امرأة .. ليست كباقي النساء

 


 

 



2-1

كنت ايام عملي في جامعة الإمارات العربية المتحدة متعاقدا مع صحيفة "الاتحاد"في ابوظبي بكتابة مقال أسبوعي في الصفحة الأخيرة المسمى " بواحة الاتحاد " وهاجس فيم أكتب ؟هو هاجس كل الكتاب الملتزمين  بمقال يومي أو أسبوعي،وكانت تراودني كثيرا فكرة الكتابة عن الشخصيات التي تركت بصماتها في حياتنا لسببين :اولهما اننا لانكتب عن هذه الشخصيات إلا بعد مفارقتهم للحياة فنكتب للناس عنهم ما لم يقرأوه عن أنفسهم وهم جديرون بمعرفة رأي تلاميذهم أومرؤوسيهم  أو أحبابهم وأبنائهم فيهم فلماذا لانكتب عنهم وهم أحياء وقد زوّدوا وزادوا حياتنا بعلمهم وتجاربهم وخبراتهم؟.
ثانيهما –أنني سبق أن كتبت عن  تجربتي في العمل مع أحد مديري المدارس الثانوية في السودان والذين كانوا يمثلون قمة الخدمة المدنية والخبرات التربوية والتفاني في أداء الواجب وكان وقع المقال على الرجل طيبا وكان سعيدا وممتنا بما كتبته عنه وقد اعتبر تلك الكتابة وساما من أحد مرؤوسيه الذين تعلموا منه ذاكرا أن أحد تلاميذه لم يكتب عنه مع أنه خدم في التعليم اكثر من أربعة عقود علم فيها أجيالا من الطلاب.
الإنسان في حياته يتعلم على كثير من الأساتذة في مراحل تعليمه المختلفة فيظل بعضهم ماثلا في مخيلته متجذرا في تفكيره لأنه أثر في جانب من جوانب حياته وتفكيره وأسلوبه في الحياة وعلاقته بهم ،وقل أن يترك أساتذة الدراسات العليا والمشرفين على الرسائل الجامعية  بخاصة مثل هذا الأثر لأن الكثير منهم تنتهي علاقته بالطالب بمجرد مناقشته لرسالته وحصوله على الدرجة العلمية؛غير أن بعض الأساتذة ليسوا كذلك فتأثيرهم في طلابهم من القوة والفاعلية والحميمية بحيث يجعل الطالب محتفظا بعلاقته بأستاذه متتبعا أخباره بل وملازما له أحيانا؛ ومن هذا النوع من الأساتذة "الدكتورة سهير القلماوي"رحمها الله-التي فارقت الحياة عن عمر يناهز الرابعة والثمانين.
شاء الله أن أشاهد برنامجا في تلفزيون"أبوظبي "عن حياتها وقد سعدت بالبرنامج لأنه أعاد لي ذكريات طيبة معها امتدت لسبع سنوات وهي فترتي الماجستير والدكتوراة حيث تركت بصماتها على حياتي وطريقة تفكيري وأسلوب كتابتي وقراءاتي بل ومنهجيتي في البحث العلمي والتريس والكتابة الجادة.
هذه المرأة من أعظم الأساتذة الذين تتلمذت عليهم من أمثال الدكتور "عبد المجيد عابدين" وخليل عساكر"واحسان عباس " وزغلول سلام"ومحمد المبارك "وحسين نصار"وحسان تمام"وغيرهم .
اسمها "سهير"بفتح السين وكسر الهاء وليس كما ينطق في مصر والسودان بالتصغير.
بدأت صلتي بها في عام 1972 عندما ابتعثت لجامعة القاهرة للحصول على الماجستير حيث طلب مني عميد كلية الآداب أن اتصل بها طالبا منها أن تشرف على رسالتي ،وقد كنت في حيرة من أمري أن أتتلمذ على  امرأة وفي الأدب العربي الحديث وأنا طالب المعهد العلمي الديني في مراحل الدراسة العامة وإن كانت دراستي الجامعية في فرع الخرطوم
وطريق أمثالي هوجامعة الأزهر وليس جامعة القاهرة للدراسة مع امرأة، ولعل الأمر كان هينا لو كان المشرف رجلا ولكن كان قدري معها ولست نادما على ذلك بل أنا شاكر ممتن لله عز وجل لأنها كانت  من أقدر المشرفين وأكثرهم انضباطا والتزاما  وعلما وإنسانية على مستوى جمهورية مصر؛بينما كان كثيرمن زملائنا يعانون من اساتذتهم المشرفين الذين لايلتقون بهم إلامرات عديدة في العام كله وقد يناقش بعضهم رسالته وليس لأستاذه فيها ملاحظة أو أثر؛بينما كانت الدكتورة تقابل طلبتها كل يوم أحد ابتداء من العاشرة صباحا والى آخر واحد منهم.
الدكتورة "سهير" من أول ثلاث طالبات التحقن بالجامعة المصرية كما كانت أوّل أستاذة امرأة تدرس طلاب وطالبات الجامعة بعد حصولها على الدكتوراه عام1943م.
تتلمذت في مرحلة الدكتوراة على عميد الأدب العربي "الدكتور طه حسين" وكانت ملازمة له وقد رايتها يوم وفاة الدكتور "طه حسين"تتقبل العزاء فيه مع زوجته.
ألفت كثيرا من الكتب والقصص منها كتاب "ألف ليلة وليلة"دراسة علمية وغير ذلك في مجال النقد والأدب والترجمة من الإنجليزية التي كانت تجيدها لأن أساس دراستها كان في المدارس الأجنبية وكان رغبة والدها دراسة الطب إلا أنها آثرت الأدب العربي باعتبار العلاقة الموصولة بين آداب الأمم كلها.
كانت محبة للسودان والسودانيين فلم ترفض في حياتها سودانيا طلب إشرافها  حيث أشرفت على الدكتور الطاهر محمد علي "ودفع الله الأمين"رحمهما الله والدكتور بابكرالأمين الدرديري"أمد الله في عمره. وغيرهم  كثير.
كانت الدكتورة آنذاك في سن التقاعد ومع ذلك كنت أتعجب من نشاطها وحركتهافي العمل  فقد كانت تشرف على عدد كبير من الطلاب المصريين والعرب مع تدريسها  لطلاب المرحلة التمهيدية والجامعية كما كانت تدرس النقد  العربي في الجامعة الأمريكية في القاهرة يومين في الأسبوع وتدرس يوما أو يومين في معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية مع التزامها بموعد "يوم  الأحد" لطلبة الماجستير والدكتوراة وكانت مع أعبائها الأكاديمية رئيسة الجمعية العربية النسائية على مستوى الوطن االعربي ورئيسة اتحاد الجامعيات  وعضوة اللجنة التنفيذية لنادي القصة÷ذا الى جانب اسهاماتها في الشؤون الأدبية والاجتماعية في الصحف والمجلات  وكان  بيتها في المعادي"مفتوحا لطلبتها وبخاصة مكتبتها العامرة بكل المصادر والمراجع العربية والإنجليزية.
ماذا تعلمت من هذه المرأة الاستثنائية هذا ما سأحدث به إن شاء الله.

Dr Abbas Mahjoob [ammm1944@gmail.com]

 

آراء