تنفيذ سدي (دال) و(كجبار) تنمية ام كيد؟!

 


 

 

في اتجاه يتناقض مع ما تحاول البلاد معايشته الآن مع اجواء الحوار ،وتبادل الأرآء ، ويتناقض أيضاً مع مواد دستورنا الذي نتعامل بما احتواه من بنود حتى اللحظة منذ عشر سنوات ، ويتناقض اكثر مع ما يفترض ان تكون عليه القرارات المصيرية من احترامِ للآخر.. وقبول الراي و الراي الآخر ، جاءتنا تصريحات من الوزارة المسؤولة عن السدود قبل ايام ، جاء فيها بان الوزارة تخطط لتنفيذ تشييد سدي كجبار علي الشلال الثالث وسد دال على الشلال الثاني ، وكانت هذه التصريحات كافية بان توقف مشاريع عون ذاتي عديدة في المنطقة الممتدة من دال باقليم السكوت حتى القولد في دنقلا ، وهي مشاريع تطال تاهيل المدارس المهدمة وتزويدها بالمعدات اللازمة وتشييد مشافي للمرضى كدأب معظم المشاريع الخدمية فى الولاية التى  سميناها-ولاية الحزانى- والتى قال الزعيم الراحل جون قرنق لقاطنيها...انتم أيضا تعانون من التهميش ولكن تنقصكم الغابة لتختفوا بين آجامها و تتمردوا !!!

          وظننا أن هذه التصريحات ، كما أفاد أحد النافذين جاءت فى اطار تبيان الخطط المستقبلية لوزارة الكهرباء والسدود، اى انها مجردخطط موضوعة على الورق  ، ولكنها غير قابلة للتنفيذ  لافتقارها للتمويل .

 ووسط هذه الاجواء من عدم الوضوح والشفافية ،فى مسائل تتعلق بمصائر اناس يعدون من الذين وضعوا اَسس حضارة هذه البلاد ،وقال عنها عالم الاثار السويسري شارل بونيه "الحضارة النوبية حضارة انسانية وتعتبر من الحضارات المميزة في  افريقيا" وسط هذه الاجواء جأءتنا تصريحات نُقلت في الصفحات الاولى من صحف الأمس تشير بأن مجلس الوزراء السعودي قد وافق على تفويض وزيري المالية والزراعة لتنفيذ مشروعات اتفاقات إطارية بين السودان والسعودية تشمل تمويل تشييد السدود في كجبار ودال والشريك ضمن مشاريع اخرى.

            وهنا احس أبناء وبنات النوبة من دال في  منطقة السكوت حتى مشارف القولد بدنقلا بكثيرِ من القلق والأضطراب ، مع إحساس بان ما يود تنفيذه إستهدافِ غير مبرر ،يبعثُ على روح الاحباط لاسباب عدة منها :-

الشعور بان مسائل كبرى تتعلق بمناطق تحتوي على أكثر من تسعمائة وسبعين موقعاً أثارياً مرشحة للزوال من تاريخ البلاد ، هكذا لاقامة سدينِ لا تعرض جدوى إنشائهما على برلمان مجمعً عليه ومنتخب ،ولا يحظى بمناقشاتِ علمية محايدة بل يتم الترويج لهما عبر تصريحات صحفية ،لم تعر إهتماماً لكافة الاراء لتى تناولتها الأسافير الإلكترونية والورقية ،بل لم تعر التفاتاً لوقفات ابناء وبنات الاراضي التي ستغمرها المياه ، وراح ضحيتها شهداء قبل سنوات خلت.

            وللشعور بان هناك اراء عقلانية تعرض البدائل العملية للتنمية في هذه المنطقة الواعدة ، ولكنها لا تجد إذناً صاغية واهتماماً ،واذكرفى لقاء مع الوالى الراحل فتحى خليل  تحدثنا عن مسألة  السدود فى المنطقة ، والخص رايه بقوله :- انه لن يسمح باقامة اية سدود في المنطقة دون رغبة سكانها ، و لو تم الاتفاق على إقامة اي سد لابد ان تكون التفاصيل معلومة لدى الجميع ، وهل التشييد لتوليد كهربا ام لرفع المياه لزيادة الرقعة الزراعية ؟ واذا كانت هناك بدائل لهذين الهدفين فلا ضير من تبنيهما ، وكان رحمه الله دائم الاشارة بان اكثر المحاور الواعدة لتطوير المنطقة ، يرتكز على محور السياحة بصفة عامة وسياحة الاثار بصفة خاصة ، والتي تحتاج الى تطوير في مجال البنى التحتية لتكون مصدراً دخلً للولاية وللسودان باسره.

         ويشير التعجب ان سد كجبار الذي بدأ بفكرة مبسطة من الراحل المهندس محمود شريف نادت بانشاء توربينات عائمة على الشلال الثالث ، وتطورت الى فكرة انشاء سدود صغيرة بارتفاع 15متراً بدلاً من التوربينات القائمة للاستفادة من توليد طاقة كهربائية بحجم اكبر ، وتفادي اثار السدود الكبيرة ،تحولت هذه الفكرة بعد رحيله الى مشروع لبناء سد كبير يستهدف توليد 250ميغا وات ،ودونما اعتبار لاثاره السلبية من تهجيرِ جديد لابناء النوبة ، واندثارِ لكنوز تاريخية ليست هي ملك للنوبيين فقط ولكنها ملك للبشرية جمعاء.

       وليس من قبيل المباهاة القول بان هذه الكنوز الاثارية التي تشمل اكثر من سبعمائة ونيف موقعا أثارياً تمتاز بتنوعً تاريخيً بدءا من العصر الحجري القديم والاوسط والحديث ، وحضارة ما قبل كرمة (3000-2500ق م)ثم فترة كرمة (2500-1500ق م) وفترة ما بعد مروي (350-500م) وفترة المسيحية (500-1500م) ثم فترة الحضارة الاسلامية .

  مناطق آثارية ستندثر مهما كانت المحاولات لانتشال بعضها ، بدلا من تطويرها ، واقامة البنى التحتية لتضاهى  أكثر المناطق الجاذبة  للسواح فى العالم .واذاكان الحديث عن الزراعة والتوليد الكهربائى  فهناك بدائل منها تأهيل  المشاريع الزراعية الموجودة ،والاعتماد على الكهرباء المتاحة الآن مع تقويتها ببدائل مطروحة فى دراسات علمية محكمة  نسعى لتبيانها في مؤتمرِ علميِ مرتقب لتنمية المنطقة.

   وسد دال الذي سيقام على مشارف بحيرة النوبة ، سيقضي بدوره على مناطق اثارية تهم الانسانية كلها ، من ضمنها اثارات غرب عمارة ، واثارات جزيرة صاي التي تعتبر حسب شهادة علماء الاثار جوهرة في التاريخ وتعتبر من اقدم المستوطنات السكنية في افريقيا ، بالاضافة الى مواقع صادنقا وصلب وسيسبا وغيرها ، والتي تعتبر من كنوز التاريخ الانساني ، وسيؤدي تشييد سد دال الى اندثار اكثر من ستة عشر جزيرة تحتاج الى ان تتاهل زراعياً لتكتفي المنطقة ذاتياً وتصدر.

          الحديث المبهم عن تشييد سدي دال وكجبار يسير في طريق غير ديمقراطي ،ويحدث في فترة مفصلية من تاريخ البلاد التى تسعى لتبني حوارً هادف لاستقرار السودان المستهدف ، وإرتياد آفاق التنمية المستدامة ، ومثل هذا الحديث المبهم يثير حفيظة ابناء وبنات النوبة ، ويؤدي الى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها .    

salahmsai@hotmail.com

 

آراء