هل يسدل الستار أم يفتح يوم 30 يونيو المقبل

 


 

 


كان لا بد من البحث عن عنوان  شاعري رومانسي ثوري لهذا المقال ولكني للأسف لم أجد  ،وبما أني  أؤمن أن الشعر والموسيقى والمسرح والسينما والرواية  واللوحة التشكيلية والثقافة عموما   أكثرقوة و تأثيرا من البندقية . وبما أني قرأت أن الخجل الإيجابي والبكاء الإيجابي عاطفتان  ثوريتان  ، قررت أن يكون مقالي هذا " بدون خجل " بالعنوان أعلاه .

تشغلني  حاليا ما تبقى من أيام على شهر يونيو الحالي وتحديدا 30 يونيو في السودان ومصر ، فالمعروف أن معظم شعوب العالم وقواه النشطة ستتجه في الثلاثين من يونيو المقبل نحو هذين البلدين ، السودان لأن حزب  المؤتمر الوطني الحاكم سيحتفل بالذكرى الرابعة والعشرين على ذلك الإنقلاب العسكري الغريب العجيب الذي جرى صبيحة يوم 30 يونيو عام 1989 ، معيدا العسكر للسلطة للمرة الثالثة  ولكن هذه "  المرة "  بخلطة توابل من قوى مدنية عمادها " الأخوان المسلمون "  وقيادتهم الرشيدة  المتمثلة في " الجبهة الإسلامية "  وعلى رأسها حسن الترابي ، ولم لا فقد أتهموا  عبدالله خليل بأنه سلم السلطة للعسكر في 17 نوفمبر 1958  بقيادة   الفريق ابراهيم عبود ، واتهموا  الحزب الشيوعي السوداني بتدبير الإنقلاب العسكري لحركة  19 يوليو 1971 في حين أن التاريخ أثبت عكس ذلك تماما ، ومنذ إستقلال السودان عام 1956 وإلى اليوم فإن حصيلة حكم العسكر 46 عاما مقابل نحو عشر سنوات فقط للإمام الصادق المهدي –القابض على الجمر !  آسف ! القابض على العصا من منتصفها - وتعساء السودان .
أما في مصر والتي غنينا لها بالفم المليان – رغم كل ما حدث ويحدث  – " مصر يا أخت بلادي يا شقيقة " فسيكون " مرسي العياط "   - والله يرحمك يا توفيق الدقن عندما مثلت دور المجرم  - " ومن ورائه " الأخوان المسلمون " شغلهم  الشاغل هو  ما ستفسر عنه حملة " تمرد " التي تطالب بإقالة " العياط " وإجراء إنتخابات جديدة  من الواضح أنها بهدف إنهاء " أخونة الدولة " وذلك بعد عام واحد من حكم " العياط "  ، فاختاروا يوم 30 يونيو  ويا  يوم بكرة ما تسرع  .....
بالطبع يهمني ما يحدث في مصر وأترك " الخبز لخبازو " ولكن يهمني جدا ما سيحدث في السودان بعد سلسلة الإنهيارات التي تترى تباعا ، فهل يا ترى سيكون يوم 30 يونيو المقبل يوما عاديا ؟

واقع الحال يقول عكس ذلك حتى لو مر مرورا عاديا في السودان أو في مصر   " قلت لصديقي فتحي الضو اريد أن  أرى مشهدا واحدا من فصل مسرحية ما بعد يونيو "  ودعوني أعود بكم قليلا إلى الوراء كي نستطيع أن نفهم الأمر بشكل جيد ، فالمعروف أن العالم عرف حربين عالميتين ، الأولى كانت عام 1914 وبسبب حرق شخص واحد ، وثورات الربيع العربي كانت بسبب شخص واحد حرق نفسه في تونس ثم إنطلقت إلى بقية البلدان العربية ، قبل ذلك عرف السودان ثورة 21 أكتوبر 1964  وعرف إنتفاضة مارس أبريل 1985 ودخلت الكلمة قاموس اللغة الإنكليزية ، في ثورة أكتوبر الشعبية سقط الشهيد أحمد القرشي من جامعة الخرطوم ، وفي الإنتفاضة سقط محمد عبدالرحمن من جامعة أم درمان الإسلامية ، بعد ذلك بنحو نصف قرن  تقريبا جرت سلسلة من الإحتجاجات والمظاهرات في عدد من الدول العربية أسفرت عن سقوط حكومات تلك الدول  "  احد الكويتيين قال لي ما قصرتم " ، ولعبت الشبكة العنكبوتية دورا هاما ، ولكن مظاهرات السودان والإحتجاجات لم تلق نجاحا كبيرا في الشارع السوداني ولعدة أسباب جوهرية ، لكن مما لا يمكن الإختلاف عليه أنها قوبلت بعنف شديد ، و تلاحظ أن هناك بعض الطلبة كانوا يهتفون  " نحن الطلبة نعمل غلبة " في إشارة واضحة للأحزاب السودانية التي لم يعد السودانيون يثقون فيها ، خاصة بعد فشل تجربة التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يضم الكثير من الأحزاب والنقابات وكذلك مجموعة من قوات الجيش ، بل حتى إنضمام الحركة الشعبية لتحرير السودان لم يغير في الأمر شيئا ، وانتهى التجمع بمعظم قياداته بالعودة إلى السودان ، بعضهم حصل على مناصب قيادية في حكومة المؤتمر الوطني وبعضهم من أعطى ظهره للتجمع والبعض الآخر ما زال متمسكا به ، لكن يلاحظ أن الحركة الشعبية لتحرير السودان واصلت قناعتها بالكفاح المسلح ونجحت أخيرا في توقيع إتفاقية نيفاشا والتي كانت أهم منجزاتها فصل الجنوب وولادة دولة جنوب السودان .
لا أريد أن أقدم تحليلا للتجمع الوطني الديمقراطي فذلك يحتاج لصفحات ، لكن من البديهي أن مطالب الطلاب السودانيين وقطاع واسع من الشعب السوداني هي نفس مطالب أولئك الذين غيروا حكوماتهم بهدف الحصول على " مساحة أكبر من الحريات " ولكن ظروفا داخلية كثيرة جعلت من المهم الثورة ضد الغلاء وارتفاع الأسعار وانتشار الفساد والوقوف  إلى  جانب النساء  وضد الصرف البذخي على القوات الأمنية والشرطية والجيش مع إهمال للصحة والتعليم والثقافة .
ناتي الآن للسؤال الجوهري كيف يمكن النظر للحالة السودانية ؟
في يونيو عام 1912 هزت مظاهرات طلابية  غاضبة غير معزولة عن قوى شعبية حكومة المؤتمر الوطني وأيدتها بعض الأحزاب السودانية والبعض وقف منها موقفا
محايدا ،  ولكن يلاحظ أنها قمعت بطريقة عنيفة جدا وهذا شيء طبيعي لطالما شاهدت أفظع منه  ، بل حقيقة ربما دعا  الأمر - كما فعل البعض  -  إلى  الخجل السلبي والبكاء السلبي  والحزن والأسى ،  وبحكم مهنتي فقد شاهدت بأم عيني الكثير من أفلام " اليوتيوب " ، والعديد من الأفلام التسجيلية والوثائقية لتلك الغازات المسيلة للدموع والهراوات والرصاص والإعتقالات العشوائية والمنظمة والتعذيب والقتل المتعمد وحرق القرى واستهداف الأكواخ البسيطة المبنية من القش والتي قصفت بطائرات حربية ، وتابعت باهتمام شديد ما حدث في مناطق جبال النوبة وكردفان ودارفور ، ولأني زرت هذه المناطق وأعرف أهلها وبساطتهم فقد  ثرت وصرخت ولعنت سنسفيل أولئك الشياطين   .
لماذا يرمون بجثث البعض ويقولون أنهم غرقوا في بحيرة عمقها متر واحد " ؟ لماذا الإهانة   والشتائم لطالب ثانوي مثل نعيم ؟ هل فقط لكي يثبت جنود " أبوطيرة " إخلاصهم لرؤسائهم ؟ هل يستحق ذلك حرق قرى بكاملها لا تأوي سلاحا وإنما تأوي أطفالا أبرياء ؟ ومر بي شريط سينمائي طويل تضمن إعدام ضباط أبريل و إعدام جرجس ومجدي ومهازل بيوت الأشباح ووو
افبعد كل هذا سيكون يوم 30 يونيو عاديا ؟
حسنا لنفرض ذلك هل هو قدر لأهلنا أن يعيشوا دوما في هذه المحرقة ؟
هل نحن في مرحلة إسدال الستار على المسرحية التراجيكوميديا أم أننا باتتظار فتح الستار ؟ 
الإجابة على السؤال بعد 30 يونيو .
badreldin ali [badreldinali@hotmail.com]

 

آراء