تصريحات واراء قائد الجيش البريطاني الجديد عن مخاطر تنظيم القاعدة . بقلم: محمد زين العابدين محمد

 


 

 


تصريحات  واراء قائد الجيش البريطاني الجديد عن مخاطر تنظيم القاعدة والمجموعات المتطرفة  ومدي امكانية احتوائهم
محمد زين العابدين محمد
سفير- فريق  ركن *

الجنرال البريطاني ديفيد ريتشارد   القائد العام الجديد صرح مؤخرا بانه لاداعي لتدمير القاعدة لانه بالامكان احتوائها , واستطرد قائلا "   ان القاعدة ستظل تشكل خطرا علي الامن القومي البريطاني للثلاثين عاما القادمة .وأكد ان القاعدة يمكن احتوائها بحيث يتوفر الا من  للشعب البريطاني .
واضاف " في الحروب التقليدية فان النصر والهزيمة يمكن تميزهما بوضوح والمهمة  عادة ما تنتهي بدخول احد الجيوش  لعاصمة البلد الاخر.ثم                
طرح السؤال الاتي " هل نحتاج للقيام بهزيمة القاعدة  ؟ . ويجيب " اعتقد انه لا داعي كما ولايمكن  تحقيق ذلك وعلينا أن  نسال انفسنا  هل بامكاننا ان نقوم باحتوائها بحيث ان نحمي  ارواح أطفالنا ليعيشوا بسلام ؟" اجابته كانت " نعم , بامكاننا ان نفعل  ذلك " . واضاف قائلا  " يجب  اللجوء للتعليم و الديمقراطية لاستخدامهما كاسلحة  ضد القاعدة " ( لاحظ التحولات في مفاهيم وافكار احد قادة الجيش البريطاني  وهوجيش عريق ومحترف وكان له اثره في مجريات احداث تاريخية في العالم .)
بالنسبة للحرب في افاغانستان يعتقد انه كان هناك تقصير من جانب الحكومة والقوات لعدم معرفة مكامن الخطرفي افغانستان  ويري ان عدم تمكن حلف الاطلنطي من تحقيق الامن للشعب الافغاني اثار الكثير من أستياء الشعب الافغاني وبالرغم من كل ذلك فان أداء حلف الاطلنطي قد تحسن كثيرا الان .
الجنرال ريتشارد تعرض لموضوع تخفيض ميزانية الدفاع التي تمت مؤخرا ( كان رئيس الوزرالبريطاني  المستر   ديفيد كاميرون اعلن عن تخفيض في ميزانية الدفاع يبلغ 8% .  القائد العام  الجديد في تصريحه الحالي اكد بان هذا التخفيض لا يؤثر  علي الاحتفاظ بجزر الفوكلاند . الدافع لهذا التصريح ان بعض القادة السابقين للجيش البريطاني  ابدوا مخاوفهم من عملية التخفيض وان التحركات  الاخيرة  حول جزر الفوكلاند بالارجنتين  يستشف منها  البعض رغبة الارجنتين في استعادة الجزر التي تحتلها قوة صغيرة من القوات البريطانية  . هذا الفهم أثار مخاوف بعض القادة السابقين نسبة  للتخفيضات التي تمت في الجيش البريطاني  واهمها اخراج حاملة الطائرات  Ark Royal   من الخدمة  بالاضافة  لاخراج اسراب  الطائرات الهاريرمن الخدمة والتي استخدمت عام 1982  لارجاع جزر الفوكلاند التي احتلتها الارجنتين .وتمكنت بريطانيا من استرجاع جزر الفوكلاند  بعد هزيمة القوات الارجنتينية واخراجها من جزر الفوكلاند  والتي تقع في في جنوب الاطلنطي  .  
الطائرات المقاتلة الهارير هي المقاتلة الوحيدة التي لهاالمقدرة علي الاقلاع والهبوط عموديا وبالتالي لاتحتاج  لممر للاقلا ع  والهبوط  وهي  تهبط بسهولة علي حاملة الطائرات . الطائرات الهارير الان خارج الخدمة في بريطانيا(نسبة للتكاليف الباهظة للاحتفاظ بها  وعند بدء استخدا مها في بريطانيا  في بداية الثمانينات أشترت الولايات المتحدة كمية من هذه الطائرات كما طلبت الصين شراء كمية بسيطة منها  الا ان بريطانيا حددت اقل كمية تباع منها بسبعين طائرة  وذلك خوفا من بيع كمية  بسيطة و تقوم  الصين بعدها  بصناعة كميات كبيرة منها باسلوب النسخ.
حديث القائد البريطاني  يظهر الكثير ويشير   الي النظرةالبريطانية الجديدة   لمحاربة الارهاب  والاسلوب الجديد للتعامل معه باسلوب الاحتواء ومنعه من ان يشكل خطرا داهما علي الامن ا لقومي البريطاني . ففي الوقت الذي تعتبر الحرب علي الارهاب الان  في ذروتها  نجد ان  بريطانيا الدولة العجوز والتي لهاخبرة خرافية  في مجال الحروب في كل انحاء  العالم  ( الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس  كما كان يحلو  للبعض ان يسميها ) وكانت بريطانيا حينها  تستعمر اجزاء كبيرة  من المعمورة منها الولايا المتحدة .  بكل هذه الخبرات  تعود بريطانيا  لسياسة الاحتواء وليس سياسة  المتابعة  والهجوم للقضاء التام علي القاعدة  والذي يعتبره القائد العام البريطاني امرا مستحيلا ويعني ذلك القبول بالتعايش مع هذا  الواقع . الجيش البريطاني يعتبر من الجيوش القليلة جدا في العالم والتي تعمل باسلوب الاحتراف  مما مكنها من تحقيق انتصارات عديدة في مختلف انحاء العالم ) والجيش البريطاني هو الجيش الوحيد الذي تمكن من القضاء علي حرب العصابات بسبب القيادة الجيدة والادارة الممتازة والاحتراف والاستخدام الجيد للهيلوكوبتر ومن بعض هذه التجارب الحرب في كينيا والملايو .
نلاحظ التحول في استراتيجية ادارة الحرب وابتعاد بريطانيا في هدوء عن اسلوب تصعيد الحرب وتسخير كل امكانيات الدولة  للانفاق  علي تصنيع الاسلحة والمعدات وتكديسها  في الوقت التي تواجه فيها القوات البريطانية قوات تحارب باسلوب حرب العصابات  ونجد ان المستفيد  هم اصحاب مصانع السلاح والمعدات العسكرية وهولاء هما  الذين  يعملون علي تصعيد الحرب في كل انحاء العالم مما أدي لحدوث  الانهيار الاقتصادي الذي يسود  العالم الان .
يتضح الان خروج بريطانيا من استراتيجة شن الحرب علي الارهاب بالاسلوب الذي رسمته أدارة بوش كما نستشف ايضا لجوء بريطانيا الي انتهاج استراتيجة دفاعية لحماية نفسها  وهو اسلوب اقل تكلفة وجهد والتجارب العسكرية تؤكد ان الهجوم يحتاج لقوات تقدر بثلاف اضعاف القوة المدافعة وتجارب حرب العصابات اظهرت تفوق الجيوش النظامية علي العصابات بنسب قد تفوق الثلاثين ضعف  بدون تحقيق النصر(تجربة الجزائر ) وماذكره القائد العام البريطاني يعتبر فكرة سليمة   بالرغم من أن الدفاع لايحقق النصر  في الحرب  ولا شك ان التصعيد والضغوط الضخمة علي الطرف  الاخر ينمي ويرفع من قدرات الخصم لتعاضد الاخرين معه علي اقل تقدير انطلاقا من الجوانب الانسانية . المهم في الامر يجب فهم تصريحات القائد العام البريطاني بالعمق الكافي فهي تعني الكثير.

التجارب السودانية مع الجيش البريطاني بعد الاستقلال
 في عام 1978 زارت السودان  كتيبة  حرس الملكة والتي يطلق عليها  اسم (كتيبة قرانادير)لاجراء تمرين تكتيكي  بالجنود في منطقة جبيت  . الانجليز يحتفظون بتفاصيل كل شيء يخص تاريخ وحداتهم ونفس الكتيبة حضرت للسودان في القرن التاسع عشر ضمن الحملات  البريطانية التي كانت تحاول فتح طريق سواكن بربر وكان القائد عثمان دقنة يعيق تقدم القوات البريطانية. الضباط والجنود الانجليز كانوا سعداء بالمشاهد الطبيعية لمنطقة جبيت وبالسفر لمناطق المعارك القديمة التي خاضتها كتيبتهم في منطقة شرق السودان  . اقترحوا ان يكون اسم التمرين " الشوكة المعقوفة"        “  Jagged thorn”الا اننا   لم نوافق  علي ذلك  واقترحنا ان يكون اسم التمرين دقنة 78 ورجح كفتنا اللواء عبد الماجد حامد خليل رئيس هيئه العمليات حينها عند حضوره لجبيت للتمرين والتمرين كان من بنات افكاره. القوة التي اشتركة كانت ثلاثة كتائب مشاه , كتيبة من القيادة الغربية بقيادة  ابوقرون عبد الله وكتيبة من القيادة الجنوبية بقيادةالمقدم  اللبينو اكول اكول وقوة الكتيبة كلها من جنوب السودان  والكتيبة الثالثة هي الكتيبة البريطانية بالاضافة لكتيبة مدفعية ميدان من عطبرة بقيادة العقيد عبد الله فضل وسرية  تمثل العدوبقيادة الرائد صلاح اسماعيل من المظلات  وفي الواقع حدث  انسجام واضح خلال العمل بين القوات وكان ذلك مثار اعجاب المعقب علي المشروع خلال التعليق الختامي للمشروع وهوالمقدم البريطاني بيتر  ديلبيلية المعلم بكلية القادة والاركان بامدرمان وهوفي الواقع كبير المعلمين والذي عمل لاحقا  قائدا للقوات البريطانية في حرب الخليج الاولي والذي كان يعتقد ان تجميع ثلاثة كتائب من وحدات مختلفة والعمل بها يعتبر في انسجام يعتبر معجزة.  بعض الملاحظات التي خرجت بها من هذا التمرين هو الارتباط العائلي والاهلي للبريطانيين بقواتهم علي سبيل المثال فان قائد الكتيبة الذي حضر معها من انجلترا و كان سيستلم منه ضابط اخر قيادة الكتيبة خلال العملية  والقائد الجديد سيقوم بكتابة التمرين وتسلسل الاعمال وتفاصيلها خلال ايام التمرين وسيعودبعدها القائد القديم لبريطانيا وقداخبرني القائد القديم  بانه عند ما ولد  اخبر جده اهله بانه يجب ان يعمل المولود بكتيبة حرس الملكة وجده كان ضابط بالكتيبة وبالفعل تم ذلك اضافة الي ان عدد كبير من افراد العائلة يعملون  بنفس الكتيبة وهو في الماضي استلم قيادة الكتيبة من شقيقه  الاكبر وبالتالي يبرز ذلك الارتباط العائلي للكتيبة وبالتالي الولاء التام لها الا ان ذلك لم يكن علي اساس قبلي اوجهوي اوسياسي .
من الاشياء المثيرة التي وجدها قائد الكتيبة الجديدة والذي كان يعمل معلما بكلية القادة والاركان البريطانية  "كمبرلي " والذي كان من المفروض ان يكتب التمرين باللغة الانجليزية اتضح له اننا  قمنا بكتابة كل التمرين وتسلسل احداثه باللغة العربية والانجليزية وقدمناله  كتابا بالانجليزية يحوي كل تفاصيل التمرين للعلم والعمل به خلال التمرين وكان تأثره بالغا كما وابدي اعجابه بالمستوي الرفيع  والذي لم يكن يتوقعه كما ذكر.  كان قائد القوة بجبيت  العميد صلاح اليسع خليفة وقائد مدرسة ضباط الصف بجبيت العميد مصطفي محمود وكان الجهد الاداري لهذا العدد الكبير من القوات يتطلب عملا جادا  .
 كنت برتبةالعقيد كقائد للواء الذي سينفذ العملية و معي المقدم سيداحمد حمد كرئيس لاركان اللواء  (تقاعد كفريق اول رئيس هيئة الاركان للقوات المسلحة) بالرغم من ذلك اوكلت لنا كتابة التمرين لان الهدف كان تدريب القوات للعمل مع بعض لتحقيق هدف واحد  ولم تكن تربطنا صلة اهلية باي شخص اخر بالقوة المشتركة في التمرين فالكتائب المشتركة هي كتيبة من القيادة الغربية واخري من القيادة الجنوبية  جوبا والثالثة بريطانية تحركت من بريطانيا خصيصا للتمرين وكان الانسجام سائدا منذ اليوم الاول  وكان ذلك مثار تعليق بعض البريطانيين وكان ذلك يبرز  اهم الدروس وهي امكانية التعايش السلمي والعمل مع بعض بالرغم من التنوع العرقي  والجغرافي وفي الواقع هذه اللمسات الحضارية لم تجد حظها من التقدير او الالتفات في ذلك الوقت  ويتضح الان مدي اهمية تلك الجوانب  .
والمعروف ان كلية القادة والاركان البريطانية تجري تعديلات مستمرة في صياغة  اوامر العمليات واسلوب الكتابة وهو مايعرف بواجبات الاركان الصغري وفي الواقع قبل حضورنا لجبيت اتصلت   ببعض الزملاء الذين عادوا مؤخرا من كلية القادة والاركان البريطانية  كالعقيد  سر الختم محمد فضل وذلك للحصول علي  التعديلات التي تمت مؤخرا في اسلوب الكتابة بكلية الاركان البريطانية وبالرغم من انها طفيفة الا انها تجعل النسخةالانجليزية  تبدو مواكبة  لاخر مستجدات الاسلوب الذ نعمل به وكان حينها العمل يتم بالاساليب الانجليزية وحتي كلية القادة واركان السودانية  بامدران كان كل تيم المعلمين بها من كليةالاركان البريطانية والعمل يتم بالاسلوب الانجليزي والدراسة باللغة الانجليزية قبل التحول للغة العربية  .لذلك خرج كتاب التمرين وهويحوي اخر  التعديلات  لكلية الاركان البريطانية. قبل التمرين استغرق الاعداد شهرا كاملا وكان العمل التحضيري مضنيا والعمل كان متواصلا والعمل الكتابي كان يتم بعد التحرك وزيارة المواقع المختلفة علي الارض علي امتداد منطقة  التمرين لرسم المواقف وكتابة تسلسل الاحداث بالدقيقة والساعة لفترة ثلاثة ايام بلياليها وخلال التمرين استمر العمل لفترة ثلاة ايام بدون اي اخطاء  وفي يسر والعمل حتي مستوي قيادة الكتائب كان  يتم باللغة الانجليزية والتحرك  من سنكات  وحتي اركويت عبر تباب الملتقي  ومطا ر كرساقو تم في يسر وسيطرة تامة بما فيها الكتيبة البريطانية وكانت تشترك المقاتلات السودانية بقيادة المقدم المكاشفي و الهليكوبتر البريطانية ولم تحدث اي اخطاء اواصابات .  من اطرف ما قاله احدالضباط الانجليز " اننا ذهبنا لمعظم بلاد العالم وكنا نختلط بالمجتمعات هناك وكان العديد من جنودنا يتزوجون من نساء هذه البلاد اما هنا في منطقة جبيت لم نشاهد وجه أمراة نسبةلان نساء المنطقة لايكشفن عن وجوههن  " وكانت فترة الشتاء باردة في منطقة جبيت وخلال تمرين ليلي لسرية بريطانية  بمنطقة  اركويت قال قائد  السرية البريطاني  ان درجة الحرارة وصلت الصفرخلال الساعات الاولي من الصباح.لاحظت منذ اليوم ا اليوم لوصول الكتيبة لجبيت تدافع  للعمل معها قدامي العمال الذين كانوا يعملون مع القوات الانجليزيةوكانوا يتحدثون اللهجة التي كان يتحث بها الجنود الانجليز وبالرغم من مرور اكثرمن عشرين عاما كانوا يتحدثون بطلاقة .  الطبيعة بمنطقة جبيت واركويت لها طابعها المميز وكانت الادارة البريطانية بالخرطوم تنتقل في فترة الصيف لاركويت وسنكات وحتي ادارة المديريه بكسلا تنتقل لسنكات في الصيف ومن معالم اركويت جبل الست حيث كانت زوجة الحاكم تحتسي فيه شاي العصر  وهناك قصر الحاكم في اركويت ومكتب البريد والبرق وغيره من المعالم  و كان الحاكم العام يدير  شؤو ن البلاد من هناك عند تواجده في فصل الصيف  وبعد الاستقلال عند استلام اول حكومة سودانية انتقل الازهري لقضاء فترة الصيف هناك  وهل تستفيد الحكومة الاقليمية  الان من هذه المنشأت السياحية .انتهي التمرين والتقييم النهائي للتمرين  ) Debrief (قام به المقدم البريطاني والمعلم بكلية القادةوالاركان بامدرمان( بيتر دليبليه)   وفي اليوم التالي كان الحديث الختامي للواء حينها الفريق عبد الماجد خليل بمنطقة جبيت والحق يقال انه الرجل الذي وقف خلف كل ذلك الانجاز .  في الواقع عشنا ايام  لاتنسي في رحاب البطل السوداني العظيم عثمان دقنة واهله الشرفاء ورفاق القوات المسلحة البواسل حماة الوطن  فلهم العزة والرفعة والنصر المبين  انه سميع مجيب .
*خريج اكاديمية فيستريل بالاتحادالسوفيتي
زميل كلية الحرب باكاديمية ناصر العسكرية العليا
Mohamed Zein-Elabdin [mohamzein@gmail.com]
 

 

آراء