حماس والأردن ومثقفي السعودية وتوكفيل

 


 

طاهر عمر
5 April, 2024

 

طاهر عمر

أتذكر جيدا أن مثقفي السعودية كانوا من أكثر المثقفين العرب حنقا على موجات الربيع العربي. و كانوا أكثر فرحا عندما آلت موجات الربيع العربي الى أيدي حركات الإسلام السياسي في تونس و مصر و ليبيا و قد فشلت جميعها و من حينها لم يفوّت مثقفي السعودية فرصة الشماتة على دول موجات الربيع العربي و ما آلت إليه من فشل حيث فشلت عشرية الغنوشي في تونس و فشلت مصر في التحول الديمقراطي و لم تقصّر السعودية و دول الخليج في دعم السيسي في تأسيس نظام حكم تسلطي في مصر و قد ساعدته في تخطي إختناقاته الإقتصادية و حتى أزمة مصر الإقتصادية الأخيرة و أموال رأس الحكمة.
عندما إنتصرت ثورة ديسمبر في السودان كانت السعودية و مصر و دول الخليج من أكثر الدول نشاط في عرقلة التحول الديمقراطي في السودان الى لحظة تدخل امريكا و إنذارها للسعودية و مصر لعدم عرقلة التحول الديمقراطي في السودان و بعدها إنسحبت مصر من ظاهر أمرها و العرقلة و بداءت تقف بجانب الجيش البرهاني و كأن أمر السودان لا يؤثر على إقتصادها و أزماته المتسلسلة أما السعودية وقفت موقف المتفرج من ازمات السودان الإقتصادية مقارنة بدورها في فك إختناقات مصر السيسي الإقتصادية و حتى حدث ما حدث من حرب عبثية في السودان قد أراحت السعودية و دول الخليج و مصر و كأنها تريد أن تقول للسودانيين ألم نقل لكم أن التحول الديمقراطي في السودان لا مكان له في عالم عربي ملئ بالسلاطين و الملوك و الامراء و غيرهم من نظم قد عافتها ظاهرة المجتمع البشري؟
الغريب في الأمر أن كثير من المفكرين في العالم العربي قد نبّهوا دول الخليج و السعودية بأن موجات الثورات العربية قد تنتكس في أول الأمر إلا أنها ستعاود الكرة أكثر عنف و لا تقف أمامها أي تبريرات واهية من مثقف إستكان لأنساق الطاعة و موروث سلطة الأب و ميراث التسلط كما كان يردد مشاري الذايدي قبل إنتصار ثورة ديسمبر في السودان و كنس الكيزان و بعد نجاح ثورة ديسمبر وقفوا موقف المتفرج و لا مساعدة لحكومة حمدوك كما فعلت السعودية و دول الخليج مع مساعدة السيسي الحاكم المصري و هو يؤسس لنظام حكم تسلطي يحارب التحول الديمقراطي في مصر و يصب في دلتا نظم حكم ملوك الخليج و سلاطينهم و امراءهم.
على أي حال طرحت السعودية مشروع 2030 إلا أنه مشروط بنجاحها في نقل التجربة الصناعية الغربية حتى تخرجها من حيز المجتمعات التقليدية الى حيز مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و حتى اللحظة لا توجد أي مؤشرات واضحة تدل على أن السعودية قادرة على نقل التجربة الصناعية الى حيز مجتمعها التقليدي و إذا نجحت السعودية في نقل التجربة الصناعية فعلى المدى البعيد محكومة بعلاقة الرأسمالية و طردية العلاقة مع النظم الديمقراطية و يصبح أن مصير دول الخليج و السعودية على المدى البعيد محكوم بالتحول الديمقراطي و الإصلاح السياسي طال الزمن أو قصر.
صحيح في الوقت الحاضر أن السعودية و دول الخليج تعيش في رفاه دول بسبب ما يقابل دخلها لسلعة أي البترول الطلب عليها عالمي إلا أن المجتمع البشري اليوم و بفضل التقدم التكنلوجي لم يوفر التغيير فيه أي مجتمع مهما كانت رفاهيته الإقتصادية من رفع مطالب الحرية و لذلك مصير السعودية و دول الخليج و مسألة الإصلاح السياسي يكاد يتطابق مع مصير الصين كلما إزداد إزدهارها الإقتصادي زاد همها و قلقها بما يتعلق بالإصلاح السياسي و مسألة التحول نحو النظم الديمقراطية.
و من هنا نقول أن فرح مثقفي السعودية بفشل موجة الربيع العربي في ليبيا و تونس و مصر و سوريا و اليمن بسبب خفة الأخوان المسلمين لم يتم و خاصة في هذه الأيام بعد خطابات قادة حماس الفلسطينية و محاولة إشعال ساحة الأردن في محاولة للهروب الى الأمام كعادة كيزان العالم العربي و هذا ما فتح باب هموم مثقفي السعودية و كعادة كيزان حماس و مسألة خلط الأوراق يريدون إشعال الأردن في محاولة للهروب الى الأمام.
و في نفس الوقت هروب حماس الى الأمام و محاولة إشعال الأردن بالفوضى و الخراب صحّى في نفوس مثقفي السعودية أن الإصلاح السياسي المؤجل في السعودية و دول الخليج قد أصبح أمام مهب رياح الفوضى و الحراك من أجل الخراب لأن مثقفي السعودية كانوا قساة مع ثورات الربيع العربي التي تنشد الحرية و لم يتفهموا أن ثورات الربيع العربي كانت تنشد غاية الغايات أي الحرية و سيدفع الثمن كل من يسد مجرى التاريخ الأمامي لأن الإنفجار سيأتي من الأبواب الخلفية كما يحصل من خوف لمثقفي السعودية من محاولة حماس و إشعال الأردن.
ثورات الربيع العربي في تونس و مصر و ليبيا و السودان قد أعلنت أن نظام الأشياء القديم في العالم العربي و الإسلامي التقليدي قد تأهب للخروج من التاريخ و للأسف لم يصادف ذلك رغبات مثقفي السعودية و دول الخليج فوقفوا موقف المفضوح من ثورات الربيع العربي و كان ينبغي مساعدة كل من تونس و مصر و ليبيا و السودان في هزيمة تيارات الإسلام السياسي و المضي نحو التحول الديمقراطي و هيهات لأن فاقد الشئ لن يعطيه فمن اين لمثقفي السعودية و دول الخليج مخزون من مفهوم الحرية و تحول المفاهيم فيما يتعلق بمفهوم الدولة كمفهوم حديث و مفهوم ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و هذا هو بيت القصيد؟
نقول لمثقفي السعودية أن ثورات الربيع العربي رغم فشلها بسبب تيارات الإسلام السياسي إلا أن جذوة الثورة لا تنطفي و لكم في الثورة الفرنسية مثل فمثلما عرقل الأخوان المسلمين ثورة الربيع العربي كذلك قطع نابليون مسيرة الثورة و نصب نفسه امبراطور و لكن إستمرت مسيرة المطالب بالحرية الى لحظة إنتصارها في فكرة قيم الجمهورية و كذلك فان مسيرة الحرية في العالم العربي بعد موجات الربيع العربي لن تقف و همّها سيقلق كل من وقف شامت على فشلها بسبب الأخوان المسلمين.
نذكّر مثقفي السعودية بموقف فيلسوف و مؤرخ و عالم اجتماع فرنسي و هو توكفيل كانت الثورة الفرنسية قد حكمت على أثنين من أسرته بالإعدام و لكن لم يجعله ذلك الحكم ضد الحرية كجذوة للثورة الفرنسية و أتمنى أن يتفهم مثقفي السعودية موجات الربيع العربي مثلما تفهم توكفيل الثورة الفرنسية و غاية الشعوب الحرية.
في ختام المقال أتمنى للأردن أن ينجو من فتن الأخوان المسلمين و مؤمرات حماس الفلسطينية و نفس الوقت نقول لمثقفي السعودية أن مسيرة الحرية على المدى الطويل لن توفر أي نظام حكم تسلطي و مسألة مكافحة تيارات الإسلام السياسي لن تكون بالإستكانة لنظم حكم تسلطية بل بمفاتحة نظم الحكم القديمة و التقليدية بأن زمننا زمن الحداثة و قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس كما يقول بودلير و أحسن الطرق و أقصرها أن التغيير على المدى البعيد لا محالة آت و هذه هي مسيرة البشرية تراجيدية و مأساوية و أحسن من يضبط إيقاعها هي معادلة الحرية و العدالة.
و بالتالي أحسن شئ يفعله مثقفي السعودية التكفير عن شماتتهم في موجات الربيع العربي و قد فشلت بفعل التيارات الإسلامية و للسعودية باع طويل في تغذية تيار الصحوة الإسلامية قبل أن تحترق يدها بثقاب الإرهاب بسبب دعمها للتيارات الإسلامية في زمن الصحوة و قبل أن تهاجم التيارات الإسلامية السعودية في موجات إرهابية تعاطف فيها العالم مع السعودية في حربها ضد تيارات الصحوة الإسلامية و بعدها قد رأينا ولي العهد السعودي و هو يبعد رجال الدين من المشهد السعودي و يقول معهم و بفكرهم لا يمكن أن تكون هناك حداثة و لا تنمية اقتصادية و اجتماعية.
جيد أن تعي السعودية بأن الجماعات الإسلامية لا يمكن أن تحقق نقلة في التنمية لأن التنمية مشروطة بالحداثة و حرية الفرد و لكن ينبغي على المثقف السعودي أن يدرك بأننا نحن في زمن الفرد و المجتمع و الإنسانية و هذا ما يجعلنا نقول لهم أن موروث الإنسانية يسمح لكم أن تتبنوا فكرة التحول الديمقراطي على المدى الطويل و هذا يتطلب منكم أن تدركوا الفرق ما بين الحداثة و التحديث و الحاصل في السعودية تحديث و الذي تحتاجه السعودية حداثة.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء