إصلاح هياكل الحكموالسياسة في السودان

 


 

 

(الورقة الأولى في مجال الإصلاح المؤسسي الذي تنظمه المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً)

أزمة الحكم في السودان
نال السودان استقلاله من الحكم البريطاني-المصري في يناير 1956 وبدأ مسيرة حكمه الوطني بحكومة برلمانية ديمقراطية كانت الوحيدة التي أكمل برلمانها مدته القانونية، ثم تعاقبت عليه ثلاث حكومات عسكرية (1958-64، 69-85، 89-2014) وحكومتان ديمقراطيتان (1965-69، 86-89). لقد حكم العسكر حوالي أربعة أخماس المدة منذ فجر الاستقلال حتى اليوم، في حين لم تزد فترة حكم الأنظمة الديمقراطية الثلاث عن خُمس تلك المدة. واتسمت فترات الحكم العسكري الطويل بتعطيل الدستور وحل البرلمان وحظر نشاط الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والاتحادات المهنية،وانتهاكات حقوق الإنسان والحجر على الحريات العامة وتقييد حرية الصحافة، مما أدى إلى وقف العملية الديمقراطية وتجميد التطور والحوار بين القوى السياسية في البلاد. وكان أداء الحكومات الحزبية المؤتلفة في الفترات الديمقراطية ضعيفاً اتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار والتكالب على المقاعد الوزارية دون إنجاز يذكر. وفشلت تلك الأحزاب أثناء فتراتها القصيرة في الحكم في التوافق على دستور دائم للبلاد بسبب الاختلاف حول بعض القضايا الدستورية الهامة مثل: تبني النظام البرلماني أم الرئاسي، التمسك بالنظام المركزي أم تبني الحكم اللامركزي الذي قد يصل إلى مرتبة الفيدرالية،تحديد العلاقة بين الدين والدولة في ظل وجود أقليات دينية مقدرة خاصة في جنوب السودان. واستمرت الدورة الخبيثة بين حكم عسكري شمولي يستبد به فرد واحد وبين حكومات حزبية ضعيفة لا تقوى على مواجهة تحديات بناء الأمة وتحقيق الوفاق الوطني، وكانت النتيجة التخبط في السياسات وغياب الحكم الراشد وعدم الاستقرار السياسي، مما أغرى المغامرين العسكريين بالإنقلاب على السلطة. ونشبت الحرب الأهلية في الجنوب قبيل الاستقلال واستمرت معظم سنوات الحكم الوطني بسبب فشل الحكومات الوطنية (عسكرية ومدنية) في إدارة التنوع الثقافي والعرقي والديني، والتوافق على هوية سودانية جامعة،الأمر الذي أدى إلى ازدياد وتيرة النزاعات التي أهدرت الكثير من موارد البلاد المادية والبشرية؛ وعجزت تلك الحكومات في احداث تنمية مستدامة أو في التوزيع العادل للثروة وتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين. وانتهت مشكلة الجنوب أخيراً باتفاقية نيفاشا في 2005 التي أعطت المشروعية لانفصال الجنوب في يوليو 2011 دون أسف من حكومة الإنقاذ على فشلها. ونشأت صراعات مسلحة أخرى في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ما زالت مستمرة بحجة التهميش وعدم العدالة في اقتسام السلطة والثروة بين أقاليم البلاد؛ وكأنما الحكم القائم لم يتعلم شيئاً من مشكلة الجنوب!وبما أن الأحزاب الكبيرة استندت على قواعد طائفية وأحزاب المثقفين نشأت على أسس عقائدية وأيدولوجية (يسارية أو إسلامية)، لذا لم تسهم جميعاً في نشر القيم الديمقراطية أو تأكيد سيادة حكم القانون أو التداول السلمي للسلطة، بل لم تنجح الأحزاب في ممارسة الأساليب الديمقراطية حتى داخل تنظيماتها.
وجاءت تجربة حكم الإنقاذ لتكون الأطول في تاريخ البلاد والأفشل في ممارسة السلطة مما أدى إلى انفصال الجنوب، واتبعت سياسة التمكين المعلن لعناصرها في أجهزة الدولة المدنية والنظامية حتى تماهت الحدود بين الحزب ومؤسسات الدولة. وأدت سياسة الإقصاء للآخرين إلى ضعف المؤسسية في الإدارات الحكومية، وتدني مستوى الأداء، وتفشي الفساد والمحسوبية في الخدمة المدنية بصورة غير مسبوقة. وما زال الحكم الحالي يعاني من النزاعات العسكرية الجهوية والاحتجاجات الجماهيرية، ومن عدم الاستقرار السياسي والإداري، ومن العزلة الإقليمية والمحاصرة الدولية، والأزمة الاقتصادية الحادة. وسبق للشعب السوداني أن ضاق ذرعاً بالحكم العسكري فانتفض عليه مرتين في أكتوبر 1964 وأبريل 1985 فأطاح به، ولا يستبعد أن ينتفض مرة ثالثة إذا لم يصلح الحكم القائم من أوضاعه. ولعل أحد أسباب فشل الأنظمة التي أعقبت سقوط الحكومتين العسكريتين، أن الأحزاب لم تكن مستعدة بخططها وبرامجها لبداية سياسية جديدة تتفادى بها أسباب الفشل السابقة، كما أن الفترات الانتقالية بين سقوط النظام العسكري وإجراء انتخابات تعددية بعده كانت قصيرة لا تتيح زمناً  لإعادة تنظيم الأحزاب وتمكينها من وضع خطط وبرامج تناسب قضايا ومشكلات المرحلة المقبلة. والحقيقة أن الناخب السوداني لا يمنح صوته بناءً على الخطط والبرامج بقدر ما يصوّت على أساس الطائفة أوالقبيلة أو العرق أو الإنحياز السياسي أو الأيدولوجي أو العلاقة الاجتماعية مع الشخص المرشح. وربما دفع ذلك الأحزاب أن تستهين في وضع الخطط والبرامج الجادة للنهوض بالبلد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،تكون أساسا للمنافسة الانتخابية واستعداداً لتنفيذها حين تولي السلطة. وتأتي فكرة الإصلاح المؤسسي لأجهزة الدولة الرئيسة، سياسية واقتصادية وقانونية وأمنية، من إحدى منظمات المجتمع المدني الناشطة (المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً) لتسد هذا الفراغ الكبير الذي لم تُعنى به الأحزاب السياسية.


محاولات الإصلاح المحدودة
لم تحدث منذ الاستقلال محاولات إصلاح جادة ومدروسة لهياكل الحكم وأجهزته من قبل الحكومات العسكرية أو الحزبية أو من قبل القوى السياسية، دعك من أن تكون إصلاحات شاملة وواسعة يشترك فيها الخبراء والأكاديميون ومنظمات المجتمع المدني بقصد تطبيقها في الواقع السياسي. وقد فشلت الحكومات الحزبية حتى في وضع دستور دائم للحكم طيلة الفترات الثلاث التي تولت فيها السلطة، واكتفت جميعاً باصدار دساتير مؤقتة أو انتقالية هي عبارة عن مراجعة محدودة لدستور الحكم الذاتي الذي وضعته الإدارة البريطانية في عام 1953. أما الدساتير التي وضعتها الحكومات العسكرية بقصد تثبيت سلطتها الدكتاتورية، فلم تعش بعد سقوط تلك الأنظمة أو تغيير معادلة الحكم كما حدث لنظام نميري ثم لسلطة الإنقاذ بعد مشاركة الحركة الشعبية عقب اتفاقية نيفاشا.والمحاولات الإصلاحية التي حدثت كانت متواضعة ومحدودة،إما استجابة لرغبة جماهيرية بعد الانتفاضات الشعبية ضد الحكم العسكري أو بقصد الوصول إلى اتفاقية سلام مع حركات التمرد الجنوبية بالاستجابة لمطلبها في الحكم اللامركزي. وكان من تلك المحاولات إبان الحكم الديمقراطي استحداث مقاعد برلمانية محدودة للخريجين من المدارس الثانوية أومن الجامعات بعد ثورة أكتوبر 1964 وبعد انتفاضة أبريل 1985 بهدف تجاوز العصبيات المحلية في الانتخابات الجغرافية المباشرة وكسب عدد من النخبة المتعلمة لتحسين الأداء البرلماني، ولكن الأحزاب الكبيرة التي لم تكسب من تلك التجربة أقدمت على طرد النواب الشيوعيين من برلمان 65 وألغت تلك المقاعد في قانون انتخابات 68، أما نتائج انتخابات 1986 فقد أجهضت كلها بقيام الإنقلاب العسكري الذي دبرته الجبهة الإسلامية القومية في يونيو 89 رغم أنها كانت الكاسب الأكبر في تلك الانتخابات، وقد حازت على كل مقاعد الخريجين في شمال السودان. اقتصرت إصلاحات الحكومات العسكرية على اتفاقية الحكم الذاتي لجنوب السودان عام 1972 التي أدت إلى وقف نزيف الحرب الأهلية لعشر سنوات، قبل أن ينقلب عليها الرئيس نميري ويقسّم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم بقرار رئاسي دون إجراء استفتاء بين أهل الجنوب كما تشترط بذلك الاتفاقية؛ وقد تسبب ذلك في إشعال الحرب مرة أخرى على نطاق أوسع. وقام الرئيس البشير في عام 2005 بعقد اتفاقية نيفاشا للسلام التي أعطت الحركة الشعبية لتحرير السودان حكماً شبه مستقل في جنوب السودان، بالاضافة إلى حق تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية التي امتدت لست سنوات. وكانت العلاقة بين الحزبين الحاكمين في الشمال والجنوب طيلة الفترة الإنتقالية تقوم على المشاكسة والمنازعة في معظم الأوقات، وكان من الطبيعي أن ينتهي استفتاء أهل الجنوب إلى خيار الإنفصال بأغلبية ساحقة تشبه الإجماع. ونتيجة لاتفاقية نيفاشا طُبقت الفيدرالية على مستوى السودان لكنها، عدا في الجنوب، لم تكن مقنعة ولا فاعلة فلم تصاحبها قسمة عادلة للموارد ولا حرية كافية في اختيار الحكومات الولائية ولا مشاركة في اتخاذ القرارات التشريعية والتنفيذية الهامة؛ واستحدث الدستور مجلساً للولايات بصلاحيات ضعيفة فلم يكن له أدنى أثر في العملية السياسية. واحتوى دستور 2005 الانتقالي على وثيقة جيدة للحقوق لكنها لم تفعّل على مستوى تشريع وتعديل القوانين  أوعلى مستوى التطبيق العملي؛ مما يعني أن الحكم العسكري القابض لا يغير طبيعته الاستبدادية في تسيير الأمور بصرف النظر عمّا ينص عليه الدستور أو القانون.
وخلاصة تجربة السودان خلال العقود الستة الماضية منذ الاستقلال أنه لا يمكن إدارته بمركزية قابضة ولا بنظام استبدادي شمولي، فالطبيعة السودانية تجنح للحرية والاستقلالية على مستوى الأفراد والمجموعات. وخيار السودان الذي لا بد منه هو النظام الديمقراطي اللامركزي الذي يتبنى تحقيق العدالة الاجتماعية على مستوى الأفراد والأقاليم والمجموعات العرقية والثقافية مهما كانت مشكلات التطبيق التي تعترضه. وصاحب هذه الورقة له رأي منشور بالدعوة للديمقراطية التوافقية التي تستند على أربع ركائز هي: تحالف حكومي عريض يُشرك كل المجموعات السياسية ذات الوزن بالبرلمان في السلطة التنفيذية، وتمثيل نسبي واسع وشامل يعطي الفرصة لكل القوى السياسية والاجتماعية خاصة قطاع النساء أن تمثل في البرلمان، ونظام فيدرالي فاعل للمناطق المتجانسة على أساس تاريخها وسماتها الثقافية والعرقية وجدواها الاقتصادية والإدارية، وحق النقض للأقليات الثقافية والعرقية ضد القرارات السياسية والإدارية التي تتضرر منها بدرجة كبيرة تؤيدها المحكمة الدستورية. وليس المجال هنا للحديث المفصّل عن الديمقراطية التوافقية، إنما موضوعنا هو إصلاح مؤسسات الحكم التي تعقب الوضع الحالي وتؤدي إلى تفادي التجارب الفاشلة السابقة، وإلى تحقيق السلام في أرجاء البلاد، وإلى إقامة ديمقراطية مستدامة،وتنمية تنهض بأحوال الناس من حالة الفقر إلى الكفاية وتوفير الخدمات الأساسية. ولا ينبغي أن نطمح لتأسيس حكم راشد مباشرة عقب الحكم الحالي، فالحكم الراشد في مصطلحه الحديث يعتمد على ثقافة ديمقراطية راسخة وعلى ممارسة ديمقراطية متقدمة، والسودان لم تتح  له الفرصة حتى اليوم لتكوين ثقافة ديمقراطية واعية ولا لممارسة ديمقراطية مستقرة، ولم تكن تجربته الديمقراطية القصيرة ناجحة أو ناضجة.


مفهوم الحوكمة والحكم الراشد
تعبير "الحوكمة" ( governance ) مصطلح جديد استعمل بداية في مجال إدارة شركات المساهمة العامة والمنظمات الدولية، ثم دخل في أدبيات العلوم السياسية في العقد الأخير من القرن العشرين؛ ويهدف نظام الحوكمة إلى رفع كفاءة أداء المؤسسات وضبط نظم الرقابة عليها لتفادي الغش وزيادة التكلفة وإهدار الموارد. وعُرف المصطلح فيما بعد بمعناه الإيجابي "الحكم الراشد أو الإدارة الرشيدة governance)good)، ويستعمل على مستويات متعددة عالمية وإقليمية وقطرية،ويمكن تطبيقه على مؤسسات القطاع العام، وأعمال القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، وإدارة الدولة. وتعني الإدارة الرشيدة مجموعة من القوانين والنظم والمبادئ والإجراءات  تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء الإداري عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعّالة لتحقيق خطط وأهداف العمل الإداري المعني. وفي مجال السياسة يعتبر "الحكم الراشد" تطويراً لنموذج الحكم الديمقراطي التعددي الذي مارسته الدول الغربية لعدة قرون، واتسم بفصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وحرية التنظيم والتعبير وتدفق المعلومات، وانتخاب نواب المجالس التشريعية لمدة محدودة، والتقيّد بحكم القانون، ومحاسبة الحكام والرقابة عليهم، والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين دون تمييز، وحماية حقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً.  وعملت منظمات الأمم المتحدة على نشر المصطلح وتعميمه بين الدول كمعيار للحكم الجيد الذي يحقق التنمية ويحارب الفقر، بل أصبح في بعض الحالات شرطاً للقروض والمعونات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. قال كوفي أنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ذات مرة:
“good governance is perhaps the single most important factor in eradicating poverty and promoting development.”
(لعل الحكومة الرشيدة هي العامل الوحيد الأكثر أهمية في اقتلاع الفقر وتطوير التنمية).
وقد اقترح برنامج الأمم المتحدة للغذاء العالمي UNDP)) في عام 1997 خمسة مبادئ تلتزم بها السلطة التنفيذية لتحقق بها معيار الحكم الراشد وهي:
1-    الشرعية والإفصاح: وتعني المشاركة الواسعة من كل الناس في اختيار وانتخاب السلطة الشرعية الحاكمة وفي صناعة القرار العام، وينبغي أن تستند المشاركة الشعبية على حرية التنظيم والتعبير. وتسعى الإدارة الرشيدة للتوسط بين المصالح المختلفة لتحقق الإجماع أو التوافق التام ما أمكن ذلك في سياسات وإجراءات الشأن العام.
2-    التوجه العام: ويعني بلورة رؤية استراتيجية بعيدة المدى للحكم الراشد والتنمية البشرية، وتستند الرؤية على تفهم العوامل التاريخية والثقافية والاجتماعية المعقدة للمجتمع المعني.
3-    الأداء العام: الذي يتسم بالاستجابة عبر أجهزته وعملياته لخدمة كل أصحاب المصلحة في المجتمع، وأن تتصف الأجهزة والعمليات بالفاعلية والكفاءة لتحقق النتائج المرجوة، مع الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.
4-    المحاسبة: كل أصحاب القرار في الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني مسؤولة بدرجات متفاوتة لجمهور الشعب، لذا ينبغي أن تتسم أجهزتهم وقراراتهم وعملياتهم بالشفافية التامة القائمة على حرية تدفق المعلومات المتوفرة للكافة.
5-    العدالة : وتعني المساواة التامة في اتاحة الفرص بين الناس لخدمة مصالحهم، وأن يطبق حكم القانون على الجميع دون تحيز أو تمييز.
وهناك من يضع مبادئ وقواعد أخرى للحكم الرشيد لكنها لا تخرج عن المعنى العام للمبادئ السابقة أو الشروح الملحقة بها. ومعظم  المبادئ المذكورة سابقاً تستند على مواد محددة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مما يجعلها أقرب للحقوق الإنسانية الواجبة على الدول منها للمبادئ المناسبة التي تؤدي إلى مجتمع أفضل. والحجة التي تذكر في الأوساط الدولية لإشاعة وتدعيم مبادئ الحكم الراشد، أن الحكومات السيئة الصيت أصبحت تزداد خطورتها على المجتمع الدولي مما يجعل التدخل في شؤونها أمراً ملحاً لا يمنع منه حق السيادة المعترف به للدول المستقلة. ورغم وجاهة حجة التدخل الدولي في حالات الحكومات المنتهكة لحقوق الإنسان إلا أنها عند التطبيق يشوبها الكثير من التحيز السياسي وتوخي المصلحة الخاصة بالدول الكبرى المتدخلة في شؤون الآخرين.
وتشتد الحاجة للحكم الراشد في حالة الدول التي عانت من نير الاستبداد الطويل كما كان الوضع في الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية التابعة له، وأيضا في حالة الدول المتعددة الثقافات والخارجة من نزاعات عرقية وثقافية كما هو الحال في كثير من البلاد الإفريقية جنوب الصحراء. ويضع كُتاب العلوم السياسية شروطاً إضافية للتعامل الحسن مع الأقليات الثقافية والعرقية حتى يتم دمجهم في المجتمع ويتحقق الحكم الراشد بصورة أتم يقبل بها الجميع. وأهم تلك الشروط توسيع معنى "المشاركة" حتى تشمل الأقليات في وضع السياسات واتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم وتمس مصالحهم. وأن تلتزم السلطات العامة بمبدأ "الشفافية" في كل تعاملاتها بحيث تتيسر معرفة ما يجري لكل المجموعات المعنية بتلك المعاملات، وأن ينشأ مناخ إيجابي يمكن الأقليات من بث شكواها ورفع مطالبها للمسؤولين، وأن تستجيب السلطة للمطالب المناسبة لكل أقلية من الأقليات. وبما أن الحكم الراشد  يسعي لتحقيق أفضل المصالح لكافة أفراد المجتمع، فإن مبادئ تساوي الفرص وشمولية الرعاية والإجماع التوافقي تصبح قواعد أساسية لبلوغ تلك الأهداف. وليس هناك من سبب للتفرقة بين حاجيات المجموعات الكبيرة وحاجيات المجموعات الصغيرة، فالأخيرة هي الأضعف في المجتمع وتستحق اهتماماً أكثر. وادخال التنوع في معادلة الحكم يعطي قيمة إضافية للديمقراطية المحلية، لذلك ينبغي على السلطات المحلية تخصيص موارد مالية للمبادرات في مجال تعزيز وترقية التسامح السياسي والعرقي والديني عبر الحوارات المجتمعية بين أهل الثقافات المختلفة.
يتضح من هذا الاستعراض أن الحكم الراشد في مجال السياسة ليس مجرد كيانات إدارية وأجهزة وقوانين يُحكم أداؤها بالرقابة والمحاسبة، بقدر ما هي ثقافة سلوكية ذات طابع إنساني قيمي تعكس المستوى الحضاري للمجتمع، وتحتاج لممارسة طويلة تحت النظام الديمقراطي التعددي حتى يشب الناس عليها وتصبح سلوكاً تلقائياً لدى الأفراد والمجموعات. والسؤال الذي يهمنا هنا هو: هل المجتمع السوداني الحالي في مرحلة تقبل وتطبق مبادئ ونظم وقيم الحكم الراشد؟ أحسب أن الإجابة سهلة وواضحة بأن المجتمع السوداني، وفي أعقاب الحقبة الإنقاذية التي امتدت لخمسة وعشرين عاماً، لن يكون قادراً للقفز إلى مرحلة الحكم الراشد دفعة واحدة. ولكن لا بد من البداية على الطريق الصحيح ثم يأتي التدرج في الالتزام بالمعايير العليا كما حدث في كثير من الدول المتقدمة.


أولويات الحكم الإنتقالي في السودان
يتبين من تحليل أزمة الحكم في السودان منذ الاستقلال أن العامل الرئيس في تعطيل الدستور ووقف العملية الديمقراطية وتجميد التطور السياسي، هو الإنقلابات العسكرية التي حكمت البلاد لأكثر من 45 سنة وأشاعت ثقافة العنف والسلاح لاستلام السلطة وإدارة البلاد. وعليه تصبح المهمة الأولى لأي إصلاح سياسي هو تجريم استعمال العنف في العمل السياسي والإنقلاب العسكري على النظام الديمقراطي بقوة الدستور والقوانين الرادعة لكل من يشترك في تلك الجريمة أو يساعد عليها من العسكريين والسياسيين والمدنيين، وأن تعتبر جريمة جنائية ثابتة وباقية لا تسقط بالتقادم. وأن يلزم الدستور والقوانين المحاكم وقيادات الخدمة المدنية والقوات النظامية برفض التعاون مع أي حكم عسكري، وأن تتخذ إجراءات عملية احترازية تحول دون الاستيلاء على الحكم بالقوة مثل إخراج الوحدات المسلحة بعيداً عن  المدن خاصة العاصمة القومية، وأن تشرك القوات النظامية بصورة مؤسسية في وضع سياسات الدولة الهامة خاصة تلك التي تتعلق بالأمن والدفاع والنظام العام. كما ينبغي أن يعزز النظام الديمقراطي بنشر مبادئه وقيمه وثقافته عبر وسائل التعليم والتوجيه والإرشاد، وأن تتولى ذلك مراكز علمية متخصصة تمولها الدولة تقوم بتدريب الكوادر، وبإجراء البحوث والدراسات، ونشر المجلات والكتب، وإقامة الندوات والمحاضرات. ولا بد من تقوية النظام الديمقراطي برفع كفاءة وتأهيل الخدمة المدنية، وبتعميم التعليم الأساس والعلاج المجاني، وبرفع مستوى المعيشة للمواطن خاصة الطبقة الوسطى ذات المصلحة في النظام الديمقراطي. وأن يتم الفصل التام بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية.
ومن المهم لاحترام الدستور وحمايته أن يتم التوافق عليه بين كل القوى السياسية، وأن يتضمن مبادئ  أساسية تكون حاكمة للحياة السياسية والقانونية، وضامنة لحقوق كل الجماعات المكونة للوطن. وذلكما حدث في جنوب إفريقيا عام 1994 بين حكومة النظام العنصري وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي المعارض. ونذكر نماذج من تلك المبادئ الدستورية الحاكمة والضامنة للحقوق التي كانت أول ما تم الاتفاق عليه بين الحكومة العنصرية البيضاء وممثلي الأغلبية الإفريقية، والتي نحسب أنها مفيدة لأهل السودان في وضعهم الانتقالي من نظام شبه شمولي إلى نظام أكثر ديمقراطية وأكثر عدالة وأكثر حماية لحقوق الإنسان:
1-    يؤسس الدستور لدولة موحدة ذات سيادة، ومواطنة مشتركة لكل السكان، ونظام ديمقراطي ملتزم بتحقيق المساواة بين الرجال والنساء وبين كافة الناس من جميع الأعراق؛
2-    يتمتع كل مواطن بكل الحقوق الأساسية المعروفة عالمياً، وبالحريات السياسية والمدنية التي تُوفر له وتُحمى عن طريق المواد الحقوقية في الدستور.
3-    يضمن النظام القانوني المساواة لكل المواطنين أمام القانون عبر عملية قانونية عادلة، وتشملهذه المساواة القوانين والبرامج أو الأنشطة التي تهدف لتحسين أوضاع الضعفاء من فئات المجتمع.
4-    سيكون هنالك فصل للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تحت ظل اختبار وموازنة مناسبة تؤكد المحاسبية والاستجابة المجتمعية والانفتاح.
5-    ستكون هنالك حكومة تمثل الشعب عبر ديمقراطية تعددية، وانتخابات منتظمة، وتصويت عام لكل المؤهلين عمرياً، وسجل شامل للناخبين، وذلك بطريقة التمثيل النسبي.
6-    ستكون التعددية اللغوية والثقافية محل اعتراف وحماية، وتوفر لها الشروط التي تؤدي لتنميتها وتطويرها.
7-    كل مستوى من مستويات الحكم الثلاثة (الاتحادي والإقليمي والمحلي) سُيمنح الصلاحيات التشريعية والتنفيذية الكافية التي تمكنه من أداء وظيفته بفاعلية، وسيكون توزيع الصلاحيات بين مستويات الحكم بناءً على الجدوى المالية والإدارية التي من شأنها معرفة إحتياجات الوحدة الوطنية وتعميقها، ومستلزمات الاستقلال الإقليمي المشروع والاعتراف بالتنوع الثقافي.
8-    كل مستوى من مستويات الحكم له حق دستوري في قسمة عادلة للإيرادات التي تجمع قومياً حتى تستطيع المديريات والسلطات المحلية أن تقدم الخدمات الأساسية للجمهور وتنفذ المهام الموكلة إليها.
9-    المفوضية المالية والنقدية التي تُمثل فيها كل المديريات، هي التي توصي بالمخصصات النقدية والمالية العادلة للمديريات والحكومات المحلية من الإيرادات القومية، مع الأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية والفوارق الاقتصادية بين المديريات، وحجم السكان واحتياجات التنمية، والمسؤوليات الإدارية وغيرها من المصالح المشروعة لكل مديرية.
10-    كل عضو في القوات النظامية (الجيش، الشرطة، الأمن) يجب عليه أداء وظيفته المهنية وممارسة صلاحياته لأغراض المصلحة العامة، ويمنع كلياً من الخدمة أو الإنحياز لمصلحة حزبية سياسية.

هذه المبادئ هي جزء من 34 مادة دستورية توصلت إليها الأطراف المتفاوضة في مبتدأ الفترة الإنتقالية في جنوب إفريقيا بعد جهد وزمن طويل، وأصبحت تلك المبادئ أساس الدستور الجديد التي توافقت عليه القوى السياسية والفئات الشعبية قاطبة. وساهم ذلك التوافق الدستوري في الإنتقال السلمي والسلس من قهر نظام التمييز العنصري إلى ديمقراطية ناضجة ومنفتحة هي مضرب المثل اليوم في القارة الإفريقية.


مبادئ وقضايا دستورية
وباعتبار تجربة السودان الماضية في الحكم، والتي كانت فاشلة إلى حد كبير، ينبغي تحديد مواطن الفشل والقصور والسعي لإصلاحها بناءاً على تشاور وتوافق تام بين كل مكونات المجتمع السوداني. ونحسب أن المبادئ والقضايا التالية مما يستحق التشاور حوله والتوافق عليه وتقنينه في دستور البلاد وقوانينها الأساسية:
1.    اعتماد مبدأ الحوار الوطني البناء والجاد، والحل السلمي الشامل والعادل وسيلة رئيسة لمعالجة جميع القضايا الوطنية مهما استغرق ذلك من وقت وجهد. وأن يتم ذلك بالتوافق والتراضي بين كل مكونات الشعب السوداني.
2.    البدء بوقف الحرب والنزاعات القبلية في كل أنحاء البلاد، ومعالجة القضايا الإنسانية والحقوقية المرتبطة بها من نزوح ولجوء، واستعادة الأراضي المغتصبة وتعويض المتضررين، وتحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية، وتنمية المناطق المتأثرة بالحرب، وتوفير أسباب المعيشة للمواطنين في تلك المناطق.
3.    المشاركة المجتمعية الواسعة في صناعة دستور البلاد الدائم،على أساس التوافق التام عليه بين أقاليم البلاد والقوى السياسية والمدنية والنظامية، والذي ينبغي أن يؤدي إلى تحول ديمقراطي مستدام يلتزم بالحريات الأساسية، ويحقق الاقتسام العادل للسلطة والثروة، ويعزز حقوق المواطنة المتساوية بما فيها الحقوق الإنسانية والثقافية، ويؤسس لنظام لا مركزي منصف ذو جدوى اقتصادية وإدارية، ويتبنى أسس ومعايير وقيم الحكم الراشد.
4.    التحول الديمقراطي يتطلب ثقافة ديمقراطية وممارسة جادة تلتزم بها الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي في نظمها ولوائحها، وتعينها الدولة بالتقنين المناسب والتدريب الذي يرفع قدرات العاملين والناشطين، وتقدم لها الدعم المادي والمعنوي.
5.    علاقة الدين بالدولة قضية شائكة وحساسة ينبغي التراضي التام عليها بين مكونات المجتمع المختلفة، وأن ترتبط بمقاصد ومبادئ الدين الكلية لا فروعه وجزئياته، وبحماية حقوق الإنسان المتعارف عليها لكل المواطنين دون تمييز لأحد على آخر.
6.    المجتمع السوداني العريض مكون من شعوب وأعراق وقبائل متنوعة ثقافياً ودينياً واجتماعياً، ينبغي احترام كل تلك المكونات وحسن إدارتها بالسويّة دون تمييز لمكون على آخر، أو فرض ثقافة على أخرى، فالخلق كلهم عيال الله.
7.    الإصلاح عملية شاملة ومتكاملة وعميقة، يجب على الدولة تبني مشروع إصلاح شامل للحياة السودانية العامة بالتراضي بين الناس تشمل السياسة والاقتصاد وأجهزة الحكم والثقافة ومناهج التعليم والآداب والفنون، وذلك من أجل إعادة بناء نظام الحكم على قواعد متينة، وصياغة الشخصية السودانية على قيم الحرية والعدل وحب العمل والوطن.
8.    تعزيز دور المرأة والشباب للمشاركة في الحياة العامة وإزالة كافة أنواع التمييز التي تعوق تجديد الحياة في كيان المجتمع.
9.    استعادة بناء الخدمة المدنية كمؤسسة مهنية وقومية غير مسيسة، يتم الاختيار لها من كافة أقاليم السودان على أساس التأهيل العلمي والكفاءة والخبرة وتجويد الأداء.
10.     بناء القوات النظامية (الجيش والشرطة والأمن) كمؤسسات قومية منضبطة، يتم التجنيد لها من كافة أقاليم السودان على أساس اللياقة البدنية والتأهيل العلمي والتدريب المهني، ويحرم عليها الإنحياز السياسي وتكوين الخلايا السرية لأي عمل أو نشاط يتنافى مع الدستور والقوانين العسكرية.


أجهزة الحكم والسياسة
أ‌-    النظام الفيدرالي:
بعد سنوات طويلة من التردد حسم السودان أمره بتبني النظام الفيدرالي بدءً بتجربة الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب في عام 1972، ثم تعميم التجربة في صيغة مخففة لبقية الأقاليم. وعندما جاءت سلطة الإنقاذ أخذت بالنظام الفيدرالي الموجود وأصدرت المرسوم الدستوري الرابع (1991) الذي قسّم السودان إلى تسع ولايات هي ذات المديريات السابقة، ولكن عندما بدأت الحكومة التفاوض مع حركات التمرد الجنوبية لعقد اتفاقية سلام ترهل عدد الولايات إلى 26 بالمرسوم الحادي عشر (1995). وبرهنت التجربة العملية أن نظام الحكم الفيدرالي القائم يحتاج لعملية إصلاح جذرية حتى يؤدي دوره المنوط به في اقتسام السلطة والثروة بين أقاليم البلاد ومناطقها المتخلفة، وينبغي أن تشمل عملية الإصلاح المسائل الآتية: تقليل عدد الوحدات الفيدرالية الحالية (18 ولاية) لأنها غير ذات جدوى مالية أو إدارية وتعتمد على الدعم المركزي بصورة رئيسة، ويستحسن الأخذ بنظام الأقاليم الستة التي كانت قائمة والتي كانت لها شخصيتها الإدارية والثقافية وتوفر تكاليف أعداد كبيرة من الدستوريين والإداريين،وإعطاء وضع متميز لبعض المناطق ذات الخصوصية مثل جنوب كردفان والنيل الأزرق. استعادة إستقلالية مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات حتى تقوم بمهمتها في توزيع كل الإيرادات على المركز والولايات بناءً على أسس عادلة وموضوعية منصوص عليها بقانون ومنها المعاملة التفضيلية للمناطق الأقل نمواً، وأن يتم اختيار أعضاء المفوضية بتوافق تام بين أعضاء مجلس الولايات، وينشأ لها حساب في بنك السودان مستقل عن وزارة المالية تورد فيه جميع إيرادات الحكومة الاتحادية من كافة المصادر. ويُشكل مجلس للتخطيط القومي تمثل فيه الولايات والحكومة الاتحادية ومفوضية تخصيص الإيرادات تكون مهمته مراعاة توزيع مشاريع التنمية بعدالة على كافة الولايات. تفعيل نظام الحكم المحلي على أسس مهنية غير حزبية وأن توكل السلطات الإدارية والمالية لشخص إداري محترف يعمل تحت رئيس منتخب من دائرته المحلية،  وتكون للمحلية ميزانيتها المستقلة التي يحددها القانون وتأتيها من المركز مباشرة حتى تستطيع القيام بالمهام الموكلة إليها. إزالة التضارب والإزدواجية والغموض في تحديد صلاحيات مستويات الحكم الثلاثة خاصة في مسائل ملكية واستغلال الأراضي وثروات باطن الأرض، وتقليص الوزارات الاتحادية في كل المجالات المخصصة لنشاط الولايات والمحليات حتى لا تطغى عليها ولا تهدر الموارد من أجل الترضية السياسية والمحاصصة القبلية. دعم سلطات مجلس الولايات حتى يؤدي دوره في حماية حقوق الولايات من السلطة المركزية وفي استجواب الوزراء المعنيين، ويكون نداً للمجلس الوطني في إجازة التشريعات خاصة تلك المتعلقة بشؤون الولايات، وأن يشرك في تكوين المفوضيات المستقلة مثل مفوضية الهيئة القضائية ومفوضية حقوق الإنسان ومفوضية البترول ومفوضية الأراضي.


ب‌-    السلطة التشريعية
اتسمت تجربة السلطة التشريعية المكونة من أعضاء المجلس الوطني ومجلس الولايات، والهيئة القومية التشريعية المكونة من المجلسين معاً، بالضعف في ممارسة أهم صلاحياتها التي نصّ عليها الدستور وهي: القيام بمهام التشريع على المستوى القومي، ومراقبة السلطة التنفيذية القومية، وترقية نظام الحكم اللامركزي. فقد هيمّن الحزب الحاكم تماماً على مجلسي النواب والولايات منذ أول انتخابات له غير تعددية في 1996 وحتى انتخابات 2010 ومن بعدها 2015 التي قاطعتهما بعض الأحزاب ذات القواعد الجماهيرية لأنها خشيت من تزويرهما، ولأن الحزب الحاكم يستغل نفوذه الرسمي وموارد الدولة لمصلحته في كسب الانتخابات. وقد بدأت سلطة الإنقاذ شمولية بنظام الحزب الواحد وما زالت الحدود متداخلة بين الدولة والحزب إلى اليوم، وكثيراً ما تصرّح قيادات الحزب في أمور الحكومة كما تتحدث بعض قيادات الحكومة في شؤون الحزب، ويدافع أعضاء البرلمان عن سياسات الحكومة مهما كان تأثيرها سالباً على المستوى الشعبي مثل مسألة رفع الدعم عن المحروقات، بل ويقومون أحياناً بالدعاية لسياسات الحكومة في الولايات على نفقة البرلمان.ويحتاج الوضع الحزبي والقانوني إلى إصلاح كبير قبل أن تتعافى الحياة السياسية الديمقراطية من الاختلال الذي طرأ عليها منذ الإنقلاب العسكري في 89. ولعل أحد وسائل المعالجة أن يتم انتخاب كل أعضاء المجلس الوطني عن طريق قائمة التمثيل النسبي في كل ولاية على حدة  دون سقف محدد من الأصوات لنيل المقعد، فذلك أدعى أن يتيح الفرصة لكثير من القوى السياسية الصغيرة أن تجد تمثيلاً لها في البرلمان القومي، وأن يُسمح للأعضاء بالتجمع في شكل كتل برلمانية في جانب الحكومة أو المعارضة ويتم التعامل معهم داخل البرلمان على هذا الأساس. وأن تحدد لائحة أعمال المجلس الدور الرقابي الذي ينبغي أن تقوم به كل لجنة من اللجان البرلمانية على الجهاز التنفيذي في مجال اختصاصها، وذلك بتوجيه الأسئلة واستدعاء الوزراء وعقد جلسات الاستماع مع المختصين والخبراء، وإنشاء لجان تحقيق في بعض المسائل التي تهم الجمهور، وأن تنشأ لجنة لتلقي شكاوى المواطنين في مجالات الحياة العامة المختلفة وتقوم بدراستها والتعليق عليها وربما عرضها على البرلمان. وأن تتسم جلسات البرلمان بشفافية تامة تفتح لأجهزة الإعلام حتى يعرف الناس ما يدور في البرلمان ومَن مِن أعضائه ينشغل بهموم المواطنين، وأن يقوم إعلاميون محترفون أكفاء بعرض مداولات المجلس. ويمكن إنشاء وحدة في البرلمان للمعلومات والأبحاث تعين الأعضاء في توفير المعلومات المطلوبة في أي قضية تهم الرأي العام، والقيام بدراسات في موضوعات معينة تطلبها أي من لجان المجلس. ونقترح إلغاء المادة الدستورية التي تفرض على العضو الذي يتقدم بقانون خاص أن توافق عليه أولاً اللجنة المختصة قبل أن يعرض على المجلس. كما ينبغي أن يتحسب المجلس لسوء استغلال التشريع بالمراسيم الرئاسية المؤقتة، التي شرعت أصلاً لمواجهة الظروف الطارئة في حالة غياب المجلس، حتى لا تكون وسيلة لفرض الأمر الواقع وتفادي مداولات المجلس حول التشريع المعني.


ت‌-    السلطة التنفيذية
عرف السودان في الفترات الديمقراطية النظام البرلماني الذي عادة ما تتكون حكوماته من ائتلاف عدد من الأحزاب–بسبب غياب حزب غالب يستطيع تكوين الحكومة وحده- تظل تتفاوض أسابيع عديدة حول تقسيم الحقائب الوزارية بينها. وكانت نتيجة تلك الإئتلافات المتنافسة والمتشاكسة حكومات هشة ضعيفة لا تتفق على برنامج موحدولا تحقق إنجازاً يذكر، وكثيراً ما تخرج بعض الأحزاب من الحكومة قبل انتهاء مدتها ليبدأ البحث عن ائتلاف جديد، ولم يحدث أن أكملت حكومة واحدة مدتها القانونية طيلة الفترات الديمقراطية الثلاث. وأضرت هذه الممارسة الحزبية الضيقة بهيبة الدولة أمام الرأي العام المتسييس وأغرت بها الإنقلابيين من العسكريين فانقضوا عليها أكثر من مرة. كما عرَف السودان النظام الرئاسي في الفترات العسكرية خاصة فترتي الرئيس النميري والرئيس البشير اللتان امدتا لحوالي الأربعين سنة، اتسم النظام فيهما بالسلطة المطلقة للرئيس في التشريع والتنفيذ والعمل السياسي،فكان الوضع أشبه ما يكون بنظام الرجل الواحد. وبما أن السلطة المطلقة مُفسدة فساداً مطلقاً، فقد شهدت الفترتان انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتجاهلاً تاماً لدور المؤسسات السياسية والفنية في صنع القرار، واستشرى الفساد في أجهزة الدولة بصورة غير مسبوقة خاصة في العهد الأخير، وعانت الدولة من القرارات العشوائية والفردية في تسيير شؤون الحكم. ولم يعد مثل هذا النظام الذي ارتبط بالجبروت والدكتاتورية مقنعاً للقوى السياسية في البلاد رغم أنها أيدت في الماضي بعض تلك الإنقلابات. لذا لا بد من التفكير في نظام آخر يوازن بين توحيد رئاسة الدولة وسرعة اتخاذ القرار وتحقيق المشاركة  الشعبية والمساءلة البرلمانية للسلطة التنفيذية وحماية حريات وحقوق الإنسان. ويبدو أن النظام المختلط بين رئيس للجمهورية منتخب بوساطة عامة الشعب يقتسم السلطة التنفيذية مع رئيس للوزراء ينتخبه ويحاسبه البرلمان هو الصيغة الأفضل للسودان بعد تلك التجارب الفاشلة.ومن المهم أن يتبع جهاز الأمن لوزير الداخلية حتى يكون محاسباً أمام البرلمان على كافة أعماله فالتبعية لرئاسة الجمهورية تجعله فوق المحاسبة وفوق القانون.والأفضل أن تكون رئاسة الجمهورية مؤسسة تضم مع الرئيس مساعدين له من أقاليم السودان الستة، يرشح المجلس التشريعي في كل إقليم ثلاثة أشخاص ليختار الرئيس أحدهم ممثلاً لذلك الإقليم، ويتم اتخاذ القرار بالأغلبية داخل مؤسسة الرئاسة. وينبغي تقليص عدد الوزارات الاتحادية للحد الأدنى، طالما أن الحكومات الإقليمية والمحلية تقوم بأداء الخدمات الضرورية للمواطن.
الخدمة المدنية هي الجهاز البيروقراطي الفني لتنفيذ سياسات الحكومة في المجالات المختلفة، وقد تعرض هذا الجهاز الهام إلى خلل كبير باتباع حكومة الإنقاذ لسياسة "التمكين" التي تعني تعيين أهل الثقة والولاء من أتباعها في كل وظائف الدولة القيادية مهما كان تأهيلهم أو كفاءتهم أو خبرتهم. وأدى ذلك بالطبع إلى تسييس الخدمة المدنية وانهيارها وفقدانها لاستقامة الأداء والعدالة بين الناس، كما غابت عنها قواعد المساءلة والمحاسبة، واستشرى الفساد والمحسوبية خاصة مع قلة الرواتب التي لا تكف ضرورات المعاش مع ضعف التدريب المهني. وزاد الأمر سوءاً الحصانات التي أعطيت إلى عدد كبير من مسؤولي وموظفي الدولة من المساءلة والمحاسبة أمام الجهات القانونية. لذا يحتاج جهاز الخدمة المدنية لاستعادة مهنيته وقوميته وحيدته وبنائه من جديد على أساس الكفاءة وتراكم الخبرة وجودة الأداء. ولقد كانت الخدمة المدنية في بداية الاستقلال مضرب المثل في الكفاءة والمهنية وسرعة الأدء، فهناك تراث وطني  تليد يمكن أن يُبنى عليه ويطوّر إلى أحسن.
ينبغي أن تكون الخدمة المدنية في مستوياتها العليا والوسيطة ممثلة للشعب السوداني في كافة مناطقه، لذا يجب معالجة المفارقات وعدم التكافؤ في التعيين، واستخدام التمييز الإيجابي والتدريب الوظيفي لتحقيق أهداف الاستيعاب المنصف لأمد محدود، وأن يفتح التنافس النزيه على الوظائف في كل أقاليم البلاد دون تمييز ضد أحد، وأن تكون التخصصات العالية والوظائف القيادية مركزية حتى يمكن الاستفادة منها على مستوى كل الأقاليم. وأن تتكون المفوضية القومية للخدمة المدنية من أقاليم السودان المختلفة، وتكون لها الكلمة الفصل في سياسات التوظيف والتعيين والتدريب وتحديد هياكل المرتبات لكل أجهزة الدولة.


ث‌-    السلطة القضائية
هناك ورقة متخصصة عن الإصلاح القانوني من المفترض أن تتعرض أيضاً لإصلاح الأجهزة القضائية لأن المهمة متكاملة بين القانون والقضاء لتحقيق العدالة الناجزة لكل الناس في المجتمع دون تمييز. ولكن لا بأس علينا أن  نطرح في هذا الحيز بعض الأفكار والمقترحات لعلها تفيد في استكمال بعض جوانب الموضوع التي ترتبط بأجهزة الدولة الأخرى. وبما أن نظام الإنقاذ بقي في السلطة لحوالي خمس وعشرين سنة واتبع سياسة التغلغل والتمكين في أجهزة الدولة، فقد استطاع أن يستتبع إلى حدٍ ما السلطة القضائية لارادته السياسية بصورة غير مسبوقة في تاريخ القضاء السوداني الذي عُرف بالاستقلالية والمهنية والكفاءة. لذلك كان لا بد من إجراء بعض الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تعيد الأمر إلى نصابه وتسترد حيدة القضاء وكفاءته ومهنيته.ونقدم هنا المقترحات التالية: الالتزام التام باستقلالية السلطة القضائية إدارياً ومالياً ومهنياً، ولا ينبغي لأي جهة كانت أن تتدخل أو تعطل أحكام أو أوامر المحاكم؛ أن يكون منصب النائب العام مستقلاً عن السلطة التنفيذية مثلما كان في الماضي، وتقوم النيابات العامة في جميع أنحاء البلاد بكل إجراءات ما قبل المحاكمة دون تدخل من أية جهة؛ وأن يتم الاحتفاظ بالمحكمة الدستورية المستقلة حارسة للدستور ومختصة بالفصل في المنازعات التي يحكمها دستور البلاد على أن تكون منفصلة من السلطة القضائية؛ وأن تكون المفوضية القومية للخدمة القضائية هي الجهاز الإداري الأعلى للقضاء التي توصي بتعيين القضاة وترقياتهم حسب مؤهلاتهم العلمية وكفاءتهم ونزاهتهم وخبرتهم، وأن تكون غالب عضوية المفوضية من القضاة والخبراء والأكاديميين ذوي الصلة حتى تحتفظ باستقلاليتها عن السلطة التنفيذية.ومن المهم تقليل حصانات المسؤولين في الدولة للحد الأدنى لأنها أصبحت معيقة لتحقيق العدالة، وإعطاء المحكمة العليا حق رفع الحصانة عن المتهم في حالة الجرائم الجنائية والمدنية الكبيرة إذا تقاعست الجهة المعنية من رفع تلك الحصانة في الوقت المناسب لتأخذ العدالة مجراها الطبيعي بين الناس.


ج‌-    الأحزاب السياسية
تعتبر الأحزاب السياسية ركناً هاماً في النظام الديمقراطي التعددي ولا مجال لتعزيز الديمقراطية دون أحزاب سياسية فاعلة. وقد تضعضع النظام الحزبي القديم في السودان بسبب تعاقب الأنظمة العسكرية التي حكمت معظم سنوات ما بعد الاستقلال، وحظرت الأحزاب وصادرت ممتلكاتها ولاحقت قياداتها واعتقلت نشطاءها. فالأحزاب اليوم ضعيفة الكفاءة قليلة الكوادر المدربة، تفتقد الهياكل التنظيمية الفاعلة والممارسة الديمقراطية داخل أجهزتها، كما لا تملك الموارد المالية التي تمكنها من مزاولة نشاطها. ولمعالجة هذا الضعف في كيان الأحزاب السياسية ينبغي إطالة الفترة الإنتقالية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات قبل أن تقوم انتخابات عامة تشترك في منافستها الأحزاب بعد أن تكون قد استردت شيئا من عافيتها التنظيمية وتواصلت مع قواعدها في أنحاء البلاد المختلفة.وقد برهنت تجربة ما بعد ثورة أكتوبر 64 وانتفاضة أبريل 85 أن تحديد سنة واحدة للفترة الانتقالية قبل قيام الانتخابات فترة ليست كافية لتواصل الأحزاب مع قواعدها، وتنظيم أجهزتها وتجديد قياداتها وتفعيلها، وصياغة سياساتها وبرامجها. ويفضل أن تقوم الدولة بتمويل مناسب لنشاط الأحزاب خاصة عند الانتخابات على أن تلتزم الأحزاب في المقابل بتطبيق دستورها ولوائحها بدقة وشفافية، وأن تراجع الدولة حساباتها في نهاية كل عام. وينبغي أن يفصّل قانون الأحزاب مسؤولياتها الوطنية والسياسية وحقوقها القانونية، وضرورة الممارسة الديمقراطية داخل أجهزتها وكيفية معالجتها لاختلافاتها ونزاعاتها داخل أطر الحزب ومؤسساته. ونقترح الأخذ بالنموذج البريطاني في دمج تنظيم الانتخابات وتسجيل الأحزاب في مؤسسة مستقلة واحدة، تكون أكثر قوة وألصق شأناً بالعمل الحزبي والانتخابي. وكثرة الأحزاب ليست مشكلة في حد ذاتها إذا أدركت الأحزاب مدى قوتها وتخصص مجالها على مستوى المدينة أو الولاية أو الاقليم أو الوطن بأكمله، فالمفوضية البريطانية للانتخابات مسجل بها لعام 2015 حوالي 425 حزبا. بعضها يعمل في مشكلة واحدة في مدينة واحدة ويترشح فقط في مجلس تلك المدينة!


ح‌-    منظمات المجتمع المدني
عرف السودان منذ وقت طويل منظمات أهلية تقليدية مثل العشيرة والقبيلة والطائفة الدينية، ترعى تطوعاً بعض حاجيات الناس الضرورية في أوقات الشدة فتملأ الفراغ الواسع بين السلطة والمجتمع. وظهرت مع انتشار التعليم والتواصل مع العالم الخارجي منظمات المجتمع المدني الحديثة مثل النقابات والاتحادات والجمعيات الطوعية والخيرية والثقافية، التي بدأت تقوم بأنشطة متطورة لحماية المجتمع ودرء الكوارث عنه والعمل على تماسكه وتطوره لتسد الفجوة التي تعجز الدولة عن القيام بها. وقد زادت هذه المنظمات زيادة كبيرة في السنوات الماضية كما اتسعت اهتماماتها في شتى المجالات الخدمية والحقوقية والتنموية والصحية والثقافية، وأصبحت هذه المنظمات مظهراً متطوراً لتفعيل طاقات المجتمع في مساعدة الشرائح الضعيفة مثل النازحين واللاجئين واليتامى والمرضى والأطفال والأرامل والعجزة. وينبغي على الدولة أن تعين أنشطة هذه المنظمات بإعفاء وارداتها للعمل الخيري من الرسوم الجمركية، وتخفيض الضرائب لمن يتبرعون لها، بل وأن تخصص صناديق في الوزارات المختصة لتمويل بعض أنشطتها التي تساعد في خفض الفقر وتوفير مياه الشرب وعلاج المرضى وتعقيم الأطفال وغير ذلك من الأنشطة الضرورية التي كان ينبغي أن تقوم بها الدولة. وتسهم منظمات المجتمع المدني كذلك في التوعية السياسية التي تخدم مبادئ الحكم الراشد مثل التبشير برعاية حقوق الإنسان، ونشر ثقافة الديمقراطية، وتنوير المواطنين بالعملية السياسية والانتخابية، وتقديم العون القانوني للمعتقلين وسجناء الرأي واللاجئين، وكيفية فض النزاع بين الجماعات. وقد قامت المنظمات الطوعية في السودان في السنوات القليلة الماضية بنشاط مكثف يفوق الأحزاب السياسية قاطبة بالعاصمة والولايات في التوعية بأهمية كتابة الدستور القادم وضرورة المشاركة الشعبية في صناعته وتوضيح الخيارات المختلفة في قضاياه الخلافية. وبهذه المهام الكبيرة لمنظمات المجتمع المدني تستحق رعاية أكثر من الدولة مثل: إنشاء مجالس تخصصية للمنظمات حسب نوع النشاط الذي تقوم به على أن تتولى إدارتها لجان منتخبة من عضويتها، وتعمل هذه المجالس على تسهيل وصول مساعدات الحكومة للمنظمات، وتنظم دورات تدريبية لكوادر وموظفي المنظمات، وتقدم الاستشارات والخبرات لها في المجالات المختلفة، وتعزز العلاقة بين المنظمات السودانية والمنظمات النظيرة لها خارج السودان، فالفارق كبير جداً بين كفاءة وإمكانات المنظمات السودانية التي تلاحقها الحكومة وبين المنظمات العالمية التي تعينها حكوماتها!


خاتمة
تطوير هياكل الحكم والسياسة في بلد متخلف مثل السودان عملية طويلة المدى لا تدرك في سنوات قليلة ولا في عشرات السنوات، ولكن من المهم أن يتوافق الناس على الأخذ بالطريق الصحيح وهو النظام الديمقراطي التعددي اللامركزي والالتزام بسيادة حكم القانون على الجميع. وبعد ذلك نسأل الله أن يلزمنا الصبر على متاعب هذا الطريق وتحدياته الجمّة، وأن يكفينا شر الإنقلابيين المغامرين من أهل اليمين أو اليسار. قولوا آمين!

المصادر
1-    محجوب محمد صالح (تحرير): دراسات حول الدستور - 1، (مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، الخرطوم، 2012).
2-    محجوب محمد صالح (تحرير): دراسات حول الدستور – 3 ، (مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، الخرطوم، 2014).
3-    محمد إبراهيم خليل: أجهزة الحكم وفصل السلطات في الدساتير المعاصرة، (مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، الخرطوم، 2012).
4-    سامي عبد الحليم سعيد: الفدرالية والحكم المحلي، (مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، الخرطوم، 2012).
5-    علي سليمان فضل الله: حقوق الإنسان، (مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، الخرطوم، 2012).
6-    فولف ليندر: الديمقراطية السويسرية: الحلول الممكنة للصراعات داخل المجتمعات متعددة الثقافات، (ترجمة هاني شلبي، منشورات الجمل، بيروت، 2013).
7-    محمد ياسين غادر: محددات الحوكمة ومعاييرها، (جامعة الجنان، طرابلس، 2012).
8-    نادر فرجاني: رفعة العرب في صلاح الحكم في البلدان العربية، بيروت، 2000).
9-    الطيب زين العابدين: العلاقة بين الدين والدولة، (مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، الخرطوم، 2012).
10-    دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005، ( وزارة العدل، الخرطوم، 2005).


altayib39alabdin@gmail.com
///////////

 

آراء