روسيا تَنْتَظِر رَدّاً أمْريكيّاً: سيناريوهات مُهاجمة أوكرانيا.. وهل سيكون الصقيع حليفاً لموسكو؟

 


 

 

بعيداً عن طرحِ الأسئلة، لا شيء يُمْكِن أنْ يُقَال حاليّاً، حول الاجتماع الذي جمع أمس الجمعة 21 يناير الجاري في جنيف وزيري خارجيّة الولايات المتحدة وروسيا الاتحاديّة، انتوني بلينكن وسيرجي لافروف. فهل نجح الاجتماع في نزْعِ فتيلِ الأزمة وأحدث اخْتِراقاً؟ أمْ سجّل نفسه كجهدٍ دبلوماسيٍ فقط؟ الإجابة على تلك الأسئلة ستكون محض تقديرات قبل أنْ ينطق الطرفان بقولٍ فصل.. لا باستدراجهما بأسئلة في مؤتمر صحفي وإنّما عندما ينضج القرار أو ينتهي الأمر إلى اتفاق تاريخي بالسير في طريق الحلول الدبلوماسية أو تركها والتوجه نحو حرب لا يعرف أحد كيف ستكون وإلى أين ستمْتّد وما هي تداعياتها.
استمر الاجتماع لِمُدّة ساعة ونصف، وعقد الوزيران مؤتمرين صحفيين منفصلين قدّما فيهما تقييمهما الخاص للنتائج، وجدّدا مواقفهما الثابِتة السابِقة، وذكرت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أنّ الاجتماع انتهى قبل الموعد المُقرّر بساعتين، وتلك إشارة لا تدفع للتفاؤل إنْ لمْ تُسجَّل في خانة التشاؤم!
من ناحيته قال سيرجي لافروف في أول ردّ فِعْل بعد المحادثات مع بلينكن أنّ هذا الاجتماع لمْ يكُنْ نهاية للحوار بين واشنطن وموسكو، مُضيفاً أنّه يأمل في "تقليص المشاعر" بعد هذه المفاوضات الروسية الأمريكية "الصادقة" وأن روسيا تتوقع تلقي إجابات مكتوبة الأسبوع المُقْبِل على مقترحاتها بشأن الهيكل الأمني الأوروبي المُقدَّم إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
وتدعو موسكو بشكل خاص إلى استبعاد أي توسُّع إضافي لحلف شمال الأطلسي في الشرق، خاصة في أوكرانيا، ووقف تعاون الحلف مع دول الكتلة السوفيتية السابقة، والتخلي عن مناورات الناتو ونشر القوات في أوروبا الشرقية.
وحذّرت واشنطن من أنه سيتم فرض عقوبات قاسية على موسكو في حال وقوع هجوم على أوكرانيا، بعد نشر أكثر من 100 ألف جندي روسي على حدودها مع جارتها.
ما يبعث بعض تفاؤل أنّ انتوني بلينكن قال في تصريحاته للصحفيين "مستعدّون للردِّ على مخاوف روسيا ونشترِط أنْ تستجيب روسيا لمخاوفنا"، وتلك، في تقديري، عبارة ستجعل مسار الدبلوماسية مفتوحاً، ولذلك أضاف بلينكن "ملتزمون بحل الخلافات دبلوماسياً، وإذا فشلنا فملتزمون بردٍّ حاسِم"

* أجواء الحرب الباردة تخيِّم على المشهد:
وعودة لقراءة تطورات الأزمة في أوكرانيا، وكيفية تناولها في الصحف ووكالات الأنباء العالمية وبالأخص الأوربية، في ظِلِّ تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، يقوم الخبراء بفحص الجغرافيا السياسية في المنطقة والسيناريوهات التي يمكن أنْ تنشأ إذا قرّر الرئيس فلاديمير بوتين غزو جارته أوكرانيا.
تناولت صحيفة (ناتسيونال) الرومانية تحليل تيم مارشال، الصحفي البريطاني المُتخصِّص في الشؤون الخارجية والدبلوماسية الدولية، لفهم الخلاف بين الناتو وروسيا حول أوكرانيا بشكل أفضل، ويرى تيم ضرورة إلقاء نظرة على التاريخ وأخرى فاحصة للخريطة، ويقول في تحليل لشبكة سي إن إن "خلال الحرب الباردة، كانت أوروبا مُنْقَسِمَة إلى حدٍّ ما إلى دول الناتو في الغرب بقيادة الولايات المتحدة، ودول حلف وارسو تحت هيمنة موسكو في الشرق. بعد الحرب الباردة، سعت دول شرق أوروبا للانضمام إلى حلف الناتو، دولة تلو الأخرى حتى اقترب الحلف من حدود روسيا. ويضيف مارشال "هناك سلسلة جبال الكاربات التي تمتد عبر أوروبا. ومن بحر البلطيق إلى حيث يبدأ الكاربات، هناك شكل من أشكال التضاريس المُسطّحة وعن طريق هذه المنطقة جاء نابليون والفرنسيون وهتلر والألمان والعديد من الآخرين الذين غزوا روسيا من هذا الاتجاه"، وأردف "إنّه وضع مُقْلِق تاريخياً لروسيا لذلك تسعى موسكو لملء هذا الفضاء باحتلاله، أو على الأقل السيطرة عليه".
ويواصل تيم مارشال "في عام 2014، كان رد روسيا هو احتلال شبه جزيرة القرم وميناء سيفاستوبول ثم ضمهما، مما سمح للأسطول الروسي بالوصول من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط ومن هناك إلى الطرق البحرية الرئيسية في العالم. وفوق ذلك ضمنت روسيا أيضا تأجيج الحرب الأهلية في منطقة دونباس لإنشاء منطقة عازلة صغيرة.

* أربعة سيناريوهات:
الآن يبدو بوتين أكثر طُموحاً، ففي حالة حدوث غزو لأوكرانيا، هناك أربعة سيناريوهات متّصلة يجب مراعاتها، كما يقول تيم مارشال:
الاحتلال والضم الكامل لمنطقة دونباس بالهجوم من شبه جزيرة القرم لضم هذه الأراضي وجعل المنطقة العازلة أكبر، ثُمّ القيام بهجوم على طول ساحل البحر الأسود، على أوديسا، وهي مدينة ناطقة بالروسية، مع ضم المنطقة الساحلية وبالتالي قطع خروج أوكرانيا إلى البحر الأسود.
ووفقاً للخبير مارشال، باتباع هذه السيناريوهات، تتمثَّل الخطة الأكثر طُموحا في نقل القوات الروسية إلى بيلاروسيا الصديقة، ثم الانتقال إلى أوكرانيا بتقدُّم وحدات ميكانيكية عبر الجنوب، عن طريق بوليسيا، إحدى أكبر مناطق المستنقعات في أوروبا المعروفة تحت اسم مستنقع (بينسك) أو (بريبيات). وهنا، يمْكِن لبوتين أنْ يراهن على الشِتاء، في انتظار أنْ تتجمّد تماما هذه المنطقة التي تمتد عبر أوكرانيا، ليحيط بالعاصمة كييف ويحاصرها. وأفضل وقت للقيام بذلك هو فصل الشِتاء، حيث لا يمكن للوحدات الآلية التقدُّم بسرعة إلّا على أرض صلبة أو متجمِّدة.

* فرص اعتماد الناتو وأوروبا على ألمانيا في مواجهة روسيا:

كثُرت تساؤلات الأوربيّون ودول حلف شمال الأطلسي عن فُرص اعتمادهم على ألمانيا ليواجهوا روسيا موحدين ومتحدين. ولا ريب أنّ برلين شعرت بذلك فتوجهت وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة، أنالينا بيربوك، هذا الأسبوع في زيارة للعاصمة الأوكرانية كييف ثُمّ انتقلت لموسكو، في محاولة لإقناع روسيا بعدم مهاجمة أوكرانيا.
وجاءت الزيارة على خلفية تضاعف التوتر حول الصراع في أوكرانيا وعدم تقدُّم المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا، ولا داخل مجلس الناتو وروسيا ولاقت الأمر نفسه في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وقد دفعت تحركات القوات الروسية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا الغرب إلى الخوف من أن روسيا تخطط جادة لغزو.
الشاهد أنّ ألمانيا - بسبب تاريخها - لديها علاقة معقدة مع الجيوش والحروب، ويبدو أنّ هذا النهج أصبح ذريعة مناسبة لعدم إفساد العلاقات مع روسيا، علماً بأنّ التقارب بين المستشارة السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان مسألة معروفة، على الرغم من أن ألمانيا تزعم دائماً الدفاع عن القيم الأوروبيّة والنظام الدولي الليبرالي.
وتتوقع أوروبا أنْ تستخدم ألمانيا سياسة القوة الصارِمة في مواجهة روسيا، وهو سلاح شرعي وضروري في ترسانة الدبلوماسية، غير أنّه نشأت في برلين سُلالة غريبة من الموالين لروسيا وعادة ما تكون مصحوبة بنوع من العداء المُقَنَّع لأمريكا، أي نوع من السياسة الشرقية (اوستوبوليتيك) تروِّج لعلاقة مُريحة مع الكرملين، على الرغم من أنّها تَضُر بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وبدلاً من استخدام القوة الصارِمة، غالباً ما عملت ألمانيا كوسيط في علاقة الاتحاد الأوروبي مع روسيا، في حين أن الجناح الجنوبي الشرقي لحلف الناتو لا يزال مكشوفاً، وتؤكد الأزمة في أوكرانيا بحِدَّة هذا الضُعف.
أثبتت التطورات أنّ ألمانيا أصبحت نفسها شريكاً حقيقياً في مشروع بوتين الجيوسياسي - خط أنابيب نورد ستريم 2 - الذي يسمح لموسكو بقطع تدفُق الغاز إلى أوروبا الغربية عبر أوكرانيا وبولندا ودول أخرى، ليصل منها مباشرة إلى ألمانيا التي تستطيع من عندها إمداد بقية دول غرب أوروبا بما تحتاجه من الغاز الروسي.
في خضم أزمة الطاقة، مع اعتماد أوروبا على شركة غازبروم الروسية، تجرؤ حكومة المستشار أولاف شولز في برلين على القول إن خط الأنابيب هذا - الذي لا يزال ينتظر الموافقة التنظيميّة - شأن خاص ولا علاقة له بمشاريع بوتين الأخرى، والقول الحقيقي هو أن ألمانيا، بل الغرب كله، يكشف أنّه يخشى الوقوف ضُد روسيا وفي مواجهتها، فيما الشرق مُمثل في بولندا ورومانيا ودول البلطيق الثلاثة الأعلى صوتاً بين دول الناتو بالمطالبة بَمّواجهة روسيا الاتحادية.
وعليه، من غير المعروف في هذا الوقت ما الذي ستفعله ألمانيا في حالة حدوث غزو الروسي لأوكرانيا، ولكنها يجب أنْ تقبل القول بأنّ هنالك لحظات في التاريخ تتطلَّب اتِّخاذ إجراء والقيام بأفعال وليس الوقوف عند السياج ومتابعة ما يحدث.

* تَقْسِم الولايات المتحدة وأوروبا على معاقبة روسيا. كيف؟
على مستوى التصريحات على الأقل، كما كتبت صحيفة (جورنالول ناتسيونال) الرومانية، يبدو أنّ البيت الأبيض تمكّن حتى الآن من الحصول على التزام من حلفائه الأوروبيين باتخاذ إجراءات صارمة ضد موسكو إذا غزت روسيا أوكرانيا للمرة الثالثة. ولكن، عندما يتعلق الأمر بما ترغب الولايات المتحدة وأوروبا في القيام به، لا يبدو أن الحلفاء مُتَّحِدون.
من وجهة نظر عسكرية، على سبيلِ المِثالِ، ميّزت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا نفسها منذ البداية بتقديم أو الموافقة على تزويد أوكرانيا بصواريخ مضادة للدبابات وطائرات مُسيّرة وسفن حربية وأسلحة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه الدول على استعداد لتزويد كييف بمبالغ كبيرة من المال للمساعدة في تعزيز أنظمتها الدفاعية.
ومع ذلك، تبدو ألمانيا، أحد الحلفاء الرئيسيين للمعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة، متردِّدة للغاية في أي مساعدة عسكرية مباشرة. وقد ذهب عداء برلين لمثل هذا الدعم إلى حدِّ أنّه في بداية الأسبوع، اضطرت رحلة عسكرية بريطانية تحمل أسلحة إلى أوكرانيا إلى تجاوز المجال الجوي الألماني، بدلاً من عبوره في الطريق المباشر.
وعلاوة على ذلك، بينما يهدد الرئيس جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين بعواقب اقتصادية غير مسبوقة في حالة وقوع هجوم جديد على أوكرانيا، فإن بعض حلفائه الأوروبيين الرئيسيين أقلّ حماساً بشأن العقوبات الهائلة التي تنتظر الزعيم الروسي وقد تُلْحِق أضراراً جسيمة باقتصادات أوروبا وتعرِّض للخطر إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا والتي تشتدّ الحاجة إليها في الشِتاء.
انتشار القوات على الحدود مع أوكرانيا، فضلاً عن التدريبات العسكرية واسعة النطاق للجيش الروسي مع قوات الدولة المُضيفة بيلاروسيا، عجلت بتطورات الأحداث، مما دفع البيت الأبيض إلى القول يوم الثلاثاء الماضي "نحن أمام لحظة تستطيع فيها روسيا شن هجوماً على أوكرانيا في أي وقت". وسافر رئيس الدبلوماسية الأمريكية، أنتوني بلينكن، بشكل عاجل إلى أوكرانيا وألمانيا، قبل اجتماعه الذي عقده أمس الجمعة في جنيف مع نظيره الروسي سيرجي لافروف.
في غضون ذلك، يقول زعماء الاتحاد الأوروبي إنّ روسيا تحاول زرع خلاف بين الدول الأعضاء في الكُتْلة، والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وفي الأسبوع الماضي هنأوا أنفسهم على تجنُّب هذا الفخ، وقال مُنَسِّق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن "الولايات المتحدة لم تسمح بتلك اللعبة"، وأضاف "روسيا تريد تقسيمنا. لقد فشلوا".
وأيضاً على المستوى التصريحات على الأقل، كان اصطفاف الأوروبيين وراء البيت الأبيض نجاحا للسياسة الخارجية لإدارة بايدن، خاصة بعد أنْ قاد الأمريكيون حلفاءهم في الانسحاب الكارثي من أفغانستان. ومع ذلك، تواصِل إدارة بايدن جهودها لتعزيز الالتزامات الأوروبية في مواجهة الكرملين، مِمّا يعطي الانطباع بأنها ليست متأكدة بعد من مشاركة الكُتْلة الأوربية.
الجدير بالذِكر أنّ السناتور الديمقراطي كريس مورفي، الذي زار كييف مع زملائه الديمقراطيين، للقاء الزعماء الأوكرانيين، قال "في الوقت الحالي، يبدو أنّ هناك اهتماما أكبر قليلاً من جانب الولايات المتحدة بفرض عقوبات قاسية مُتعدِّدة الأطراف مُقارنة بأوروبا"، وأضاف "هذا الأمر مُذْهِل إلى حدِّ ما بالنسبة لي، بالنظر إلى أنْ وحدة أراضي أوروبا على المحكِّ، وليس سلامة الولايات المتحدة!".
في الواقع، في أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي، كانت فرنسا وألمانيا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى تشكِّك في تحذيرات الولايات المتحدة بشأن تحرُّك القوات الروسية بالقرب من أوكرانيا، والتي تنبأت بغزو عسكري. وعارضت باريس وبرلين في البداية تفعيل نظام الناتو لخطط الاستجابة للأزمات. وفي النهاية، استسلمت القوتان الأوروبيتان لضغوط الولايات المتحدة، وتم تفعيل نظام الناتو في 30 نوفمبر. والآن، يبدو أنّ الحلفاء الأمريكيين مصمِّمون على إظهار أنهم يتفقون تماماً مع البيت الأبيض. في العلن، لا توجد أي معارضة تقريباً للوعود باتخاذ إجراءات قاسية ضد الروس.
على الأرجح، سيؤدي الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تعزيز فوري لدفاع أعضاء الناتو بالقرب من حدود روسيا، مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا. وقد نشر الناتو بالفعل حوالي 5000 جندي في دول البلطيق الثلاثة، بالإضافة إلى العديد من المعدات العسكرية.
كما طُلب من دول جنوب شرق أوروبا - خاصة رومانيا وبلغاريا وتركيا - إبداء آرائها حول استعدادها لاستضافة فرق عمل تابعة لحلف شمال الأطلسي قوامها حوالي 1000 جندي، فضلاً عن المعدات العسكرية في منطقة البحر الأسود، وبينما رحبت بوخارست ودعت لتكثيف تواجد قوات الناتو على أراضيها، تحفّظت بلغاريا.
وبصفتها عضوا من خارج الناتو، لا يمكن لأوكرانيا أنْ تتلقي أي مساعدة عسكرية مباشرة من التحالف العابر للأطلسي في حالة الغزو الروسي، علما بأنّه تستطيع الحصول عليها من بعض دوله.
وعلى ذات الصعيد يتطابق الخطاب السائد بين الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية الفردية مع خطاب البيت الأبيض: ستتحمل روسيا تكاليف اقتصادية وسياسية هائلة إذا أرسل بوتين قواته عبر الحدود إلى أوكرانيا.
ومع ذلك، لم يناقش أي من القادة الحلفاء، علناً، الطبيعة الدقيقة للعقوبات المحتملة، قائلين انه سيكون من الخطأ تحذير الكرملين من الآن فصاعداً. وعلى مستوى التصريحات، يعتزم الاتحاد الأوروبي اعتماد سلسلة من العقوبات ضد روسيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وشركاء آخرين خارج الكتلة الأوروبية.
من بين أكثر الإجراءات العقابية التي تم الحديث عنها حظر وصول روسيا إلى نظام (سويفت - SWIFT) المصرفي في جميع أنحاء العالم، وفرض عقوبات على عائلة بوتين والدوائر العسكرية والسياسية والبنوك الروسية.
وعلى سبيلِ المِثالِ أيضاً، انحازت الحكومة البريطانية بحزم إلى موقف الولايات المتحدة المتشدِّد تجاه أوكرانيا. فقد تحدّث رئيس الوزراء بوريس جونسون مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي لدعم "عقوبات اقتصادية واسعة النطاق" في حالة غزو روسيا لدولته. ومع ذلك، هناك أسئلة جديّة حول مدى الضرر الذي ترغب إدارة جونسون في إلحاقه بالقطاع المالي وسوق العقارات في لندن، وهي مجالات مهمة للأموال الروسية. علاوة على ذلك، لطالما اتُهمت البنوك والسلطات المالية في المملكة المتحدة بغضِّ الطرف عن المكاسب غير المشروعة التي تحدث غي ذلك السوق.
ومع ذلك، بعد أنْ كانت فرنسا منذ فترة طويلة أحد المتشككين الأوليين في التحذيرات الأمريكية بشأن خطر حشد القوات الروسية، قال وزير الخارجية الفرنسي كليمان بون مؤخرا إن فرنسا مستعدة لفرض عقوبات على روسيا إذا أرادت ذلك. بالطبع، لم يقدم مزيداً من التفاصيل حول هذا الموضوع.
وفي حالة ألمانيا، كأكبر اقتصاد في أوروبا، ويتمتَّع أيضاً بواحِدٍ من أكثر روافع السيطرة الاقتصادية فعالية على روسيا - خط أنابيب "نورد ستريم 2 الذي سينقل الغاز الطبيعي الروسي مباشرة إلى الأراضي الألمانية وبعدها، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك يوم الاثنين الماضي إنّ بلادها "ستفعل كل ما في وسعها لضمان أمن أوكرانيا". ووعدت بأنّ "أي تصعيد جديد سيكون له ثمن باهظ للنظام الروسي، اقتصادي وسياسي واستراتيجي". بيد أنّ حكومة برلين أصدرت إشارات متناقضة، ولم تحدِّد علناً ما إذا كانت ستوقف العمل في خط الأنابيب إذا هاجمت روسيا أوكرانيا مرة أخرى.

* بالوصول للمفاوضات حقّق بوتين أحد أهدافه:
من ناحية أخرى، وفي جهد دبلوماسي مُكثّف في الأسابيع الأخيرة، رفضت موسكو خطر جبهة الحلفاء في الناتو ضد روسيا، وأصرّ لافروف على أنّ الإدارة في واشنطن هي الوحيدة التي تتخذ القرارات، وأنّ الأوروبيين يقفون وراء الأمريكيين.
بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أنّ تأكيدات وحدة الحلفاء ضد بلاده والتحذيرات من العقوبات القاسية ضده قد أثارت بوتين كثيراً، على الأقل حتى الآن. لقد أظْهر نفس الموقف العدواني والحازِم في المفاوضات مع الغرب بشأن مستقبل الأمن الجيوسياسي لأوروبا.
ولذلك، على الأرجح، يريد زعيم الكرملين تحقيق أقصى استفادة من المفاوضات التي أثارها ونجح في الوصول إليها بنشْرِ قواته على الحدود مع أوكرانيا، وسيبْقِي أوروبا في حالة توتُّر لفترة طويلة قادِمة. فهل يحصل بوتين على ما يريد؟ وكيف يعيد بوتين القوات التي نشرها على الحدود مع أوكرانيا إلى ثكناتها دون أنْ يحقِّق أهدافه؟ وهل رفع سقف مطالبه عالياً ليخفضه في التسوية المُنْتظرة؟ ومن يراهِن على ذلك.. واشنطن التي تفاوِض، أم الاتحاد الأوربي الذي يراقِب وهو ليس على قلبِ رجل واحد؟
بوخارست 21 يناير 2022

isammahgoub@gmail.com
////////////////////////////

 

آراء