أعرف السر وراء زيارات السيد ستافورد للطرق الصوفية في السودان .. العصفورة والتمساح؟. بقلم: ثروت قاسم
ثروت قاسم
3 December, 2013
3 December, 2013
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
& - السر وراء زيارات السيد ستافورد للطرق الصوفية في السودان ؟
1- قوات الصحوة في العراق ؟
بعد الغزو الأمريكي للعراق ( 2003 ) نشطت المليشيات السنية الموالية لصدام حسين ومليشيات تنظيم القاعدة ، ومن بينها مليشيات أبو مصعب الزرقاوي ، في شن هجمات على القوات الأمريكية الغازية ، وعلى مؤسسات الحكومة العراقية الشيعية ، وعلى المواطنين الشيعة ، في هجمات أنتحارية عشوائية في أماكن تجمعات الشيعة . وقتها بلغ عدد القتلى في بغداد وحدها حوالى 9 الف في الشهر جراء هجمات المليشيات السنية المتطرفة وميليشيات تنظيم القاعدة .
أبتدع الجنرال ديفيد بترايوس ، قائد القوات الأمريكية وقتها في العراق فكرة ( قوات الصحوة ) ، لمحاربة المليشيات السنية المتطرفة ومليشيات تنظيم القاعدة . قوات الصحوة تم إختيارها من العشائر السنية المعتدلة والمسالمة والوسطية وغير المتطرفة ( حوالي 200 الف مقاتل ) . كان الجيش الأمريكي يدرب ويمد قوات الصحوة بالسلاح ، ويدفع لكل عنصر راتباً شهرياً ( 300 دولار ) .
نجحت قوات الصحوة في الحد من هجمات مليشيات تنظيم القاعدة ، لان ابو القدح يعرف كيف يحارب ابو القدح .
قوات الصحوة تحاكي قوات الجنجويد التي أبتدعها نظام الإنقاذ لمحاربة الحركات المسلحة في دارفور ، مع الفارق إن قوات الجنجويد من أثنية عربية مقابل إثنية الحركات المسلحة من الزرقة . في العراق لم تكن هناك فروق إثنية بين قوات الصحوة ومليشيات القاعدة ، وإنما الفرق في مقدار التطرف ( القاعدة ) والوسطية ( قوات الصحوة ) .
بعد خروج الأمريكان من العراق ، رفضت الحكومة العراقية الشيعية دفع مرتبات قوات الصحوة السنية ، فإنقلب السحر ( قوات الصحوة ) على الساحر ( الحكومة العراقية ) ، وبدأت الحرب الأهلية بين قوات الصحوة السنية والقوات الحكومية الشيعية حتى يوم الناس هذا .
2 - قوات الصحوة في أفغانستان ؟
حاول الجنرال بترايوس تطبيق فكرة قوات الصحوة في أفغانستان ، ولكن فشلت التجربة لأن الأفغان أعتبروا قوات الصحوة قوات مرتزقة تعمل تحت أمرة المحتل الأمريكي ضد المواطنين الأفغان وحركة طالبان ، فقاطعوها .
3- مقتل قرانفيل في الخرطوم ؟
في وقت مبكر من أول يناير 2008، أغتالت جماعة إسلامية متشددة ( أنصار التوحيد ) السيد جون جرانفيل ( 33 عاما ) وسائقه عبد الرحمن عباس رحمة (39 عاما) بالرصاص في طريق عودتهما من احتفالات رأس السنة . وإدعت جماعة ( أنصار التوحيد ) انها تحارب جهود ( تنصير ) السودان.
كان السيد جرانفيل يعمل في الوكالة الامريكية للتنمية الدولية في الخرطوم ، وهو أول مسؤول حكومي أمريكي يُقتل في الخرطوم خلال أكثر من ثلاثة عقود .
تَمَكّن المدانون الـ (4)، المحكوم عليهم بالإعدام في قضية مقتل قرانفيل من الفرار من سجن كوبر .
وأصدرت رابطة هيئة علماء السودان ، وهي رابطة شبه رسمية ، بياناً أدانت فيه حكم الإعدام الصادر ضد مسلمين لقتلهم كافراً ( قرانفيل ) . فند علماء هيئة شئون الأنصار ودحضوا ، بالبراهين القاطعة ، دعاوي رابطة هيئة علماء السودان .
4- ورجغة اللوبيات في أمريكا ؟
بعد مقتل قرانفيل ، أحدثت بعض اللوبيات المسيحية المتشددة ورجغة في أمريكا مطالبة بالقصاص لقرانفيل . وقام نواب في الكونغرس عن ولاية نيويورك ( ولاية قرانفيل ) بالضغط على إدارة أوباما لمعاقبة حكومة الخرطوم لتفريطها في سلامة قرانفيل .
العقوبات الأمريكية ضد حكومة الخرطوم سارية منذ عام 1997 ، وتم وضع حكومة الخرطوم على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب منذ عام 1993 . وتمسك إدارة اوباما بكرت أمر القبض لإبتزاز الخرطوم متى دعى الداعي لذلك .
وعليه لم يعد هناك مجال لعقوبات إضافية أكثر مما هو مُفعل حالياً .
ابتدعت إدارة أوباما طريقاً ثالثاً ، لإسكات اللوبيات ونواب الكونغرس .
5- قوات الصحوة ( الناعمة ) في السودان ؟
في إطار هذا الطريق الثالث ، بدأ القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم السيد جوزيف ستافورد زيارات ميدانية لمجموعة من رجال الطرق الصوفية ورموزهم في الخرطوم والولايات . كان آخر زيارة للسيد ستافورد للدامر حيث قابل مشايخ الطرق وخلاوي المجاذيب ، وقبلها لأم ضوا بان وابو حراز وطيبة الشيخ عبدالباقي .
صرح السيد ستافورد ( الأثنين 2 ديسمبر 2013 ) بأن بلاده تعتمد استراتيجية جديدة في التعاطي مع السودان ، مؤكداً أن اهتمام واشنطن سينصبّ على الطرق الصوفية تشجيعاً للإسلام الوسطي المعتدل والمسالم.
تسعى إدارة اوباما لإستنساخ فكرة تجربة ( قوات الصحوة ) في العراق في السودان مع الفارق .
في الحالة العراقية ، قوات الصحوة قوات سنية معتدلة ووسطية ولكنها مقاتلة تحمل السلاح وتقاتل به المتطرفين والمتشددين الإسلاميين السنة .
في الحالة السودانية ، تمثل الطرق الصوفية المعتدلة والمسالمة والوسطية رأس الرمح في محاربة التطرف والتشدد الإسلاموي ، الذي قاد لمقتل جرانفيل . قوات ( الطرق الصوفية ) قوات ناعمة لا تحمل السلاح ، ولكنها تحارب التطرف والتشدد بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ وهي تحاكي ( قوات الصحوة ) المسلحة في العراق ، مع الفارق .
6- السر وراء زيارات السيد ستافورد للطرق الصوفية في السودان ؟
هل عرفت السر في زيارات السيد ستافورد للطرق الصوفية في السودان ؟ وهل عرفت قيمة الإنسان في المجتمعات الصاحية ؟
كل هذه الورجغة محاولة إضافية للقصاص من قتلة جرانفيل ، ولمنع تكرار قتل مواطن أمريكي مستقبلاً في السودان على أيادي متطرفين متشددين إسلامويين .
& - العصفورة والتمساح ؟
7- المعاملة بالمثل ؟
في تفعيل طفولي لمبدأ ( المعاملة بالمثل ) تمنعت الخرطوم من إعطاء مبعوث اوباما الخاص لدولتي السودان ، السيد دونالد بووث ، فيزا لزيارة الخرطوم ومقابلة بعض المسئولين ( الأربعاء 27 نوفمبر 2013 ) .
في سبتمبر المنصرم لم تعط إدارة أوباما فيزا للرئيس البشير للمشاركة في أجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة . وأرجعت الخرطوم الأسانسير لواشنطون ، والبادئ أظلم .
ولكن هل تملك الخرطوم رفاهية إستفزاز العم سام ، مع الوضع المتأزم في كل الجبهات ، والخرطوم في مفترق 4 طرق :
+ مؤتمر قومي دستوري ،
+ إنتفاضة شعبية سلمية ،
+ هجوم عسكري من الجبهة الثورية لإسقاط النظام ،
+ إستمرار ( الشغل كالعادة ) وحق اليوم باليوم .
يقول بعض المراقبين إن الخرطوم شعرت بالقوة لأن الرئيس سلفاكير قرر فك الإرتباط مع قوات الجبهة الثورية ، والغى وجود الحركة الشعبية بتفكيك مؤسساتها وتسريح قادتها الموالين والداعمين للجبهة الثورية ، من أمثال باقان أموم ، ريك مشار ، ودينق آلور .
الحركة الشعبية الأم ؟ إطرشني !
ولكن اجمع المراقبون أن هذه سحابة صيف سوف تنقشع ، وترجع الخرطوم في التودد والدغمسة لواشنطون لتضمن عدم تفعيل أمر القبض ... بيت القصيد والمبتدأ والخبر .
ثم إن العلاقة بين إدارة اوباما والإدارات السابقة منذ عام 1989 ونظام الإنقاذ علاقة مصالح فقط لاغير ، كما سوف نرى أدناه .
8 - العلاقة بين إدارة أوباما ونظام الإنقاذ ؟
لم تقصف واشنطون الخرطوم كما قصفت أفغانستان بعد غزوة 11 سبتمبر ، لتعاون الخرطوم في مكافحة الأرهاب الإسلاموي .
بعدها أعطت واشنطون فترة سماح حذر للخرطوم حتي تضمن واشنطون إنفصال سلس للجنوب من الشمال . مع بقاء اسم السودان في قائمة وزارة الخارجية للدول الداعمة للإرهاب ( منذ 1993 ) . وإستمرار العقوبات الإقتصادية على السودان ( منذ 1997 ) ... آليات ضغط لتضمن واشنطون علاقات غير عدوانية من الخرطوم تجاه جوبا ، ولتقول الخرطوم ودوماً ( سمعنا وأطعنا ) .
ثم إستعملت واشنطون أمر القبض لإبتزاز الخرطوم لتمرير الأجندة الأمريكية في سلاسة ويسر ، وأهمها فك الإرتباط مع حماس لضمان أمن وسلامة إسرائيل .
ليس في الأجندة الأمريكية ، للأسف ، مكان لتحالف قوى الإجماع الوطني ، ولا مكان للتحول الديمقراطي ، والسلام العادل الشامل ، وحق الحماية للأقليات الإثنية المسحوقة ، ووقف الإبادات الجماعية ، وجرائم حقوق الإنسان . لم يحتو قرار مجلس الأمن 2046 ( طبخة أمريكية بإمتياز ) على أي من هذه القضايا .
9- تحول نوعي ؟
ولكن حدث تحول نوعي في موقف إدارة أوباما من القضية السودانية ( نوفمبر 2013 ) .
كانت سياسة ادارة أوباما في السودان ( منذ نوفمبر 2010 ) تعتمد على تفكيك القضايا إلى مكوناتها الأولية ، ومعالجة كل قضية على حدة . كانت الجزئية والثنائية النهج الذي إتبعته واشنطون في معالجة المسالة السودانية ، للتركيز على وضمان إنفصال الجنوب في سلاسة ويسر . أهملت إدارة اوباما بقية المشاكل وركزت على إنفصال الجنوب ، ومن ثم الثنائية والجزئية ، لتفصل الجنوب عن بقية القضايا ، وتستفرد به ( مبدأ القس فرانكلين جراهام ) .
ولكن بعد إنفصال الجنوب ، تبنت إدارة اوباما مبدأ الحل الشامل لكل مشاكل السودان في حزمة واحدة ، بدلاً من سياسة الجزئية والثنائية ، ولكن مع التركيز على العلاقة بين دولتي السودان وقضية أبيي .
شعرت الخرطوم بأن واشنطون تبيعها الوهم بعد إنفصال الجنوب ، وتحندكها بالتطبيع مع الإبقاء على القائمة الإرهابية والعقوبات وإبتزازها بسيف أمر القبض .
وفي ردة فعل طفولية ( المعاملة بالمثل ) تمنعت الخرطوم في منح السيد دونالد بوث تأشيرة لزيارة الخرطوم . ولكن سوف تغير الخرطوم موقفها ، في بحر أيام قصيرة ، بعد أن يهز اوباما عصى أمر القبض لمن عصى .
نعم ... في المحصلة أمريكا معنية بالحفاظ على وتأمين وترقية مصالحها ... وبس .
نقطة على السطر .
العلاقة بين إدارة اوباما ونظام الإنقاذ تحاكي العلاقة الأسطورية بين العصفورة والتمساح .
10 - العصفورة والتمساح ؟
يفتح التمساح فكاه على الواسع لتدخل العصفورة وتخلصه من بقايا الطعام في ضروسه العميقة ، وكانها فرشة أسنان . العصفورة آمنة على نفسها من فتك التمساح لأنها تقدم خدمة جليلة لسيدها التمساح ، ولأنها أصغر من أن تُطعم التمساح من جوع . وفى نفس الوقت تستفيد بأن تقتات مجاناً من بقايا فتات الطعام الشهى في ضروس التمساح .
عملية كسبية للأثنين .
العصفورة والتمساح صديقان منذ الأزل .
وهكذا إدارة اوباما ونظام الإنقاذ . تمساح إدارة اوباما يفتح فكه لعصفورة الإنقاذ لتخلصه من الإرهاب الإسلاموي ، ولتؤمن سلامة دولة الجنوب الوليدة ، ولتوقف تعاونها مع إيران وحماس . والعصفورة الإنقاذية آمنة مطمئنة أن تمساح أدارة اوباما لن يُفعل أمر القبض ، وسوف يضمن إستمرار الرئيس البشير على كرسي السلطة حتى عام 2020 .
وبعدها لكل حادث حديث.