هل الأخلاق قبل كل شيء؟ (2-2) .. لماذا قلما تتوافق القيم والمصالح الوطنية؟

 


 

 

هل الأخلاق قبل كل شيء؟ ( 2 ــ 2 )
لماذا قلما تتوافق القيم والمصالح الوطنية؟
ميشائيل لودرز Michael Lüders
تقديم وعرض حامد فضل الله \ برلين

جاء الفصل الأخير من الكتاب، بعنوان "الأفق: ــ اما ان تكون من انصار حلف شمال الأطلسي ، أو مؤيداً لأوروبا - دفاع من أجل المصلحة الذاتية"، ونستعرضه هنا بإسهاب:
"تمثل الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1898 بداية صعود أمريكا كقوة عظمى. كان هدف واشنطن في الحرب هو غزو الأراضي الإسبانية الواقعة فيما وراء البحار في الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية والوصول إلى الأسواق الآسيوية. احتل الأمريكيون خلال الحرب، كوبا وبورتوريكو وغوام والفلبين. منذ ذلك الحين، كان هناك موقفان ثابتان لسياسة الولايات المتحدة: إنها تهدف بشكل أساس إلى الهيمنة، ولا تتسامح مع تحدي سلطتها،. ومع ذلك، في ظل هذه الصورة الإمبراطورية المفرطة، التي قد تصل إلى مستوى القرصنة، لا يمكن إنشاء أي دولة على المدى البعيد،. لذلك، يتطلب الأمر صورة مقنعة نحو الخارج، وتطويب الفعل الذاتي في بيئة من القيم العليا.
أينما يصعد منافس محتمل في قارة ما أو حتى على المستوى العالمي، فإن الولايات المتحدة تحاربه: سياسياً واقتصادياً وعسكرياَ. اليوم تحت راية الديمقراطية مقابل الاستبداد. لهذا السبب اتخذت الولايات المتحدة موقفاً ضد الإمبراطورية الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وضد الرايخ الثالث أثناء الحرب العالمية الثانية، وضد الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة. أمس كما اليوم ضد روسيا وفي المستقبل بكل قوة ضد الصين.
لم تكن المفاوضات بعد عام 1945، على قدم المساواة ولم تكن التسويات السياسية والتعايش السلمي، جزءاً من الأدوات المفضلة لدى الأمريكيين. وبدلاً من ذلك، استمرت دوامة التسلح في الدوران، ووصلت لأول مرة إلى حدودها في الثمانينيات: أثبتت الخطط العسكرية للفضاء التي وضعها رونالد ريغان ("حرب النجوم") أنها ببساطة غير ممكنة تقنياً وباهظة التكاليف.
يؤكد هذا المثال أيضاً، بأن الولايات المتحدة لا تهتم بالدفاع الوطني فحسب، بل تهتم في المقام الأول بالهيمنة العالمية - بغض النظر عن عدد الشعوب أو الدول التي تدفع ثمن ذلك. في ظل هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن تعتبر أمريكا السياسة الألمانية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي رقصة أحلام، وقد تم وقتها بالكاد التسامح معها من قبل واشنطن.
وحتى الاشتراكيون الديمقراطيون اليوم يفضلون التخلص من هذه السياسة ورميها في مزبلة التاريخ، التي لعب ايجون بار دوراً رئيسياً في تشكيلها - فهي لا تتوافق مع "كبريائهم بالذنب". من اللافت للنظر عندما اعتذر رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينجبيل في وارسو في مارس 2023 دون أي تمييز عن سياسة حزبه السابقة لأنهم أساءوا تقدير روسيا. على الرغم من أن هذه السياسة، هي التي خلقت الشرط المسبق لاعتراف ألمانيا الغربية بحدود أودر نايس مع بولندا".
ولعل رئيس الحزب لارس كلينجيل، بخبرته السياسية المحدودة، لم يقرأ ما كتب لودرز:
"وعلى الرغم من الإدانة القاسية والزيادة الكبيرة في الميزانية العسكرية، ركز التحالف الليبرالي الاجتماعي بقيادة فيلي براندت ليس فقط بشكل خاص على مواصلة، بل وتكثيف، الاتصالات مع موسكو وبرلين الشرقية على جميع المستويات. ولم يكن أي صانع قرار سياسي في بون يفكر في فرض عقوبات أو حتى الرغبة في إحداث تغيير في النظام. لقد التزم السياسيون عن وعي بالبراغماتية، معتمدين على خطوات صغيرة ومفاوضات مستمرة، على سبيل المثال لصالح التيسير الاِنساني، مثل تسهيل تبادل الزيارات بين مواطني الدولتين".
"أن الأخلاق المتزمتة، بلاء عصرنا، وإنها تحجب على ما يبدو كل وعي للتاريخ أيضاً. وسوف يتم إعادة اكتشاف نهج أيقون بار، القائم على الإحساس بالتناسب والاحترام المتبادل، على أبعد تقدير عندما تنتهي بوضوح سياسة المواجهة في طريق مسدود، أو ببساطة عندما لم يعد من الممكن تمويلها.
أدرك ايجون بار بشكل صحيح بأن على المرء إما أن يكون مع فكرة التحالف الأطلسي أو مؤيداً لأوروبا. لم يكن بار بأي حال من الأحوال معادياً لأمريكا، لكنه كان يدرك أن مصالح الولايات المتحدة لا يجب أن تكون بالضرورة هي نفس مصالح ألمانيا وأوروبا. ربما كانت زمالة السلاح خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية في ظل الناتو وقتها، «بدون بدائل». ومع ذلك، كان لدى ايجون بار شعور أكيد بضرورة التواصل مع الاتحاد السوفياتي، والحفاظ على الاتصالات على جميع المستويات السياسية والاعتماد على البراغماتية في التعامل مع أوروبا الشرقية، بما في ذلك جمهورية ألمانيا الديمقراطية. بدون تلك السياسة، ربما ما كان يتم إعادة توحيد ألمانية ولا، على الأقل من الناحية النظرية ولا نشوء أوروبا الموحدة".
"ان سعى سياسة الشرق إلى تحقيق التسوية ووقف التصعيد، كان تصحيحاً ضرورياً في ذلك الوقت لفكرة التكتل، والتي كانت من الجانب الأمريكي والسوفيتي تُفهم غالباً كأداة عسكرية وسياسية. إن الفشل الكبير للسياسة الأوروبية والألمانية بعد عام 1990 هو عدم خلق بنية أمنية جديدة تضم روسيا وتنظم في نفس الوقت قدرتها الدفاعية - بدون هيمنة الولايات المتحدة. هذا التقصير، الذي يصل إلى حد الفشل، يرجع إلى حد كبير إلى الخضوع الألماني لأمريكا.
لقد سعت فرنسا من ناحية أخرى، منذ شارل ديغول، جاهدة من أجل الاستقلال العسكري والسياسي عن الولايات المتحدة. لكن جميع محاولات باريس لكسب ألمانيا، بعد إعادة التوحيد، لقيادة عسكرية ترادفيه داخل أوروبا، مع الأخذ في الاعتبار الدرع الفرنسي النووي ومشاريع الأسلحة المشتركة، فشلت دائماً بسبب الحكومات الفيدرالية المتعاقبة. إن وهم شراكة القيم مع الولايات المتحدة لا يزال قوياً للغاية في ألمانيا.
لكن الأمريكيين ليسوا "شركاء قيم". إنهم يسعون في المقام الأول وبلا رحمة إلى تحقيق مصالحهم الخاصة. ويتضح هذا على الأقل في "قانون خفض التضخم" ، الذي أقرته حكومة بايدن في أغسطس 2022. هذا القانون الذي يوحي بالتقدم، ويريد تعزيز حماية البيئة ومحاربة التضخم. لكنه في الواقع إعلان حرب على الاقتصادات المحلية الاوروبية. إذ أن واشنطن تغري الشركات الأوروبية بإعانات بمليارات الدولارات، إذا نقلت مواقع إنتاجها إلى الولايات المتحدة. ينجر قادة الشركات الألمانية على وجه الخصوص الى هذا الإغراء بشكل متزايد، وببساطة بسبب أسعار الطاقة المرتفعة للغاية في هذه الدولة.
كانت حصة الاتحاد الأوروبي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي المعدل حسب القوة الشرائية تتحرك في اتجاه واحد فقط منذ عام 1980: هبوط حاد. من 26 في المائة في ذلك الوقت إلى 14.46 في المائة في عام 2022، ولا يزال الاتجاه مستمر. من المرجح أن تصل هذه الحصة في عام 2030 الى حوالي عشرة في المائة فقط. وسوف تكون للصين والهند وحدهما حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي في غضون بضع سنوات. ومع ذلك، يبدو أنه ليس هناك فهم لما يدور حالياً. إنهم يعيشون في عالم وهمي يتسم بالتمسك بالقيم وتوريد الأسلحة إلى أوكرانيا. متى حدث في التاريخ شيئاً مشابهاً، يمكن مقارنته؟ هذه الحماسة التي تدمِر بها أوروبا وألمانيا على الخصوص نفسيهما، في خدمة الأخلاق العالية المزعومة، والتي في الحقيقة تخدم مصالح الولايات المتحدة؟ هل يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال وسائل التحليل السياسي فقط، أم أننا نتحرك بالفعل على مستوى سيكولوجية اللاوعي؟
يطالب الأمريكيون من الأوروبيين، وخاصة مننا نحن الألمان، بأمرين: أن نزيد الإنفاق على التسلح على المدى الطويل وأن نغطي جزءاً كبيراً من تكاليف الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك تكاليف إعادة الاِعمار، والإعانة الدائمة لميزانية الدولة هناك. وأن نكون على استعداد، حالة اندلاع حرب بين الولايات المتحدة والصين.
إذا تعمقنا بدقة في ذلك، فإن هناك احتمالان: فإما أن تحدث الحرب العالمية الثالثة بالفعل وسوف تدمر البشرية نفسها، أو ستصحح الولايات المتحدة مسارها. ليس لأسباب منطقية، ولكن لأنهم يدركون أنهم يبالغون في قوتهم، وأنهم لم يعودوا قادرين على دعم أجهزتهم العسكرية الضخمة
لا يزال الدولار الأمريكي هو العملة الرائدة في العالم، والأمريكيون، على عكسنا، براغماتيون بقدر ما هم مغرورون وأنانيون. إذا كان الرئيس الأمريكي القادم جمهورياِ، وربما مرة أخرى «صانع الصفقات»، فقد يتطور ترتيب الأمور بسرعة كبيرة على نطاق عالمي. وهذا لا يعني بأن العالم سيكون أفضل بعد ذلك.
ليس من المصلحة الوطنية للألمان الاستمرار في خدمة الأمريكيين بشكل خاضع. ببساطة لأنهم سوف يسقطوننا في أي وقت. ومن غير المرجح أن يتغير المسار الحالي كثيرا على الرغم من أنه يسرع في التدهور الاقتصادي.
كونك مؤيداً لأوروبا يعني طرح أسئلة أساس أيضاَ: كيف تتعامل مع روسيا بعد هذه الحرب الرهيبة في أوكرانيا؟ كيف تتعامل مع أوكرانيا، الدولة التي يمكن أن ينتهي بها الأمر أخيراً كدولة فاشلة، مليئة بالأسلحة وأمراء الحرب؟ يعتبر إعطاء إجابات تساعد الناس وتترك دعاة الحرب في الخارج، تحدياً شاقاً. ويتطلب ذلك أن نجد طريقنا للعودة إلى ثقافة الاحترام المتبادل والتواصل الشجاع، بما يتجاوز الخير هنا والشر هناك.
كونك مؤيداً لأوروبا يعني أيضاً تأكيد المصالح الوطنية، وهي اقتصادية في المقام الأول. إن قبول التدمير الذاتي لاقتصادك عن طيب خاطر وعن علم، باسم العبارات السامية، يشهد على الغباء وعدم المسؤولية.
كونك أن تكون مؤيداً لأوروبا يعني أيضاً عدم تحمل أي أوهام. أوروبا ليست كياناً سياسياً ولن تكون أبداً، ولن يكون هناك اتحاد أوروبي واحد بالفعل. بالتوازي مع تدهورها الاقتصادي، وبالتوازي مع التوترات المتزايدة على المستوى العالمي، سيعيد الأوروبيون النظر في تنظيمهم ومدى تماسكه.
سيكون عالم المستقبل متعدد الأقطاب، حيث سيلعب الأوروبيون دوراً ثانوياً فقط. لهذا السبب وحده، فإن سياسة العقوبات، التي تحظى بتقدير كبير في بروكسل وبرلين، سترد علينا في المستقبل القريب. من المستحيل ببساطة عزل روسيا أو حتى الصين بشكل دائم - ومن أجل مكافحة تغير المناخ أيضاً، وعاجلاً وليس آجلاً، ستملي بكين شروط التجارة علينا.
إذا أردنا الحفاظ على ديمقراطيتنا، فسيتعين على المجتمع وكل فرد أن يملأها بالحياة وفقاً لإمكانياته الخاصة. بدءا من نبذ الأنباء الكذبة وتعلم المقاومة. والتي يمكن أن تتخذ أشكالاً عديدة.
تجعل الحرب في أوكرانيا هذه الأسئلة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. إنها أحدث تتويج لعقود من صراعات القوى الإمبريالية، التي هي أيضاً حرب مستمرة ضد الطبيعة. إذا كانت الحكومات غير قادرة على منع الحرب أو إنهاؤها مبكراً من خلال اعتبارات إنسانية ومن خلال أكبر جهود الوساطة الممكنة ، فيجب على حركات المجتمع المدني ممارسة المزيد من الضغط. دعونا لا ننجر إلى حرب أكبر.! ...
لن ينجح وقف التصعيد إذا لم يكن مدعوماً من قبل وسائل الإعلام. ووضع حد للصور النمطية للعدو، والتفكير العام في ضرورات السلام المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وميثاق باريس في التسعينيات. نحن نفتقد مبادرات السلام من قبل الحكومات الأوروبية، كما هو مطلوب من القارات الأخرى.
بدلاً من ذلك، نشهد في كل مكان استعداداً كامناً أو مفتوحاً للتصعيد المدمر والمدمر للذات. سواء كان ذلك من منطق القوة المتشددة للعديد من السياسيين، أو في سعي الشركات والبنوك، التي لا تستطيع الاستغناء عن النمو وتعظيم الأرباح".
أود بعد تقديم هذه المراجعة المكثفة ــ التي لا يمكن أن تغطي جميع الفصول ــ بإبداء بعض الملاحظات:
ــ قدم الكاتب تحليلاً سياسياً شاملاً للسياسة الحالية في المانيا، ومشيراً إلى عواقب إضفاء الصبغة الأخلاقية على السياسة، وعاكساً رؤيته وقناعاته. والكتاب غني بالمعلومات ومثير للجدل في عين الوقت.
ــ أن قول الكاتب، "بأن سياسة العقوبات تجاه روسيا، والتي لا تلحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد في ألمانيا فحسب، بل تجلب لهذا البلد خسارة للازدهار لم تشهدها منذ عام 1949، مصحوبة بتراجع سريع عن التصنيع"، ليس دقيقاً تماماً، فالوضع الاقتصادي الحالي، ليس له علاقة بتراجع سريع عن التصنيع ــ وإنما أرتبط بمشاكل اقتصادية وبنوية محددة، حسب ما جاء في بعض الابحاث الاقتصادية، ويرجع أيضاً إلى انخفاض الصادرات، وخاصة إلى الصين، وكان هذا الوضع قائماً قبل بداية الحرب الأوكرانية، كما استطاعت الحكومة بعد المقاطعة تجاوز أزمة الطاقة حتي في فترة الشتاء، عن طريق الحصول على الغاز والبترول عبر مصادر متنوعة، ولكن بتكلفة عالية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وخاصة في المواد الغذائية وأصبح كثير من المواطنين أيضاً، غير قادرين على سداد فاتورة الغاز والكهرباء.
ــ ربط الكاتب بين الأخلاق والمصلحة الذاتية. هل يوجد فعلا تناقض بينهما؟ وهل لا يمكن التوفيق بين المصلحة الذاتية والقيم الأخلاقية؟ أن مد العون والتضامن الاِنساني من أجل العيش المشترك، يعزز المصلحة الذاتية.
ــ لقد تم انفصال أوكرانيا عن روسيا عام 1991 سلمياً، دون أن تنقطع العلاقات بين البلدين في المجال الاقتصادي، وخاصة في مجال الغاز، حيث كانت تحصل عليه من روسيا بأسعار زهيدة. مما يثير السؤال، لماذا هذه الحرب المدمرة الآن؟ الاِجابة على هذا السؤال، جاء في متن الكتاب أيضاً واستعراضه هنا بإيجاز شديد مع بعض الاِضافات من جانبي:
ــ إن الدولة الأوكرانية دولة مركبة من عدد من القوميات واللغات والمذاهب الدينية، وبحسب آخر إحصاء رسمي أجري في عام 2001، تبلغ نسبة السكان من أصل أوكراني نحو 77.8 في المئة من السكان، يليهم الروس بنحو 17.3 في المئة، ثم البيلاروس بنحو 0.6 ، ثم قوميات أخرى. لقد تبنت السلطات الأوكرانية الجديدة سياسة نشر الأوكرانية في مقابل الروسية، وحدث الانقسام السياسي والديني في المجتمع بين الموالين للغرب والموالين لروسيا، بجانب صراع الطبقة السياسية من أجل السلطة وإفلاسها ودور النظام الأوليغارشي الأوكراني والروسي في أوكرانيا في إفساد الحياة السياسية عن طريق الرشوة والسيطرة على تجارة الغاز. وكذلك التدخل السافر من الاتحاد الأوروبي وأمريكا في الشؤون الداخلية، بهدف ربط أوكرانيا باتفاقيات تجارية، وأمنية من أجل تطويق ومحاصرة روسيا، وبالطبع ليس غزوها وإنما بهدف تحجيمها لتبق قوة إقليمية فقط وليس كقوة عظمى تنافس أمريكا..
ـــ يقول الكاتب في المقدمة، ــ "لا يدور هذا الكتاب بشكل مباشر حول الحرب في أوكرانيا"، ولكن يلاحظ القارئ، بأنها تسير مثل الخط الأحمر عبر جميع الفصول تقريباً. ليس هنا تناقض، ربما أراد الكاتب أن يقول، بأنه لن يتعرض للتاريخ المركب لأوكرانيا، وإلى وجذور الأزمة المتشعبة والمستمرة، والتي قادت إلى هذه الحرب المدمرة.
ــ لم يكن لودرز محايداً في تحليلاته، ولكنه ظل في عين الوقت متمسكاً بالشفافية والموضوعية.
ــ يعتبر لودرز واحد من المفكرين والكتاب القلائل الذين يقومون بدورهم التنويري، ولا يسيرون خلف الاِعلام المُضلل.
ــ يضاف إصداره الجديد، إلى كتبه الهامة الأخرى، نذكر منهم اثنين تمثيلاً: "زراعة الريح وحصاد العاصفة" ــ 2015، الذي وصَفَ وحلل فيه الآثار الكارثية للتدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط، و "الذين يحصدون العاصفة، كيف زج الغرب سوريا في أتون الفوضى ــ 2017"، يعرض فيه إلى خلفية الحرب في سوريا. وقد قمتُ بمراجعتهما من قبل.
لعلني أختتم هذه المراجعة بفقرة معبرة جاءت في مقدمة الكتاب، وأراها أفضل، لو جاءت كخاتمة له:
"إن إدراك الروابط المهيمنة ليس استنارة فحسب، بل يمكنه تحطيم اليقينيات (القناعات) أيضاً. وهذا مؤلم بلا ريب، ولكنه يساعد على رؤية العالم على حقيقته. هذا بدوره هو الشرط الأساس لتحريكه على الأقل جزئياً في اتجاه مختلف، متوجهاً نحو البشرية والطبيعة. وملتزماً بالسلام".
حاشية:
قدم "الملتقى العربي للفكر والحوار" في برلين، تحت سلسلة "كتاب الملتقى"، ندوة عن كتاب لودرز، بتاريخ 12 سبتمبر 2023، وقام الدكتور علي حسن (العراق) بتقديم ومراجعة الكتاب، عارضاً بتكثيف أهم أطروحات المؤلف.
1Michael Lüders: Moral über alles? Warum sich Werte und nationale Interessen selten vertragen, Goldmann-Verlag 2023.
E-mail: hamidfadlalla1936@gmail.com

 

آراء