السيف والكاميرا والعصا

 


 

 


كيف لا

ثلاثة أجانب أوقفتهم شرطة أمن المجتمع يحتفلون بالحريرة والضريرة والجرتق ، يحملون جريد النخل يلوحون به في فرحة عارمة على شارع النيل . يرتدي الأول زياً نسائياً كاملاً بجدلته وخرزاته، والثاني هو العريس ، أما الثالث فهو الذي يعمل على توثيق هذه المناسبة بالتصوير حتى تكون ذكرى وتوضع في ألبومات العائلة السعيدة لتستمتع برؤيتها أجيالهم اللاحقة .
يصعب التعرّض لشخص بسبب ابتلائه أو الشماتة فيه ولكن هؤلاء ابتلووا ولم يستتروا كما أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم . والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ليس في كيف وصل هؤلاء إلى السودان ولا هل إقامتهم نظامية أم هم من ضمن جيوش المتسللين الذين دخلوا بمشاكلهم الاجتماعية والنفسية إلى السودان دون أن يعترضهم حارس لحدودنا المنتهكة. والسؤال الملّح ولكن يمكن تأجيله لأغراض دراسته هو ما الذي تشكّله خطورة أوضاع أمثال هؤلاء على تركيبة المجتمع السوداني وصحته فضلاً عن المشاكل الاقتصادية والأمنية المتمثلة في الجرائم العديدة المنسوبة لمجهولين والفشل في رصدهم واستخراج إحصائية دقيقة لهم. كما أنّه ليس من أولويات جمهور المتابعين معرفة ما هي العقوبة التي أوقعت بحقهم سواء أدينوا بتهمة الفعل الفاضح أو سُحبت معروضاتهم متمثلة في السيف والكاميرا والعصا والزي النسائي. ولكن السؤال الجوهري الذي من المفترض أن يبرز بهذه الصيغة هو من أين أتت لهؤلاء الجرأة والشجاعة بأن يقوموا بما قاموا به في شارع عام ورئيس يرتاده الناس وعلى مقربة من مؤسسات الدولة وبعض المراكز الحيوية ؟ وأي نوع من الطمأنينة هذه التي عمّت حالتهم حتى أمنوا المساءلة والعقاب أو حتى الحياء من شعب أكرمهم وأفسح لهم مكاناً مهماً يمارسون فيه فوضاهم الأخلاقية ؟
الغرض من إبراز نقطة النقاش هذه هو لنرى هل تختلف إدانة هذا الفعل على المستوى الأخلاقي والاجتماعي أم أنّ الظاهرة يجب التعامل معها بشكل رسمي كفعل فاضح فقط تتم فيه المعاقبة. وبعد ذلك يذهب كل لحال سبيله فيأتي آخرون ويقومون بنفس الفعل ويؤذوا مشاعر الناس ويتركوا الأسئلة معلقة دون معرفة الأسباب والنتائج المترتبة عليها .
وحتى نكون واقعيين ففي ظاهرة سابقة تم ضبط مجموعة شباب سودانيين من قبل في شقة بالخرطوم يحتفلون بتزويج شابين مثليين بنفس الطقوس السودانية التي يتقنها هؤلاء الأجانب . وهذه الممارسة يمكن تأصيلها سودانياً كما جاءت في (لوحة ثائر سوداني ) لبروفيسور محمد سعيد القدّال:" تناول البروفسير في سفره قصة الثورة المهدية أسباب قيامها وتمرحلها من دعوة سرية لدعوةٍ جهرية ، فقد ذكر أنّ المهدي حينما كان في مدينة الابيض سمع بزواج رجل من رجل فثارث ثائرته وأسرع للمكان وهنالك استلَّ سيفه ولكن قبض عليه وفي مركز المأمور عنّفه ضابط الأمن قائلاً : (الدنيا حُرَّه)". ثم  ما جاء عن نفس القصة في كتاب بابكر بدري  (حياتي ) ورسالة الدكتوراة  لمكي شبيكة  بعنوان (السودان في عهد الثورة المهدية 1881م -1885م) الذي كتب عنه إبراهيم فوزي أنّ المحرك الأول للثورة المهدية في نظر شبيكة كان المعتقد الديني وشخصية المهدي  والتدهور الخلقي ومثال لذلك نفس القصة المذكورة .
القضية الأساسية ليس في غض الطرف عن مثل هذه الظاهرة كواقع بدعوى الحرية ،أو في رفضها بدافع الأفعال الفاضحة، ولكن في فكرة أمن المجتمع نفسها ليس بالشكل الذي تقوم به الشرطة من ضبط وإحضار للقائمين بهذه الممارسات ولكن في دورنا وما يحتاجه مجتمعنا منّا .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney15@yahoo.com

 

آراء