وماذا بعد سيطرة الجيش السودانى على أبيى ؟!

 


 

 


Alshareefaasmaa224@hotmail.com


مرة أخرى تعود قضية منطقة أبيى الغنية بالبترول المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه إلى صدارة الِأحداث ،ولكن تأتى هذه المرة بشكل أكثر مأساوية من المرات السابقة ،حيث قام الجيش السودانى الشمالى بالسيطرة على المنطقة بعد أن تعرضت قواته لإعتداء أودى بحياة 22 جنديا عند إنسحابها من المنطقة على أيدى من قال إنهم قوات من الجيش الجنوبى،الذى نفى ذلك أولا ثم قال لا حقا أنه عمل محدود لأحد جنوده،وهوما كان يستدعى فى رأيه التحقيق وليس الهجوم الكاسح المدمر من جيش الشمال  ،متهما الشمال بأنه كان يعد العدة منذ وقت مبكر للإستيلاء على المنطقة التى دخلها فى فترة وجيزة،وأنه ربما خلق المبرر من أجل إحتلال المنطقة ،وقد فر فى أعقاب ذلك عشرات الآلاف من المواطنين المدنيين من أبناء المنطقة تجاه الجنوب،وتوالت الإنذارات والمطالبات الدولية للجيش الشمالى بالإنسحاب من المنطقة فورا ،كما صدرت إتهامات من جهات دولية للقوات الشمالية بإرتكاب جرائم عند دخولها المنطقة .
ولم يكن ماجرى فى أبيى على مدار الأسبوع الماضى سوى نتيجة طبيعية لأجواء التوتر وإنعدام الثقة وإنسداد أفق الحل السياسى بين الطرفين الحاكمين فى شمال السودان وجنوبه طيلة السنوات الست الماضية من عمر إتفاقية السلام والتى تصاعدت فى الآونة الأخيرة ،بسبب قرب الإعلان رسميا عن إستقلال دولة الجنوب فى التاسع من يوليو المقبل ،دون أن يكون قد تم حل أى من القضايا العالقة بين الطرفين الممثلة فى الحدود والبترول وأبيى والديون والمواطنة .وقبل أسابيع كانت هناك تصريحات نارية من الرئيس السودانى عمر البشير حول منطقة أبيى وأنها شمالية ،وأنهم مستعدون للحرب من أجلها ،وأنها إن لم تحل عبر صناديق الإقتراع فعبر صناديق الذخيرة ،وأنهم مستعدون لإرتداء الكاكى أى الزى العسكرى بدلا من العمائم ،وكان ذلك ردا فيمايرى  محاولة الجنوب ضم منطقة أبيى فى دستوره ومحاولة فرض الأمر الواقع .
وفى الواقع فقد كانت هناك أعمال إستفزازية متبادلة ،وحربا بالوكالة يخوضها كل طرف ضد الآخر عبر معارضيه ،حيث يتهم  الجنوب  الشمال بتسليح الميلشيات الجنوبية المعادية له،وكذلك يتهم الشمال حكومة الجنوب بتسليح حركات دارفور،وقد مثل الشحن أثناء الإنتخابات الأخيرة فى جنوب كردفان عاملا إضافيا فى تأجيج العواطف حول منطقة أبيى التى تتبع كانت تابعة للجنوب  ،وتم ضمها إداريا إلى شمال السودان عام 1905 بإختيار أهلها ،وتم الإختلاف بشأن تبعيتها للشمال أو الجنوب أثناء مفاوضات السلام السودانية عام 2005 مما اضطر الوسطاء إلى إفراد بروتوكول خاص بها ،ثم كان خلاف شريكى إتفاق السلام حول حدود المنطقة الذى حددته لجنة من الخبراء الأجانب ،مما دفع إلى تصعيد القضية للتحكيم الدولى فى لاهاى ،وبقى أمر الإستفتاء الخاص بسكانها الذين عليهم أن يحددوا الجهة التى يرغبون فى الإنضمام إليها الشمال أو الجنوب ،والذى تم تأجيله بسبب عدم الإتفاق على من يحق له التصويت فى هذا الإستفتاء ،حيث يصر أبناء قبيلة دينكا انقوك الجنوبيين أنه لهم وحدهم دون أبناء قبيلة المسيرية العرب الشماليين الذين لايقيمون طوال العام فى المنطقة ،بينما يصر المسيرية ومعهم الخرطوم على حقهم فى الإستفتاء .
ولكن سيطرة الجيش الشمالى على المنطقة ماتزال رغم ذلك أمرا محيرا ،حيث كان يمكن إحتواء ماجرى بوسائل أفضل وخسائر أقل وبدون ترويع الآمنين ووضع السودان فى مواجهة مع المجتمع الدولى ،وقد رفض المسئولون السودانيون فى الشمال لقاء وفد مجلس الأمن الذى تزامنت زيارته للسودان مع الأحداث كما طالبوا بإنهاء مدة بعثة الأمم المتحدة بينما طالب الجنوب بتمديدها وفق الفصل السابع ،كما أنه غير معلوم حتى الآن ماهو الهدف من سيطرة الجيش السودانى على وجه التحديد ،وهو على مايبدو ليس حلا وسيبقى غير مقبول من جهات عديدة ،و سيضطر إلى مغادرة المنطقة إن عاجلا أو آجلا ،لأكثر من سبب ،أولا أن وجوده غير شرعى أو قانونى بموجب إتفاق السلام الذى ينص على إدارة مشتركة من الجانبين الشمالى والجنوبى لهذه المنطقة ،وثانيا لأن قرار حل إدارية أبيى المشتركة وتعيين حاكم عسكرى من قبل الرئيس السودانى عمر البشير وحده أيضا غير قانونية ،حيث أن من يتخذ أى قرار فى ذلك هو مؤسسة الرئاسة أى الرئيس ونائبيه ،ومن بينهم نائبه الأول رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت ،وثالثا لأنه قد يستفز الطرف الجنوبى للدخول فى مواجهات وحرب قد تشعل الوضع فى السودان كله ولن تبقى محصورة فقط فى هذه المنطقة الحدودية ،رغم أن حكومة الجنوب تسعى الآن لضبط  تصرفاتها وردود فعلها ويبدو أن جل تركيزها يصب الآن على الدفع بإتجاه يوم التاسع من يوليو لإعلان إستقلالها الذى سيجعلها فى موقف تفاوضى أقوى ،وهى ترى أن المؤتمر الوطنى يريد إستخدام ورقة منطقة أبيى كأداة ضغط وإبتزاز له لتقديم تنازلات فى القضايا الأخرى المهمة بالنسبة له ،وخاصة البترول الذى ينتج  80% منه فى الجنوب ،وقد جعلت حكومة الجنوب القضية بين الشمال والمجتمع الدولى ،ورابعا لأن القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة لن تقبل بإنهيار إتفاق السلام الذي كانوا شهودا عليه والإنفصال السلمى للجنوب الذى قاموا برعايته ،وإدارة الرئيس باراك أوباما التى تقف الآن على أعتاب الإنتخابات تعد الإنفصال السلمى للجنوب واحدا من أعظم إنجازاتها ،ولن تفرط فى ذلك بسهولة ،وربما إستخدمت فى ذلك العديد من أدوات الضغط على الخرطوم ،ومن بينها ما أشارت إليه سوزان رايس المندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة والمؤسسة التى أقامها الممثل الأمريكى جورج كلونى لمراقبة السودان بالأقمار الصناعية من وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقى فى أبيى فضلا عن تدميرها،كما أعلن مسئولون أمريكيون أن الخرطوم ستخسر ايضا إمكانية شطبها من اللأئحة الأمريكية للإرهاب وإعفائها من بعض ديونها .
ويبقى أن التصعيد الأخير مثل قمة جبل الثلج دلالة على أن الأوضاع فى السودان لاتسير على مايرام لابين شماله وجنوبه ،ولا داخل كل طرف على حدة ،وأيضا كدلالة قاطعة على أن مستقبل العلاقة بين شمال السودان وجنوبه لن تكون علاقة سلمية بأى حال من الأحوال إذا ماسارت الأمور على ماهى عليه ،وإذا ما استمرت ذات السياسات القائمة،التى تغلب الآنى على الإستراتيجى ،وقد زعم طرفا الحكم فى السودان أنهما سيضحيان بوحدة البلد من أجل السلام ،ولكن إذا بالشعب السودانى يكتشف الخديعة وأن وحدته ضاعت مقابل سلام موهوم ،وأن من ضيع الوحدة لايبدو أنه سيأتى بسلام ،وحتى وإن  توصل الطرفان إلى إتفاقات وانسحب الجيش السودانى عبر مباحثات أخرى غير تلك التى قام بها نائب رئيس حكومة الجنوب الدكتور رياك مشار فى الخرطوم حاليا والتى انتهت بالفشل ، فإنه يكون من الصعب عليهما فيما بعد تنفيذها .. لكنهما سيخلفان بلاشك للمواطنين فى المنطقة التى توصف بالغنية بالبترول الموت والخراب والدمار ،ولايتركون للسودانيين جميعا فى شمال السودان وجنوبه سوى مشاعر المرارة والحزن والأحقاد ...فى بلد تفرض عليه المصالح المشتركة وحركة البشر وإعتبارات التاريخ والجغرافيا الحوار والتواصل والتعاون والوصول إلى صيغة تحفظ السلام وحياة وحقوق سكان أبيى من المسيرية والدينكا وباقى سكان المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب التى تتجاوز ألفى كيلومتر ويبلغون قرابة ال13 مليونا ،ومعهم حياة ومصالح جموع السودانيين فى سائر أنحاء الشمال والجنوب التى ستبقى متصلة فى كل الأحوال ،ومادون ذلك خلاف لطبائع الأشياء.

 

آراء