طيفور بابكر الدقوني .. شاعر الوجدان الصوفي

 


 

 

سيرة :
هو طيفور بن أبي بكر بن احمد بن علي الدقوني بالعليّاب ، ولد في عام 1922م في دار جدّه لأمه ، والدته نفيسة بنت الشيخ أحمد المقابلي حفيد الشيخ ادريس ود الأرباب في العليفون. و سُمّي على اسم عمه طيفور ، صاحب المدرسة الفكرية في أدب المديح الشعبي. و ايقاعات المتكي، المشتول.
عاش طفولته في بيئة ذات ثقافة دينية و تقاليد صوفية:" مدح المصطفى... ينشدون"من مكة ليل عرج" ويثنون بـ " الصلاة والسلام على روح سراج الكون". حيث تربى على الختمية التي أنتهجها الخليفة محمد الإمام شقيق جدّه علي الدقوني، أول من سلك الطريقه الختمية من السيد محمد عثمان الختم وادخلها منطقة العليّاب الكائنة بولاية النيل في السودان. و هو عضو في الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ مولده حتى وفاته.
حفظ القرأن في خلوة جدِّه الشيخ أحمد. و درس في العليّاب الأولية. ثم شدّ الترحال الى معهد أم درمان العلمي في عهد الشيخ احمد محمد ابو دقن شيخ علماء السودان(ت1940م)، و درس المرحلتين الوسطى و الثانوية.
و حينها ابتدأ يقرض الشعر بين أنداده حتى تخرج من المعهد في عام 1941م. و كان خلال دراسته في المعهد يدرس في الأميرية الوسطى اللغة الإنجليزية بنظام القبول الخارجي. أيضاً في مرحلة لاحقة حصل على دبلوم الصحافة من جامعة القاهرة في عام 1966م بتشجيع من الفاتح النور، مؤسس و رئيس تحرير صحيفة كردفان.
حياته العملية :
بعد التخرج من المعهد العلمي ، ألتقى الشريفة مريم الميرغتي في سنكات، التي نصحته بالتوجه الى مدينة بورتسودان. و هناك عمل كاتباً في وزارة الأشغال، و كان حينها عضواَ في موْتمر الخريجين ، و مشاركاً في الحياة الثقافية من خلال الجمعية الأدبية التي اتاحت له التعرف على السيد علي بازرعة شقيق الشاعر حسين بازرعة. الذي ساعده للعمل في شركة جـلاتـلي هانكي، بعد أن ترك العمل الحكومي. لم يستمر في عمله، حيث عاد الى العمل الحكومي بإيعاز من المخضرم الدرديري محمد عثمان (1896-1977م)، الذي ساعده للإلتحاق بالسلك التعليمي، و العمل في مدرسة المؤتمر الوسطى في بورتسودان.
الإغتراب الى مصوّع :
أغترب الى مصوّع المرفأ الرئيس لدولة اريتريا في عام 1946م ، حيث تم تزكيته من الدرديري ليكون ضمن كوكبة من المعلمين السودانيين العاملين في مدرسة حرقيقو الأهلية التي أسسها الباشا صالح أحمد كيكيا عام 1944م في حرقيقو جنوب مدينة مصوّع. و كانت اريتريا في حالة التوهج السياسي و الثقافي و الحراك الوطني نحو الحرية و الاستقلال خلال فترة الانتداب البريطاني، و ما بعده عهد حكومة اريتريا الفدرالية. حيث كانت الحرية و السيادة القومية تسير يداً بيد مع التعليم و رفع مستوى الوعي الثقافي و الاجتماعي. مثلما شهدّت توهج الصحافة و الأدب، و المساجلات الأدبية أشهرها بين الأديبيّن ياسين باطوق، و محمد سرور، و ثالثهما الشيخ غوث الدين الأفغاني مدير المعهد الديني في حرقيقو. و في هذا المناخ عاش طيفور معلماً و شاعراً في مدرسة حرقيقو في عهد ناظرها ساتي محمد عبد القادر- خريج معهد بخت الرضا–، و ما بعده. حيث امضى فيها ثمانية سنوات، زار خلالها مدائن اريتريا، و جيبوتي، و أثيوبيا . و من مخرجات المدرسة أجيال علمت أجيال ساهمت في مسارات النضال الوطني الإريتري، و شتى مناشط الحياة كافة حتى اليوم.
و قد أشار اليه عثمان صالح سبّي في مقدمة كتاب "تاريخ اريتريا" اصدار الكنوز الأدبية، بيروت1974م، بقوله:(علاوة على ما وعته ذاكرتي منذ الصغر من معلومات تاريخية عامة مصادرها القصص التي كان يرويها لنا والدي- رحمة الله-، وكانت له اهتمامات بالتاريخ العربي الإسلامي و تاريخ بلاده. وقد استقى منه استأذنا السوداني طيفور بابكر الدقوني في الأربعينيات، المعلومات الأولية عن تاريخ اريتريا لتدريسها في المدرسة الوسطى، و كان يملي عليه تواريخ بعض الإحداث الارترية عن ظهر قلب).
العودة الى السودان:
عاد الى الوطن، و السودان في حالة الحراك السياسي. حيث أستقر به المقام في مدينة " الأُبَيِّض "- بضم الهمزة على الألف وتشديد كسرة الياء -، حاضرة ولاية كردفان. و التحق بمدارس دانيل كمبوني الإيطالية في عام 1955م، ظل فيها معلماً حتى احالته الى المعاش في عام 1980م.
خلال هذه السنوات، أصبح عضواً فعالاً في نادي الخريجين، و نادي الأعمال الحرة، و سكرتيراً بنادي المعلمين. و شارك في العمل الاجتماعي و خدمة أهله و عشيرته و مُجتمعه. كما لعب دوراً في اثراء المعرفة و الثقافة من قصائده المنشورة في صحيفة كردفان، و مكتبة طيفور الثقافية الكائنة في وسط سوق المدينة ، التي تُعتبر معلماً من معالم مدينة الأُبيض حاضرة ولاية كردفان .
جمع قصائده بين دفتي كتاب/ ديوان "لهب و ثلوج"، الديوان الوحيد للشاعر الصادر في 2014م. و هو اصدار متأخراً مقارنة لبداياته في المرحلة الثانوية. كتب عنه محمد البكري الزين في مقاله"رحيق قلم"، خالد الشيخ حاج محمود في مقاله الرائع "دولة الأدب في كردفان"، حيث وصف قصائد طيفور، بانها بمثابة سياحة في محراب الأدب الرصين. و قد أنزل محمد الفاتح أبو عاقله، يوم الثلاثاء 4 ابريل 2017م على مدونته "ود أبو عاقله"، الدعاء له بالرحمة، و صورة غلاف الديوان صورة من أيام شبابه و الموجودة على الغلاف الأخير.
نماذج من القصائد :
تنوعت قصائده بين الغزل و الرثاء و القصيدة الوطنية. فمن قصائد الغزال العفيف ما كتبه حين زيارته العاصمة الأثيوبية أديس بابا في عام 1948م ، حيث جذوة الشباب ألهبت فيه روح الغزل في قصيدة "طتيف":
أي طيف من الخيال أتاني تحت جنح من الظلام غشاني
أيقظ الحب في قرارة نفسي وأحاطت أنواره بجناني
طيف هند وأي هند تراها عفة الحسن ربة الصولجان
بضة الجسم كالسلاف لماها عذبة النطق حلوة الإنسان
عطر الطيف مخدعي بعبير وأنعش القلب واستوى في كياني
ظللتني غيومها كالأماني سابحات على سماء مكاني
عادني ذكرها الحبيب يفي حاملاً للحبيس طيب الجنان".

و نفس العاطفة الجياشة في أثيوبيا ، صاحبته في زيارته لمستعمرة الصومال الفرنسي (جيبوتي حالياً)، حيث جماليات القصيدة الغزلية :
وقفت تميس مع الغصين الأملد والزهر بين مصفق ومردد
والنسمة السكرى تقبل ثغرها والأرجوان على القوام الأقيد
والخد كالزهر الندي نضارة من للورود بخدها المتورد
حوراء ترنو كالغزالة والطلا وتميس في تيه العزيز الأسعد.

وطنيات :
حين شارك الزعيم إسماعيل الأزهري الزعيم الأزهري(1900-1969م) أول رئيس وزراء للسودان، في مؤتمر باندونغ بإندونيسيا 1955م، كان لطيفور لحظة تجلي و احترام لهذه الشخصية و شموخا قي قصيدة ألقاها في نادي الخريجين في الأبيض:
بلغ من الشعب الأبي تحية للوافدين ومن يؤم الدارا
واجلس على تلك الجزيرة شامخاً وارفع شعارك خافقاً معطارا
واحزم أمورك فالأمور دقيقة واعمل لإقرار السلام جهارا
قم حدث الشرق البعيد بأمة أزكت على المستعمرين أوارا.

كما وقف فرحاً ، مخاطباً العلم الوطني السوداني حين رفعه على السارية بعد الجلاء الإنجليزي في يوم أشرقت فيه شمس الاستقلال 1956م :
رفرف على الوادي الشجير وأنثر عبيرك في الأثير
رفرف عزيزاً خافقاً وانشر على الشعب العبير
أشرق مطلاً في العلا كالشمس والقمر المنير
أهلاً برمزك في العلا أهلاً بمطلعك المثير.

و الفرحة لا تقف عند السارية لأن للحرية أنفاسُ، تحرك لواعج التضحيات مع التحية لكل مناضل و شهيد في قصيدة سطرها في يوم الإحتفال:
اليوم يطرب بالغناء نشيدي وأصوغ من هذا الجلال قصيدي
وأرد اللحن السعيد محبباً أمم الشعوب بقوتي وجودي
وأبادل الشعب الأبي تحية تهدي لكل مناضل وشهيد.

عاش سنوات الحرية بعد الاستقلال حتى نوفمبر 1959م. فكأنت سنوات عجاف حتى أشرقت شمس أكتوبر 1964م، فشارك فرحة الشعب في الاحتفالات التي شهدتها مدينة الأُبيض آنذاك. و أهدى قصيدته للشعب السوداني الصانع الحقيقي لثورة أكتوبر . و مطلعها :
أهلاً بمن ملأ القلوب فخاراً وكسب البلاد مهابة ووقارا
رمز البطولة والشجاعة والفدا ما كنت يوماً واجفاً منهارا
خضت المعارك بالدماء عزيزة ووثبت ليثاً فاتكاً مغوارا
حطمت قيد الذل بين عشية حتى انجلى صبح الدجى أنوارا
وأزلت كابوس الغزاة بوثبة كانت لهيباً للطغاة ونارا.

الرثاء:

من روائع طيفور رثاؤه للإمام بدالرحمن المهدي (1885-1959م) :
الصبر أجدى في المصاب وأنفع والموت يأخذ بالكرام فيفجع
تأتي المنية وإن تجرعنا الأسى وتحل في ساحاتنا فتروع
كل الوجود إلى الفناء مآله يوماً وكل عزيز قوم يصرع
خلدت بعدك في البلاد ملاجئاً للمعدمين وأمة تتوجع.

أبضاً المرثية التي كتبها بعد وفاة المناضل مبارك زروق (1885-1959م)
سكت الغريد صداح الروابي صمت القيثار ذو اللحن المجاب
جف المزن في عليائه واضمحل الزرع من بين الشعاب
وبكى الروح على كروانه عاري الأغصان ناعٍ في اضطراب
فإذا القطر حزين ثاكل يندب العملاق في يوم المآب
أين للهندي من يصحبه فعليل الفتك أمسى في القراب
أين وجه البدر وضاح السنا أيغيب البدر عنا في التراب

كان علماً بارزاً في و الأنشطة الأدبية و الثقافية مع الروح الوطنية التي سادت الشعوب للتحرر من براثن الاحتلال الأوروبي. حيث كتب قصيدة لأحرار كينيا مناصراً الكينيين ضد الانجليز و ثورتهم (ماو ماو) و يذكرهم بقائدهم المناضل الافريقي (جومو كنياتا):
أنتمو أبناء كنياتا المناضل أنتمو أبناء افريقيا البواسل
أنتمو أسد فلا تخشو المنازل أنتمو حصن الملمات النوازل
لا تهابوا الموت فالموت خلود أنتمو درعٌ وحصنٌ وجنود
أنتم أسود أبناء أسود احملوا الكشاب فالحر يسود.

jaliloa1999@gmail.com
/////////////////////////

 

 

آراء