تهافت الترابى: لماذا تفشل الامم ؟ أصول السلطة والازدهار والفقر
husselto@yahoo.com
فى ٢٠ من مارس ٢٠١٢م صدر بالولايات المتحدة الامريكية كتاب :
Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and
Poverty
من تأليف دارن اسيمولجو وجيمس ا. روبنسون . ودارن- امريكى من أصل تركى- استاذ اقتصاد بمعهد ماسوشيستوس للتكنولوجيا اما روبنسون فهو استاذ للعلوم السياسية بجامعة هارفاد .ويمثل الكتاب حصاد جهد استمر ١٥ عاما للإجابة على السؤال المحورى : لماذا تتطور الامم بشكل مختلف ففى حين ينجح البعض منها فى تراكم النفوذ والقوة والرفاهية يفشل البعض الاخر ؟ومنذ صدور الكتاب عمد المؤلفان الى إطلاق موقع على الانترنت لا زال نشطا ويتضمن مدونة تفاعلية مع القرّاء والمهتمين حول مواضيع الكتاب .
القضية الرئيس فى الكتاب برأيى وهى التى تبناها المؤلفان هى فرضية التنمية السياسية الشاملة شريطة للنمو الاقتصادى . ومن حسن الحظ ان الكتاب قد تمت ترجمته الى اللغة العربية مما يتيح لعدد واسع من القراء والمهتمين الاطلاع عليه لحيوية موضوعاته والقضايا التى يتناولها . وصدرت الترجمة العربية - التى لم يتح لى الاطلاع عليها للأسف- بعنوان : لماذا تفشل الامم ؟ أصول السلطة والازدهار والفقر ومن تحرير الاستاذ بدران حامد ونشرت عام ٢٠١٥م عن الدار الدولية للاستثمارات الثقافية فى مصر وجاءت فى ٦٠٨ صفحة. وقد وقعت على عرض مختصر للنسخة المعربة فى الجزيرة نت نشرته فى ذات العام مما يغنينى عن عبء الترجمة التى تحتاج وقتا وجهدا إضافيين . وَمِمَّا جاء فيها : ( يناقش هذا الكتاب في فصوله الـ١٥ حزمة من القضايا المتعلقة بالفقر والعوامل التي تعرقل التنمية، ودورها في إضعاف الدول والمجتمعات، ودور الأنظمة الحاكمة وسياساتها "الحمقاء" في هذا الأمر، كما يناقش -في المقابل- كيفية تحقيق الازدهار والرخاء، وأهمية الإصلاح المؤسسي في تحقيق ذلك.
وفي هذا الصدد، يقول روبنسون إن جوهر فكرة الكتاب أن "المجتمعات الناجحة اقتصاديا تتدبر أمر تطوير حزمة أو مجموعة من المؤسسات التي ترعى وتوجه المواهب والكفاءات والطاقات لدى مواطنيها"
ويمكن اعتبار مقدمة الكتاب من أهم ما فيه لأن فيها جانبا تطبيقيا مهما بدوره وحداثيا، يدلل بها الناشر على أهمية ما جاء في الكتاب على النحو السابق، حيث تتناول المقدمة مشهد الثورة المصرية في ميدان التحرير، ويرصد كاتب المقدمة فيها البواعث الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت المصريين إلى الثورة، ويقول إن المصريين بأكملهم -بمسلميهم ومسيحييهم ومن مختلف الفئات المجتمعية- قد خرجوا إلى ميدان التحرير في ٢٠١١م لأسباب تتعلق بقضية تزايد معدلات الفقر، بجانب الفساد الذي كان يمتص أي عوائد للتنمية وسوء توزيع الثروة في مصر). انتهى
وتناول المؤلفان نموذجا يهمنا اذ يتعلق بجزء من تاريخ بلادنا وهو الامبراطورية العثمانية ويوضحان أسباب بقاء جميع الدول التي خرجت من رحم الدولة العثمانية في حالة من الفقر باستثناء الدول المصدرة للنفط، ويقولان إن ذلك يعود إلى النموذج التنموي الذي تبنته الدولة العثمانية، حيث إنه بدلا من تبنيها التغيير داخل المجتمعات التي تحكمها شعر الحكام العثمانيون في آخر مئتي عام من عمر الدولة الممتد عبر أكثر من خمسة قرون بالتهديد من هذا التغيير.
واضافا إن الدولة العثمانية قامت بمعاقبة رعاياها من خلال الفقر والاستغلال، فيما لم تكن المعارضة داخل الإمبراطورية العثمانية -كما يسميانها- بنفس قوة المعارضة في إنجلترا القرن الـ ١٧ وذلك ما منع تكرار النموذج الإنجليزي في الدولة العثمانية). انتهى
ويشير المؤلفان الى إن إنجلترا ظلت متخلفة حتى القرن ال١٧ (١٦٨٨م )، حيث قاد التحام قطاعات واسعة من المجتمع من أجل وقف الحكم الملكي المطلق إلى تأسيس مؤسسات ديمقراطية شاملة للجميع قادت فى النهاية الى نموذج تنموى ناجح. ويؤكد المؤلفان على
ضرورة أن تكون هناك رؤية شاملة للتطوير المجتمعي والسياسي والمؤسسي في حال ما إذا شهد المجتمع ثورة مجتمعية لتقييد الأنظمة المستبدة الحاكمة أو الإطاحة بها، أو ما أطلقا عليه قانون "التناسق والترابط".وهنا تبرز مقارنة وضعها المؤلفان بين نموذج إنجلترا السابق ونموذج الثورة البلشفية في روسيا، حيث إنه بخلاف الحالة الإنجليزية لم تترافق الثورة البلشفية وهدف الإطاحة بالملكية في روسيا مع خطة شاملة لتطوير مؤسسات اقتصادية وسياسية تشمل جميع ألوان الطيف الموجود في المجتمع). انتهى
وقد لاحظت ان الكتاب لم يعالج بتوسع تأثير الدين والاخلاق فى فى دوران عجلة التطور والنمو فى المجتمعات . فقد أدى غياب الوازع او الحس الاخلاقى لدى الذين يمسكون مفاصل الدولة والحكم كما فى حالتنا الى السقوط فى لجة الفساد بدرجة مذهلة رغم الحجج المتهافتة بان : ( ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻛﺘﺎﺏ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ . ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺘﺎﺏ ﻭﺍﺣﺪ ﻫﻮ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ. ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩ ﻓﺘﺤﺪﺛﺖ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻓﻘﻂ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺮﻛﺔ . ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﻼﻡ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ ﻭﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ . ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﻢ ﻻ ﺗﻜﺘﺒﻮﺍ ﻟﻨﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ، ﺍﻛﺘﺒﻮﺍ ﻟﻨﺎ ﻛﺘﺒﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻦ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﻭﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ، ﻷﻥ ﺷﺎﺷﺘﻨﺎ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻷﻓﻼﻡ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺿﻴﻌﺖ ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ). انتهى انظر للمزيد حوار مع الدكتور حسن الترابي موقع "أخبار تركيا" (نقلا عن موقع "الراكوبة").
وفى حالتنا فى تقديرى انه لن يحدث اى استقرار مستدام الا فى حالة مشاركة سياسية حقيقية لكل قوى المجتمع والمساواة فى الحصول على الفرص الاقتصادية .عاملان حاسمان آخران فى رسم صورة وملامح التغيير الذى يقع الان فى بلادنا وهما : الواقع الديموجرافي اذ ان حوالى ٦٠٪ من السكان هم فى سن الشباب الان او اقل من ثلاثين عاما . اما الاخر فهو ثورة الاتصالات غير المسبوقة فى تاريخ البشرية . وهذان العاملان كما نعرف لا يعترفان لحسن الحظ بحدود... العمر او الجغرافيا!