حوكمة الشركات والمرأة

 


 

 


تتعدد تعريفات حوكمة الشركات في أدبيات الإدارة. فقد عرفت بأنها "النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها". ويدور تعريف آخر حول الطريقة التي تدار بها الشركة وآلية التعامل مع جميع أصحاب المصالح فيها وإنتهاء بآلية التعامل مع المجتمع ككل. مع وجود تعريفات أخرى متنوعة.
تطرقت معايير الضبط المؤسسي في الشركات الكبرى العالمية إلى حوكمة الترشيح لعضوية مجلس إدارات الشركات، وأمر نسبة عضوية المرأة داخل المجلس كأحد معايير الشفافية، حيث تنص هذه المعايير على ألا تقل نسبة النساء الأعضاء في المجلس عن (20%). وفي حال تعذر تحقيق تلك النسبة تلتزم الشركات بالإفصاح عن أسباب ذلك ضمن تقريرها السنوي لمجلس الإدارة. غير أنه لم تتمكن كثير من الدول من تطبيق هذا المعيار، إذ لم تتمكن النساء من الوصول لتلك النسبة الواجبة. ففي احصاء (غير دقيق) في الولايات المتحدة الامريكية قدرت تلك النسبة بـ (17%)، وفي المملكة المتحدة (22%). أما على مستوي الوطن العربي فلم تتعد عضوية النساء نسبة (1.6%) إلى فرد واحد، ونسبت هذه الأرقام للشركات العائلية غالبا.
يرتبط تطور المجتمعات تاريخيا بتطور المرأة وتبوؤها مراتب متقدمة اجتماعيا. وكان التعليم يعتبر أول المسارات لنيل المرأة دورها التصاعدي، وبالتالي كان محركا اقتصاديا للتنمية من خلال وجود تشريعات لحماية السياسات الرامية لتعزيز مكانة المرأة وتقليص التمييز السلبي (مهما كانت مبرراته). لذلك كان لابد من تسليط الضوء على دور المرأة (في الدول النامية) من خلال المشاركة الفاعلة في التنمية الإدارية وتطوير وقيادة المؤسسات ، وذلك من خلال الوقوف على التقييم الموضوعي لمشكلات ومعوقات مساهمة المرأة القيادية الإدارية للمؤسسات، (ولنسمه التمكين الإداري للمرأة). ويشير استخدام كلمة "تمكين" هنا إلى عدم قدرة فرد أو مجموعة من استغلال كامل قدراتهم (قدراتهن) بسبب حواجز مصطنعة أوجدها أفراد أو مجتمعات أخرى في نفس المجتمع. ومن هنا اتضح أن هنالك وجود ضعيف للمرأة في المناصب القيادية بعيدا عن المقارنة بوضع المرأة في الدول المتقدمة التي تتحدث عن التمثيل في مجالس الإدارات، إذ أننا نتحدث الآن على التدرج الإداري الممنهج للمرأة داخل السلم الإداري فقط . هذا وقد يعزى الضعف إلى عدم مواكبة تعليم المرأة صقل لخبراتها ولتدريبها في مجال تنمية المهارات الإدارية والقيادية لديها ليجعلها في وضع مساو في سوق العمل ، علما بأن نسبة وجود المرأة في سوق العمل والعمل الإداري تعتبر نسبة كبيرة رغم وجود فجوة بين الجنسين عند توزيع المناصب القيادية ، لذلك أصبحت المرأة في الدول النامية أبعد مايكون من مواقع صنع القرار. وعادة ما تتساوي هذه النسبة في القطاع العام والخاص على حد سواء، فكلما إرتفع الهرم الوظيفي كلما قلت وضعفت عدد الفرص المتاحة للمرأة لتوليها لمناصب القيادية العليا.
توجدهنالك عدد من المعوقات المترابطة التي تقف حاجزا أمام قيادية المرأة. فمثلآ المعوقات الإدارية والتي تعود إلى النظرة العامة لعمل المرأة داخل المؤسسة بدءا بعدم القناعة والثقة بقدرتها علي تحمل المسئولية القيادية ، بالإضافة إلى محدودية المؤهلات والخبرات الإدارية. حتي وانه عند حدوث خطأ ما عادة ما ينسب الخطأ الإدري الفردي إلى النوع مع التعميم وليس للفرد المتسبب في الخطأ. وهذا الآمر قد يدفع بالمرأة لبذل مجهود إضافي للتميز في العمل والحرص على أداء المهام بغيه أن تكون في وضع يسمح لها بالمنافسة.
أنا لست من مؤيدي دعم مشاركة النساء في المناصب القيادية من خلال الترويج بأنهن أكثر حرصا على الأداء الجيد فحسب ، والقول بأن سبب ذلك الحرص هو الخوف من المخاطر القانونية المترتبة على ذلك، إذ أن الأمانة المهنية لا علاقة لها بالنوع . كما أنه ليس هنالك تفصيل لنوعية المناصب القيادية أو السياسية المناسبة لهن كالتعليم والرعاية الإجتماعية بسبب اهتمامها النوعي بالأمور المجتمعية.
أما المعوقات القانونية فتتمثل في أن رغم أن القانون حرص على إعطاء الفرص والحقوق المتساوية إلا أن هذه القوانين لم تساهم في منع تحجيم الفرص عن المرأة، لأنه في ظل التساوي تكون الأحقية لنيل المناصب بحسب معايير الكفاءة أو معايير الاختيار الذي تلعب في تكوينه محاور عدة. كما تعتبر المعوقات المجتمعية هي المحرك الأساس في الدول الأقل نموا، وذلك من خلال نظرة المجتمع للمرأة كشريك في الحياة والعمل. وبالتالي تنعكس التنشئة الاجتماعية والدونية لقدرتها وإمكانياتها على المساهمة المتساوية. كما ينعكس ذلك علي سلوكها وطموحها وعدم الثقة بمقدراتها الشخصية. إضافة إلى تنشئتها منذ الصغر علي أن مهمتها في الحياة تنحصر في المهام الاجتماعية السائدة في المجتمع والتي عادة ما تكون مرتبطة بالأمومة والرعاية الأسرية والأنشطة الاجتماعية التقليدية. لذلك يجب أن تنشط الهيئات المجتمعية من خلال ندوات ومؤتمرات فكرية للحد من المعيقات المجتمعية وتوضيح أهمية مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار، والتي في الغالب تختلف تبعا لعوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية من دولة لأخرى. ونعتقد أنه من الأنسب في ظل توافر القوانين المساوية والتشريعات المتوافرة ترك أمر الارتقاء في سلم الترقي الإداري ليتم وفق اولويات الترقي المعمول بها دون إعتبار للنوع كأحد المعوقات ، أو من أسباب الإقصاء عند الإعداد والتدريب المتساوي لتنمية الشخصية الإدارية.
نختم القول بأنه، على الرغم من صدور العديد من القرارات في الدول الأوربية بخصوص إشتراط نسبة معينة من مقاعد مجالس الإدارات للنساء، فإن تلك النسبة المطلوبة لم تتحقق تماما أو ربما لم تتحقق بالصورة المثلي حتى الآن . لذلك فعلى المرأة في المجتمعات الأقل نموا أن تدرك أن المعوقات قائمة في كل العالم باختلاف مستويات المكاسب التي نلنها والظروف المحيطة بها. غير أنه على المرأة في المجتمعات الأقل نموا دعم مبادرات لنهج إستراتيجيات تهدف لإتاحة الفرص لمشاركة المرأة وتأهيلها للمشاركة في الوظائف العليا، والوقوف ضد الممارسات التي تؤدي لعدم المساواة في منح الفرص في مجال التنمية الإدارية. حيث إن وجود ومشاركة المرأة في كافة المستويات الإدارية يحدث اختلافا في مجال السياسة العامة والحوكمة ، لأنه يعد تمثيلا حقيقا لشريحة واسعة من أفراد المجتمع على قدم المساواة. كذلك يجب بالضرورة بناء شبكات بين منظمات أصحاب الاعمال والشركات والخبراء من أجل تعزيز المساواة بين الجنسين في بيئة الأعمال، حيث تعتبر تلك أحد عناصر الحوكمة، وأحد التحديات التي تواجه المرآة في كل المجتمعات.

nazikelhashmi@hotmail.com

 

آراء