شهادتي للتاريخ (23- ب 2- الجزء الثاني) "هيمنة سد النهضة علي سدود النيل لن تَخوَّل له السيطرة على محيطه ، كما طمح في ذلك" .. بقلم: بروفيسور محمد الرشيد قريش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثالثة والعشرون (ب 2-الجزء الثاني) من شهادتي للتاريخ : صرح المخض عن الزبد – عن كيف يُضَارَّ السودان من سد النهضة ومُتَلاَزِمَاته؟
عند موائد الرحمن الفكرية
حول هيغل و جدلية العَزِيز والقَيْن في علاقة سد النهضة واخوته بسد الروصيرص وسدود النيل الأخري:
" العَزِيز والقَيْنٌ– في كتابات هيغل- كيانان جمعهما الجوار والهم المشترك ، ولكن ينتهي الأمربأحدهما باستعباد الأخر. هيغل يكشف هنا (وفق شروحات روبرت براندوم): اطروحة "استعباد" العزيز للقين(أقرأ هنا هيمنة سد النهضة علي سد الروصيرص واخوته) (ب 2-الجزء الأول) وأنه رغم "استعباد" العزيز للقين ، فلن تعطي هذه الهيمنة العزيز السيطرة الكاملة على محيطه ( أقرأ هنا حوض النيل) كما طمح في ذلك"(ب 2-الجزء الثاني) وأن العلاقات غير المتكافئة (غير المتوازية وغير المتبادلة) ضارة لحد بعيد(ب 2-الجزء الثالث) وأنه لا يمكن تأثيث أوضاع سوية علي هذه العلاقات غير المتكافئة لشراكة دائمة بين النهضة وسدود النيل(ب 2-الجزء الرابع)
دعنا نتَلَمَّسَ و نتَبَصُّرهذه المعايير في علاقة سد النهضة بسد الروصيرص نموذجا أبــا هِنْــدٍ فَــلا تَعْجَـلْ عَلَيْنـا وأنْظِرْنـــا نُخَـــبّرْكَ اليَقِينَـــا
فألي الجزء الثاني من هذه الرباعية حول "أنه رغم "استعباد" العزيز للقين ، فلن تعطي هذه الهيمنة العزيز السيطرة الكاملة على محيطه ( أقرأ هنا حوض النيل) كما طمح في ذلك" علما بأنه: قد رسخ في علوم المياه من زمن بعيد حقيقة " لا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ " وهي أن كل تغير علي مجري المياه "عابرة الحدود" ، في اية نقطة من المجري، يحدث تغيرا عميقا في النظام الهيدرولوجي والهيدروليكي للنهر ويؤثر علي احباس النهرالسفلي والعليا ، بل – ولحد ما – مجمل مجري النهر من ما يسمي "المنبع" الي ما يسمي "المصب"، (وقد سبق أن صوبنا الخطأ في هذين التعبيرين في دراسة "جدلية الهوية النيلية للسودان وأبعادها السياسية والفنية والقانونية: دولة مصب أو عبور فقط -- أم دولة “منبع” ، واذا كم حجم اسهامها في مياه النيل" ؟)
************************* استهلال: أثيوبيا وأمانيها "تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة111) الفشل في تحقيق الهيمنة : فشل سد النهضة المتوقع في السيطرة الكاملة على محيطه
" بَادِيَ الرَّأْيِ" :احباط فكرة السيطرة علي المحيط تبدأ من خلال الأختيار الخاطئ للموقع ، أي بسبب:
عدم جدارة الموقع: فكما أشرنا في الحلقات السابقة ، أن هيرست وبلاك (أبرز الهيدرولوجيين الذين ارتبطت اسماؤهم بدراسات ضبط النيل) كانا قد استبعدا قيام خزان ذو "تخزين مستمر" (Over-year-Storage) في حوض النيل الأزرق بمجمله، عدا بحيرة تانا ،
كما أن "خطة وادي النيل" (Nile Valley Plan, NVP) – التي قدمها السودان للعالم عام 1959، وجاءت كأحد أهم دراسات حوض النيل قاطبة ، وأول دراسة تمت بالحاسوب لنهر كبير في العالم) ، نأت بنفسهاعن هذا الموقع الحالي لسد النهضة ، وقالت أن الموقع ليس صالحا للتخزين المستمر، (Over-year Storage) ، رغم أن احد أهم أهداف الخطة كان هو "توفيرأكبر قدر من الامداد الموثوق به من المياه للجميع" ! كما لم تري الخطة موقع سد النهضة الأصلح للتوليد الكهربائي، رغم أن احد أهم أهداف الخطة كان هو "توليد الطاقة الكهرومائية من كل المواقع علي النهرالصالحة لذلك" !
ثم جاءت بعد ذلك دراسة مكتب استصلاح الأراضي الامريكي عام 1964 ،والتي أشرنا اليها في الحلقة السابقة ، واقتراحها (لنفس الموقع) ، "سد الحدود" (Border Dam) للتخزين السنوي (Annual Storage) ، بسعة 11.1مليار م3 لا 74 ، وبارتفاع 85 مترلا 145 وذلك لتوليد 1400 ميجاواتس وليس ال 6000 المزعومة (وهي في الواقع –وفق حساباتنا المنشورة في النت -- في حدود 1639 ميقاواتس فقط !)
فهذا الأجماع الذي حدا بكل اولئك الخبراء: لأستبعاد قيام تخزين مستمر في موقع سد النهضة يهزم – منطقيا - فكرة استدامة سيطرة سد النهضة علي محيطه من "اساسها" على المدى البعيد! أو أن الموقع هو الأصلح للتوليد الكهربائي !
ولا شك أن هذا الأجماع مرده الي عدم استيفاء الموقع لكل أو أغلب الأعتبارات الهندسية و الجيولوجية ، فما هي تلك الأعتبارات ؟ أولا: عدم استقرارالتصريف النهري (River Flow)عند الموقع ، والذي هو: ◊ ذو التأثير المباشر علي حجم الطاقة التي يمكن توليدها من الموقع وذو التأثير الأهم علي"سلامة السد" ، وذلك من خلال تأثيره علي: اختيار نوع وحجم المفيض (Spillway) وسعة التحويل (Diversion Capacity)، اللذان يحددهما حجم التصريف الأقصي(أي فيضان الذروةPeak Flood Flows) )
وثاني تلك الأعتبارات تتركز حول جيولوجيا الموقع والتي تشمل: زلزالية الموقع (والتي سنخصص لها حلقة حصرية ان شاء الله) والانزلاقات الأرضية ((Landslides وعدم نفاذية الصخور (Impermeability) أو التربة المحيطة بالموقع ، وأيضا بسبب غرينة الخزان (أي الترسب الكبير المحتمل للإطماء في الخزان) وجيولوجيا الموقع هي ذات تأثير مباشر علي ثلاثة عناصر: اختيار الموقع، سلامة السد وكلفته المالية
وثالث تلك الأعتبارات التي لم يستوفيها الموقع تتمثل في طوبوغرافية الموقع Topography)) غير الملائمة فمن مهددات سلامة السد البيئية مثلا (بجانب عدم جدارة الموقع ، وعدم شمولية تحقيقات الموقع التي أشرنا اليها في الحلقات السابقة) طوبوغرافية الموقع غير الملائمة والتي تشمل ( بجانب جيولوجيا الموقع): الخصائص الجيوتقنية للتربة كالتربة المتمددة (Expansive Soil) وسنتناول هذالجوانب ان شاء الله بتفصيل أكبر في الحلقة القادمة ان شاء الله حول فرص"انهيار السد" و التقرير حول سد النهضة الذي قام بإعداده المقاول المنفذ للمشروع، ونشرفي 29 أبريل 2014 ، قدم لأول مرة لخبراء اللجنة الدولية معلومات تفصيلية عن السد ، وقد عبرت اللجنة حينها عن تزايد شكوكها فى نوعية التربة في منطقة الخزان وتحملها لمشروع ضخم مثل مشروع سد النهضة ومما لا شك فيه أن سد النهضة قد صمم بمعرفة جزئية: حول ظروف الأساس (القاعي للنهر (River Foundation) و حول نوعية التربة في منطقة الخزان في الموقع لهذا فان شكوك اللجنة الثلاثية الدولية في هذا الصدد هي شكوك مشروعة! وسنعود لهذه النقطة بالتفصيل بعد قليل
عدم شمولية تحقيقات الموقع:
ومن مهددات سلامة السد البيئية الأخري التي أشرنا اليها في دراسة سابقة "عدم شمولية تحقيقات الموقع" ،مما يهزم أيضا فكرة استدامة سيطرة سد النهضة علي محيطه على المدى البعيد: فهناك دراسات كثيرة لم تعمل لهذا السد ومنها: الدراسات الأقتصادية والأجتماعية الدراسات البيئية التقييم البيئي (Environmental Assessment) تقييم الأثر البيئي والأجتماعي (Environmental & Social Impacts) لكن ما يهمنا هنا أكثر هنا ، مما يهزم أيضا فكرة استدامة سيطرة سد النهضة علي محيطه على المدى البعيد هو: التداعيات الخطيرة لغياب منظومة دراسات الجدوي المتكاملة، وكنا قد أشرنا اليها في الحلقة 12 بالقول أنه: لا يمكن تصورأن أثيوبيا قفزت الي مرحلة التصميم الهندسي الأساسي (Preliminary Design) –أهم مراحل التصميم الهندسي - في غياب "منظومة دراسات الجدوي" ، (التي لم يكن هناك بيان أثيوبي ذو مصداقية بوجودها) ، الأ بتعظيم مخاطر انهيار السد ف "الخطأ زاد العجول" كما جاء في الأمثال، اذ أن تلك ستكون قفزة في الظلام حيث أن معلومات دراسات الجدوي تمثل مدخلات اساسية: لتبني "تصورمحدد للتصميم "(Design Concept) ، و لتعريف النظم والبني ومكوناتها ولأستشراف الأداء المستقبلي ولتقدير الكلفة ، وأهم من ذلك ، هي تمثل مدخلات اساسية لمرحلة "التصميم التفصيلي" (Detailed Design) التي تلي مرحلة التصميم الأساسي!
و كنا قد أشرنا (في "شهادتي للتاريخ 12") الي أن هناك سبع دراسات جدوي كان ينبغي القيام بها ولم تتم، ومنها: "الجدوي الأدائية" (Operational Feasibility) ،والتي تبحث عن اجابات مثل: ما مدي سلامة السد في هذا الموقغ؟، وما درجة الموثوقية واستقرار الأداء فيه عند تشغيله؟ Stability of Operation )) وما هو تقديركلا من : العمر التصميمي والاقتصادي & Economic Life) (Design والعمر الخدمي (Service Life) والعمر الطبيعي (Physical Life) قبل ان يمتلئء الخزان بالطمي؟--فلا أحد – في أثيوبيا أو السودان أو مصر- يعرف أيا من تلك الأعمار حتي الأن!
ومن منظومة تلك الدراسات الغائبة أيضا "الجدوي المؤسسية والسياسية" (والتي تعني بمدي تصادم المشروع مع مصالح دول الجوار الخ…) ثم "الجدوي الأجتماعية والبيئية" للمشروع:وهي تعني بالسؤال الجوهري الذي يعلو علي كل الأسئلة الأخري بالنسبة للدولة صاحبة المشروع وهو: "هل ينبغي القيام بهذا المشروع"؟ أي هل يجب بناء السد أصلا؟ بمعني "ما هي مقبولية المشروع اجتماعيا و بيئيا وهل يفضي المشروع الي : تمزيق (الحاق الفوضي ب) النظام البيئي Eco-System ؟ والي تراكم الطمي في الخزان والإتخامية (Eutrophication) وهل يحقق المشروع نظام الحساب الرباعي (The “4-Account System”): بحيث أن مشروع كتوليد الطاقة الكهرمائية ينبغي أن يكون معني بتأثير السد على حياة المجتمع الأثيوبي وعلي المياه واستخدامات الأرض، وتعزيز ما يطلق عليه"الرباعية التنموية" التالية: التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية الإقليمية والتنمية البيئية علما بأن السياسة البيئية الوطنية للولايات المتحدة في شأن السدود تطلب (بموجب قانون 1970): القيام بتقيم بيئي (Environmental Assessment)، ثم اتباع ذلك ب "بيان الأثر البيئي" Environmental Impact Statement علي أن يشمل "بيان الأثرالبيئي" : الفوائد (Benefits) الناتجة عن السد (الزراعة والمياه، والطاقة – أجل: ومنع الضرر أو الأضراربالأخرين !)، و يشمل "بيان الأثرالبيئي" اضافة: التأثيرات على جيولوجية المنطقة وما إذا كانت التغييرات في تدفق المياه ومناسيبها سوف تزيد أو تنقص الاستقرار، وتخفض وتيرة وجودة الحياة البشرية!
ولا يبدو أنه قد تمت حتي الان اي دراسات جادة لتقيم الأثر الأجتماعي والبيئي لسد النهضة. (Environmental and Social Impacts) ، سوي أكان ذلك الأثر علي أثيوبيا أو علي دول الجوار!
من جانب أخر ، فان تزامن غياب "دراسات سلامة السد" ( Safety Studies) ، مع غياب "دراسات الجدوي) قمين بأن يهزم فكرة استدامة سيطرة سد النهضة علي محيطه من اساسها على المدى البعيد:
و دراسات سلامة السد" ، عادة ما تتطلب تقييما لأنتقال موجة الفيضان (أي الرسم المائي Hydrograph) في الأحباس السفلي، أي تقيم علاقة موجة الفيضانات الوظيفية مع الوقت لتوفير معلومات عن: المناسيب وسطح الماء وقت ذروة الارتفاعات تصريف ذروة الفيضان توقيت تلك الارتفاعات والتصاريف في مواقع مختلفة في الأحباس السفلي لسد النهضة (السودان ومصر) ومثل هذه الدراسات تتطلب ايضا وضع برامج لسلامة السد، والتفتيش الدوري و"قياس السلوك" مثل: الحركة و الإمالة في جسم السد Structure Deflection & Movement)) وضغط الدفع العلوي للمياه ((Uplift Pressure وتشوهات الأساس (Foundation Deformations) و النشاط الزلزالي وتحري أضرار "التجويف" ("النقرة"(Cavitation Damage التي قد تطال الآلات والمنشآت الهيدروليكية (كالمفيض و عداء مروحة التوربينات (Turbine Runners)، ودعامات البوابات ( Gate Piers)
ومما يهزم فكرة استدامة سيطرة سد النهضة علي محيطه على المدى البعيد أيضا هو ضعف القدرة علي حسن ادارة وتعظيم الأستفادة من مياه النهرولجم الجفاف التي تتبدي في الأتي:
فاذا كانت اثيوبيا ودول النيل الجنوبي دول "منبع، والماء فوق ظهورها محمول"، فالسؤال المشروع هنا هو: لماذا يضرب الجفاف – ورديفته المجاعة —دول النيل الجنوبية مثل اثيوبيا وكينيا أكثر مما يضرب ما يسمي بدول "المصب " كمصر والسودان ، حتي غدا حالهم "كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ" ؟ الأجابة المنطقية هنا علي هذا التساؤل تكمن في أن الأمر هنا يتصل بالعوامل التي تضعف القدرة علي حسن ادارة وتعظيم الأستفادة من مياه النهرولجم الجفاف وهي عديدة ، نذكر منها: حجم الجريان السطحي والجوفي مدى التموين المائي المتوفر في نقاط مختلفة على طول النهر توفر السعات التخزينية بالأحجام المناسبة-السد العالي مثلا بانفرادة في نهر النيل—حتي الان - بخاصية "التخزين المستمر" (Over-Year Storage والمبنية علي فكرة التخزين لسنين الشدة التي جاء بها النبي يوسف عليه السلام-- "تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ" – يوسف 47) ، يتيح لمصر تخزين كل فائض التدفقات من النيل إلى أجل غير مسمى تقريبا مما ، وفر لها تعظيم الأستفادة من مياه النهرولجم الجفاف والمجاعات التي عهدتها في عهد سيدنا يوسف ( عليه السلام) ومن جاء بعده!
ومن العوامل الأخري التي تضعف القدرة علي حسن ادارة وتعظيم الأستفادة من مياه النهرولجم الجفاف: صغرحجم مستجمع مياه النيل(Nile Catchment) داخل القطر، فبينما يبلغ هذا الحجم % 60 للسودان بشقيه، و 10 % لمصر(والتي عرفت نقصان المياه والجفاف من زمان غابر حتي أمن لها السد العالي المياه كما أشرنا عاليه) ، قارن هذا بصغرحجم مستجمع مياه النيل لدي اثيوبيا ودول النيل الجنوبي (دول "المنبع"!، كما يقال): 12 % لأثيوبيا 7 %لأوغندا 3 %لتنزانيا 4 % لأرتيريا وكينيا وبورندي ورواندا و جمهورية الكونغو الديمقراطية مجتمعين
ومن العوامل الأخري التي تؤثرعلي حسن ادارة وتعظيم الأستفادة من مياه النهرولجم الجفاف القدرة علي التحكم في الحجم الضخمم للجريان السطحي(Surface Runoff) داخل القطر(حيث الغلبة لأثيوبيا ويوغندة) ومدي نطاق التقلبات الموسمية لتدفق مياه النهر والظروف المادية والمناخية للمنطقة التي يعبرها تدفق النهر و توفر الموارد البشرية المؤهلة والخبرات في مجالي والهيدرولوجيا ، والهيدروليكا وتوفر البني التحتية واعمال وتطبيقات تقنيات الهندسة : نوعها و طبيعتها واستشراء المنشئات الهندسية التي يستطيع المهندسون اشادتها لترويض النهر وتجويد "تقنية التشغيل" (Reservoir Operating Rules) ونظم الخبرة (EXPERT Systems) التي تستخدم في تشغيل الأعمال الهندسية وإصلاحها وفي الاستعمال الأقتصادي للمياه والنشاطات التنموية التكاميلية ومرحلة التنمية التي يمر بها القطر، والقدرة على الاستفادة من فرص التنمية المتوفرة (مثلا لأبعاد شبح الجفاف والمجاعة) ، وهو أمر يعتمد بدوره على : o القاعدة الاقتصادية الوطنية o ونضج القوانين والمؤسسات o وتملك ناصية التكنولوجيا المائية، o وتوفر الأراضي الصالحة للزراعة وخصوبة تربتها ، وطلاقة الحركة في اختيار مواقع المنشئات الهندسية لتجنب هدر المياه
من الجلي اذا أن العوامل الكثيرة هذه كانت وراء ضعف قدرة دول الأحباس العليا في حسن ادارة وتعظيم الأستفادة من مياه النهرولجم الجفاف والمجاعات
عناصر الضعف الأخري في موقف دول الأحباس العليا التي تهزم أيضا فكرة استدامة سيطرة سد النهضة علي محيطه على المدى البعيد
ندرة القوى العاملة الماهرة في مجال الموارد المائية من ذوي الخبرة في التحكم الهيكلي وغير الهيكلي في التدفقات المائية ، و كان "ويتنغتون" (Whittington) و "وتربيري"(Waterbury) و"ماكليلاند" ( McClelland) في ورقتهم بعنوان"من أجل التوصل إلى اتفاق جديد لمياه النيل"، كانوا قد أشاروا في هذا الصدد الي أن "المشاطئة من الأحباس العليا لديهم عدد قليل جدا من ذوي الخبرة الهيدرولوجية اللازمة )أو معرفة التاريخ من جهد إدارة مياه النيل ) للمشاركة بفعالية في أية مفاوضات"…(وليس) لديهم نماذج محاكاة محاسوبية تشغيلية لحوض النيل بمجمله ... التي يمكن استخدامها لفحص ... عواقب سيناريوهات مختلفة لإدارة (الموارد المائية)* *(Whittington, D.,J. Waterbury & E. McClelland: "Towards A New Nile Waters Agreement, in A. Dinar et al. 1995. Water Quantity/Quality Management & Conflict Resolution) والأفتقار الي الموارد المالية اللازمة لتحقيق الطموحات المائية ومرحلة التنمية الأقتصادية الحالية التي تمر بها تلك الدول غير مؤاتية للاستفادة الواسعة من فرص استغلال الموارد المائية ، بسبب اعتماد ذلك الأستغلال على الدعم الذي فشلت في توفيره: القاعدة الاقتصادية والقوانين والمؤسسات والنشاطات التنموية التكميلية والبني التحتية ذات الصلة وعدم توفر بدائل منخفضة التكلفة للطاقة والنقل، على سبيل المثال: توليد حراري (بخاري أو نووي المنشأ) حتي لا تقع البلد اسيرة لتذبذب التوليد الكهربائي مع تذبذب الأيراد المائي وارتفاع كلفة خطوط النقل الكهربائي الطويلة مع التبديد الكبير للطاقة الذي تنطوي عليه تلك الخطوط الطويلة وعدم توفر بدائل منخفضة التكلفة للنقل البري والحديدي والذي يسم –بصورة واضحة—الهضبة الأثيوبية (الجبلية) ووجود تناقضات عصية علي الحل لتشغيل الخزانات ،دون التضحية ببعض الأهداف الأساسية لأغراض التخزين المائي المتمثلة في تعظيم التوليد الكهرومائي وعدم تملك أثيوبيا (ودول الأحباس السفلي) حتي الأن: ل"حقوق مخولة " Vested Rights) ) وهي حقوق مضمونة تماما، كحق قانوني بموجب السبق في الأستغلال المائي(Prior Appropriation) أو ل"حقوق مكتسبة" (Acquired Rights) وهي حقوق تتأسس بمقتضي الأتفاقيات (كحقوق السودان ومصر في ظل اتفاقية مياه النيل لعام 1959 ) ومما يهزم أيضا فكرة استدامة سيطرة سد النهضة واخوته الكاملة علي محيطهم من اساسها على المدى البعيد ، تجاهل أثيوبيا لأنجع الطرق لضبط النيل المتمثلة في التعامل مع حوض النيل كوحدة هيدرولوجية من خلال التنمية المتكاملة للحوض التي تتجاوز الحدود السياسية (Integrated River Basin Development) اذ أن ” ضبط نهر النيل بأجمعه...لا يمكن أن يتم بعمليات مستقلة ، بل يجب أن ينظر اليه كعملية واحدة غير قابلة للتجزئة ، لأن أي عمل صناعي يقام في أية ناحية من الحوض يؤثر...علي نظام النهر في النواحي الأخري“(كما أشار الي ذلك المهندس"علي فتحي" في ”مجموعة محاضرات وحدة وادي النيل ” الصادرة عن جمعية المهندسين المصرية في 1947) وأمنت علي ذلك خطة وادي النيل (NVP) عام 1959)
ومما يهزم فكرة استدامة السيطرة علي المحيط على المدى البعيد ، من اساسها أيضا أن الضبط بالتخزين يتبع قانون تناقص الغلة: Law of Diminishing Returns) ، وبسبب ذلك فان كبر سعة السد لا توفر أكبر درجة من القدرة علي التحكم في تدفقات النهر! فمما لا شك فيه – كما أشرنا من قبل - أن أهم دوافع أثيوبيا لتشييد سد بهذه السعة الكبيرة و الأرتفاع العالي واستعدادها لدفع الثمن الباهض للأرتفاع وكبر السعة ، هي رغبتها في توفير أكبر درجة من القدرة علي التحكم في تدفقات النهر (Discharge Control ، وليس ضبط النهر) فتخزين افتراضي لسد النهضة بسعة تعادل ايراد النيل الأزرق السنوي عند موقع السد(والبالغ 52.6 مليار م3، وفق التقديرات الأثيوبية) يمكن أن يتحكم في (تنظم) ~ 40٪ من حجم التصريف النهري Discharge Volume) ) من خلال الضبط بالتخزين(Regulation by Storage) الا أن مضاعفة سعة التخزين تلك لا تزيد ضبط التدفق المائي بأكثر من ~ فقط 33٪! أما خزان سد النهضة الحالي بسعة تعادل كل نصيب السودان ومصر السنوي من مياه النيل (74 مليار م3) ،فلن يستطيع أن ينظم أكثر من 57% من الأيراد (عند موقع سد النهضة) من خلال الضبط بالتخزين ، وكل ذلك بسبب قانون تناقص الغلة: (Law of Diminishing Returns) ، راجع ما قلناه في الحلقة الحادية عشر تحت عنوان " هل صحيح لن يحدث بعد سد النهضة فيضان للنيل؟) كما أن في حشد العديد من السدود ، كما في حالة خزانات أثيوبيا العديدة المقترحة ، يصل الأمر الي حالة يصبح فيها كل كسب ضبطي للمياه تنتقص فائدته بزيادة حجم فقد التبخر! مع تحويل بعض الأحباس الوسطية في مجري النيل إلى نوع من "الخزانات" الأقل إنتاجية و ضياع ري الجروف!
ومما يهزم فكرة "استدامة سيطرة سد النهضة و واخوته علي محيطهم" من اساسها على المدى البعيد ، ، ما تنطوي عليه "قواعد تشغيل الخزان " (Reservoir Operating Rules) من تناقضات داخلية وتصادمات يفرضها "نظام التسلسل الاجتماعي للأغراض" ان عمدت أثيوبيا لجعل خزان سد النهضة متعدد الأغراض(Multi-purpose Dam)،
و"قواعد التشغيل” لأي خزان هي "مجموعة من الموجهات لبدء الأطلاق والإفراج عن المياه عن طريق توزيع هذه المياه بين: الأغراض المختلفة للخزان الأزمنة المختلفة ((Time-Periods والخزانات المختلفة(في حالة تعدد الخزانات المتتاليةCascaded Dams ) وكنا قد أشرنا عرضا ل "قواعد تشغيل الخزان" في الحلقات السابقة من هذه الداراسة الموسعة وسنخصص لها حلقة حصرية ان شاء الله لمزيد من الأيضاح خاصة وقد تكون هذه القواعد هي الملجأ الأخير للسودان ومصر لخفض وتيرة أضرار سد النهضة اما ان عمدت أثيوبيا الي خفض منسوب سد النهضة عن 640 متر لتفادي غمر أراضيها، فذلك سيقلص فرق التوازن المائي لينعكس سلبا علي توليد ال 6000 ميقاوات المنشودة والمزعومة! وان عمدت أثيوبيا لجعل خزان سد النهضة متعدد الأغراض ، فمن الضروري عليها حل التناقض بين الأغراض المختلفة ، وهذا يضع المخطط الأثيوبي أمام معضلة التضحية بهدفه الرئيسي في تحقيق أقصي توليد كهربائي ممكن ، ان كان لهذا المخطط الأثيوبي الأيفاء بمتطلباته القومية المائية الأخري ، و الأيفاء بوعوده المائية والخدمية لدول الجوار ! و سوف يكون توزيع المياه وفق قواعد تشغيل الخزان محكوم ومقيد ب 4 محددات أساسية: معلمات مدخلات تصميم النظام (Design Input Parameters ) متطلبات المخرجات (الانتاج) البيانات الهيدرولوجية (للجريان السطحيRunoff) وبالظروف الداخلية للنظام،
وكما أشرنا من قبل ، فان "الحجم الهيدرولوجي" للسد هو أكثر أهمية من "الحجم المطلق"( Absolute Capacity) فبينما الخزانات صغيرة الحجم الهيدرولوجي: [Capacity /Inflow<50%]: كسد الحدود (Border Dam C/I =15 %) أو كسد الروصيرص C/I =10.8% )) تريق جزء كبير من الفيضانات(Spills Large Part of Floods) نجد أن الخزانات كبيرة الحجم الهيدرولوجي (C/I>50%) ، كسد النهضة (C/I =147% ) لا تريق الا القليل من (مياه) الفيضانات(Spills Small Part of Floods) مما يقيد قدرة سد النهضة في تفريغ الخزان بصورة دورية وفق سياستها في إدارة الرواسب الطميية لتفادي تقليص سعة الخزان، اذ أن حجم ما يصحب ذلك من فقدان للمياه المرصودة للتوليد الكهربائي ، لن يكون مقبولا لهيئة الطاقة الكهربائية الإثيوبية ! معني هذا أن هجرة الأثيوبين من سد الحدود الي سد النهصة ستكون من كلفتها أيضا: § اضعاف قدرتهم علي ادارة مشكلة الفيضانات (بحجزها أو اطلاقها وفق ما تقتضيه مصالحها)، § عكس الحال مع سد الحدود الذي يمكنها من اراقة جزء كبير من الفيضانات!
وكل ما سبق مما يهزم فكرة "استدامة السيطرة علي المحيط" بسبب ، ما تنطوي عليه "قواعد تشغيل خزان سد النهضة" من تناقضات داخلية وتصادمات يفرضها "نظام التسلسل الاجتماعي للأغراض (Purposes’ “Pecking Order):
ورغم "استعباد" (هيمنة) سد النهضة علي سدود النيل ، فان حاكمية (قيد) التخزين علي سقف إنتاج الطاقة الكهرمائية ، لن تمنح سد النهضة السيطرة الكاملة على محيطه!
فالتخزين في الخزان -- والذي يعز عادة الحصول علي الموقع المناسب له - هو العامل المفتاح أو "الحدي" (Limiting or Controlling Factor) المحدد لتنمية الطاقة الكهرمائية، وهو بهذا يرفع من قيمة الطاقة الكهرمائية إلى حد كبير، لأنه يتيح استخدام الطاقة الكهرمائية عندما تكون في أعلى قيمة لها بالنسبة لشركة الكهرباء ، ورغم أن السعة الكلية لسد النهضة تبلغ 74 مليارم3 ، الا أن ما يهم هنا هو "التخزين المفيد" Useful Storage خاصة "تخزين الحفظ" (Conservation Storage)، الذي يعول عليه للتوليد الكهرومائي (والذي يعادل "التخزين الحي" ناقص "تخزين الفيضان" وناقص تخزين الحد الأدني للسحبMinimum Drawdown Pool )، مما جعل نسبة "التخزين المفيد" تتقلص كثيرا في السدود العالمية لتبلغ مثلا 30% من "التخزين الحي" (Live Storage) في السدود المقامة علي نهر مثل نهر كولمبيا ، بل والي 25% فقط من "التخزين الحي" في منظومة سدود نهر تينيسي الأمريكيين ! وامتلاء السد بالطمي : يقلص حجم "التخزين المفيد" و"تخزين الحفظ" لأدني من ذلك! ويقلص أيضا حجم "تخزين الفيضان"، مما يقود الي النقص في السيطرة على الفيضانات! ويزيد حجم الأحمال علي السد بسبب الوزن الثقيل للرواسب الطميية! وسدود التخزين يتم لها عادة توفير مخارج ((Outlet Works ، أي مأخذ سفلي أو"بوابات تحكم" (Sluiceways) تمكن من سحب مياه الخزان (للري مثلا) أو لأفراغ (طرد) الرواسب الطميية مثلا : مثل هذه البوابات عادة تعمل جنبا الي جنب مع المفيض (Spillway) -- أو في غيابه ( كما في حالة سد جبل أولياء مثلا ) -- للسيطرة على الخزان خلال الفيضانات أو في الظروف العادية ، لكن سد النهضة ليس له الا 2 من مثل "بوابات التحكم" هذه! وفي قلة عدد "بوابات ال" (Sluiceways في سد النهضة (أو غيابها كما هو الحال في السد العالي) يكون جل التصريف للسيطرة علي الفيضانات المشبعة بالطمي عبر التوربينات (بجانب المفيض) : لكن مرور الطمي عبر التوربينات (عند توليد الكهرباء) سيستدعي إصلاح مستمر لها و ينجم عنه ابقاء العديد من هذه التوربينات خارج الخدمة طول الوقت، مما يمثل فقدا كبيرا للتوليد الكهربائي و خصما علي هدف توليد 6000 ميقاواتس المنشودة من السد! (أنظر كيف استقرت القدرة المقدرة للتوليد الكهربائي في السد العالي عند 2.1 قيقاواطس، عوضا عن التوليد المتوخي أصلا والبالغ 10 قيقاواطس! ، أي أقل من خمس حجم التوليد الكهربائي الذي كان مرجوا من السد العالي !) وهكذا هنا ايضا تحرم حاكمية (قيد) التخزين علي سقف إنتاج الطاقة الكهرمائية ، العزيز من السيطرة الكاملة على محيطه! وهناك أيضا مشكلة ترسب الطمي في سد النهضة " (التي عبر عنها رئيس وزرائها السابق مليس زناوي حين قال أنه ، " ببناء سد الألفية ستواجه أثيوبيا وليس السودان مشكلة الطمي داخل أراضيها"(الأهرام اليوم12-5-2011 نقلا عن الحياة اللندنية) ، بجانب هوية السد الحصرية ك "سد طاقة ، (وفق تأكيد أثيوبيا) ، مما يجعل تداعيات كل ذلك تهزم فكرة استدامة السيطرة علي المحيط من اساسها على المدى البعيد : ولما كان الأرجح في حالة سد النهضة أنه"سد طفح" (Overflow Dam)، كحال معظم سدود توليد الطاقة ( Power Dams): فرغم أن سد النهضة "كسد طفح" سيقلل من حجم الفيضان (أي خفض تصريف الذروة) إلى حد ما ، ولكن ذلك ليس أكثر بكثير من تخزين المجري الطبيعي! كما أن سد النهضة -- كسد طفح -- لن يحقق الشق الأخر من مكافحة الفيضانات ، في ضبط المناسيب (Level Regulation) في الأحباس السفلي للنهركما قد زعم! (أوضحنا هذه النقطة في حلقة حصرية موسعة بعنوان " هل بوسع سد النهضة تنظيم انسياب النيل؟")
علما بأن الحماية الفعالة من الفيضانات مثلا ، كما يقول Linsley ،تتطلب --على الأقل—أن يكون ثلث إجمالي حوض النيل المراد حمايته من الفيضانات تحت ضبط الخزان ، وهو أمر ليس متوفر حاليا!
احباطات فكرة سيطرة سد النهضة علي محيطه الأقليمي من خلال "جذرة بيع الكهرباء" للسودان ومصر:
"شكك تقريراللجنة الدولية في قدرة سد النهضة على توليد 6000 ميقاوات من الكهرباء دون ايراد حيثيات تشككه ، لكنه أوصي إثيوبيا بضرورة التحقق من ذلك بادي ذي بدء ، فان معظم السدود المائية التي بنيت لتوليد الكهرباء لم تصل الي تحقيق أهدافها الأصلية لحجم توليد الطاقة التي نشدها بناة تلك السدود ،فعلي سبيل المثال: في سد أسوان العالي: بسعة 162 مليار م3 وارتفاع 111 متر:رست القدرة المقدرة (Rated Power) للتوليد الكهربائي (الميقاواتس) ، علي 2.1 قيقاواطس وذلك عوضا عن التوليد المتوخي أصلا والبالغ 10 قيقاواطس ، أي أقل من خمس حجم التوليد الكهربائي الذي كان مرجوا من السد العالي!
وفي سد تكيزي الأثيوبي : بقيت محطة الطاقة الكهرومائية خارج الخدمة لمعظم عامها الأول بسبب الجدب (التدفق النهري المنخفض)الذي أبقي منسوب الخزان أقل من أن يسمح بتدوير التوربينات!
ولما كان فرق التوازن المائي (Head) والتصريف (Discharge) هما العنصران الحاسمان للتوليد الكهرومائي ، ولما كان المتوسط السنوي المخطط له لأنتاج الطاقة من سد النهضة يبلغ 15692 قيقاواتس- ساعة ، هذا يعني أن "الكفاءة الهيدروليكة لمحطتي التوليد ستكون في حدود 80 % ورغم أن كفاءة محطات التوليد الكهرومائي تتراوح عادة بين 33-95٪، الا أن هناك من الأسباب ما يدفع الي الأعتقاد بتدني كبير محتمل لكفاءة محطتي توليد سد النهضة ، اذ أن هيئة الطاقة الكهربائية الإثيوبية ستجد نفسها مرغمة: بعدم تشغيل التوربينات قريبا من مستوي الحمولة الكاملة (Full Load)، وهي أيضا لن تستطيع استخدام عدد كبير من الوحدات على النظام لتجنب التحميل غير الكفؤ، وكل ذلك سيكون خصما علي انتاج ال6000 ميقاواتس المنشودة
صحيح أن أرقام “الميقاواتس” و”الميقاوات-ساعة” المنسوبة لسد النهضة تضع "عامل القدرة" المخطط له لمحطتي التوليد عند 30% ، الا أن هذا الرقم – في بعض الحالات – يمثل نصف مما ينسب لمحطات التوليد الأخري الأصغر في إثيوبيا ، مما يعزز الأعتقاد أن سدا أصغر (كسد الحدود) كان سيكون أكثر جدوي من سد االنهضة من حيث الكفاءة والكلفة!
لكن في واقع الأمرهذه الأرقام للكفاءة مُضَخِّمُة بسبب تضخيم القدرة المركبة : فباستخدام معادلة التوليد الكهربائي بطريقتن مختلفتين: أولا مع صافي فرق التوازن المائي وثانيا مع ارتفاع السد ، نجد أن القدرة المركبة ( التوليد الكهربائي) عند سد النهضة هي في حدود (1639) ميقاواتس ،أي أقل من ثلث ال 6000 ميقاواتس التي روجت لها هيئة الطاقة الكهربائية الإثيوبية! وهو أمر يبرر شكوك اللجنة الدولية ! ولما كانت الدراسة الامريكية ل"سد الحدود" أوصت بارتفاع 85 متربنفس الموقع ، (ووضعت التوليد عند 1400 ميقاواتس )، نجد أن رفع سد الحدود الي 145 متر لم يضف الا 3% فقط من الميقاواتس التي تزعم الهيئة أنها قادرة علي توليدها من السد وهي اضافة متواضعة لا تفسر استبدال سد الحدود بسد النهضة ولما كانت شبكة الكهرباء الأثيوبية يهيمن عليها التوليد الكهرومائي ( بنسبة 99%) ، وفي ظل هذه الهيمنة فان تفاوت حجم تيار النيل الأزرق : يجعل الأنتاج الكهرومائي يتقلب بين موسم وأخر و سنة وأخري ويدفع في اتجاه زيادة فاقد الطاقة (أي ما يسمي Hydro Transmission Liability”" ويولد تصادم الأغراض في خزان سد النهضة
والتصريف الأدني للتوربينات هو واحد من ثلاثة خصائص للتوربينات التي تحِدّ من الطاقة التي يمكن لسد النهضة تطويرها حيث أن: "مشاكل التجويف" (Cavitation's Problems) تعيق التوليد الكهرومائي تحت التصريف الأدني للتوربينات كما ان منسوب الخزان قد يتدني لمستوي منخفض للغاية ، مثلا : بسبب الجدب (Low Flows) الناجم عن التغير المناخي بحيث لا يسمح بتشغيل التوربينات (كما حدث في حالة سد تكيزي الأثيوبي) ، أو بسبب الخطأ في التنبؤ بالدفق المائي ، أوبسعة الخزان (كما حدث في حالة سد "قيب الثالث" الأثيوبي)
كل هذا يذهب في اتجاه احباط فكرة سيطرة سد النهضة علي محيطه، :
كما أننا أشرنا في الحلقة الثالثة الي أن عنصري وقود" الطاقة الكهرومائية (التخزين كقيد مكاني و الجريان النهريالموثوق به كقيد زماني) مقيدان ، فهذا يجعل الطاقة الكهرومائية : o مصدرا "محدود الوقود" (Fuel-limited) ، أي لا يمكن تركيب سوى قدرة (Capacity)محدودة، o وعادة لا يتم استخدامها الا لزمن محدود-- حوالي 50-60٪ من الوقت! o وذلك نقيض توليد الطاقة الحرارية: فهي "غير محدودة الوقود" (Fuel Un-Limited) ، فإمدادات الوقود إلى حد كبير تحت سيطرة المشغل الحصيف، وبالتالي، يمكن تركيب قدرات كبيرة حسب احتياجات الطلب علي الطاقة ، وقد أشرنا لهذا ألأمر بصورة أكثر تفصيلا عندما تحدثنا عن "أين يمكن أن تكمن أسباب التدني المحتمل لكفاءة محطتي توليد سد النهضة؟"
فكل ما سبق قمين بأن يَحِدّ من قدرة توليد ال 6000 ميقاواتس المزعومة! وهو مثل حي لأحباطات فكرة السيطرة علي المحيط من خلال "جذرة بيع فائض الكهرباء" –وان شئت فقل بيع الوهم - للسودان ومصر--
وبالأضافة لكل ما سقناه عاليه من أسباب تعيق ، ليس فقط توليد ال6000 ميقاواتس المفترضة من سد النهضة ، بل وحتي ال1639 ميقاواتس ( سقف التوليد الحقيقي لسد النهضة ) ، هناك عناصر"عدم اليقين" والتي يمكن أن تكون : هيدرولوجية، كتدفق المجاري المائية، الخ... أو هيدروليكية، كالتفاوت في المواد أو أخطاء النمذجة الخ …،: أوهيكلية كالتعرية أو التشبع بالمياه وفقدان استقرار التربة الخ...وسوف نتناولها ان شاء الله في حلقة بعنوان"مخاطرالأنهيارالمحتمل لسد النهضة"
اذا ، كما رأينا ،استبدال سد الحدود بسد النهضة لم يكن هدفه سوي تحقيق التحكم في مياه النيل الأزرق، ولكن بكلفة زيادة مخاطر انهيار سد النهضة الأم، (سنوضح كل هذا ان شاء الله في الحلقة القادمة عن "مخاطر انهيار السد")
لكن لماذا علي المرء أن يعتقد أن أثيوبيا ستعير اهتماما لغير مصالحها ، بمعني : من يضمن أن أثيوبيا ستعيد ترتيب اولياتها في اجراءت تشغيل الخزان (Reservoir Operating Rules مثلا: لتأمين متطلبات التخزين للتحكم في الفيضانات لحماية السودان علي حساب توليدها للطاقة الكهرومائية ؟ لرعاية مصالح المشاطئة الأخرين(السودان ومصر) في توزيع حيز الخزان لأحترام حقوق المياه للمشاطئة الأخرين(السودان ومصر) لمراعاة اعتبارات سعة المجري في الأحباس السفلي في اطلاق المياه للسودان ومصر للألتزام باعتبارات متطلبات الملاحة وجودة المياه في الأحباس السفلي(السودان(
صعوبة أو استحالة الأيفاء بهذه الشروط عاليه تبدو واضحة ، لكنها ستصبح أكثر وضوحا في الحلقتين الباقيتين من هذه الرباعية
دراسة حالة: • تداعيات التوليد الكهربائي علي زيادة الفقد المائي في حوض نهر الفولغا: " To know Russia is to know the Volga" (مثل روسي) نهر الفولغا والذي يقع في الجزء الغربي الأوروبي من روسيا ويصب في بحر قزوين (والذي تقع عليه أوعلي روافده مدينتي موسكو و ستالينغراد ، و تم علي ضفافه حسم الحرب الأهلية التي تبعت ثورة 1917 ومات في حمايته مليون روسي في الحرب العالمية الثانية!)، هو أطول أنهارأوروبا وأغزرها (متوسط) التصاريف (8,076 م3 في الثانية، رغم التباين الحاد في التصريف السنوي كما في النيل الأزرق) وهو مثل حي لكيف يمكن أن يكون تأثيرسدود الطاقة الكهرومائية الأثيوبية بالغا بالنسبة لدول الأحباس السفلي (السودان ومصر): فقد أدي تطوير حوض نهر الفولغا ( Volga River Basin) لأنتاج الكهرباء ، من خلال مجموعة من الخزانات بلغ اجمالي سعتها 83 مليار م 3(وهو ما يقارب سعة يد النهضة) الي: انخفاض ملحوظ في الجريان السطحي ((Runoff في السنوات الأولى للتخزين، مما قاد بدوره الي : تغير بالغ في (حجم واستقرار)الجريان النهري، ولم يبق من ظروف الجريان الحر (Free Flow) فيه الأ ما يلي منبعه (Headwaters) وأقصي أحباسه السفلي ! مع تغير بالغ في حركة ترسب الطمي وزيادة فاقد التبخر وزيادة فاقد تغذية المياه الجوفية (Groundwater Recharge Losses), ونتيجة لذلك: انخفض مستوى سطح بحر قزوين لنصف متر بحلول عام 1973
وأخيرا، فرغم سَّطْوَةُ النهضة علي سدود النيل ، فلن تسعفه هَيْمَنتة هذه في السيطرة على الحوض كما طمح في ذلك بسبب العيون الأرضية التي تجري بالنيل الي مصبه:دعنا ندلف لفحص هذا الأمر:
مياه النيل وفق المبحث الكمي من الهيدرولوجيا الكلاسيكية: يبلغ متوسط سقوط الأمطار السنوي في حوض النيل حوالي1660 مليار متر مكعب ) %85 منها من حوض النيل الشرقي و %15 عبر النيل الأبيض)، وهو أقل من نصف ما يسقط علي حوض نهر الكنقو ، غير أن ما يصل منها لمجري النيل في حدود 84 مليار متر مكعب فقط (أي ≈ %5) ويبلغ متوسط سقوط الأمطار السنوي في السودان بشقيه 1610 ملي متر (منها 1000 في جوبا و800 في ملكال و400 في كوستي و150 في الخرطوم و909 في القلابات و800 في الرصيرص و579 في سنجة و400 في مدني و313 في كسلا و50 في عطبرة ثم يكاد ينعدم المطر شمالها)! لكن أين تذهب كل تلك الأمطار ؟ ، كما تساءل أحد الناشطين الأسفيريين؟ دعنا ننظر في علم المائيات لنري ماذا يحدث لكل الماء النازل من السماء؟ "
ينسب الي الثلاثي شيرمانSherman, 1932، وهورتون Horton, 1945 وتشو Chow1964، أرساء قواعد الهيدرولوجيا الكلاسيكية المعروفة (Classic Hydrology) ، والتي تصف مكونات "الرسم المائي لتغير تصاريف النهر مع الزمن" )الهيدروغراف) ، كمحصلة لأربعة مصادر مجتمعة وهي: المطر النازل مباشرة علي النهر (Cp) وهو عنصر لا يعتد به لصغر حجمه ، (اذ تشكل مستطحات النهر 1% من المساحة الأجمالية لحوض النيل مثلا) "الدفق السريع" (َ (Quick Flow، والذي يشمل عنصرين مائين: الجريان البري السطحي ( “or “Overland Flow, RS Surface Runoff) والينابيع (Springs) ،المنبثقة من المجاري المائية تحت الأرض وبين الجبال—مما أنبأ عنه القران في الأية الكريمة من سورة البقرة"وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ" (البقرة 74))-- و خلال حدوث العاصفة المطرية، يسهم هذا الجريان السطحي بمعظم التدفق الفوري لتيارالنهر التيارات المائية الجانبية السريعة التي تتحرك بصورة أفقية تحت سطح الأرض في الجزء غير المشبع من التربة حتى دخولها مجري النهر (“Interflow” or “Subsurface Runoff”, RI) "الدفق القاعدي" (Base Flow or Groundwater Runoff, RG )، وهو تدفق المياه التي تتسرب من خلال الجزء غير المشبع من التربة (Unsaturated Zone) في اتجاه عمودي حتى تبلغ منسوب المياه الجوفية (Water Table) وفي الأنهار دائمة الجريان (Perennial Streams) – كنهر النيل — يمثل "الدفق القاعدي" جزءا كبيرا من مكونات مياهها ، كما أنه يكتسب أهمية خاصة في مجال إدارة المياه لتلك الأنهار أذ أنه يؤمن لها استمرار جريانها على مدى فترات طويلة في أوقات الجفاف بين هطول الأمطار ويمكن اجمال ماتقدم بالمعادلة التالية لتصريف نهرالنيل(Q): Cp + (RS + RI) + RG = Q ومع ضالة حجم الساقط علي مجري النهر من الأمطار ، تتقلص المعادلة الي: (Cp) Q= (RS + RI) + RG و على الرغم من وصف الهيدرولوجيا الكلاسيكية لمكونات "الرسم المائي لتغير تصاريف النهر مع الزمن" ) الهيدروغراف) ، كمحصلة للثلاث مصادرالأساسية أعلاه مجتمعة الا أن الجانب الكمي العملي منها (Quantitative Hydrology) يتجاهل عادة هذا التوصيف الثلاثي و يأخذ بفرضية أن الجريان السطحي المباشر (Direct Runoff or Precipitation Excess ) ، والمسؤل عن الخاصية الفيضانية لمستجمعات المياه (Watersheds) ، يتكون حصريا من الجريان البري السطحي ((Overland Flow, RS ، مع أغفاله العنصرين الأخرين في معادلة ايراد النيل عاليه ! (
مصادر مياه النيل وفق الهيدرولوجيا الجديدة-- " إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِقُوهَا ، فَإِنَّ القَولَ ما قَالتْ حَذَامِ " (لجيم بن مصعب) :
النقلة المعرفية (Paradigm Shift) من الهيدرولوجيا الكلاسيكية الي “الهيدرولوجيا الجديدة”: "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة 111) ما أخفق في أخذه في الأعتبارأعمدة "الهيدرولوجيا الكلاسيكية الكمية" في القرن العشرين ، فطن الي دوره المحوري في ابقاء النيل جاريا عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قبل أربعة عشر قرنا ، فقد روى ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمر (رضى الله عنهما) أنه قال "نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب… وذللها له ...أمر كل نهرأن يمده فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له عيونا فأجرته إلى ما أراد الله عز وجل، فإذا انتهت جريته أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره".—وهو أمر تدعمه الأية الكريمة"وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ" (البقرة 74))- ولا غرو ، فقدعرف عن بن عمر أنه كان "مع علمه الشديد يتحرى في فتواه، ويخاف أن يفتي بدون علم".
القراءة الدقيقة للهيدرولوجيا الجديدة“ (Modern Hydrology) ، تشيء بأنها تلتقي مع فتوي عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) ، ففي هذا المنظور : § تعيب "الهيدرولوجيا الجديدة" علي"الهيدرولوجيا الكلاسيكية الكمية" اغفالها العنصرين الأخرين في معادلة ايراد النيل المشار اليهم عاليه – (أو "العيون التي تجري به الي ما أرد الله عز وجل" وفق تعبير عبد الله بن عمر-- رضى الله عنهما) ، وهما: التيارات المائية الجانبية التي تتحرك بصورة أفقية تحت سطح الأرض في الجزء غير المشبع من التربة حتى دخولها مجري النهر (”Interflow” or “Subsurface Runoff”, RI) و"الدفق القاعدي (Base Flow or Groundwater Runoff, RG) ، ويتم تجاهل هذا العنصر الأخير رغم أن أحد أهم أهداف ضبط النهر (River Flow Regulation، بجانب الحماية من الفيضانات ،ومساواة امدادات المياه زمنيا ومكانيا عن طريق التخزين، ومساواة السرعة والعمق في كل حبس من مجري النهر و خفض أو تثبيت نقل الطمي) ، أحد أهم تلك الأهداف هو زيادة حجم هذا الدفق القاعدي والمعول عليه في رفد مياه النهر(أقرا هنا النيل) لأنجاز مهامه الرسالية في الوصول الي البحر، وفي حالة نهر النيل ، فان هذا "الدفق القاعدي" و"التيارات الجانبية" هما مسوغ شرعنة اسهامات السودان الكبري في رفد مياه النيل (25 مليار م3 ، حتي بعد فصل الجنوب)!، اذا بسبب ما تقدم ذكره--وفق "الهيدرولوجيا الجديدة" -- فان العلاقات القديمة التي نسجت وفق "الهيدرولوجيا الكلاسيكية" (مثلا بين:كثافة وتوزيع الأمطار ، والتبخر ودرجة استجابة النهر الخ…) لم تعد قائمة ! ، ولا ينبغي أن يعتد بها ، ورغم هيمنة النهضة علي سدود النيل ،وعليه: فلن يستطيع هذا السد السيطرة على مَعِين حوض النيل كما طمح في ذلك ، وما هو غائر وذاهبا في الآرض لن يكون في متناولة —بسبب "العيون التي تجري بالنيل الي ما أرد الله عز وجل" وفق تعبير عبد الله بن عمر-- رضى الله عنهما) ! ! يتبع هذا ان شاء الله الجزء الثالث من الحلقة ( 23ب 2) من شهادتي للتاريخ : عن كيف يُضَارَّ السودان من سد النهضة ومُتَلاَزِمَاته؟ حول "هل أصاب هيغل في "شهادته" حول صِّلَةُ النهضة بسدود النيل؟"
وموضوعه: أن العلاقات غير المتكافئة (غير المتوازية وغير المتبادلة) بين سد النهضة وبنو عمومته من سدود النيل الأخري ، ضارة لحد بعيد "!