في تصريح لصحيفة "الشرق الاوسط" يوم السبت الماضي قال وزير النفط الدكتور محمد زايد عوض ان وزارته في طريقها لطرح 15 مربعا على الشركات الاجنبية للتنقيب عن النفط والغاز في الشهر المقبل مشيرا الى ان رفع العقوبات الامريكية على السودان سيشجع على عودة الشركات الامريكية الى البلاد ومن ثم الاستفادة من خبرتها وتقنيتها لرفد صناعة النفط السودانية.
وأرجو من السيد الوزير أن يتمهل قليلا.
فالعقوبات لم ترفع نهائيا وانما هناك رخصة عامة مؤقتة لفترة ستة أشهر تنتهي في الثامن من يوليو المقبل وسيكون على أدارة الرئيس الجديد دونالد ترمب أتخاذ قرار بشأن الغاء العقوبات نهائيا أو أعادة تثبيتها. وفي مثل هذه الوضعية الرمادية فأن المستثمرين عموما والشركات النفطية تحديدا تحتاج الى وضوح في الرؤية الى أبعد مدى زمني ممكن يتناسب مع خططها الطويلة الامد. وعليه فطرح المناقصة الشهر المقبل قد يشهد حضورا مكثفا، لكن قد لا ينتهي الى النتائج المأمولة بسبب علامات الاستفهام التي تطال مستقبل العقوبات. لذا فتأجيل طرح المناقصة الى مابعد يوليو وأتضاح الصورة يمكن أن يأتي بنتائج أفضل.
جرب السودان دعوة الشركات من قبل مرتين الاولى في منتصف التسعينات عند بداية التوجه شرقا بعد أستخلاص أمتياز التنقيب من شركة شيفرون ونتج عن تلك الجولة اقامة شركة النيل الكبرى لعمليات التنقيب بمشاركة من شركة النفط الوطنية الصينية وبتروناس الماليزية وتاليسمان الكندية وفيما بعد النفط والغاز الهندية. أما المرة الثانية فهي في العام 2012 وعقب انفصال الجنوب عندما تم توقيع اتفاقيات مع تسع شركات صغيرة ليست لديها القدرة المالية أو التقنية المأمولة ولم تحقق شيئا يذكر بديل ان أنتاج البلاد لايزال يتراوح في حدود 115 ألف برميل ولم يصل حتى الى 200 ألفا كما هو مأمول ويعتقد انه المعدل الانتاجي الادنى والمعقول الذي يسمح بتلبية أحتياجات البلاد والشركات المستثمرة. فالقليل الذي تتم اضافته من النفط الخام الجديد يعوض عن ضعف وتراجع الانتاج بسبب تقدم عمر الحقول. وكان عدم مشاركة الشركات الصينية والماليزية والهندية العاملة في البلاد وهي على أطلاع دقيق بما يجري فيها وبأمكانيات أحتياطياتها ما أسهم في ارسال رسالة سالبة الى المستثمرين المحتملين، وهي رسالة لا تزال معلقة في الهواء.
هناك أمر أكثر أهمية ويتعلق بأعادة تنظيم قطاع النفط بما يجعله أفضل قدرة على مقابلة المهام المنوطة به. فهذا القطاع نما في ظل تحديات استخراج النفط وبصورة لا تستند الى خطة منهجية وهو وضع يحتاج الى اعادة النظر فيه. وقبل عامين أعدت لجنة برئاسة المهندس علي أحمد عثمان وشارك فيها الوزير الحالي تقريرا جامعا عن اعادة تنظيم القطاع وفصل المهام السيادية عن تلك الرقابية والامدادات وأيضا الفصل بين مهام الوزارة والمؤسسة العامة للنفط ودور "سودابت" الى جانب توصيات أخرى عديدة، لكن لا يبدو ان تلك التوصيات لم تجد طريقها الى التنفيذ الا القليل منها، وهو ما يتطلب بعثها مرة أخرى والتركيز على كيفية تهيئة البيئة الادارية والقانونية وفوق ذلك السياسية التي تسمح بتحقيق الهدف الاساسي وهو زيادة الانتاج وذلك في أطار هدف أعم يتعلق بتأمين أحتياجات البلاد من الطاقة خاصة مع أحتمال التوسع الزراعي والصناعي والزيادة السكانية.
وأيضا هناك جانب أخر أدعى الى التأني في طرح المناقصة ويتعلق بأوضاع السوق النفطية التي تلفها حاليا درجة عالية من عدم الوضوح بسبب تراجع الاسعار خلال العامين الماضيين مما أدى الى تزايد في حجم مديونية الشركات النفطية من ناحية وتراجع استثماراتها حيث بلغت كلفة المشروعات الملغاة أو المؤجلة خلال فترة عامين 583 مليار دولار وهو أكبر رقم تشهده الصناعة النفطية منذ 40 عاما.
ومع تعدد فرص الاستثمار في العديد من الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة فأن السودان يحتاج الى بذل جهد أكبر في أستقطاب المستثمرين ولو عبر مفاوضات مباشرة كما حدث في مربعات (3 و 7 ) و( 6 ) و (12 ) مثلا وربما النظر وبجدية لاستثمار علاقاته الخليجية المتنامية وسحبها الى هذا الميدان ويقفز الى الذهن مثلا مشروع أعادة تأهيل مصفاة بورتسودان وجعلها مصفاة لخدمة الاسواق المجاورة وهو المشروع الذي تم تأجيله من قبل بسبب أرتفاع كلفة أنشاء المصافي وأهم من ذلك الشكوك التي بدأت تحيط بتوفر الخام اللازم لتشغيل المصفاة عقب أنفصال الجنوب. وهناك أيضا موضوع الطاقة المتجددة الذي قطعت فيه بعض الشركات الخليجية كما في "مصدر" الاماراتية شوطا بعيدا. على ان خطوات في هذا الجانب تتطلب أعادة تفعيل مجلس شؤون النفط الذي يترأسه رئيس الجمهورية وذلك للبعد السياسي الذي يصحبها.
وتنشيط دور هذا المجلس تبدو مطلوبة الان أكثر من أي وقت مضى لأن التحدي الذي يواجه صناعة النفط هذه المرة ليس سهلا. فأحد أسباب نجاح الاختراق الذي تم في المرة الماضية وجود عنصر تزامن دخول الصين السوق العالمية مشترية وبحث السودان عن حلفاء جدد يساعدونه على أستخراج النفط. والى جانب هذا العامل كانت بكين تسعى الى جعل مشروعها في السودان نموذجا يحكي عن قدراتها الهندسية والادارية في هذا المجال، الامر الذي أسهم في فتح أبواب القارة الافريقية أمامها.
الامل الان في جذب الشركات الغربية والامريكية تحديدا وهو ما يحتاج الى جهة لديها القدرة السياسية والتنفيذية مثل مجلس شؤون النفط ليدفع في هذا الاتجاه عبر أيجاد البيئة الملائمة وأحد أركانها الاساسية تحقيق قدر من الاستقرار السياسي والامني الذي يسمح بأستغلال الاحتياطيات الموجودة خاصة في مناطق النزاعات في كردفان ودارفور، وهو ما يعيد قضية النفط الى سلة السياسة والامن مرة أخرى.