مداخلة في ندوة اليوم الوطني للمفصولين
اليوم الوطني للتضامن مع المفصولين
(السبت 15 يونيو 2013)
دار حزب المؤتمر السوداني – امدرمان
العمل والتنمية البشرية والعدالة التوزيعية
د. عبد الرحيم بلال
أهداء
* الى كل المفصولين وعائلاتهم
* الى كل عاطل باحث عن العمل وهو قادر عليه
يقول سيدنا عمر بن الخطاب (رضى): " لقد ولانا الله على هذه الأمة لنسد لهم جوعتهم ونؤمن لهم حرفتهم فان عجزنا عن ذلك اعتزلناهم"
يونيو 2013
مقدمة
ان قضية العمل من أهم القضايا ان لم تكن هي القضية الأهم في علم الاقتصاد والعلوم الاجتماعية ولا غرابة في ذلك فالعمل هو أساس انتاج الثروات وفيه يحقق الانسان ذاته وكرامته ولكن للأسف لم تجد قضية العمل الاهتمام اللازم في الفكر السياسي السوداني ولا في علم الاقتصاد السوداني باستثناء كتاب د.سعد الدين فوزي في النقابات وبعض كتابات الاسلاميين مثل الأخ عبد الرحمن قسم السيد بينما اهتم اليسار السوداني بقضايا علاقات العمل والنقابات ولكن لم يشمل هذا الاهتمام قضية العمل نفسه بالرغم من أن كتاب كارل ماركس "راس المال" يبدأ بتحليل العمل في السلعة ليقوم على هذا التحليل بناءه النظري القائم على فائض القيمة وأهم نتائجه العملية أن الطبقة العاملة يجب أن يكون لها دور رائد في التغيير الاجتماعي.
لهذا كانت ومازالت وزارة العمل في السودان بالرغم من أهميتها لما يمر به سوق العمل من انتقالات ومتغيرات عميقة، مازالت هذه الوزارة من الوزارات الهامشية التي تمنح لوزراء في تحالفات باهتة لا طعم لها ولا لون.
في هذه الورقة نتناول قضية المفصولين من منظور قضية العمل كحق من حقوق الانسان وكمرتكز أساسي في التنمية والعدالة الاجتماعية.
تشمل هذه الورقة خمسة محاور كالتالي:
1- الحق في العمل من حقوق الانسان
2- التوزيع العادل للعمل من أسس التوزيع العادل للثروة
3- توزيع مطلوبات العمل: وسائل الانتاج المادية، وسائل تنمية القدرات على العمل: التعليم والتدريب
4- التوزيع العادل لعائدات العمل لمنع استحواز البعض على عائدات عمل الآخرين بدون وجه حق
5- التوزيع العادل لشبكات الضمان الاجتماعي ومنافعها كمنتج لمساهمات العاملين.
6- العمل ومسئولية الدولة
7- آثار الحرمان من العمل على الاقتصاد
8- آثار الحرمان من العمل على وظائف الدولة الثلاثة: الوظيفة الأمنية والوظيفة التنموية ووظيفة التوزيع
1- الحق في العمل من حقوق الانسان القادر على العمل:
أن هذا الحق من الحقوق المضمنة في كل المواثيق الدولية والاقليمية.
كما ان الحق في العمل يعتبر من أهم جوانب المسئولية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة تماما كالحق في الحياة والغذاء والماء نشير في ذلك لمقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه: " لقد ولانا الله على هذه الأمة لنسد لهم جوعتهم ونؤمن لهم حرفتهم فان عجزنا عن ذلك اعتزلناهم". وهذا الحق من أهم أهداف الدولة الاجتماعية.
2- التوزيع العادل للعمل:
ان التوزيع العادل للعمل من أسس التوزيع العادل للثروة وهو يشمل توزيع العمل في ثلاثة مجالات هي:
- توزيع العمل على الأفراد/ الشرائح الاجتماعية
- والتوزيع العادل للعمل والقوى العاملة على القطاعات المختلفة
- التوزيع العادل للعمل على المناطق الجغرافية في البلد المعني.
3- التوزيع العادل لمطلوبات العمل:
ولهذه المطلوبات جانبان:
أولا: توزيع وسائل الانتاج ( موارد)
ثانيا: التعليم والتدريب ( القدرات)
توزيع وسائل الانتاج يعني بالضرورة عدم الاحتكار لترسيخ التنوع الاقتصادي في الآية الكريمة: ( حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)
ان التوزيع العادل للثروة وفقا للعمل كمصدر من مصادر الثروة عامل أساسي في تعظيم الثروة والانتاج والانتاجية.
4- التوزبع العادل لعائدات العمل:
وهذا التوزيع هو أيضا من أسس التوزبع العادل للثروة. ويشمل العدل في تحقيق مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي وهذا المبدأ يحول دون استحواذ البعض على عائدات عمل الآخرين (حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) وهذا المبدأ يمنع الفساد والفاسدين من التعدي على حقوق الآخرين ( الكادحين).
يقول سيدنا على كرم الله وجهه " ما أغتنى غني الا بما افتقر به فقير".
5- العمل والضمان الاجتماعي:
ان التوزيع العادل لعائدات العمل يشمل التوزيع العادل لمنافع الضمان الاجتماعي. وان الحرمان من العمل يؤدي بالضرورة للحرمان من الحق في الضمان الاجتماعي بسبب عدم القدرة على المساهمة والاشتراك في صناديق الضمان الاجتماعي وخاصة صندوق التأمين الصحي. ان هذا الحرمان من العمل يحرم من يقع عليه هذا الظلم من المشاركة في شبكة الضمانات المجتمعية الحديثة خاصة في مجتمعنا الانتقالي الحالي حيث تتمزق شبكات الضمان الاجتماعي التقليدية التي تقوم على مساهمة كل أعضاء هذه الشبكات القائمة على القرابة ( علاقة الدم ) للعائلة الممتدة والعشيرة بل والقبيلة. وعدم المشاركة في مؤسسات التأمين الصحي والضمان الاجتماعي يزيد من نسبة الاعالة مما يرهق ميزانيات الأسر وكذلك ميزانيات الدولة وهذا يعوق تأسيس دولة الرعاية الاجتماعية التي نسعى اليها. ان الفساد في أرصدة وأصول صناديق التأمين والضمان الاجتماعي هو من أسوأ أنواع الاستغلال للعاملين.
6- العمل ومسئولية الدولة نحو المواطنين والدولة الاجتماعية:
ان مسئولية الدولة نحو مواطنيها تحددها مدى الديمقراطية الاجتماعية واستشعارالدولة بمسئوليتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية تجاه مواطنيها والجدير بالذكر أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية صارت من المواضيع الهامة في البحوث السياسية خاصة فيما يتعلق بتثبيت هذه الحقوق في وثيقة حقوق الانسان في الدساتير الحديثة وحتى لا ( تتملص) النخب السياسية من هذه المسئولية رأت المواثيق الدولية أن تضمن هذه الحقوق مع التزام الدول التدريجي بانفاذها ( انظر المواثيق الدولية والأوراق الخاصة بحقوق الانسان في وثائق مبادرات المجتمع المدني في صناعة الدستور القادم).
7- الآثار الاقتصادية للحرمان من العمل:
ان العمل هو أساس الثروة وأساس المداخيل المختلفة فالثروات الطبيعية على سطح الأرض وفي باطنها لا تعد ثروة بالمعني الحقيقي للثروات الا بتخل الانسان بالعمل لاستخدامها وتوظيفها لتلبية حاجاته المختلفة.
ان الحرمان من العمل من الأسباب الاساسية لفقر الأفراد بجوانبه الثلاثة: فقر الدخل وفقر الموارد وفقر القدرات.
ان هذه الجوانب الثلاثة لا تقتصر على الأفراد العائلين لعائلاتهم بل تمتد لتطال كل من يعولونهم مثل البنات والابناء والأمهات وأخطر هذه الجوانب بالنسبة للشباب هو فقر القدرات وذلك بحرمانهم من التعليم الموجه للانتاج بسبب قطع تعليمهم وتوجههم لسوق العمل بقدرات متدنية ليعوضوا فقد دخل عائلهم بسبب الفصل والحرمان من العمل.
ولفقر القدرات والموارد والدخل آثاره النفسية المباشرة كالشعور بالدونية بسبب اهدار الكرامة الانسانية وغياب المشاركة في المناشط المجتمعية المختلفة وفقر الافراد يؤدي لفقر الأمم لانه محصلة فقر الأفراد.
8- الآثار النفسية للحرمان من العمل:
ومن الآثار النفسية السلبية والخطيرة للحرمان من العمل اهدار طاقات بشرية هائلة قد تتحول الى مصار ف أخرى كالجريمة بكل أنواعها التي تتسبب في اهدار الموارد.
9- الحق في العمل ووظائف الدولة الأساسية: الأمنية والعدالة التوزيعية والتنموية
وفي البدء لابد من توضيح أن هذه الوظائف لا تنفصل عن بعضها البعض بل هي كل متكاملة.
1- الوظيفة التوزيعية – العدالة التوزيعية /9
لم يعد مفهوم العدل والعدالة مفهوما طوباويا يشار اليه في كتابات الكتاب الطوباويين. مع انتشار الفقر والتمايز الاجتماعي في داخل الدول وبين الدول صارت العدالة بمعنى التوزيع العادل للثروة من الأساسيات في الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الحاضر مما جعل تدخل الدولة ضروة لتحقيق العدالة التوزيعية في مجالات ثلاثة هي العدالة في توزيع الثروة بين الشرائح الاجتماعية والقطاعات والأقاليم وهناك اتفاق بأن طبيعة الدولة التوزيعية تقوم على التشريعات والأطر التصحيحية والأطر المنظمة وقد اتضح أن العدالة التوزيعية هي أساس التنمية البشرية لذلك صار تقديم خدمات التعليم والصحة من أهم مؤشرات التنمية البشرية والخصائص السكانية والتوزيع العادل للثروة من الهموم الأساسية للدول. ومما يؤدي الى اهدار الموارد الحروب والصراعات والتدهور البيئي الذي يؤدي للنزوح واللجوء.
ان الخلل في تقديم هذه الخدمات بمعنى توزيعها غير العادل يؤدي الى عدم المساواة وعدم العدالة وغياب الأمن الانساني وبالتالي الى الصراعات بكل أنواعها خاصة في الأطراف.
2- الوظيفة التنموية: /9
ان التنمية تقوم على العمل لكل قادر على العمل مما يؤدي الى تعظيم الدخل القومي وتقليل نسبة الاعالة وتوزيع الثروة العادل عامل أساسي في انتاج الثروة وتعظيمها والتوزيع العادل للعمل وعائدات العمل أساس لتحقيق الوظيفة التنموية للدولة لانه لا يمكن الفصل بين انتاج الثروة وتوزيعها ومن أهم جوانب التنمية تعظيم الثروة بالتشغيل الكامل أو شبه الكامل والانتناجية العالية لهذا التشغيل حتى لا ينطبق على المجتمع مصطلح (العاملون الفقراء).
ولا يكفي أن تنحصر العدالة التوزيعية في التوزيع بين الشرائح الاجتماعية كما قلنا سابقا بل يجب أن يكون التوزيع على أساس معايير تأخذ في الاعتبار التوزيع على الشرائح الاجتماعية حسب حاجتها.
3- الوظيفة الأمنية: /9
ان انفاذ الحق في العمل والتوزيع العادل لعائداته عامل أساسي في تحقيق الوظيفة الأمنية للدولة لان مفهوم الأمن لم يعد مفهوما ضيقا بمعنى حفظ النظام والقانون وأمن الدولة والحكام بل اتسع مفهوم الأمن ليشمل الأمن الانساني والسلام الاجتماعي بكل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاستقرار ويعني كذلك الحرية في الاختبار في كل مسارات الحياة ليشمل حقوق الانسان والحريات في تعزيز مصير الأفراد وخياراتهم في كل مناحي الحياةان أي خلل في التوزيع العادل ومطلوباته وعائداته يؤدي الى عدم المساواة وعدم العدالة وغياب الأمن الانساني الذي يفضي الى الصراعات بكل أنواعها خاصة في الأطراف والمناطق النائية.
ان الفصل من العمل سبب أساسي في خلل وظائف الدولة الثلاث وزعزعة الأمن الانساني فالأفراد الذين يطالهم الفقر بسبب الفصل عن العمل خاصة أولئك الذين لا يملكون مدخرات أو أصولا ثابتة يكون سببا في الشعور بالغبن والظلم وهذا بدوره يؤدي الى اعاقة التنمية بسبب حرمان الوطن من قوة العمل التي يتمتع بها المفصولون الذين يقعون فريسة للفقر والحرمان والعوز والحاجة.
ان ضمان الحق في العمل من الأسس الراسخة للدولة الاجتماعية الراعية والديمقراطية الاجتماعية الحاضنة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسلام الاجتماعي. وهذا هو أساس المسئولية الاجتماعية للدولة والمجتمع ونكرر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
" لقد ولانا الله على هذه الأمة لنسد لهم جوعتهم ونؤمن لهم حرفتهم فان عجزنا عن ذلك اعتزلناهم".