد صحافة ولا يوجد صحافيون، وفي السودان يوجد صحافيون ولا توجد صحافة.
abdalmotalab makki [talabmakki@gmail.com]