الأزمة السودانية والحل المنتظر، بعيداً عن التشاؤم

 


 

 

لا شك أن كل سوداني غيور على مصلحة بلده ومواطنه، يتمنى أن يحصل وفاق يحقن الدماء ويحقق الإستقرار ويستعيد مسار الثورة، وهذا يلقي مسؤولية تاريخية عظيمة على الذين يتصدون للحوار، بأن يحرصوا على مشاركة أو مباركة أو تحييد أطراف المشهد المأزوم، ومنهم لجان المقاومة، الدعم السريع، الحركات المسلحة.. الخ، وسأقوم باستعراض بعض أطراف المشهد، ما لهم وما عليهم :-

أولاََ : قوى الحرية والتغيير : وهذه أصبحت طرفاََ في الحل بحكم أنها الآن تتولى الحوار مع العسكر، (لكن) ولكي يحققوا إتفاقاََ يقبله الشعب، عليهم أن يبعدوا عن الكيد والتسابق والإقصاء والإنفراد بالرأي ! حتى لا يدخلوا في مغامرة جديدة لا تحتملها البلاد.! فالأمر يحتاج للتروي والتشاور الواسع.! فالحل لن يكون إلا فيما يرضي الشارع السياسي، وليس في رضاء الخارج أو العسكر !

عليهم ان لا ينظروا لمسودة دستورهم، بعيدا عن ما أثير حولها من ملاحظات وتصويب!! وان يبحثوا عن الأصوب دون مكابرة، فالميثاق المدمج، كمثال، فيه المعالجة الأوفق لأوضاع الأجهزة العدلية، بأن إعتمد قانون مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية، فهذا أفضل بكثير من تعيين قادة الأجهزة العدلية بواسطة قوى الثورة.!!

عليهم أن يعملوا على الوصول لفترة إنتقالية مستقرة، تحقق أهدافها بعيداً عن الفعل ورد الفعل، بأن يسودها حكم القانون، لا سواه، في ظل أجهزة عدلية مستقلة وقادرة على تطبيق سيادة القانون بحياد وتجرد.

عليهم ان يعلموا بأن مصداقية الحل تكمن في عدم مشاركتهم في الحكومة الانتقالية، وأن تكون حكومة كفاءات مستقلة.

عليهم أن يعلموا بأن الحوار يجب أن يجري في النور، وبشفافية تسقط الأجندة الخاصة، وتستصحب الماضي والحاضر، وبدون ذلك فإن الحل سيفقد جماهيريته، فهو يحتاج إلى جماهير تقبله لتسنده وتحميه.

ثانياً : المكون العسكري : للأسف الواقع يشهد بأن الجنرال البرهان رجل متقلب الأطوار والمزاج لا ينظر للعواقب ولا يأمن له جانب، وواضح أن فشلهم كمكون عسكري، في تكوين حكومة وإدارة الدولة، لا يهمهم في شيء، ولا يعني ندمهم على الإنقلاب.!
وما يعزز عدم الثقة فيهم تصريح الأستاذ حضرة بأن العسكر متمسكون بأن يتضمن الإعلان الدستوري المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والإشراف على الأمن والدفاع وبنك السودان، ووجود الدعم السريع!! وهذه مطالب تكشف عن "قوة عين" وأنهم على إستعداد لقلب الطاولة على الجميع في أي لحظة.!

ورغم ذلك، ما دامت السلمية قد عجزت - حتى الآن - عن اسقاطهم، وما دامت السلطة بيدهم، فلا بد أن يكونوا طرفاََ في الحوار والاتفاق، (لكن) بما يجب أن يتحلوا به من موضوعية! أهمها أن يفهموا أن الشعب لن يثق فيهم مرة أخرى، لأنهم غير صادقين في إعلان خروجهم من السياسة.! وحتى لو خرجوا من الموقع السياسي للعسكري، فالشعب لن يطمئن لهم، لأن إنقلابهم تم بقوة السلاح الذى يحركونه بحكم موقعهم داخل الجيش، وليس بحكم موقعهم السياسي. !
بالتالي فإن الحل في إتفاق يخرج المكون العسكري من كامل المشهد، ليأتي على قيادة الجيش من يحملون هم الوطن والشعب. !

عليهم أن يفهموا بأن ما ارتكبوه من جرائم في حق الوطن والشعب، لا مجال لتجاوزه الا في إطار عدالة انتقالية سودانية، يسن لها قانون يجيزه الشعب .!

ثالثاََ : رجال المقاومة : هم الذين ضحوا بأرواحهم وأطرافهم وحرياتهم، حتى هزموا البشير، ولا زالوا يواصلون نضالهم، فالثورة هي ثورتهم كجيل حرم من حقه في الحياة الكريمة والمستقبل الآمن، ويظل أى واقع سياسي ينتج عن أي إتفاق في حاجة للحراسة بواسطتهم، لذلك يجب أن يكونوا طرفاََ فيه، أو مقنعاََ لهم، (لكن) في حدود ما يجب أن يتحلوا به من موضوعية تستوعب تعقيدات المشهد وخطورته على أمن البلاد، وأن المرحلة الآن في حاجة ماسة للحراك السياسي، مع التأكيد على شعار : لا شراكة لا اعتراف، لكن لا مفر من التفاوض مع الإنقلابيين (كسلطة واقع) حول الخروج من الأزمة.!

ثم لا بد للشباب من التفريق بين الأهداف الإنتقالية وأهداف ما بعد الإنتقال! وأن يعلموا بأن تخطى الأحزاب التقليدية، لن يتم بالتغيير الجذري، لكن الممارسة الديمقراطية هي التي ستفرض عليها تغيير حالها، وإلا سيتم تخطيها عبر صندوق الانتخابات.!

على الشباب أن يقتنعوا بأن إصلاح الجيش والقوات النظامية الأخرى، لا يتطلب الدخول في معارك، فهي مؤسسات مملوكة للشعب ويبقى من حقه إصلاحها بما يتوافق وقانونها، وبما يجعلها قادرة على القيام بدورها .

رابعاََ : قوى التغيير الجذري : لا شك أن الحزب الشيوعي له فاعلية ونفوذ سياسي لا يمكن تجاهله، لذلك يجب أن يكون طرفاََ في الحل، (لكن) في حدود ما يجب أن يتحلى به من موضوعية الطرح، فالتغيير الجذري بالفهم الذي يدعو له، لم يحدث في أكتوبر 64 ولا في أبريل 85 ، رغم أن ذلك كان أسهل بكثير مما كان عليه الحال في ديسمبر 201‪9 ومما هو عليه اليوم!
التغيير الجذري بالفهم المعلن، لا يتصور إحداثه بالسلمية، وبلادنا وواقع حالها لا يحتمل تجاوز السلمية، فلا بد من وضع أولويات للاهداف، وما هو المناسب للمرحلة الانتقالية وما هو المناسب لما بعدها.!

على الحزب الشيوعي أن يقتنع بأن وضع مسافة بينه والآخرين ليس ميزة، فالوضع الطبيعي أن يشارك الآخرين صناعة الحل بطرح رأيه والاستماع لرأيهم، ليعمل الجميع على إنجاح ما يتم التوافق عليه، فالمرحلة ليست مرحلة معارضة أو تفوق حزبي .!

خامساََ : الدعم السريع : قوات ولدت فى ظروف معينة، من رحم قانون الجيش الذي يتيح وجود قوات شعبية مساندة ، إلا انها تطورت وتمددت داخليا وخارجيا، فأصبحت قوة اقتصادية وعسكرية ذات اطماع سياسية، بالتالي لا بد أن تكون طرفاََ في الحل، (لكن) في حدود ما يجب أن تتحلى به من موضوعية، فرغم وقوفها مع الثورة فى أيامها الأولى، لكنها عادت وتورطت أو تم توريطها في جرائم ضد الثورة والإنسانية! فلا مخرج الا في عدالة إنتقالية سودانية، يسن لها قانون يجيزه الشعب.!

وعليها أن تستوعب أن الانتقال المدني لا يمكن أن يتم في وجود جيش مواز للقوات المسلحة.!

سادسا : الحركات المسلحة : بعضها داخل السلطة وبعضها خارجها، وكلها تحمل السلاح.! من هم داخل السلطة يتشبثون بها بإسم اتفاقية سلام جوبا، التي لم تجلب أي سلام ! لقد أثبتت هذه الحركات عدم المبدئية وتمسكها بالسلطة والمال، فتعمدت تعطيل أهداف الثورة وكان لها دورها في الانقلاب! لكن لا مجال للنظر إليها بمشاعر الغضب والكراهية، والحديث الانفعالي عن الانفصال، فقد أصبحت هذه المليشيات جزءاََ من واقعنا، والتجارب تقول ما من مليشيات وجدت فى دولة إلا وكانت سببا في خرابها ودمارها، فلا بد من التعامل بحكمة، غير أن المناداة بأن تكون جزءاََ من الحل، ليست رضوخاََ لسلاحها، وإنما حرصاََ على الإستقرار وحق افرادها في الوطن، (لكن) في حدود ما يجب أن يتحلوا به من موضوعية، أهمها نزع السلاح والقبول بتعديل إتفاقية جوبا، والاقرار بحق الشعب في الإنتقال المدني الديمقراطي.

سابعاََ : ثورات الأقاليم : الأوضاع المعقدة التي تمر بها البلاد، والمسارات التي جاءت بها اتفاقية جوبا ، وانتشار المليشيات داخل المدن، وعدم تحقق السلام في دارفور والنيل الأزرق، ونهب الثروات وضيق الحالة المعيشية، خلق حالة من التوجس في كل الأقاليم، وفي الشمال والشرق برزت أصوات تنادي بحمل السلاح والإنفصال، فلا بد من وضع ذلك في إعتبارات الحل، (لكن) على الجميع أن يحرصوا على وحدة البلاد وأن لا تكون محلاََ للمساومة.

أخيراً، نسأل الله التوفيق لأطراف الحوار، والسلامة والأمن لبلادنا وجميع أهلها.

aabdoaadvo2019@gmail.com

 

آراء