المفاوضات السودانية بين ضرورة التعجيل وحتمية التأجيل

 


 

إمام محمد إمام
23 September, 2016

 


i.imam@outlook.com

يلحظ المراقب للشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه، أن المفاوضات بين الحكومةوالحركات المسلحة لم تحقق تقدماً ملحوظاً في مساراتها المختلفة سوى توقيع جميع الأطراف على خارطة الطريق التي قدمتها الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة سامبو أمبيكى رئيس جنوب أفريقيا السابق. بينما كانت التوقعات تذهب إلى أن الأتفاق بجعل وقف إطلاق النار لفترة طويلة، في إطار وقف العدائيات ومبادرات إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في منطقتي جنوب كردفان والنيل الازرق، ولكن حتى هذه القضايا الممهدة إلى وصول اتفاق نهائي لم يتم الاتفاق عليها في المفاوضات الأخيرة بأديس أبابا، حيث أعتبرت الحكومة موقف الحركة الشعبية – قطاع الشمال في الملف الإنساني لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، محاولة لتوظيف الملف الإنسانى لتحقيق أغراض سياسية. وقد بذلت الوساطة الأفريقية جهداً كبيراً في تقريب وجهات النظر بين أطراف المفاوضات جميعاً، ولكنها وصلت إلى قناعة أن الجولة العاشرة، من الضروري تعليقها إلى أجل غير مسمى، إعلاناً بانهيار المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة بتكويناتهاالمختلفة، ممثلة فى الحركة الشعبية – قطاع الشمال والتى تتفاوض حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الازرق من جانب، والحكومة وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان والتى تدور حول ملف دارفور من جانب آخر، وحمل كل طرف مسؤولية إنهيار المفاوضات للطرف الأخر.
وفي رأي الخاص، أن الحكومة السودانية إن أرادت التعجيل في استئناف المفاوضات ينبغى أن تركز على قضية وقف العدائيات، بغرض ايصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الحرب. ولكن من الأهم أن يسبق الجلوس في طاولة المفاوضات بأديس أبابا لاستئناف جولة جديدة للمفاوضات، عقد سلسلة من اللقاءات العسكرية والفنية بين الأطراف المعنية للتوافق على مصفوفات عسكرية وأمنية تقرب شُقة الخلاف البائن بين الأطراف المتفاوضة. وفي الوقت نفسه، بنبغي ان تسعي الحكومة إلى التأجيل الذى يساهم في إنجاح الترتيبات الفنية والأمنية والعسكرية التى تسبق عقد الجولة الحادية عشرة للمفاوضات في أديس أبابا. ومن الضروري أيضاً أن تسعى الحركات المسلحة إلى توحيد رؤاها حول الحل النهائي في هذه المفاوضات كاستراتيجية لإرساء دعائم السلام والاستقرار، بعيداً عن المزايدات وخدمة الأجندات الاجنبية.
وأحسب أن مبادرة السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومى لإيجاد مخرج لتعثر المفاوضات وانهيارها، عبر تسليم هذه المبادرة إلى الأليه الأفريقية رفيعة المستوى والتى أوضح أن مبادرتة "ستخرج الموقف من عدم الاتفاق إلى اتفاقٍ". ولن تقتصر مبادرات الوساطة السودانية على السيد الصادق المهدي، بل أن مبارك الفاضل المهدي اختار لنفسه دور الوسيط للإسهام في تقريب شُقة الخلاف، وتباين وجهات النظر بين الحوار الوطني ومفاوضات أديس أبابا، وما انتجته من خارطة الطريق. وتأتي مبادرة مبارك الفاضل هذه، ضمن مساعيه التي أعلنها لدفع جهود التسوية السياسية السلمية في البلاد، مؤكداً أنه سيسهم بدور الوسيط في ربط جهود الحوار الوطتي بالداخل وخارطة الطريق الأفريقية ومفاوضات أديس أبابا.
وكأني بالأخ مبارك الفاضل يريد أن يذكر ربعه القديم، بأن مفاوضهم الحكومي الرئيسي في هذه الجولات التفاوضية،الأخ إبراهيم محمود حامد رئيس الوفد المفاوض الحكومي، رجل يتسم بقدرٍ من المرونة السياسية، والقبول العام، واصفاً إياه بأنه "شخصٌ مقبولٌ وواقعي، وموضوعي في طرحه"، مضيفاً أنه "في النهاية يمثل منظومة سياسية، وليست الأمور بيده، لكن حديثه إيجابي، وسيكون عاملاً مساعداً في دفع الأمور".
مما لا ريب فيه أن الحكومة تسعى جاهدة الى أن تكون النتائج العجلى من مفاوضات أديس أبابا، وقف العدائيات وصولاً الى وقف نهائي لإطلاق النار، مما يعني تخلي الحركات المسلحة من العمل العسكري، وتتجه بكلياتها الى العملية التفاوضية السلمية، لتحقيق بعض المكتسبات، نتيجة لعملها العسكري طوال السنوات الماضية، بينما الحركات المسلحة نتيجة لعدم ثقتها في الحكومة قابضة على البندقية، باعتبارها المحقق لمكتسباتها المرتقبة من المفاوضات، رغم الخسائر الميدانية العسكرية.
ويبدو أن الحكومة ضاقت ذرعاً من التطويل والتسويف الحادث في مفاوضات أديس أبابا العشر، حيث فاجأ الرئيس السوداني عمر البشير مراقبي الشأن السياسي السوداني، داخل السودان وخارجه، بتهديدٍ صريحٍ للمعارضة المسلحة والمدنية، بإغلاق باب التفاوض معهم بنهاية عام 2016، واستخدام قوة السلاح بدلاً من التحاور، لفرض السلام والاستقرار في البلاد. عليه فإن المعارضة المدنية والمسلحة يجب أن تأخذ هذا التهديد بمحمل الجد، وتعمل على الاسراع إلى مفاوضات جادة بعيداً عن المناورات والمزايدات.
أخلص إلى أن، جولة المفاوضات المقبلة ينبغي أن تتحرك على مسارين، المسار الأول يتطلب قدراً من التعجيل، وهو المسار المتعلق بوقف العدائيات عبر إيقاف العمليات العسكرية. والعمل على إيصال المساعدات والاغاثات الإنسانية إلى المتضررين في مناطق الحرب. فهذا المسار لا ينبغي أن يتأجل لأنه مرتبط بحياة المتضررين من هذه الحرب اللعينة. أما المسار الثاني المتعلق بمفاوضات الحل النهائي، فينبغي أن يحدث فيه قدرٌ من التأجيل، وذلك لما يتطلبه من محادثات تمهيدية، تناقش بشئ من التفصيل ما توصل إليه أطراف التفاوض من نتائج لبلورتها في مصفوفات واتفاقات لإرساء دعائم السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في تلكم المناطق، ومن ثم في السودان كله.

 

آراء