مذكرات في الثقافة: عن خديجة صفوت والوليد ابراهيم ومعارك الحداثة

 


 

صديق محيسي
1 November, 2017

 

 

في غمرة الفوران الثوري الذي انتظم عصرالستينات تبلورت المدرسة الواقعية في الإبداع اكثر خصوصاعندما ظهرت عددا من التنظيمات والأجسام الأدبية فأسس جمال عبد الملك«ابن خلدون ود محمد ابراهيم الشوش, واحمد الامين البشير واحمد علي بقادي نادي القصة الذي كان يسعي لنقل القصة من مضمونها الفوتغرافي الي مضمون جديد لايكتفي بنقل الواقع المجرد فقط وانما تكون القضايا الإنسانية هي لب موضوع العمل الفني ,ويعتمد هذا التصورعلي نظرية الفن من اجل الإنسان وليس من اجل الفن التي كان التقليديون يحبسون انفسهم .

وفي هذا الخصوص لعبت الصفحة الآدبية التي كان يشرف عليها احمد علي بقادي دورا فاعلا فنشرت نصوص لمواهب جديدة وادارت حوارات حول وظيفة الأدب ,ونشرت مقالات وتراجم لمحمد عبد الرحمن شيبون عن الروائي البريطاني جاك لندن وقصصا قصيرة لحسن الطاهر زروق ,وعلي المك, والطيب زروق ,وابوبكر خالد , ومن الجيل الجديد محمد المهدي بشري وعيسي الحلو, وعثمان الحوري وحسن محمد سعيد , و محمد الحسن دفع السيد الذي رحل في الستينات

في سيرة دور الصفحات الأدبية في الحراك الأدبي ايضا كان للأديب مبارك الرفيع نشاطا بارزاولكنه مضاد للمدرسة الواقعية, فقد تولي تحرير الصفحة الأدبية بجريدة الصحافة وشن هجوما شديداعلي هذه المدرسة , ونشر حوارت وادار معارك كلها ضد ما كان يعتبر تجديدا,فهو كان من انصار الدكتور عبدالله الطيب الذي يضع هذا النوع من الشعر في خانة النثر, ومن اشهر المعارك الأدبية تلك التي اندلعت في الستينات كانت بين الشاعرسيد احمد الحاردلو والقاص محمود محمد مدني الذي وصف شعرالحاردلو بالضعف فغضب الحاردلو وحضر لدار الصحافة وكاد يشتبك بالأيدي مع محمود مدني حتي تدخل الوسطاء لينهوا المشكلة .

هاجر مبارك الرفيع الي الخليج في بداية السبيعات ليعمل كأول صحفي سوداني يعمل في صحيفة العرب القطرية ثم مجلة اخبارالأسبوع البحرانية وتوفي عام1991في المنامة اثرنوبة قلبية.


عن خديجة صفوت ... الوليد ابراهيم

كانت العاصمة الخرطوم هي المركزالوحيد للإشعاع الثقافي في السودان بصحفها ومجلاتها ومكتباتها واذاعتها وتلفزيونها ,ففيها إنتعش الحراك الأدبي وتعددت منابره ,وفي فورة حركات التحررالوطني في افريقيا واسيا تأسس فرع لرابطة كتاب اسيا وافريقيا 1965 وكان مقره دار الصداقة السودانية السوفييتة بالخرطوم "اثنين "والإتحاد الأصل كان مقره الرئيس الجزائر ,واختير لرئاسته الكاتب المصري المعروف يوسف السباعي الذي لم يكن يساريا ولكن السوفييت اختاروه إرضاء لحليفهم جمال عبد الناصر,وقتلت منظمة ايلول الاسود السباعي عام 1979باطلاق الرصاص عليه وهو جالس في بهو احد الفنادق في قبرص عندما كان يحضر إجتماعا لمنظمة التضامن الأسيوي الافريقي التي هو رئيسها ايضا .

كان اتحاد كتاب اسيا وافريقيا من أشهر التجمعات الثقافية والأدبية في زمن الحرب الباردة واسهم في تأسيسه عدد من قامات الإبداع بالقارتين ,واحتفل بعقد الكثيرمن مؤتمراته في مدن وعواصم عربية وأسيوية وأفريقية وقد إجترح الإتحاد السوفييتى هذ الجسم وهو واجهة لجهازالمخابرات " الكي جي بي"مقابل الإتحاد العالمي للكتاب الرأسمالي التوجه ,وقام الفرع السوداني وثيق الصلة بالحزب الشيوعي السوداني علي ايادي كل من خديجة صفوت وعبدالله حامد الأمين, وعبد الرحمن احمد فضل الله ,والوليد ابراهيم ,وعبد الله عبيد حسن .

كانت خديجة صفوت التي رحلت عن عالمنا قبل شهورفي بريطانيا من اسرة مشهورة تسكن الخرطوم اثنين وكان شقيقها القانوني عبد العزيز صفوت احد شعراء الخمسينات والستينات وكانت تربطه صداقة متينة بالشاعر صلاح احمد ابراهيم والكاتب القاص علي المك, وقد نشر العديد من قصائده في مجلة الاداب اللبنانية المشهورة كما نشر رواية وحيدة في جريدة الصحافة في الستينات ,اما شقيقته خديجة فقد كانت لها ندوة ادبية تقيمها في منزلها بالخرطوم اثنين يحضرها الشعراء والكتاب ولها علاقات فكرية قوية بعبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الذي كان صديقا ودودا لعائلة محمد صفوت ولخديجة شقيقتان هما المذيعةالمشهورةالراحلة عفاف والمتزوجة من المذيع الكبير الراحل ايضا احمد قباني .

جاء في تأبين الراحلة الذي اقامته الجالية السودانية في بريطانيا في ابريل 2017 ان " خديجة صفوت كانت متقدمة على عصرها فقد كتبت كتاباً عن بولين لوممبا زوجة المناضل باتريس لوممبا العام 1961 بعنوان “رسائل إلى بولين لوممبا” وكذا أصدرت كتابها أفراح آسيا العام 1963 ثم كتابها ستار الصمت عن أفريقيا وقد ساهم والدها محمد صفوت ضابط الشرطة حسب ما جاء في التأبين" في خلق البيئة الثقافية التي نشأ فيها ابناؤه وبناته ,فالرجل كان " أديباً و سياسياً ووطنيا غيوراً و كان محباً للغة العربية ويجيد الإنجليزية كأبنائها، فقد كان سيد المترجمين. وقد قام بترجمة عدة كتب منها كتاب “بشرتهم الذهبية” أو إبريز أجسادهم The Gold of their bodies حول صداقة الرسامين المعروفين جوجان و فان جوخ فى فرنسا وهجرة الأول إلى تاهيتى. و”فلسفة نهرو” – وكان محباً ككثير من السودانيين والأفارقة للثقافة الهندية وفلسفتها وبأفكار غاندى على الخصوص- و محمد علي جناح ونهرو متأثراً بتجربة الهند النضالية فى القرن التاسع عشر والعشرين مما يتمثل فى أسماء الحركات المعادية للاستعمار التي أسسها السودانيون والأفارقة مثل مؤتمر الخريجين والمؤتمر الوطنى الإفريقى- الجنوب إفريقى "
وفي الفاعلية نفسها شارك في نشاطات الإتحاد الوليد ابراهيم وكان من طلائع كتاب القصة القصيرة ويشرف علي الصفحة الأدبية في جريدة الآيام وله العديد من التراجم الادبية لكتاب افارقة طلائعيين مثل الكاتب السنغالي عثمان سمبين والنيجيري وولي سوينك ورائدا المدرسة الزنجية ليبولد سنغور وايمي سيزار.

كان الوليد ذا روح افريقانية في ملبسه وعشقه لموسيقي الجاز وعلاقاته القوية بفرقة شرحبيل احمد الذي كان احد مستشاريها ومداومي الحضور لبروفاتها . وعند مجيء الفنانه الجنوب افريقية ذائعة الصيت مريامماكيبا في سبيعينات القرن الماضي في زيارة رسمية للسودان اختاره الفنان التشكيلي المعروف ابراهيم الصلحي وكيل وزارة الإعلام يومذاك لمصاحبتها ووضع برامجها الذي كان ابرزه الحفل الغنائي الكبير الذي اقيم بالمسرح القومي .

في سيرة قيام فرع الإتحاد نذكر ايضا عبدالله حامد الأمين الأديب المقعد المعروف صاحب ندوة الجمعة الأدبية المشهور في حي البوستة والتي كان يؤمها شعراء بارزون امثال محمد المهدي المجذوب ومحمد عبد الحي ,والنور عثمان ابكر ومحمد المكي ابراهيم.

تواصلت حركة التجديد الأدبي لتظهر جماعةالبعث الادبي في جامعة القاهرة فرع الخرطوم برئاسة عباس عبد الرحيم بدناب باشراف كل من الدكتور عبد المجيد عابدين والدكتور محمد زكي العشماوي ومكتب الفكر العربي 1965 قوميون عرب وكان يدعوالي ادب عربي يرفع شعار الوحدة العربية.

كانت هذه الجماعات تسعي الي ابراز الروح الثورية للادب السوداني في إطار المد القومي العربي الذي ساد ذلك العصر وبفعل ثورة 23 يوليو المصرية والخطاب الوحدوي الذي اطلقه الزعيم جمال عبد الناصر ,ونشأت تلك الرابطة بموازاة نشؤ التنظيمات العروبية مثل البعث والناصريون وكان ذلك كله يصب في مفهوم ان يكون الأدب سلاحا في معارك التحرر من الإستعمار ,وقد عملت السياسة المصرية يومذاك علي ان تكون للجامعة والمدارس المصرية الثانوية عموما منابر للترويج للخطاب الناصري إضافة الي تأثيرات المجلات المصرية الأدبية والسياسية التي تغرق المكتبات السودانية روايات ,ودواوين شعر, ومسرح ومجلات مثل الطليعة للطفي الخولي و"الكاتب" لأحمد حمروش و"ثلاثيات "نجيب محفوظ وقصص يوسف ادريس والحسين ثائرا والحسين شهيدا لعبد الرحمن الشرقاوي , وفي مجال النقد محمد مندور و محمود امين العالم ورجاء النقاش وغالي شكري وصلاح عيسي.لقد عززت هذه الجبهة رؤية التيار الأدبي اليساري ورفدته باشكال ومضامين جديدة مع الإحتفاظ بالخصائص السودانية .

رابطة اصدقاء نهر العطبرة
في يونيو 1959 نشات رابطة اصدقاء نهر العطبرة « يونيو 1959» بشير الطيب ومحجوب قسم الله "المنبثق "واحمد الامين البشير.
ظهرت رابطة العطبرة في جو ثوري وكانت تعبيرا عن النضال العمالي الجسور الذي تخوضه اكبر نقابة عمالية في السودان وهي نقابة عمال السكة الحديد بقادتها التاريخيين قاسم امين, الحاج عبد الرحمن, ابراهيم زكريا , هاشم السعيد ,محمد الحسن عبدالله ,وكان من بين هؤلاء شعراء امثال الحاج عبد الرحمن , هاشم السعيد يوظفون كل اشعارهم لخدمة الحركة الوطنية والدفاع عن حقوق العمال, لقد كانت رابطة اصدقاء نهر العطبرة امتدادا طبيعيا لمرحلة ثورية سبقتها توهجا وتجلي ذلك عند وصول جثمان الشهيد صلاح بشري الذي قضي في السجون المصرية عام 1951 ومن وحي قصيدة الشاعر المصري كمال عبد الحليم عن صلاح التي يقول فيها
بين صخر وحديد واعاصير وسل
قتلوا منا بطل
حسبوه سيساوم حينما يدنو المصير
وجدوه حرا يقاوم
وهو في النزع الأخير
هذه القصيدة كان يرددها الالاف الذين استقبلوا جثمان شهيد الحزب الشيوعي ومن وحيها تباري العديد من الشعراء في تمجيد صلاح بشري ذلك الحركة الأدبية تنحو منحي اليسارفي ا لكفاح ضد المسنعمر.
ويروي المؤرخ اليساري تاج السر عثمان ان "صلاح بشرى كان من ابناء عطبرة وهو من أوائل الشيوعيين السودانيين الذين درسوا في مصر وزاملوا عبد الخالق محجوب هناك ,وكان مناضلا من اجل استقلال السودان حتى تم استشهاده في احد السجون المصرية عام 1951 م ، وتم تشييعه في عطبرة في موكب مهيب كانت الجماهير فيه تهتف : عبد الهادى .. كلب الوادى ، (وعبد الهادى كان رئيس وزراء مصر آنذاك) ، اضافة للهتافات بسقوط الاستعمار ، والكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاستعما"ر .
توالت الروابط الأدبية في الستينات تنعش الحراك الثقافي فكانت رابطة ادباء سنار والتي تكونت في اعقاب قيام رابطة ادباء الجزيرة واشرف علي تأسيسها كل من القاصين نبيل غالي ومبارك الصادق ولعبت الرابطة دورا مقدرا في المجتمع السناري فأعاد ت ضمن نشاطها قراءة الجانب الثقافي لمملكة سنار ورعت اجيالا من الشعراء وكتاب القصة القصيرة
اما رابطة ادباء الخرطوم بحري فقد, تكونت من الفاتح التجاني ,عثمان عبد السيد , كمال شانتير,وانضم اليهم ابو امنه حامد ,وسيدا حمد الحاردلو, وكان شعراء هذه الرابطة مقلدون للأسلوب النزاري الذي موضوعه المرأة و كتبوا ايضا الشعر الغنائي الذي برز فيه ابو منه حامد حتي كتب قصيدته الشهيرة جمال العربي بمناسبة زيارة عبد الناصر للسودان في سبيعنات القرن الماضي والتي غناها الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي.
يتبع

S.meheasi@hotmail.com

 

آراء