مفاوضات أديس .. خلي قوة الراس تنفع البلد!

 


 

 


أي تكهن بالعودة من جديد وبروح جديدة للأطراف المتفاوضة في أديس أبابا بعد انهيار هذه الجولة من المفاوضات بين المعارضة المسلحة والحكومة، يُعتبر في عُرف السياسة بعزقة توقعات على الفاضي. ما سيكون حاضراً وبقوة في هذه المرحلة هو حجم التنازلات للقوى دولية والتي سيُقدمها الطرفان جرّاء تزمُّتهما وتصلب مواقفهما ضد بعضهما، المعارضة في طرف والحكومة في الطرف الآخر. كل تنازل لصالح القوى الدولية هو في ضرر الشعب والوطن وتسرب لموارده البشرية والمادية لتسقط وتنساب في الجدول العريض للمصالح الدولية المتشابكة.
معلوم إن الضغوطات الدولية هي أكبر دافع لجلوس الأطراف على مائدة واحدة، وليس الإرادة السياسية أو الرغبة الصادقة لغالب هذه الأطراف، ومعلوم كذلك أن لا محبة أو وداد تجمع هذا مع ذاك بل تربُّص وغيظ أقرب لكراهية التحريم.
خلال الأسبوع الماضي سار التفاوض في أديس أبابا على مسارين، الأول هو ما يخص المنطقتين- النيل الأزرق وجنوب كردفان وجبال النوبة- والثاني هو مسار دارفور. في المسار الأول جلست الحركة الشعبية والحكومة للتفاوض حول الترتيبات الأمنية لنفاجأ مساء الخميس 11 أغسطس 2016 ببيان للحركة الشعبية أعلنت فيه انسحاب الحكومة لترُد الحكومة بعد سويعات مُكذِّبة الحركة ومُعلنة استمرارها في التفاوض. البيانان أعطيا موشراً لضعف الإرادة وللتربُّص القائم والمُستمر وقللا من درجة التفاؤل لدى المراقبين. في مساء متأخر من يوم الأحد 14 أغسطس أصدرت الحركة الشعبية تصريحاً مفاده أن العملية التفاوضية مستمرة ولكن ثامبو أمبيكي خرج ليعلن تأجيل المفاوضات على المسارين لأجل غير مُسمى ومن ثم أُقيم مؤتمراً صحفياً بعده بقليل، أعلن فيه عرمان فشل العملية وشكر من خلاله الصحفيين لصبرهم والوساطة وأمبيكي لمجهوداتهما الجادة في الوصول لاتفاق، تلاه إبراهيم محمود من الطرف الحكومي ليؤكد نفس الأمر، وكالعادة تمَّ تبادل الاتهامات بين الطرفين وتعليق مشجب الفشل على أعناق بعضهما البعض.
نفس الأمر انسحب على المسار الثاني للتفاوض- دارفور- وخرج مناوي ببيان يختلف في اللغة وعدد الكلمات ولكنه يتطابق مع بيان عرمان، وخرج أمين حسن عمر بتصريح يشبه تصريح ابراهيم محمود ولكنه أضاف بأنه ربما تنتظر الحركتان في هذا المسار- العدل والمساواة وجيش تحرير السودان- تقدَّم المفاوضات في المسار الثاني.
تصريح أمين حسن عمر في جزئيته الأخيرة يؤكد على عودة الوحدة للحركات المسلحة في المعارضة، ولن يُغني رفض الحكومة لتسميتها ب(الجبهة الثورية)، عن أن الأطراف المسلحة في المعارضة عازمة وعاقدة أمرها على الذهاب بالمسارين بالتوازي أو تعطليهما أيضاً بالتوازي وهو بالطبع وضع مزعج للحكومة.
يتضح مما سبق أن العقبة الأساسية التي أفضت إلى هذا الوضع في هذه المرحلة من التفاوض هي قضية المساعدات الإنسانية وكيفية تمريرها للمواطنين في المنطقتين أما بقية القضايا إن كانت خمس أو خمسة عشر كما وصفها أمين حسن عمر، فلا تعدو كونها مواقف تفاوضية يمكن تجاوزها. ووفقاً لهذا التحليل فإن موضوع المساعدات الإنسانية تحول من بند الضرورات القصوى إلى بند الإجراءات البيروقراطية، فالحركة الشعبية ترى أن المسارات الخارجية أجدى في إيصال هذه المساعدات فيما تتعنت الحكومة في موقفها الداعي إلى إيصالها عبر مسارات داخلية. موقف الوساطة الحائر بين المطلبين يُفسَّر في رأينا على النحو التالي: عدم معرفة السيكلوجيا العامة للأطراف المتفاوضة.
ما قد يبدو لأمبيكي والوساطة أن الحكومة لا تثق في الحركة الشعبية ونواياها من الإصرار على توصيل ولو 20% من المساعدات عبر مدينة أصوصة الأثيوبية. وكذلك الحركة الشعبية التي تتهم الحكومة بصيانة أغراض أخرى جراء إصرارها على توصيل المساعدات داخلياُ عبر كادوقلي والأبيض والدمازين من بينها إدخال عناصر أمنية، ولكن جوهر الأمر أن مزاجاً سودانياً وطفولياً خالصاً يحكم هذه المواقف، مفاده عدم انكسار طرف للطرف الآخر وهو ما يُعتبر بلغة الشارع السوداني(قوة راس ساكت).
خلاصة الأمر أن الطرفان وضعا نفسيهما في جيب المجتمع الدولي وقراراته والتي ستنحو بالتأكيد على مستوى المؤسسات في إتجاه فرض مزيد من الضغوط على الطرفين للعودة لطاولة التفاوض، ولكن على مستوى الدول وتجار السلاح فالأمر سيختلف، فبعض الدول تتحين مثل هذه الفرص لتمرير مصالحها خصوصاً على حساب الحكومة، ولن نستغرب تعليق وقف إطلاق النار ودق طبول الحرب ما لم تؤجلها الظروف المناخية والبيئية. وخلي قوة الراس تنفع البلد!

baragnz@gmail.com

 

آراء