أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها

 


 

 

الهدف الثالث عشر، العمل المناخي (13 من 17)
د. حسن حميدة – ألمانيا
تأتي أهمية الهدف الثالث عشر "العمل المناخي" من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وحتى العام 2030، عندما يتعلق الأمر بحالة كوكب الأرض ومستقبله، في وقت يعتبر فيه تغير المناخ العالمي التحدي الأكبر في عصرنا هذا. وعليه يجب النظر هنا إلى تغير المناخ والاحترار العالمي في عدة مواطن، كالهواء واليابسة والماء، ليس فقط كمشكلة حاضرة، بل أيضا كأزمة مستقبلية ينبغي للعالم أجمع أن يتخذ التدابير اللازمة لمعالجتها. ويأتي هذا كإجراء ضروري وعاجل، في في الوقت الذي يتجه فيه تغير المناخ العالمي ليبلغ ذروته، والأخطر من كل ذلك أنه يسير في مجراه غير منحرف عن مساره وبكل سكون قوة تدميرية.

ومن بين هذه الأهداف السبعة عشر التي يتعين تحقيقها في غضون ال 6 سنوات القادمة على نطاق عالمي، هناك 7 أهداف من أهداف التنمية ال 17 ترتبط مباشرة وبطريقة وثيقة بتغير المناخ العالمي والاحتباس الحراري المتفاقم. وتشمل هذه الأهداف: الهدف 6: المياه النظيفة والصرف الصحي، الهدف 7: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، الهدف 11: مدن ومجتمعات مستدامة، الهدف 12: الاستهلاك والإنتاج المسؤولان، الهدف 13: حماية المناخ والتكيف معه، الهدف 14: الحياة تحت الماء، الهدف 15: الحياة على الأرض. وبناءا على هذا تتضح لنا الرؤية عن أهمية هذه الأهداف الستة من أجل حياة أمثل على كوكب أرض يلمح بأنه في احترار متزايد، وربما توهج ذات يوم إذا لم يفعل ما يلزم لاخماد ناره المشتعلة وتوهجه.

نلاحظ هنا منذ العام 2015، وبداية انطلاقة تنفيذ هذه الأهداف أن الوقت يمر بسرعة ولم يتبق سوى أقل من عقد من الزمن حتى نهاية أجندة العام 2030 التي تبلغ الآن من العمر ما يفوق التسعة أعوام. الشيء الذي يفتح أبوابا عدة للتساؤل عن حقيقة وإمكانية وكيفية الوصول لأهداف التنمية المستدامة على بعد عالمي، في زمن الحروب والنزوح والهجرة. في ظل هذا يحدث تغير المناخ يوميا وعلى مدى فترة زمنية أطول ولا تقل في متوسطها عن ثلاثين عاما. ويتميز هذا التغير المناخي بالبرودة غير العادية في بعض مناطق العالم واحترار شديد في مناطق أخرى. وتظل أزمة المناخ مصاحبة بالاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة هواء وأرض وبحيرات وأنهار وبحار ومحيطات العالم، هي المشكلة الأكثر أهمية على كوكب الأرض في الوقت الحالي والشاغل للناس في المستقبل.

وبما أن أزمة المناخ هذه، هي المؤثر الذي يؤثر على نظام الأرض بأكمله، إذ تمت ملاحظتها ولكنه لم يتم الاعتراف بها وبتأثيرها منذ عقود هنا على سبيل المثال الدول الصناعية الكبرى والدول المنتجة للوقود الأحفوري. وهذا بغض النظر عن الدول النامية أو الفقيرة التي تستخدم الوقود الأحفوري كطاقة لتسيير أمور الحياة الإنتاجية فيها لكي تواكب ركب التنمية والتطور. وبهذا الخصوص: لم يتم اتخاذ سوى القليل من الإجراءات الضرورية من قبل الدول المنتجة أو المستهلكة للطاقة الأحفورية صناعيا وإنتاجيا، لمعالجة أزمة المناخ العالمي هذه، أو حلها جذريا من قبل الدول التي تمثل السبب في ارتفاع نسبة غاز ثان أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، المؤدي من دون وجود حلول مثلى، لتدمير الطبيعة على الكرة الأرضية.

ورغم أن هذا الموضوع حظي باهتمام كبير في جميع أنحاء العالم، إلا أن جائحة كورونا أوقفته مؤقتا وأبعدته عن مسرح الأحداث تماما. ولكنه سوف يعود حتما وبكل قوة إلى مقدمة العرض، وعلى وجه الخصوص من قبل العلماء والباحثين في العلوم والتكنولوجيا والناشطين في البيئة والطبيعة. بل يأتي أيضا دور الأجيال الحديثة التي لا يستهان بها في الوعي وقياس الأحداث، والتي ترى عقبة كبرى تتجسم أمامها، وتحيل دون تحقيق أحلامهم المستقبلية، بعدم وجود عالم مثالي لعيشهم وحياتهم، يكون سببه تغير المناخ، وتأثير نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون من صنع الإنسان على الطبيعة.

مع استمرار أزمة تغير المناخ والاحتباس الحراري العالمي، حان الوقت الآن للتركيز على هذه المشكلة العالمية والمهمة والتفكير في وجود الحلول الممكنة لأصولها وعواقبها الطويلة الأجل. إن قضية "التغير المناخي" تحتاج أولا إلى الاعتراف بها كمشكلة يومية، وثانيا الوعي بها كمشكلة قائمة، وثالثا العمل المسؤول تجاهها للحد منها على سطر الكرة الأرضية. وما يهم هنا هو مساهمة كل شخص على وجه الأرض بغض النظر عن مكان وجوده، وبأشكال مختلفة، مثل السكن والتنقل وأسلوب الحياة وغيرها من السلوكيات الاستهلاكية اليومية. الشيء الذي ربما مهد ذات يوم للحد تأثير هذه الأزمة، وتحويلها من مجرى كارثي إلى مجرى معقول، يمكن التحكم فيه، بهدف الحد من الآثار التي تترتب عليه على المدى البعيد.

السبب الرئيسي لأزمة المناخ هو التأثير المباشر لسكان الأرض من البشر على الطبيعة وبعدة طرق. هنا على سبيل المثال التلوث البشري المنشأ للغلاف الجوي للكرة الأرضية بسبب الغازات الدفيئة، وفي المقام الأول انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من صنع الإنسان. والتي صارت الآن عبء ثقيل يفكر الإنسان في تخزينه في أعماق البحار والمحيطات. السؤال المهم هو " إمكانية تأثيره عليها وعلى كائناتها الحية على المدى البعيد". يجب على جميع الناس على وجه الأرض أن يدركوا أن الطبيعة لن تكون موجودة وكما يرغبون في ذلك، خصوصا إذا كانت تلك الرغبة مصحوبة بنوايا مدمرة لها. وإذا استمر البشر في تعمد تجاهل الطبيعة ولم يتم اتخاذ التدابير المسؤولة في أسرع وقت ممكن بهذا الخصوص، فسيكون لذلك عاجلا أو آجلا عواقب وخيمة على النظام البيئي للكرة الأرضية ككل.

إذا صح التشبيه المستعار هنا، أن تغير المناخ العالمي يفعل بكوكب الأرض في الوقت الحالي، ما يفعله التهاب ميكروبي بالمريض. الشيء الذي يترتب عليه ارتفاع درجات حرارة الكرة الأرضية بمتوالية رياضية، كما ترتفع درجات حرارة جسم المريض المصاب بالحمى تدريجيا. وربما لقي المريض الملتهب تدريجيا حتفه ذات يوم إذا لم يفكر له من حوله من أهله، يتفاعلون معه بإيجابية، لمعالجته بدواء أو مرطب يخفف الحمى. وعندما يظن الأهل أن المريض إذا مات سوف يموت لوحده، فسوف يكونون مخطؤون في تقديرهم وينسون أنفسهم، إذ إنهم أنفسهم سوف يكونون من أول الضحايا دون فعل شيء قبل المريض المحموم الذي يرقد الآن أمامهم.

ومن أجل تنفيذ الهدف 13 "العمل المناخي" من أهداف التنمية المستدامة بشكل أفضل وعلى نطاق شامل، من الضروري النظر في الركائز الأساسية الثلاثة التي تستند عليها جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. وهي الركيزة الاقتصادية والركيزة البيئية والركيزة الاجتماعية. وهذا لا يتطلب النظر فقط في سبل التنفيذ العامة لهذا الهدف، بل الإيفاء بالشروط الإطارية الملزمة للتنفيذ الجيد لغرض الإستدامة المنشود، وعلى المستويين المحلي والإقليمي. كما يجب الاستمرار في بذل جهود توفير التمويل الكافي للتكنولوجيات الحديثة والمكيفة إقليميا، وعليه تلزم الشفافية البحتة والمسؤولية الكاملة في التنفيذ.

ومن منظور اقتصادي، يتضمن التنفيذ الأمثل لهذا الهدف، اختيار المواقع المناسبة التي تتأثر بشدة من تغيرات المناخ، والمشاريع المستدامة المتعلقة بالمناخ والمشاريع المناسبة وإدارة موارد التمويل المتاحة للتنفيذ المستدام والتغيير الإيجابي. ولا بد هنا من حل آثار تحديات السنوات الأخيرة بسبب جائحة كورونا وعواقبها. علاوة على ذلك، ينبغي إيجاد حلول سلمية للتحديات الحالية المرتبطة بالأمن والصراعات والحروب والنزوح والهجرة والقيود العالمية على إمدادات الغذاء والطاقة. كما يأتي الوصول إلى المعرفة والتكنولوجيا وشراء الأنظمة القانونية فيما يتعلق بالشفافية لتمويل أهداف التنمية المستدامة، ودعم التجارة العادلة لجميع القوى الاجتماعية، وتعزيز النظم المالية العامة وتشجيع الاستثمارات المستدامة في البلدان.

يلي ذلك التنفيذ من منظور اجتماعي الذي يهدف إلى دعم الأشخاص في المناطق المتضررة بتغيرات المناخ. وتشمل هذه تعزيز المناطق الضعيفة، والتوزيع العادل للموارد والثروات من أجل تحقيق توازن مجتمعي أفضل في تنمية الناس في هذه المناطق التي يعيشون فيها، وتحديث مساحات وحقول المعيشة، وبناء السدود والجدران الواقية للفيضانات وكوارث المياه بعد دراسات شاملة ومتأنية، والاستخدام المستدام للموارد المتاحة، والاستثمارات، والإعانات النهضوية الصديقة ودعم التنمية المستدامة. ولا بد من وضع حد للتهديدات في قطاعات منتجة ومهمة، مثل الزراعة التقليدية وتربية الماشية وصيد الأسماك، بالإضافة إلى العمل التعليمي والإعلامي حول موضوعات تغير المناخ والاحتباس الحراري، وسبل درئها محليا.

ومن منظور بيئي، بالإضافة إلى التحول إلى الطاقات المتجددة والنظيفة، يجب الحد من العواقب الطويلة الأجل لتغير المناخ من خلال وضع تدابير معينة ومواكبة، تؤثر إيجابيا على أنماط حياة الناس في المجتمع الحديث، ريفيا كان أم مدنيا. ومن الأمثلة دلالة على ذلك: تقليل البصمة البيئية "التأثير الشخصي السلبي على البيئة" من خلال أسلوب حياة ملائم في مجالات الاستهلاك والمعيشة والتنقل والنفايات وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وتطوير أنظمة الإنذار المبكر لتجنب الظواهر الجوية الكارثية والحد من الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ. كما يجب أن نضع في الاعتبار في هذه المرحلة البنائية الحساسة هذه أن البصمة البيئية لكل شخص، بغض النظر عن عمره أو مكان تواجده، لها أهمية قصوه. ومن المهم أيضا أن نفهم أن تدابير تغير المناخ هي أيضا تدابير لتأمين مستقبل الأجيال القادمة، لكي تعيش في سلام وعدل وطمأنينة وراحة.

عن موقع السودان من هذا الهدف "العمل المناخي": تأتي في المقدمة إدانة هذه الحرب القائمة في البلاد كمعطل أولي للتنمية المستدامة ككل هذه الحرب الشعواء لها تأثير بيئي كبير على الإنسان والحيوان والنبات في مواطنها الأصلية. بالحرب تم أولا تشريد الإنسان في بلاده ومن بلاده وتركته نازحا في الداخل وغريب في الخارج. وهذا بجبر المواطنين للمغادرة منازلهم قسرا وإرغاما من جراء وابل الرصاص والقنابل المتفجرة في كل مكان. لقد أثرت هذه الحرب على الحيوانات في مساكنها، والطيور في أعشاشها. لقد أثرت هذه الحرب على ما توفر من أشجار فقدت خضرتها وجفت عروشها وحط عليها رماد البارود متناثرا، ليخفي حلتها الجميلة، ويظهر بدلها وجهها العبوس. تأثير هذه الحرب وقع على كل كائن حي بصور متشعبة ومتشابكة، لا يكفي كتاب لحصرها. ولنختصر هنا أن هذه الحرب أجرام في حق شعب مسالم، ولا بد من تلافيه دوليا بعد أن فشلت كل المحاولات والمبادرات في وجود حلول ترضي الأطماع الشخصية، ليكون شعب السودان هو الضحية.

ضوضاء الطائرات، أصوات القنابل وفرقعة الطلق الناري. تأثير كل ذلك على بيئة الإنسان والحيوان، وحتى النبات يحس بها، ويتفاعل سلبيا معها. لقد دمرت هذه الحرب كل ما تم بناؤه من العدم من مصانع ومؤسسات وبنية تحتية أحسن من عدمها، في محاولة للوصول للاستدامة في التنمية، واللحاق بركب دول العالم المتحضر في المواكبة والرقي. إذا نظرنا هنا فقط إلى نزوح الإنسان، تهجيره عن موطنه، صغيرة وكبيرة، ضعيفه وقوية، محدودية ماء الشرب والغذاء، وانعدام والعلاج والتعليم، وغياب الإنتاج والعمل والرواتب الشهرية أو الأجر اليومي، نجد أننا في الوقت الحالي بعيدين كل البعد عن الوصول لهذا الهدف المنشود باستمرار هذه الحرب اللعينة والقتال الوحشي بسببها. الحرب التي تعني في المقام الأول فقدان الأرواح التي تمثل القوة البشرية المحركة للإنتاج والتنمية والتقدم، والمحتاج إليها بإلحاح في بلد كالسودان.

ولنلقي نظرة في المناطق المهجورة بعد الحرب من وقرى وحضر، التي صارت كلها مكتبات للنفايات، وباتت تغطي شوارعها كلابا ضالة تنهش في جثث الموتى على مدار اليوم، والمجتمع الدولي على مرأى ومسمع، ينظر متكيف لذلك وهو مستكين. وهذا بعد التعدي على ممتلكات المواطنين من أثاثات ومركبات وغيره من ممتلكات شخصية وقيمة لا تقدر بثمن. لقد تم التعدي حتى على مجوهرات النساء باسم الديمقراطية. والتي تمثل لهن مدخر للغد في يوم القحط من أجل أساسيات كالأكل والشرب والعلاج والتعليم. وكما هو حال المرأة في دول العالم الفقيرة، التي لا تملك حسابا بنكيا، بل حسابها البنكي هو ما تملكه من خاتم أو سلسل أو غيره من مجوهرات متواضعة، تزين أصبع أو جيد، وقد يكون أحيانا اسمها أكبر من قيمتها، ولكنها تبقى حقا فرديا وملكا شرعيا مهما صغرت قيمته. كلها نهبت باحترافية ممنهجة وجشع وغل وشره، وانتهك من عرض المرأة ما انتهك. كل هذا يحدث يوميا في أرض السودان باسم الحكم الديمقراطي الذي يسوق لمواطن السودان المسالم بكل ظلم وجهل وصلف وكبرياء.

يبقى أساس الوصول لهذا الهدف كما ورد هو إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت ممكن. أن تعاد للمواطن السوداني المشار إليه ممتلكاته المنهوبة، وأن تبنى له دياره بعد تدميرها من قبل الدول التي ساعدت المتحاربين في إضرام نار الحرب والنفخ برغبة مفرطة في ألسنتها، مؤججة لها ومنتشية للاقتتال والدمار بين أبناء الوطن الواحد. ونقول لسيادة المجتمع الدولي هنا: العمل المناخي في السودان يتطلب أولا تعويض مواطن السودان تعويضا كاملا عن كل ضرر لحق به، والذي كان وما يزال ساعد التغيير الأيمن في البلاد. الأمر يتطلب أولا تعويض الأرواح المفقودة بديات تدفع بالدولار لذوي المقتولين "إذا وافق أهل المقتولين بالديات" من قبل هذه الدول الجائرة على أمن السودان استقراره، والطامعة في ثرواته وموارده. وهذا حتى لا يتكرر الحدث مرات أخرى في دول أخرى. ومن بعدها يتحقق حتما "العمل المناخي"، الذي يمثل إنسان السودان "كثروة بشرية لا يستهان بها" إلا جزءا لا يتجزأ منه.

(نواصل في الهدف الرابع عشر: الحياة تحت الماء...)

E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de

المصدر: ترجمة معدلة من أوراق ومحاضرات للكاتب.

 

آراء