ميكافيلي يوصد الباب في وجه صاحب الحاويات

 


 

 

الكاتب والدبلوماسي والفيلسوف والشاعر نيكولاي ميكافيلي، اكبر مرخص للطغاة وحادي ركبهم تجاه تعضيد ملكهم، بتبيان ما يجب عليهم أن يفعلوه في الحكم وما لا يجب، بكشف الجانب النفسي والاجتماعي عما يمكن أن تكون عليه ردود أفعال الرعية حول ما يقوم به الطاغية. فكتابه الأمير والذي يُعد الكتاب الأشهر في السياسة يحوي عصارة فلسفته في هذا الخصوص. كما أنه ومن ناحية أخرى صاحب المقولة الأبرز (الغاية تبرر الوسيلة) والتي ساق بها معظم الطغاة تبريرات لشن الحروب والعسف، واستخدام كل أساليب الترهيب في سبيل الوصول لغاياتهم والتي في الغالب لم تكن لتعبر إلا عن نزعات ورغائب شريرة تمور بدواخلهم. لذلك لم يكن مستغرب أن معظم الطغاة كانوا ينامون وكتاب الأمير تحت وسادتهم.
إحتشد كتاب الأمير بمقولات تتميز على قصرها بالعمق، وتكشف من خلال تأملها من تقعد به قدراته ومن تعبر به. لذلك يُعد ميكافيلي من خلف سطوة تلك المقولات حارس بوابة الطغاة، لا يسمح بولوج ذلك العالم- عالم الطغيان- للذين تصعد بهم الصدفة و ضربات الحظ، وعمه التاريخ. وتقعد بهم المهارات القيادية والقدرات الفكرية.
إذ يمكن إسقاط تلك المقولات على واقع أفعال الشخصيات وسماتها القيادية. فمقولته التي تضيٌق الخناق على عاطلي القدرات تقف حاجزا منيعا دون الولوج لعالم السلطة والسياسة أو تفتحه عند التأمل في المقولات واسقاطها على الحاكم.
يمكن التأمل في مقولته ( الطريقة الأولى لإختبار ذكاء الحاكم هي بالنظر الي الرجال الذين يحيطون به) فإذا كان أحد نماذج الرجال الذين يحيطون بصاحب الحاويات قد صعد المنبر بتلك الصورة الكركاتيرية ، وبتلك الحبكة الضِليلة، التي لا تكاد تعكس ألمعية فكر ولارجاحة عقل مرددا بما لا يجب أن يحسد عليه في تواضع التفكير وخسة التدبير (الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع) يستطيع المرء عندها أن يسقط مقولة ميكافيلي بإطمئنان لا معقب عليه حول معدل ذكاء صاحب الحاويات. إن فكرة استخدام الحاويات نفسها هي سقوط عمودي بالمعايير الميكافيلية، وتنفي صفة الذكاء الموجب للدخول في عالم الطغيان وتؤكد على سذاجة تجعل ميكافيلي يعقد حاجبيه بالدهشة، ويحكم قبضته على مقابض أبواب الدخول.
إن لميكافيلي شرطا صارما في إعطاء جواز مرور للطغاة. بالتحقق من امتلاكهم صفتين لا يستقيم بدونهما سلطة ، و لا ينعقد بدونهما ولاء، تلك الصفتان هما دهاء الثعلب وشجاعة الأسد حيث قول :(الأسد لا يستطيع أن يحمي نفسه من الفخاخ المنصوبة له، والثعلب لا يستطيع أن يدافع عن نفسه أمام الذئاب. لذلك يلزم المرء أن يكون ثعلب ليعرف التخلص من الفخاخ، وأسد ليخيف الذئاب)
لن يشق الأمر على ميكاقيلي ليزيد من إحكام قبضته على الباب ويمنع صاحب الحاويات من الدخول بإنتفاء الأهلية. طالما لم تتوافر صفات الدخول بإنعدام دهاء الثعلب، وشجاعة الأسد.
د. محمد عبد الحميد

 

آراء