قراءة اولية في هبة سبتمبر
بسم الله الرحمن الرحيم
aalbony@gmail.com
(1 )
حالة حزبية
قبل صدور القرارات المالية الاخيرة كان حزب المؤتمر الوطني الحاكم منقسما حولها لابل ومن خلال مارشح في الاعلام بدا لنا ان الغالبية كانوا ضدها ليس هذا فحسب حتى الاقتصاديون داخل الحزب طرحوا بدائل والحال هكذا استجار الذين صمموا السياسات الجديدة بالسيد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب المشير عمر البشير فكان صاحب الكلمة الفصل وقد ذكر ذلك صراحة في المؤتمر المؤتمر الصحفي الشهير الذي كان بمثابة بداية التطبيق للسياسات الجديدة حيث قال سيادته ان البعض طلب منه ان يترك هذا المؤتمر الصحفي والكلمة النهائية لوزير المالية ولكنه رفض ذلك لانه لايريد ساترا في هذة المعركة
قيادة حزب الامة فيما دون الرئيس كانت في معظمها ترى ان يتولى الحزب قيادة الحراك الشعبي الناجم من تطبيق السياسات الجديدة . داخل اسرة السيد الصادق رئيس الحزب كان الانقسام اوضح مايكون فالسيد العقيد عبد الرحمن كان من الذين تابطوا القرارات الاخيرة وطافوا بها على الزعماء والاقطاب لاقناعهم بجدواها بينما السيديتين مريم ورباح ومن خلال الوسائط الاعلامية الاقليمية كانتا في طلائع المطالبين بتحويل الحراك الي ثورة ضد النظام اما السيد الصادق كان موقفه مختلف فهو ان عبر عن رفضه للسياسات الجديدة ولكنه لم يمض مع المطالبين باسقاط النظام بل دعى لنظام توافقي قومي جديد فوقع موقفه هذا على الحكومة بردا وسلاما
في الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل يتجلى ما نحن بصدده بصورة واضحة ليس فيها مساحيق او تجميل فالمكتب القيادي قرر الانسحاب من الحكومة نهائيا ثم رفع الامر لمولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الموجود في لندن لاتخاذ القرار النهائي فدستور الحزب يعطي الكلمة النهائية لرئيس الحزب في هذة الحالة وهنا يثور السؤال هل للسيد مجلس قيادي اخر يناقش معه الامر ؟
اذن ياجماعة الخير ما نسميه احزاب كبيرة حاكمة ومعارضة قد تحولت جميعا الي حزب الرجل الواحد اي ان قرارتها بيد الرئيس ومن حوله عبارة عن حاشية اما المقاومين للرئيس فالباب يفوت جمل - وهنا نذكر قرار رئاسة الموتمر الوطني الرامي لمحاسبة الاصلاحيين - . قد لايكون هذا الامر جديدا فالاحزاب السودانية منذ نشاتها تسير وفق مشئية الرؤساء وقد تكون هناك ديمقراطية شكلية كالتي كان يمارسها الترابي داخل الحركة الاسلامية ولكن يبقى الاهم من كل هذا السؤال ما ومن اكرر ما ومن الذي يتحكم في قرار الرئيس ؟ هل المصالح الخاصة ؟ ام البطانة المنتفعة ؟ام القراءة الخاصة للواقع ؟ هل هناك جهات خارجية تتحكم في قرار الرؤساء؟ ام هناك استخارة وكدا ؟ ام لهم عرافين واناطين وكدا ؟ فالامر لم يعد امر حزب لانه لو كان كذلك فمكان قرار الحزب هو مكتبه القيادي باختلاف مسمياته . كل هذا ونحن هنا لم نتكلم عن القواعد التي هي اصلا مغيبة الا في بعض المواسم فنحن بصدد القيادات الحزبية ما دون الرئيس و التي لا تقود بل تكتفي بالتاءت الثلاثة (تسمع , تنفذ , تستفيد )
(ب )
موقف الزعماء
حتى الان لم يتم التوافق على اسم للاحداث التي جرت في السودان في الاسبوع الاخير من سبتمبر المنصرم فهناك من اسماها انتفاضة وهناك من اسماها ثورة وهناك من اسماها اعمال تخريب وحرق وهناك من اسماها اعمال مندسين ومتربصين .وهناك من اسماها احتجا جات سبتمبر وهناك من اسماها هبة سبتمبر –على حسب علمي الاستاذ مصطفى عبد العزيز البطل هو اول من اقترح واستخدم هذا الاسم - الحمد لله لم يقل احد انها حركة حرامية او حاقدين او مرتزقة من المؤكد ان يظهر لها اسم متواضع عليه كما هو الحال مع يوم قرنق في اغسطس 2005 ويوم خليل في اكتوبر 2008
من الفقرة اعلاه يتضح لنا ان الاحداث مازالت تتداعى وان الامور لم تستقر بعد ولكنني لحظت ان يوم امس الاحد –طبعا المقال هذا كتب يوم الاثنين – لحظت ان السودان قد انسحب من واجهة الاخبار العالمية فكل القنوات الاقليمية والدولية التي وقفت عليها لم تظهر صور من السودان في اخبارها المصورة الرئيسية الامر الذي يجعلنا ان نقول ان فترة هدنة قد تمر على البلاد والله يعلم متى تنتهي هذا يجعلنا نتجرا ونحاول ان نقدم قراءة اولية شنشنة كدا يعني للاحداث مع اداركنا التام لخطورة هذا الامر من ناحية علمية وهو اشبه بالسير على رمال متحركة
زعماء الاحزاب الكبيرة لم يتحمسوا للحراك الشعبي الذي تم في الايام الاخيرة فالسيد الصادق استعصم بموقفه المبدئي من الوضع الراهن والمتمثل في دعوته لرحيل النظام الحالي وتشكيل حكومة قومية تدير البلاد لفترة مؤقتة ثم تقام الانتخابات وقد شبه ما يدعو له بالذي حدث في جنوب افريقيا ساعة انتقال السلطة من البيض للافارقة فالصادق لايدعو لعزل انما دعا للمصالحة والوفاق وكان يمكن للصادق ان يتخلى عن دعوته هذة بفعل احداث سبتمبر ويدعو انصاره للثورة من اجل اسقاط النظام القائم ولكنه اصر على تجديد النظام .دكتور الترابي وان قال حزبه انه مع الثورة ويدعو لرحيل النظام الا انه –الترابي – لم يفعل ذلك فقد كان في مقدوره ان يصلي على الشهيد السنهوري في مقابر بري القريبة جدا من بيته ويلهب الثورة كما حدث في اكتوبر كان يمكن للترابي او الصادق ان يصلوا على الشهيد هزاع في شمبات لكنهما لم يفعلا . السيد محمد عثمان الميرغني اراح الحكومة بخروجه من البلاد الي لندن في بداية الاحداث كما انه لم يستجب لقرار سحب وزرائه من الحكومة ولو فعل بعد الان –لااظنه سيفعل – لن يؤثر على النظام كما لوفعل مع التهاب الاحداث
اذن ياجماعة الخير يمكننا القول مع قليل من التحفظ ان الزعماء الثلاثة لم يباركوا احداث اوهبة سبتمبر اما لماذا فهنا يمكن فتح الباب للتكهن وللتحليل ؟ فهل كانوا يرون ان الحركة لم تكن ناضجة وكانوا ينتظرون نضجها ؟ هل هناك تفاهمات او حتى صفقات بينهم وبين الحكومة ؟ هل يظنون بذلك انهم يعبرون عن قواعد احزابهم ؟ هل كانوا يخافون من ان تعم الفوضى البلاد وتتمزق ؟ هل كانوا يرون انهم ليسو البديل في حالة سقوط النظام ؟ هل خافوا على انفسهم من بطش الحكومة ؟ على العموم ياخبر بفلوس وباكر ببلاش لكن الامر المؤكد ان منطلقات الزعماء الثلاثة ليست موحدة انما متباينة ولكنها لاتخلو من التقاطع
(ج )
موقف الخارج
بالامس قلنا مع صعوبة اخضاع احداث سبتمبر 2013 للتحليل الموضوعي نسبة لان تداعياتها مازالت تتوالى ومعظم المعلومات عنها لم تتكشف بعد الا ان هذا لم يمنعنا من المجازفة بتقديم قراءة ثانية لتلك الاحداث وقد توقفنا بالامس عن موقف الزعماء الثلاثة الكبار- كبار في السن وفي المقام وقد يكون لهذا اثر في موقفهم - وقلنا انه كان موقفا سلبيا من الحراك الشعبي الذي حدث وبالتالي صب في مصلحة الحكومة ارادوا ذلك ام ابوا
نتوقف اليوم عند موقف الخارج من الهبة السبتمبرية ولنبدا بدول الجوار فهذة الاحداث اكدت استقرار العلاقة بين حكومتي السودان وجنوب السودان اذ لم يرشح اي شئ يشير الي ان الجنوب دعم الاحداث كما كان يحدث في السابق لدرجة التصريح بان الجنوب سوف يقتسم البترول مع السودان في حالة سقوط نظام الخرطوم بل على العكس تواصلت اجتماعات اللجان والاهم ان توتر ابيي قد تراجع بفعل قرار مجلس السلم الافريقي الرافض للاستفتاء من جانب واحد واكيد ان لحكومة الجنوب دور غير معلن في ذلك . لايمكن القول ان حكومة الجنوب تدعم حكومة السودان الحالية ولكن يمكن القول انها اصبحت غير مهتمة بمن يحكم السودان وان ما يحدث فيه شان داخلي وانها حريصة على التعامل مع دولة السودان وهناك احتمال قد يبدو بعيدا الان ان يظهر في المستقبل اسناد حكومي متبادل بين السلطتين
اما في مصر ولان اعلامها مازال تحت تاثير المواجهة مع الاخوان هلل للهبة الشعبية وحكم على نظام الخرطوم بالزوال العاجل وامطره باللعنات ولكن موقف الحكومة المصرية كان واضحا بانها لن تتدخل في شئون السودان الداخلية وانها لاتوجه الاعلام فمثلما كانت هناك هجمة اعلامية في السودان على التغيير الذي حدث في مصر ومساندة لمرسي والحكومة الحكومة السودانية تبرات منه هاهي الحكومة المصرية تفعل نفس الشئ . كما نفت الحكومة المصرية نفيا باتا وجود اي علاقة بينها وبين الحركة الثورية وقالت ان مصر مفتوحة لكل السودانيين شريطة عدم تهديد امن بلادهم من مصر . ساعة كتابة هذة السطور الامور الرسمية بين البلدين تسير نحو التهدئة وانهاء التوتر واذا ما اسند الامر للدبلوماسية الرسمية في البلدين فان العلاقة بين البلدين سوف تستقر
دول الخليج في موقفها من احداث السودان لايخلو من التباين فقطر ومن خلفها قناة الجزيرة كانت داعمة للحكومة بدون اي ستارة . قناة العربية وقفت مع تطوير الاحداث كما هو الحال في صحيفة الشرق الاوسط وكلاهما محسوب على السعودية ولكن السعودية الرسمية نفت اي تدخل في الشان السوداني . موقف السودان الرسمي لايتهم السعودية باي دعم للداعيين لاسقاط النظام لابل يبدو ان الحكومة استغلت هذا التراشق للاقتراب اكثر من السعودية وعرب الاعتدال ولايبدو انها حققت نجاحا في مسعاها هذا . نفس الشئ حدث مع اسكاينيوز ودولة الامارات وان كانت دولة الامارات اقل تاثيرا على الشان السوداني من السعودية
دول الجوار الاخرى شرقا اثيوبيا وارتيريا وغربا ليبيا وتشاد وافريقيا والوسطى لم يبدر منها ما يشئ بانها تحركت في علاقتها مع السودان مع الحراك الشعبي السبتمبري بل فضلت المراقبة والانتظار مستعصمة بعدم التدخل في الشان الداخلي السوداني اما دول العالم الاخري على راسها امريكا فلاقديم يعاد ولاجديد يذكر ولكن البادي للعيان انها لم تتخذ موقفا ظاهرا من ذلك الحراك السبتمبري فتلك الدول حمدها في بطنها وتعرف متى وكيف تتدخل واكيد (قاعدة فوق راى )
(د )
الدخول في الغريق
توقفنا في الحلقتين السابقتين عند موقف زعماء الاحزاب الترابي والصادق والميرغني من هبة سبتمبر وقلنا انها كلها صبت في تهدئة الاوضاع وعدم تطوير الهبة الي انتفاضة او ثورة ثم تناولنا الموقف الخارجي دول الجوار والاقليم و(الجماعة ) الدولية وهي الاخرى كانت محايدة وصبت في عدم التصعيد فالوقت القصير الذي اخذته الهبة لم يكن يسمح لها ان تبلور موقفا مع او ضد
في هذة الحلقة الثالثة نحاول الدخول في الغريق وهو موقف الشعب السوداني الفضل اي ذلك الذي لم يتظاهر ولم يقبل بالقرارات الاخيرة فما هو معلوم بالضرورة ان اي شعب في الدنيا لايقبل زيادة الاسعار وزيادة الضرائب والذي منه والشعب السوداني بالتحديد كان قد خرج للشارع وباعداد مهولة رافضا لزيادات اقل من تلك التي اعلنت في سبتمبر الاخير بكثير هذا اضافة لان الزيادات الاخيرة جاءت في غمرة ازمة اقتصادية خانقة اسهمت فيها الحكومة القائمة اسهاما كبيرا وبالطبع لايمكن ان نتجاهل البعد الخارجي للازمة
المظاهرات العفوية الفورية التي اعقبت تطبيق الاسعار الجديدة كانت امرا مفروغا منه ولكن الجديد هو القتل و التخريب والحرق والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة فحرائق محطات البنزين وحرق بصات الوالي والصرافات الالية ومكاتب الشرطة جعل هذة الهبة السبتمبرية لاسابقة لها في السودان من حيث الموت والحريق . لقد بدات هذة الهبة كما نقول بالقلبة اي معكوسة فالموت والحرق كان ينبغي اذا حدث ان يكون في الاخر وليس في البداية . وفي تقديري ان هذا اثر تاثيرا مباشرا على تطور العملية التظاهرية اما كيف ولماذا حدث ماحدث من موت وحريق فهو قضية اخرى ولكنها هامة جدا
ماذكرناه اعلاه سبب خاص متعلق بظرف احداث سبتمبر ولكن هناك من يقول ان انعدام البديل والخوف من الفوضى الشاملة لانتشار السلاح في وسط البلاد وفي اطرافها خاصة جنوبها الجديد والياس والاحباط والركون للمعارضة البديلة من اسافير وقنوات فضائية زهد الناس في التظاهر وتطوراته غير المحسوبة ومن المؤكد ان في هذا شئ من الحقيقة ولكنه باي حال من الاحوال ليس كل الحقيقة ولكن الامر المؤكد في تقديرنا ان الشعب رافض للزيادات الاخيرة ولكل السياسات الاقتصادية التي اتبعتها وتتبعها الحكومة ولايرى املا في الاصلاح مالم تبدا الحكومة باصلاح سياسي ثم اصلاح اقتصادي شامل وليس زيادة الاسعار وحدها
فشل التظاهر وقد يفشل العصيان المدني او حتى الاعتصامات ولكن هذا لايعني انه ليست هناك وسائل اخرى لمقاومة الحكومة فالسياسة مثل الطبيعة لاتعرف الفراغ وفهناك خيارت اخرى سوف تزحف وقد تؤدي الي نتائج اكثر من كارثية فعلى الحكومة ان تقرا ما حدث قراءة واعية عليها ان تدرك تهتك النسيج الاجتماعي في تصاعد مستمر ويكفي ان نقول هنا ان هذة الهبة السبتمبرية رغم ان سببها اقتصادي بحت وطبيعي ان تاخذ بعدا سياسا الا انها الحقت باحداث مقتل في اغسطس 2005 واحداث غزوة خليل في اكتوبر 2008 وهذا الالحاق اذا ما تطور فعلى السودان السلام