إضاءات حول كتاب “الفكي علي الميراوي- من صور البطولة في جبال النوبة” للدكتور قندول إبراهيم قندول

 


 

 

د. قاسم نسيم


(2-3)

الفكي علي وأسرته

اختار المؤلف سنة 1872 تاريخًا لميلاد الفكي علي تقديرًا، وكان ميلاده بميري برا، وقد زعم المؤلف أنَّه الرابع في الترتيب لأمه، حسب أقوال رواته وما رجح منها، لذا سُمِي "توتو مودو"، وفق نهج التسمية عندهم، فمعروفٌ أن مجموعة كقولو تمنح المولود الأول اسمًا معينًا، وهكذا حتى الثامن. وظهرت فيه صفات القيادة منذ طفولته،  فأحسنت والدته تربيته ؛كأنها كانت ترتجي تحقيق تلك القيادة، المرتجاة في الغيب، ومما نُقِل عنه أنه قد زاوج بين الإسلام ومعتقدات قبيلته من كهانة  وكجور وأسبار، فأحبه قومه.

ذكر المؤلف أنَّ زوجات الفكي علي بلغن ثماني عشرة زوجة، منهن ثلاث عشرة نوباوية، وواحدة مسيرية وواحدة حازمية، وواحدة من الداجو، وواحدة من السلامات، والأخيرة من دارفور، وبلغ أولاده وبناته ست وستين ، وقد عدَّ المؤلف هذا التعدد في الزواج الذي ضمَّ قبائل مختلفة إعدادا مبكرًا للفكي علي لثورته، التي ما فتئت تتخلق في وجدانه ، فكأنه أراد أن يستنصر مستقبلُا بأصهاره من تلك القبائل، في ثورته المنتظرة.

تولى حامد أبو سكين الأخ الأكبر للفكي على الحكم  في ميري سنة 1904 بعد وفاة أخته "كليلة" والدة حسن كوة كفلي، وكانت علاقة حامد أبوسكين مع الحكومة  البريطانية المصرية جيدة، بل  إنه شارك معهم في بعض حملاتهم التأديبة ضد بعض قبائل النوبة التي تعصت عليهم.

في سنة 1908 بدأ أهالي ميري التململ من دفع الضرائب،  فلما أحسَّ ملكهم حامد أبو سكين ذلك نقل إقامته إلى "تُلُك" بميري برا سنة 1909، وذلك استجابة لإرادة شعبه الذي بدا له جنوحه للتمرد، فآثر اختيار منطقة حصينة لهم ، فقد توقع أن تهاجمهم الحكومة لإرغامهم على دفع الضرائب، وذلك لموقع "تُلُك" الاستراتيجي الحصين، خلافا لميري جوا المفتوحة، لكن لم يحدث شيءٌ حتى وفاته.

توفى الملك حامد أبو سكين  سنة 1910، وخلفه أخوه الفكي علي مودو ألمي، بدلا عن ابن أخته حسن كوة كفلي، ومن هنا ظهر الصراع على السلطة، فحسن هذا هو ابن كليلة شقيقة حامد أبو سكين ، لكنه ينتمي إلى كيقا الخيل من جهة أبوه على أرجح الأقوال. استقوى حسن كوة في صراعه مع خاله الفكي على بالسلطات المحلية في كادقلي، وذلك بالمبادرة بجمع الضرائب وتوريدها إليهم، خلافًا لرغبة الفكي علي وقومه، وهكذا تدهورت العلاقات بين الفكي علي  الذي رفض جمع وتوريد الضرائب  والسلطات في كادقلي فاعتبرته متمردًا.

الفصل الخامس "سنوات الغضب  ثورة الفكي علي الميراوي الاستعداد والتدريب التحالفات"

يعدد المؤلف الأسباب الرئيسة للثورة في: تبرم المواطنين من الضرائب، وانخفاض منتوج الذرة ذاك العام بسبب الكوارث الطبيعية مما زاد من ضيق الناس، كما أن سريان شائعات عن قرب نشوب حرب في أوربا ساهم في أيقاظ الشعور الثوري ضد المستعمر، والثقة في هزيمته، وكان لتخوف الفكي علي من أن يحل ابن اخته حسن كوه محله دور في توقد الأمر.

ثم عدد المؤلف الأسباب المساعدة على قيام الثورة، منها امتلاك النوبة للسلاح الناري، الذي أتى من مخلفات معركة شيكان، وتنامي قدرة النوبة على صناعة الذخيرة، وتأتي  مناصرة قبائل ميري للثورة في مقدمة الأسباب المساعدة، فقد شارك في الثور كل قبيلة ميري، إضافة إلى تحالفات الفكي  علي مع بعض القبائل العربية كالرواوقة والمسيرية الزرق والناظر محمد فقير الجبوري الذي أسهم في جلب السلاح للفكي علي من دارفور ،   فقد سبق أن أرسل الفكي وفدا للسلطان علي دينار  حيث قابله وشرح له أهدافه من الثورة وطلب منه مده بالسلاح بيعًا. هذا وقد بلغ جيش الفكي ما بين 600- 700

بدأ الفكي علي في تجنيد جيشه في سرية تامة، حتى لا تكتشف خبيئته، وقسمه إلى ثلاث فرق  وكوَّن مركز اتصالات، كان يقوم  له بالعمل الاستخباري، وقد أعانه كثيرًا في حربه حيث كانت تتوافر له المعلومات عن تحركات الجيش الحكومي من تلك المراكز.

عمل الفكي علي على تجنيد أبناء ميري ممن كانوا مجندين في قوات الجيش أو الشرطة بكادقلي، كما جند الجنود السابقين ، وبذلك يكون قد اخترق الجيش الحكومي من عناصره.

في اليوم الذي حدده الفكي علي للهجوم على كادقلي جاء  على رأس مئتين من جنوده، متظاهرًا أنه جاء ليدفع ما عليه من ضرائب، لكن أحد جنود الحكومة المشاركين مع الفكي علي في الخطة، كان قد أفشى الخطة لزميلٍ له آخر، ثم انتقلت المعلومة من هذا الزميل لأحد الضباط، ومن ثم انتشر الخبر وفشا في قيادة الجيش في كادقلي، فعلمت القيادة خطة الفكي على المتمثلة في الحضور نهارًا ، وبهذا العدد الكبير من معاونيه، ومشاركة حتى بعض جنودها من أبناء قبيلته في المؤامرة، ففشلت المحاولة لانكشافها واستعداد الحكومة، فانسحب الفكي علي بمعاونيه حالًا من كادقلي، إلى قواعده.

بعد فشل الفكي علي في تنفيذ خطته، سعى لمقابلة حاكم  مديرية جبال النوبة لتبرئة نفسه، ثم تراجع عن ذلك وعاد إلى "تُلُك" يستمر في ثورته. وفي إبريل 1915 أرسلت له الحكومة تجريدة عسكرية، فوصلت القوة إلى كادقلي في 13 إبريل  سنة1915 ، ثم خرجت منها قوة استكشافية  قوامها 72 جنديًا من الجيش والشرطة ، بعد أن وصلت القوة الاستكشافية إلى جبل "تُلُك"، وفي يوم 20 أبريل تحديدًا بدأت القصف على الجبل لعدة أيام، لكنها لم تستطع القبض على الفكي علي، فقد استطاع الافلات بسبب صعوبة ملاحقته لوعورة المنطقة.

في أوائل مايو من العام نفسه، تحركت قوة كبيرة تكونت من سلاح الهجانة والفرسان والمشاة، تحت إشراف ويلسون إلى ميري انتقامًا لجنوده، وللقضاء على الفكي علي وثورته، تحركت القوة من كادقلي مساءً ، وقضت الليل بالقرب من قرية "حجر نمر"، لكن الفكي علي علم بتحرك القوة بفضل جهاز استخباراته القوي، فباغتهم بالهجوم ليلًا، حيث قتل معظم أفراد القوة، وفرت البقية إلى كادقلي تجرجر أذيال الخزي والهزيمة.

في منتصف مايو، تحركت تعزيزات جديدة، وبدأت تقصف منطقة "تُلُك" للمرة الثانية، فتحصن جنود الفكي في الكهوف والكراكير، فأشعلت القوات الحكومية النار على مداخلها، ثم أطلقت الغاز المسيل للدموع، وانتظرت خروج جنود الفكي علي من الكهوف، وهم منتظرين على مداخلها ، فوجئوا بانقضاض جنود الفكي علي عليهم، حيث خرجوا من مخارج أخرى،وأتوا وقضوا عليهم جميعًا، إلا فردين لاذا بالفرار إلى كادقلي، استولى الفكي علي في هذه المعركة على عدد كبير من الأسلحة والذخائر.

بعد هذه المعركة انتهج الفكي علي أسلوب حرب العصابات، فكان يهجم وينسحب، وبقي هكذا إلى أن اتخذ قرار الذهاب إلى الخرطوم؛ لمقابلة الحاكم العام ، وتوضيح وجهة نظره له فيما جرى من أحداث.نواصلٍ


gasim1969@gmail.com

 

آراء