بعض مرتكزات الفكرة الجمهورية (1)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ"
صدق الله العظيم

الإذن والمأذون

اقترح الأخ علي العوض أن تكون هنالك كتابة عن الفكرة قبل التعليق على الإحتفال بالذكرى.. وهو يرى أن موضوع أن الفكرة (دين) غير واضح للبعض.. ووافقته على هذا الاقتراح، وفي تقديري أن بعض من كانت لهم علاقة بالفكرة، غير واضح لهم موضوع أن الفكرة دين، وأبعاد هذا الموضوع.. الكثيرون يرون أن الأستاذ محمود مفكر إسلامي.. ولكن هذا أمر قد يكون مضللاً!! فهنالك العديد ممن يطلق عليهم اسم (مفكر إسلامي).. فهل الأستاذ مفكر إسلامي، بنفس المعنى الذي به د. الترابي رحمه الله مفكر إسلامي؟ قطعاً لا!! الأستاذ محمود ليس مفكراً إسلامياً بالمعنى الشائع، معنى استعمال العقل في القضايا الدينية، والوصول إلى نتائج فكرية.. الأستاذ عارف بالله!! وموضوع العارف يختلف بصورة جذرية عن موضوع المفكر العقلاني.. المعرفة بالله، هي تلقي العلم عن الله عن طريق التقوى: "وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ". هذا هو منهاج المعرفة في الإسلام.. وهو يختلف بصورة جذرية عن استخدام الفكر المجرد.. وهذا المنهاج هو الذي عليه الأستاذ، وهو الذي يدعو له.. وهو منهاج يقوم على الإيمان، وبالعمل في التقوى نتسامى في درجات الإيقان..

نحن الآن في فترة من انقطاع الرسل، وقد نَصَلَ المسلمون عن دينهم وتفرقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة، جميعها هالكة إلا واحدة.. والإسلام يحتاج إلى بعث.. والبعث يحتاج إلى مأذون من الله، ولا يقوم على مجرد الإجتهاد.

عبر التاريخ بالنسبة للدين، تكون هنالك فترة تعقبها بعثة تتم على يد رسول معين، تليها فترة انقطاع من الرسل، يبعد فيها الناس عن الدين.. ثم تأتي فترة بعثة جديدة، على يد رسول جديد، يأتي برسالة تناسب طاقة الناس وحاجتهم في زمن معين.. وقد استمر هذا الأمر منذ سيدنا آدم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع من سبقوه من الأنبياء والمرسلين.. وبمجيء الرسالة المحمدية حدث تحول أساسي، يتمثل في ختم النبوة.. فمحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، لا خلاف بين المسلمين في ذلك.. وختم النبوة هو لحكمة، ولخير أُريد بأهل الأرض.. السبب في ختم النبوة: هو أن كل ما أراد الله أن يوحيه قد اكتمل بالقرآن بين دفتي المصحف.. فلم تعد هنالك حاجة لجبريل، ولوحيه.. فالقرآن كلام الله، ومحمد صلى الله عليه سلم هو الرسول الذي به تم الإستغناء عن جبريل كمَلَك وحي.. وبذلك أصبح العلم عن الله يتم من القرآن عن طريق المعصوم – مفتاح القرآن.. وهذا هو معنى (وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) يعني اعملوا بالشريعة – السنة – عن طريق تقليد المعصوم في عبادته وفي ما يُستَطاع من عادته.. هذا العمل هو التقوى.. ويعلمكم الله، يعني عن طريق التقوى، واتباع المعصوم.. فالتقوى هي خلق الصلة بالله عن طريق تعبده بكلامه – القرآن.. وأخذ المعرفة عنه تعالى.. هذا هو الدين والفكر الديني.. والعمل في التفكير، دون العمل في التقوى، ليس ديناً، بل هو انصراف عن الدين!! الدين كله هو معرفة الله عن طريق خلق الصلة به تعالى، بالصورة التي ذكرناها.

لا يمكن للدين أن يقوم بدون الإذن من الله.. وهذه بداهة.. فمن يبعث الدين، الشرط الأوَّلِي والأساسي له هو أن يكون مأذوناً من الله.. فكل دعوة للإسلام دون إذن من الله، هي دعوة باطلة ابتداءً ولا تستحق مجرد النظر فيها!! (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ".. فكل داعية للدين، ليست دعوته بأمر من الله، دعوته باطلة، وهو يفتري على الله.

يقول الأستاذ محمود من كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام)، تحت عنوان جانبي (من المأذون)؟ يقول: ((
من المأذون؟
ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخا، وما هو محكم محكما.. فهل هناك أحد مأذون له في أن يغير هذا التغيير الأساسي، الجوهري، فيبعث ما كان منسوخا، وينسخ ما كان محكما؟؟ هذا سؤال يقوم ببال القارئ لما سلف من القول.. والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار.. وإنما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولا، يقتضي نبـوة، وقد ختمت النبـوة، بصريح نص، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبـوة قد ختمت، ولكنه ليس حـقا أن الرسالة قد ختمت: "مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا".. ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.. ولكن النبوة ما هي؟؟ النبـوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئاً عن الله.. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس.. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبياً، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولا.. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس.. ولكن هناك شيئا قد جد في الأمر كله، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف.. لماذا ختمت النبوة؟؟
أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبـوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنـه مشغـولون.. قال تعالى في ذلك: "كَلاَّ !!بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَكَلاَّ !!إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ".. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الريـن، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له *في الحديث عن أسرار القـرآن، بالقدر الذي وعى عن الله..

من رسول الرسالة الثانية؟؟
هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..
كيف نعرفه؟؟
حسنا !! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه: "احذروا الأنبياء الكذبة!! قالوا: "كيف نعرفهم؟؟".. قال: "بثمارهم تعرفونهم")).

فالأستاذ محمود مأذون فيما جاء به من دعوة لبعث الإسلام وهو في هذا الأمر مبشر برسالة الإسلام الثانية، ومبيِّن لتفاصيلها، في الدعوة للمنهاج (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، والسلوك وفقه.. وهذا هو الذي يتم به البعث.. فالإسلام دين عمل وليس دين تنظير.. والعمل فيه يقوم على التقوى، كما ذكرنا.. وبجانب تنظيم المجتمع تقوم الرسالة الثانية على أصول القرآن التي كانت في القرن السابع الميلادي يعيشها النبي وحده، وعليها قامت سنته- عمله في خاصة نفسه.. في حين قام عمل الأمة على الشريعة.. كما أن الدعوة تقوم على أن يكون تنظيم المجتمع على أساس أصول القرآن.. بمعنى آخر، الدعوة هي أن يكون القرآن دستوراً للفرد ودستوراً للجماعة في آنٍ معاً.
هذه هي مرحلة البشارة، وهي ما نحن عليه الآن.. وقد سبقتها مرحلة الإذن الأول، في نبوة المعصوم، وفي القرآن الذي جاء به.. فهذا هو أصل الرسالة الثانية، ورسولها محمد صلى الله عليه وسلم.. فمحمد هو رسول الرسالة الثانية، الذي جاء بقرآنها، وعاشها في نفسه.. فالرسالة الثانية هي سنته.. عمله في خاصة نفسه وهي تقوم على أصول القرآن... والرسالة الأولى هي شريعته لأمته، وهي تقوم على فروع القرآن.. واضح من هذا الحديث، أن الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وكما هو بين دفتي المصحف، يقع في مستويين، ويقوم على رسالتين.. ونورد هنا من كتاب (الأخلاق بين الإسلام والحضارة الغربية) نقاطاً عامةً وموجزةً عن مستويي الإسلام:

1. الإسلام إسلامان.. الإسلام العام، وهذا هو إسلام جميع الخلائق، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ".. وهذا هو إسلام الإرادة، وهو لا يخرج عنه خارج، ولا يشذ عنه شاذ.. أما الإسلام الثاني فهو إسلام البشر، إسلام العقول، فهو يتوجه بخطابه إلى العقول البشرية.. وهو إسلام الرضا.. فالله تعالى قد أراد شيئاً، ولم يرضه.. هو أراد الشر ولكنه لا يرضى إلا الخير.. وأراد الكفر ولا يرضاه.. يقول تعالى: "إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ".. من هنا قلنا إن إسلام البشر هو إسلام الرضا، في حين أن الإسلام العام هو إسلام الإرادة.. ففي إسلام الرضا، الله تعالى يخرج عباده مما يريده إلى ما يرضاه.. هذا هو الإسلام الذي يعنينا ونتحدث عنه.

2. في هذا الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، الخطاب يتجه إلى أمتين.. أمة المؤمنين، وخطابها هو ما جاء في الشريعة، في آيات الفروع، التي قام عليها التطبيق في القرن السابع الميلادي.. أما أمة المسلمين فخطابها يقع في مستوى السنة، وهي تقوم على عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه، وتقوم على أصول القرآن.. وأمة المسلمين لمّا تدخل بعد في الوجود، وهي الأمة التي نبشر بها، وندعو لها.. وندعو للمنهاج الذي يفضي إليها، وهو تقليد المعصوم في خاصة عمله (طريق محمد).
الإسلام سلم سباعي، يرتقي فيه السالك على سبع درجات، هي الإسلام الأول، والإيمان، والإحسان.. وهذه هي درجات المؤمنين، وقد جاءت في حديث جبريل المشهور.. أما الدرجة الرابعة فهي علم اليقين، والخامسة علم عين اليقين، والسادسة علم حق اليقين، والسابعة الإسلام من جديد وكلها وراد النص بها في القرآن وهذا الإسلام الأخير هو الغاية المنشودة، وهو يختلف عن الإسلام الأول، اختلافاً كبيراً.. الإسلام الأول يقوم على إسلام الظاهر فقط، حتى أن المنافق يمكن أن يُعتبَر فيه مسلماً!! أما الإسلام الثاني فهو إسلام الظاهر والباطن معاً.. وهو له بداية ولكن ليست له نهاية.. والمسلمون، الإسلام الأخير، يبدأون بالإسلام الأول ولكنهم لا يقفون عند الدرجة الثالثة كما يفعل المؤمنون، وإنما يدخلون في درجات اليقين، مستلهمين الإسلام الأخير.. الإسلام الأول مرحلة عقيدة، أما الإسلام الثاني فهو مرحلة علم.

3. كِلا المستويين من الإسلام مضمَّن في القرآن.. فمحمد صلى الله عليه وسلم صاحب رسالتين: الرسالة الأولى لأمة المؤمنين، والرسالة الثانية لأمة المسلمين.. الرسالة الأولى محمدية "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ..".. والرسالة الثانية أحمدية "وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ".. الرسالة المحمدية لأمة المؤمنين وهذه تمت، وهي خاصة بأمة معينة.. أما الرسالة الثانية فهي للناس كافة، وهذه هي ما نبشر بها، وندعو لها، فهي أمامنا.. ونحن عندما نتحدث عن الإسلام إنما نتحدث عنه في مستوى الرسالة الثانية.. وبين الرسالتين تداخل.

4. الرسالة الأولى تقوم على القرآن المدني والرسالة الثانية تقوم على القرآن المكي.. والاختلاف بين المستويين من القرآن، هو اختلاف في مستوى الخطاب.. فالخطاب في فروع القرآن، هو خطاب لجماعة بعينها، هي أمة المؤمنين.. أما الخطاب في المستوى الثاني فهو للناس كافة، يدعوهم إلى الإسلام الأخير وتحقيق أمة المسلمين.. وهذا المستوى هو غاية من جميع رسالات السماء.. فهو المستوى الذي فيه تتحقق إنسانية الإنسان.. ففيه يصبح متاحاً لجميع البشر الخروج من مرحلة البشرية، والدخول في مرحلة الإنسانية.. وهذه المرحلة هي غاية الوجود الحادث في جميع مراحل تطوره، وإليها الإشارة بقوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً..".. وهذه الخلافة لجميع البشر، ولكن في قمتها يقع فرد واحد، هو الخليفة المعرف بالألف واللام.. هو الإنسان الكامل.. والإنسان الكامل موجود بالإمكان في كل فرد بشري.. وغرض الإسلام كما هو في الرسالة الثانية هو إخراج البشر من مرحلة البشرية إلى مرحلة الإنسانية، بالصورة التي تجعل كل فرد يملك أن يحقق إنسانيته.. وإنما يكون ذلك بتحقيق مكارم الأخلاق.. وهذا هو موضوعنا في الكتاب.

5. المؤمنون هم أصحاب النبي.. والمسلمون هم إخوانه!! وإلى ذلك تشير أحاديث الإخوان، وهي عديدة، ونورد منها قوله: (واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي .. ثم قال واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي.. ثم قال، في الثالثة، واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: من إخوانك، يا رسول الله؟؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل منهم أجر سبعين منكم!! قالوا: منا، أم منهم؟ قال: بل منكم!! قالوا: لماذا؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون على الخير أعوانا!!..).. والفرق بين الأخوان والأصحاب واضح جداً، وإليه يشير قوله من الحديث (أجر سبعين منكم).. الفرق بين الأخوان والأصحاب هو الفرق بين أمة المسلمين وأمة المؤمنين.. فالأخوان، كأنهم أنبياء، وليسوا بأنبياء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة..).
جاء من كتاب الإسلام ديمقراطي إشتراكي عن رسول أمة المسلمين، ما نصه:

رسول أمة المسلمين:

فمن هو رسول أمة المسلمين؟؟ هو أحمد المسيح المحمدي!! وما معنى هذا؟؟!! لقد سبق أن ذكرنا أن نبيّنا، عليه السلام، صاحبُ رسالتين، وبيَّنا هاتين الرسالتين.. الرسالة الأولي محمدية.. وقد قامت عليها أمة المؤمنين.. والرسالة الثانية أحمدية، وهي التي تقوم على أصول القرآن -السنة وسوف تقوم عليها أمة المسلمين.. وقد جاء أمر الرسالة الأولى في قوله تعالى: (محمّدٌ رسولُ الله، والذينَ معه أشدّاءُ على الكفار، رحماءُ بينهم)..كما ذكرنا.. وعن الرسالة الأحمدية جاء قوله تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيلَ إنّي رسولُ الله، إليكم، مصدّقاً لما بين يدي من التوراة، ومبشِّراً برسولٍ يأتي من بعدي، اسمُه أحمد، فلما جاءهم بالبيّنات، قالوا هذا سحرٌ مبين).. فقد جاء محمّد، صلى الله عليه وسلم، بنبوة أحمدية ورسالة محمدية، فدعا إلى الإيمان تفصيلاً، ولم يدع للإسلام الأخير، إلا إجمالاً، في معنى ما بلَّغ القرآن، وفي معنى ما سار السيرة.. وقد استجابت له أمة المؤمنين.. وسيجيء محمد برسالة أحمدية، فيدعو أمة المؤمنين، ويدعو غيرها من سائر الأمم إلى الإسلام، ويفصّل في التشريع، وفي التفسير (التأويل) ما أجمل في القرن السابع وسيُستجابُ له، من كلِّ الناس، استجابةً مستفيضة.. فقد أصبحت الأرضُ مهيأةً لتتلقى عن الأحمدية، وتعي أكثر.. وهذا يقتضي تطوير التشريع بالصورة التي ذكرنا، فيتم الإنتقال من الشريعة إلى السنة، التي أصبحت أكثر مناسبة للوقت.. والعمل بأصول القرآن، مأمورٌ به، بقوله تعالى: (واتّبعوا أحسنَ ما أنزل إليكم من ربِّكم، من قبل أن يأتيَكم العذابُ بغتةً، وأنتم لا تشعرُون).. وأحسن ما أنزل إلينا من ربنا، هو آيات الأصول.. يقول الأستاذ محمود: "لمّا كانت البشرية على عهد الجاهلية الأولى جاهلية القرن السابع متخلفة، وساذجة، وجاهلة، فقد اقتضى حكم الوقت تنزل المحمدية عن الأحمدية تنزلاً كبيراً، وذلك حتى تخاطب الناس على قدر عقولهم، وحتى تشرع لهم في مستوى حاجتهم، وهي حاجة بسيطة.. وكان هذا التنزل من مستوى آيات الأصول في القرآن إلى آيات الفروع.. وأصبحت بذلك آيات الفروع صاحبة الوقت، واعتبرت ناسخة، فيما يخص التشريع، لآيات الأصول.. والآن في النصف الثاني من القرن العشرين، والإنسانية تعيش الجاهلية الثانية جاهلية القرن العشرين وهي جاهلية أرفع بما لا يقاس عن مستوى جاهلية القرن السابع، فقد أصبحت الأرض مهيأة لتتلقى عن الأحمدية، أكثر مما تلقى، ووعى، أسلافها، وكذلك جاء وقت الرسالة الأحمدية.. والرسالة الأحمدية تطوير للرسالة المحمدية.. ذلك ببعث آيات الأصول التي كانت في عهد المحمدية منسوخة لتكون هي صاحبة الوقت في القرن العشرين، وتكون هي عمدة التشريع الجديد، ولا يقتضي كلُّ أُولئك إلا فهماً للقرآن جديداً، به تُحيا السنة بعد اندثارها".. ويقول: "محمد، وهو رسول للأمة المسلمة، صاحب رسالة أكبر منه وهو رسول للأمة المؤمنة.. فهو في رسالته للمسلمين أحمدي، وفي رسالته لأمة المؤمنين محمدي، وسبب الفرق بين الرسالتين حكم الوقت".. ويقول: "لقد أنَى للناس أن يميزوا، بصورةٍ دقيقة، ليس بين النبوة والرسالة فحسب، وإنما بين الأحمدية والمحمدية أيضا.. فالأحمدية نبوة، والمحمدية رسالة.. ونبينا، محمد بن عبد الله، جمع بين الأحمدية والمحمدية.. فهو أحمدي النبوة محمدي الرسالة.. أو قل هو مما يلي الله أحمدي.. ومما يلي الناس محمدي.. هو أحمد في السماء، ومحمد في الأرض".. ويقول: "يُؤخذ من دقائق حقائق الدين أن نبينا رسول الأمتين.. الأمة المؤمنة -الأصحاب، والأمة المسلمة -الأخوان، وأنّه بذلك صاحب رسالتين -الرسالة الأولى محمدية، والرسالة الثانية أحمدية".
الرسالة الثانية هي أصول القرآن، وهي قمة الدين على الأرض.. وهي الأمر الذي كان مستهدفاً منذ البداية، وقد تهيأت الأرض له اليوم، بالحاجة إليه والطاقة به، واستعدت الأرض لتطبيق هذه القمة، وتحقيق (أمة المسلمين)، التي يكون بها الإسلام في الأرض قد وصل إلى قمته المنشودة، وهي قمة لن يتم تجاوزها في هذه الدورة من دورات الحياة على الأرض، وإنما يكون كل تطور هو في إطارها، وبذلك تكون نهاية التاريخ التي تحدث عنها فوكاياما.. وكما ذكرنا هذه الرسالة مرت بمرحلتين حتى الآن: مرحلة نزولها في القرآن، ومعيشة النبي صلى الله عليه وسلم لها.... فهي موجودة أصلا في القرآن.. ومجسّدة كحياة في السنة.. هذه المرحلة هي المرحلة الأولى..

أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة التبشير بها في القرن العشرين على يدي مأذون، هو الأستاذ محمود محمد طه.. فنحن الآن نعيش مرحلة البشارة وهي مرحلة تطبيق الإسلام في المستوى الفردي – طريق محمد صلى الله عليه وسلم، عند الأفراد الذين يؤمنون بالدعوة، ويدعون لها ويبشرون بها.. وننتظر المرحلة الثالثة والأخيرة، التي يكون فيها تطبيق الدعوة عند جميع أهل الأرض.. وينتصر فيها الإسلام على جميع الأديان، بما في ذلك دين العلمانية.. وتبدأ حضارة أو قل مدنية (أمة المسلمين.. مرحلة التطبيق هذه رسولها هو المسيح المحمدي، فهو صاحب إذن التطبيق.. وسنتناول هذا الأمر في الحلقة القادمة إن شاء الله..

خلاصة:

لا يمكن للدين أن يكون بدون إذن من الله، وهذه هي مفارقة جماعات الإسلام السياسي، الأساسية.. هم يريدون أن يقيموا دين الله في الأرض، دون إذنه تعالى!! وهذا دليل قاطع على أنهم لا دين لهم.. فموضوع الدين ليس موضوع اجتهاد فكري، وانما هو موضوع إذن من الله كما ذكرنا.

ومن يؤذن له، دائماً يكون في مستوى من العبودية لله، يؤهله للتلقي عن الله.. والأمر المأذون به هو دائماً الحق الذي لا حق غيره.. ولا يحق لمن أذن له أو غيره من الناس أن يغيِّر فيه.. وبالطبع المأذون له هو من الأدب مع ربه بحيث لا يعترض عليه في أي شيء، والعمل على تغيير ما أذن به الله، هو اعتراض على الله.. ولذلك الأدب مع الله هو دائماً جوهر الدين.. قال المعصوم: "أدبني ربي فأحسن تأديبي، ثم قال: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين".. (أدبني ربي فأحسن تأديبي) هذه هي مرحلة النبوة.. فبعد أن نضجت النبوة أُذن بالرسالة، وجاء قول المعصوم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، هذه هي الرسالة.. والرسالة هي إبلاغ للناس بما أذن به في النبوة.. فالمأذون لا يمكن أن يعترض على سيده، وقد قال تعالى لنبيه الكريم: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً* وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذَاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا). قوله: (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ) يعني غير الذي أذنَّا لك به.. وهذا يعني القول في الدين بغير ما يأذن به الله، هو افتراء على الله!! وهذا هو معنى الآية الأخرى التي صدّرنا بها هذه الحلقة، التي جاء فيها قوله تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ".

ما أذن به لا مجال فيه إلى أخذ البعض وترك البعض الآخر.. هو إما أن يؤخذ كله أو يترك كله، يقول تعالى: "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ".

والمأذون من الله ينبغي الأدب معه، بصورة هي مأخوذة من أدبه هو مع الله.. يقول تعالى: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا".. وذلك لأنه أعرف بخيرهم منهم، وأقدر على توصيل الخير إليهم منهم، وأحرص على توصيل الخير إليهم منهم.. وطاعة المأذون هي من طاعة الله، ومعصيته معصية لله.. يقول تعالى: "مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا".
ويقول: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا".. ويقول: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".. ويقول: "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا".. فلا يمكن التسليم لله، دون التسليم للمأذون – النبي – ومجرد وجود الحرج على حكمه، يذهب الإيمان (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).. ويقول تعالى عن الأدب مع النبي:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ".. فسوء الأدب مع النبي بمجرد رفع الصوت والجهر له بالقول يحبط العمل.. فصحة الدين كلها تقوم على صحة الإيمان، وعلى الأدب.. والمفارقة للدين كلها تقوم على *الخلل في الإيمان، وسوء الأدب.
*
وما يحق للنبي من أدب، يحق لكل مأذون، بل ويحق لكل مرشد، وهذا أمر تفطَّن له السادة الصوفية بصورة كبيرة.. فقد قال الشيخ صالح فضل: الشيخ عبد الله الدوفاري محمدنا إلى الله، وذلك لأنه على القدم المحمدي.. وكان الصوفية حريصين أشد الحرص على الأدب في أنفسهم، وعلى تربية المريدين على الأدب الرفيع.

عندما عرض الأستاذ محمود، ومعه العم أمين صديق الدعوة على السيد علي الميرغني، سأل سؤالاً واحداً: هل هذا الأمر مأذون؟ وعندما جاءت الإجابة بنعم، قال: إذن لا مانع منه.

يتبع...

رفاعة
في 18/3/2023م
//////////////////////////

 

آراء