aelbadawi@hotmail.com
الفساد الأكاديمي والثقافي في الخرطوم سلسلة مقالات عن الفساد في السودان، على أساس أن ذلك الفساد متمركز في الخرطوم ، ومن هنا جاء العنوان. ,ان الفساد في المجال الثقافي والأكاديمي هو قرين وباءالفساد الذي دمر وظلم وصيع الحقوق!
وهذه السلسلة تتخذ سمت الرسائل الموجهة إلى شخص معين، ويفيد الكاتب من تجربته على أساس أنه مشارك وموجود على مسرح المأساة، وليس متفرجا من الخرج على الظاهرة البشعة وهي جزء من ضراوة الفساد الذي عم البلد وطم!
الرسالة الأولى موجهة إلى :
عبد الله حمدنا الله الابن
في المساجلة التي دارت بين الأستاذ البطل، ود. عبد الله حمنا الله. ماكان لي أن أكتب هذا الكلام لو أن عبد الله الابن امتنع ولم يتدخل برسالته المنشورة، وعادة لا يتخل الأبناء في المساجلات الخاصة بالعمل العام التي يكون آباؤهم أطرافا فيها ويتورعون، لأن المقصود هو الشخص العام وليس والد شخص معين، وهذا يطلعنا على مدى وعي الابن!
ومنذ البداية لن أقحم نفسي في المساجلة أبدا، ولا ينبغي لي أن أكون، ولكني سأعرض للأستاذ البطل على أساس أنه ولي من أولياء الله الصالحين في ختام الكلام.
مدار كلامي هنا هو عبارة وردت في ثنايا رسالة الابن قال فيها إن ما كتبه الأستاذ البطل ينطوي على طعن في مؤهلات الأب، ومن هنا تبدأ رسالتي إلى الابن:
أولا: والدك من جيلي في المرحلة الثانوية والجامعية، تخرجت قبله بعام على رأس دفعتي ولم يتم تعييني معيدا لأسبابن لا علاقة لها بالمؤهلات الأكاديمية إطلاقا، وفي العام التالي، تخرج أبوك بمعنى نال درجته الجامعية الأولى، ولكن التعيين ناله شخصان حصلا وحدهما على تقدير جيد جدا مثلي، وتم تعينهما فعلا وابتعثا إلى مصر، إلى دار العلوم وهما الفاضلان المرحوم الإنسان النبيل والعالم الفنان د. علي محمد يوسف ود. محمد أحمد حامد. ليس هناك ثالث كان جديرا بمستواهما في تلك الدفعة!
ومع ذلك تم تعيين آخرين حصلوا على تقدير جيد وعلى رأسهم د.بكري محمد الحاج، الذي أعد رسالة الماجستير في دار العلوم وموضوعها: لهجة الشايقية، ولا أدري حتى الآن هل تم تعيين د.بكري الحاج لأنه ينتمي إلى منطقة في منحدر النيل شمالا ولم يعين د. عبد الله حمدنا الله الأب لأنه ينتمي إلى منطقة في أعالي النيل من الجزيرة، ولهذا التحق بوزارة الشؤون الدينية موظفا إلى أن تم ابتعاثه إلى جامعة الأزهر في مقتبل سنوات الثمانين من القرن العشرين، مع أن كليهما ينتمي إلى حركة الإخوان المسلمين السودانية، بتجليات مسمياتها الترابية.
ثانيا: حصل شخصي الضعيف على درجتي الماجستير والدكتوراة على نفقته معتمدا على عون الله وتيسيره للعون وتسخيره ولما حصل أبوك على درجة الماجستير كنت عضو هيأة التدريس في جامعة سودانية لا يتم التعيين فيها إلا بعد فحص يتضمن أن يكون المرشح حاصلا على تقدير أعلى من جيد على مستوى البكالوريوس،ثم هاجرت إلى نيجريا ملتحقا ببعض جامعاتها، ومكتسبا خبرات في جوها الثقافي والأكاديمي، ولما عدت كنت في طريقي إلى جامعة اريونس في ليبيا حين حفزني بعض إخواني على الالتحاق بكلية التربية الجديدة في المركز الأفريقي بالخرطوم وكان عبارة عن مدرسة ثانوية.
وتقدمت وأنا أعرف أن ذلك المركز الذي خطط له وأنشأه د. منصور خالد قد آل إلى جماعة الترابي وأن العدل لا يُلتمس عندهم ولا يتأتى، وأعرف أن معي عام 1966: خبرة أفريقية وسودانية ومعرفة بلغة أوربية واكتساب مستوى معقول بلغة أفريقية ودراسات أكاديمية منشورة عن ابن قودي عثمان وولده الشاعر المدهش البخاري وأخيه عبدالله صدرت من بعد في كتاب منشور ودراسات أكاديمية أخرى وإشراف وخبرة إدارية : رئيس قسم ودرجة جامعية متميزة لم ينل مثلها عبدالله الأب! ومع ذلك تم تعيينه، باسم العدل الإسلامي عند إخوان السودان أولاد الشيخ الترابي على نمط أولاد البرعي!
ثالثا: حين عدتُ إلى الخرطوم في العام التالي: 1987، قابلت في النشاط بجامعة الخرطوم، الإنسان الفاضل الذي ينضح بالتقوى والعلم، وكان عميد الكلية التي عملت فيها في أول عهدي بالتدريس الجامعي في السودان، ألا وهو : د. مالك بدري وقال لي بالحرف: لقد تم تعييني عميدا لكلية التربية بالمركز الأفريقي في الخرطوم، وقد راجعتُ أوراق كل من تقدموا للعمل بالكلية للتعرف على مؤهلاتهم ووجدتهم ظلموك، تعال غدل لاستلام عملك والالتحاق بالكلية، وكان شاهدا على الواقعة د. الزبير الذي صار بعد وزيرا ومديرا للجامعة وواليا على الجزيرة، وهما معا موجودان شاهدان وقد حفزني د. الزبير على تلبية دعوة أستاذه وأستاذنا كلنا ولكني لم أذهب ولم ألتحق ولكني أيقنت أن الحق لايضيع وأن الحركة الإسلامية على الصعيد الأكاديمي، تضم قوما يصدر عنهم العدل، ولهم ضمير!
قبل ذلك وفي عام 1981، ذهبت إلى الأستاذ يس عمر الإمام محتجت على ظلم لحق بشخص يهمني أمره، وهو منهم بل من كادرهم الأساسي ولكنهم ظلموه لأسباب منها أنه لا ينتمي إلى الأرومة الجلابية الطالعة في الكفر وذهب يس ومعه نخبة من قادة الحركة الشياب إلى من ألحق الظلم بزولي واعتذر، واقترح أن آتي في اليوم التالي للالتحاق بتلك الجامعة، في ذلك العام لم يسجل د. عبدالله عنوان رسالته لنيل الماجستيرفي جامعة الأزهر، ولم أقبل ولم أذهب ولكنهم بعد حين منحوا زولي بعض حقه بوظيف ة لابأس بها ولكنه لم ينل المكانة الوظيفية فيها التي يستحقها بعد 30 عاما من الخبرة في رحابها ونالها أشبه عبد الله ومن هم في رتبة أعلى منه وكل ذلك باسم الإسلام!
و لا أعرف لذلك سببا سوى أنهم لايحتكمون إلى العدل وفق أسس أخلاقية ومؤسسية يلتزمونها.
رابعا: حين عدتُ إلى الخرطوم قبل أعوام، رأى بعض إخواني أن التحق بجامعة أفريقيا التي كانت ذلك المركز ولكني اعتذرت، وقبلت بأن أكون محاضرا متعاونا في حدود محاضرتين في الأسبوع فقط!
خامسا: هنا قابلني د.عبد الله حمدنا الله بكل مراءات المولانات خريجي المعهد العلمي الذين يرتدون فوق الزي الأزهري الملابس الأفرنجية الخاصة بالأفندية الذين تنكروا للثقافة المعهدية بكل مرواءتها ونماذجها السامية وقال لي معتذرا : ما عندنا وظيفة ولا نستطيع تعينك إلا بفصل شخص في المعاش وأنت لاترضى بذلك وأنا عميد الكلية
ردي هو أنني لم أتقدم لوظيفة أصلا وأن الأمر ليس من شأن عميد الكلية أن سند محاضرتين في الأسبوع لشخص أو لا يسندهما وإنما هو من شأن رئيس القسم وما يزال هذا المسلك الإداري معروفا في الجامعات السودانية ففي هذا العام أسندت إلي السيدة الفضلى رئيسة القسم بجامعة النيلين تدريس النقد الأدبي الحديث والأدب المقارن، ولم أر عميد الكلية ولم أقابله ولم يكن له تدخل في الموضوع وقد عملت من قبل رئيس قسم 1983 ولم أكن أستشر عميد الكلية مجرد استشارة! ليس المهم هو الإفلاس الفكري ولكن الأهم هو السقوط الأخلاقي الذي بلغ حد تجاوز الأعراف البسيطة التي تواضع عليها الناس إداريا في الجامعات، ويقترفها هؤلاء المولانات الذين يشتكون من ظلم الأفندية الغرادنة لهم، الملانات المتبجحون والممتلئون بفشنك السلطة، على نمط فخر الأمة بهودج سيدتها!
بالطبع لم أقل لأخي عبد الله إنني على دراية بالبواعث والمرامي وأنه يخاف من أمثالي المؤهلين لأنهم سيدخلون الفصول ويلتحمون بالجو الأكاديمي! وستبدأ نقارة الموازنة والمقارنة! كل ما في الأمر خجلت وتأذيت واشمأززت ولأول مرة أعرف تجربة الغثيان بمؤداها عند سارتر!
ومن المهم أن أكتب هنا أن رئيس القسم كان ينتمي إلى أهلنا الفلاني وأن إخباره عميده هو تفريط في حقه القانوني بوصفه رئيس القسم المسؤول وهذا يعني إخضاع رئيس القسم لملابسات الاستضعاف بوصفه منتميا إلى قبيلة محددة، وعبد الله حمدنا الله ليس بريئا من هذه النعرة الجاهلية وهو يعتمد دائما إلى ما يسمع من الألسنة أكثر مما يمارس القراءة والتثبت، وفي مثل هذه الشفويا ت في طاحون الونسة الواطية روج لمقولة جديدة أن التجاني يوسغ بشير ينتمي إلى قبيلة الفلانة، سمعت ذلك من آل التجاني أنفسهم وسأورد أسماءهم إن أنكر، وكنا نعرف أن التجاني سوداني عريق ومن قوم يمثلون الارستقراطية الثقافية بوصفهم من الجناح الرفاف في الإبداع الشعري ويتخصصون في حفظ الكتاب وتعليمه،
ولا يجوز لأحد أن يخبرني بالفلاتة فأنا أعرف بهم وبمآثرهم وفضلهم على الثقافة العربية الإسلامية منذ سقوط الأندلس، ولأن أخوال أبنائي هم أبناء أخت التجاني : الحاجة ملكة فيسعدني جدا أن يكونوا منتمين إلى قوم الطيب عبد الرحيم والشيخ عمر الفوتي وألفا هاشم شيخ مولانا الشيخ مجذوي الحجاز ومكوشي وبشير عثمان الخ
وهذه النعرة السخيفة سبق أن استنكرها د. عبد الحي عبد الحق حين وقعت له من بعض إخوانه قادة التنظيم وذكرها في كتاب منشور بين الناس.
وذلك يدل على الاستلاب الأخلاقي الذي تجاوزه كثير من البشر غير المسلمين على أساس أن كل البشر متساوون، ويكا د وصم شخص بذلك مسقط لكرامته في غرب العالم!
وقد آلت الحركة كلها إلىسيطرة قبلية ( لها مثلث مجنون دونه مثلث برمودا الذي يقطنه الجن الأحمر) ونزاع عشائري وخواء صدفة من لؤلؤة الجوهر الإنساني!
سادسا: على أساس من الاستناد إلى حكومة البشير – الترابي، بدكتاتوريتها العسكرية، صار عبد الله حمدنا الله ليمونة في بلد قرفانين، الإذاعة التي كنا نتعاون معها منذ أن كنا طلابا أوصدت أبوابها في وجوهنا
عندما كان يزينها رجال مثل محمد سليمان والخاتم عبد الله وعوض الحسن وفيصل عريبي وعجيمي! ومكنت عبد الله حمدنا الله منها أو تمكنت هي الأخرى منه . وكذلك التلفزيون.
الطيب صالح كاتب الرواية وهي جنس أدبي أوربي المرجعية صار عبد الله القائم على جائزته أما نحن أول من درس الطيب بالعربية في الجامعات السودانية وعقدوا كتابا عنه يُدرس ويُدْرس في الجامعات ومن بينها السودانية، فإنه" لم يغلبك مثل مغلب" قلت بالعربية لأن أول من درس الطيب صالح في السودان كان يدرسه بالإنجليزية في جامعة الخرطوم وفصل من العمل قبل أكثر من عشرين عاما وله دراسات أساسية عن الطيب صالح ولايتاح له أن يحضر حفلات الجائزة ولكنهم يدعون كتابا مثل المصري محمد عبد المطلب ليقدم ورقة عن الطيب صالح مسروقة بلهوجة من علي عبد الله عباس وهذا هو اسمه! الذي كتبها بالإنجليزية ونشرها قبل أكثر من عشرين عاما!
سابعا: حين نبحث بعد كل هذا الضجيج والترويج والتبجح والزحمة عن مؤلفات عبد الله حمدنا الله وكتبه ونتاجه الأكاديمي لا نجد شيئا ذا بال، ولكن يكفيه الانتماء إلى حكومة مثل رجاء النقاش في عهد عبد الناصر ومثل جابر عصفور في عهود العسكرتاريا المصرية حسنية وسيسية ولكن مثلما يقول أهلنا العرب البقارة: بخسة الدهن نزازة ومثل المثل الآخر: لايبقى في الوادي غير الحجارة.
وهو يعمل في جامعة كان مديرها البروفسر: حسن مكي لو تقدم اليوم للالتحاق بجامعة الخرطوم محاضرا وطبق عليه ماكان لا بد من توخيه في تعيين عضو هياة تريس بجامعة الخرطوم لما تم تعيينه محاضرا قط ولو كان فيه خير وله المؤهل المطلوب لعينته جامعته جامعة الخرطوم أستاذا بها وقد نال كل درجاته الأكاديمية منها، ويقدم نفسه متخصصا في العلوم السياسية مع أنه كتب رسالتيه تحت إشراف المؤرخ الفذ يوسف فضل، وأغرب من ذلك أن المشرف عليه وهو مدير الجامعة أيضا ينال مرتبه يومئذ بالجنيه السوداني وينال حسن مكي مرتبه بالدولار لأنه يعمل فب المركز الإفريقي الإسلامي بالخرطوم ويكتب في أول أيام دولة الترابي عن البشير ثالث العمرين ( عبد العزيز والخطاب)
والآن يتهرب من السفينة الجانحة ويبدو في سمت نصير الديمقراطية ومنتقد الترابين الترابي الذي صعد بهم على أكتاف المؤهلين ومنحهم حقوق آخرين أولى منهم وأفضل، ثم زاقوا منه ومن سيدهم عمر الثالث!
ثامنا: أختم الكلام عن الولي الصالح الذي قال ماكنا نتحرج من قول بعضه!
الرجل لم يكن مؤهلا أصلا والابن لابد له من أن يكون قد اطلع على شهادة البكالوريوس الخاصة بأبيه ولماذا لم يتم تعيينه في جامعته الأولى وهو من آل بيت الجامعة! ومن الممكن نشرها هنا إن لزم الأمر!
ويستطيع أن يدفع عن مؤهلات أبيه بنشرها ولن يستطيع أبدا!
على أي حين كان عبدالله حمدنا الابن ينعم بظل أبيه لم يكن يعرف أن ذلك الظل مغتصب من مواطن سوداني آخر وعلى حساب معاناته وأن الحركة السودانية مارست الظلم قبل وصولها إلى ملكوت السلطة. أن يتذكر أن أبنائي حرموا مما أتيح له هو ووجدوا أنفسهم في أوربا وجامعاتها التي وفد إيها الآن هو ! والآن يستنكر أن يقال لأبيه كلمة واحدة : أين إنتاجك وبذلك ودأبك، التنظيم كله أين نتاجه الفكري والثقافي بعد 25 عاما من الانفراد بالسلطة! حصاد الهشيم وقبض الريح والخيش الحسن وإعادة صياغة الإنسان السوداني التي صدع بها البروفيسير حسن في لندن وهاج الطيب صالح وماج في الرد عليه مع أن الرد بسيط لا يعيد صياغة البشر إلا رب البشر، الرسل أتوا لتغليب الخير على الشر فقط! ومعظمهم لم يوفق في ذلك مثل نوح لأنهم أصروا واستكبروا استكبارا!
وهو نموذج لفشل الحركة السودانية على الصعيد الثقافي والأكاديمي وللآخرين أن يخبروا عن مآلها على الصعيد السياسي!
في المقال الآتي سنوجه رسالة أخرى إلى د. غازي العتباني تليها ثالثة موجهة إلى د. الطيب زين العابدين!
//////////////