هل كان إدوارد عطية مديرا لمكتب (الاستخبارات) في الإدارة البريطانية للسودان؟

 


 

 

 

سؤال ظل يشغلني منذ فترة وتجدد إثر اطلاعي مؤخرا على ترجمة رواية The Black Vanguard (الطليعي الأسود) تلك الرواية البديعة والرائدة و(المنسية) والتي صدرت باللغة الإنجليزية في لندن سنة 1952. وقد قام بترجمتها ترجمة ممتازة الدكتور بدر الدين الهاشمي وصدرت عن دار المصورات بالخرطوم هذا العام.

والسبب في طرح هذا السؤال هو أنك تجد في كثير من الكتابات السودانية في التاريخ والاجتماع والمذكرات وغيرها اسم إدوارد عطية، حيثما ورد، مقرونا بوصفه مديراً لمكتب المخابرات أو الاستخبارات في العهد الإنجليزي.
غير أن الثابت عندي ان إدوارد عطية كان مديراً لمكتب (الاتصال العام) وهو في تقديري كان بمثابة وزارة الثقافة والاعلام، إذ لم تكن هناك وزارات في عهد الإدارة البريطانية للسودان والتي كانت تتكون من الحاكم العام وثلاثة سكرتاريين بمثابة وزراء وهم: السكرتير الإداري والسكرتير المالي والسكرتير القضائي.
وعقب الاستقلال تغيّر اسم مكتب الاتصال العام الى وزارة الاستعلامات ثم تغيّر الاسم إلى وزارة الثقافة والاعلام في أول عهد حكم جعفري نميري.
وإدوراد سليم عطية بريطاني من أصل لبناني ولد ببيروت من والدين عربيين مسيحيين سنة 1902. فهو إذن لبناني، وليس سوري كما يرد في الكتابات السودانيّة التي تناولت سيرته. أي نعم هو سوري باعتبار ما كان، أي قبل 1943، ولبناني باعتبار ما هو كائن منذ أن نال لبنان استقلاله في ذلك التاريخ. فقد كان لبنان طوال العهد التركي وكذلك في ظلّ الانتداب الفرنسي، جزءًا من الإقليم السوري وذلك حتى إعلان استقلاله سنة 1943.
نال إدوارد عطية تعليمه الثانوي بكلّية فكتوريا (الإنجليزية) بالإسكندريّة، ثمّ تخرّج في جامعة أكسفورد وبعد تخرّجه التحق بخدمة حكومة السودان البريطانيّة بالخرطوم سنة 1926، حيث عمل مدرّسًا للغة الإنجليزيّة بكلّية غردون ثمّ رئيسًا لمكتب (الاتصال العام) بالسودان.

نشر إدوارد عطية عددا من الكتب والروايات باللغة الإنجليزية فهو روائي موهوب، من بين هذه رواية (الطليعي الأسود) وهي رواية سودانية كاملة الدسم ورائدة في فن الرواية العربية الحديثة ولا أدري سبب التجاهل التي قوبلت به هذه الرواية من قبل المثقفين وأساتذة الأدب الإنجليزي والنقاد والمترجمين السودانيين والعرب. وانا افرغ من قراءة الترجمة العربية لهذه الرواية هذا الاسبوع دار بخلدي السؤال التالي: ترى كم من الكتّاب الموهوبين سيء الحظ، أمثال عطية، الذين لم تصب أعمالهم شهرة؟
كذلك كتب إدوارد عطية ونشر بالإنجليزية مذكراته في كتاب صدر سنة 1946 تحت عنوان: " A Study in loyalties:An Arab Tells his Story"
وترجمتها "عربي يروي قصّته – دراسة أو بحث في الانتماءات". وترد الإحالة إلى مذكرات عطية دائمًا في الكتابات العربية بالاكتفاء بالعنوان الرئيسي "عربي يروي قصته". غير أن العنوان الفرعي الذي يجري إغفاله عادة وهو "دراسة في الانتماءات" وهذه هي ترجمتي، ينطوي على الفكرة الأساسيّة التي يناقشها إدوارد عطية في مذكّراته وهي أزمة صراع "الانتماءات" في وجدان المثقّفين الأوائل الذين انخرطوا في سلك التعليم الغربي وتشرّبوا الثقافة الإنجليزيّة تحديدًا وتماهوا معها، وإدوارد عطية واحدٌ منهم.
وقد انجز الأستاذ سيف الدين عبد الحميد ترجمة إلى العربية لمذكرات عطية وصدرت الترجمة قبل بضع سنوات تحت عنوان (عربي يحكي قصته).
يركّز عطية في مذكّراته على أزمة الانتماء التي عاشها هو شخصيًّا. فقد بدأ حياته بعشق الحضارة الغربيّة ومحاولة الذوبان الكلّي فيها من خلال الثقافة الإنجليزيّة حتى إنّه أعلن ولاءه الكامل للامبراطوريّة البريطانيّة العظمى. وهذا ما دفعه للالتحاق بالعمل في خدمة حكومة السودان. ولكنّه بعد فترة من العمل مع الإداريين الإنجليز اكتشف أنّ هنالك حواجزًا كثيرة بينه كشرقي وبين الإنجليز تحول دون اندماجه الكامل في الثقافة الغربيّة.

فبدأ في التفكير في إعادة علاقته بمجتمعه الشرقي الذي تنكّر له في البداية، الأمر الذي جعله يفكّر في الاستقالة عن خدمة الحكومة البريطانيّة. وقد استقال بالفعل عقب انتهاء الحرب العالميّة الثانية في منتصف الأربعينات وعاد إلى لندن وظل يدافع عن قضايا الشعوب المستضعفة والقضايا العربية وعمل سكرتيرا للجامعة العربية بلندن. توفي في لندن سنة 1964.
تزوج إدوارد عطية باسكتلندية ولهما أربعة ابناء، اثتان منهم من العلماء البريطانيين البارزين: الأول مايكل عطية وهو عالم رياضيات معروف، والثاني باتريك عطية وهو فقيه قانوني وأستاذ قانون بالجامعات البريطانية وكانت بعض كتبه مقررة علينا بكلية القانون بجامعة الخرطوم.
والسؤال: هل كان إدوارد عطية مديراً لمكتب المخابرات في الإدارة البريطانية، مفتوح للنقاش، فقط لتبيات الحقيقة التاريخية لا غير.

abusara21@gmail.com
////////////////////////

 

آراء