لأمير شعراء أغنية الحقيبة، صالح عبد السيد (أبوصلاح) أغنية مشهورة وهي (وصف الخُنتيلة) بضم الخاء وإمالة التاء، يقول في مطلعها: وصف الخُنْتيلة جمال تاجوج الما في مثيلا/ هاك يا زميل. أي هاك يا زميل وصف الخُنتيلة، بمعنى إليك وصف الخُنتيلة كما صغته أنا شعراً. وأول من تغنى بها شاعر الحقيبة المعروف عمر البنا ثم من بعد تغنى بها عدد من المطربين أشهرهم عوض الجاك. والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن السامع لأول مرة هو: هل الخُنتيلة هي صفة لتلك الفتاة التي يحاكي جمالها جمال تاجوج، أم اسمٌ لهيئة مشيتها؟ الإجابة عندي قولاً واحداً الخُنتيلة اسم للمشية وليس صفة للموصوف. والخُنتيلة في اللهجة السودانية من الفعل (خَنْتَل) وأصله في الفصحى (خنثل) بالثاء وابدال الثاء تاءً من أبرز خواص اللهجة السودانية العربية: اتنين وتلاتة وتمانية وتوب وتور إلخ. وخَنْتَل في لغتنا يعنى تبختر وقدل تيها ودلالا واعجابا بنفسه. تقول الحكامة في أغنية الجراري: "بمشي بتخنتل قدام شركة الشل"، والمعنى أمشي وأقدل واتجدع في شوارع مدينة (الأبيض) كأني واحد من أهلها خبير بمعالمها ولست ذلك البدوي الغريب عنها. كأنها تتمثل قدلة خليل فرح في شوارع أم درمان: (من فتيح للخور للمغالق/ من علايل أب روف للمزالق/ قدلة يا مولاي حافي حالق بالطريق الشاقُه الترام). كذلك ورد الفعل (خَنتل) في ذات المعنى في قول الشاعر الشعبي، يوسف حسب الله، يصف عروساً يوم زفافها:
خلف التاج فريد عصرو باروهو وزايرو واتخنتل متل زرع الدره الفي جزايرو نهداً دابو قام فتّق عراوي زرايرو قال للناس تراهو الموت يجيهو الدايرو
(انظر: عز الدين اسماعيل، الشعر السوداني القومي ص 90). فهو يصف العروس تحفها وصيفاتها وعلى جبهتها تاج الذهب بقوله: "واتخنتل متل زرع الدره الفي جزايرو". أي أنها تتيه وتميس دلالا مثل ميسان وتمايل قصب الذره الأخضر الريان النديان في حقوله. إذاً الخُنتيلة بالضم هي اسم (هيئة) لمشية التيه والدلال والتكسر والترجرج والتغنج وهي ذاتها المشية التي عناها شاعر الحقيبة المفلق ود الرضي في قوله: "تِيه واتاكا". وقد يأتي الاسم خُنتيلة على صيغة المذكر خُنتيل. قال شاعر من بادية الكبابيش بشمال كردفان في الرثاء: "تبكيك بناتاً يمشن الخُنتيل". قوله "يمشن الخنتيل" فيه تأكيد على أن الخنتيلة اسم للمشية. ولو نظرنا في أبيات قصيدة أبو صلاح نجد أن الأوصاف التي أوردها في القصيدة تدل دلالة واضحة على أنه يقصد وصف المشية (الخُنتيلة): يقول:
رويحتي قتيلة قليبي يشابي حسب ترتيلا صدير هزاز وضميرو فتيلا وليها وريد أريل في نتيلا وضيبها زميلا تقوده يتاكى القامة يميلا كتيفو نزل طاوع ترسيلا من الأرداف ما لاقي وسيلهْ خديرة كحيلة ضهيرها ينع غالباهو الحيلهْ ضمير أهيف صحفاتو نحيلة، صدير يرجع وأرداف رِحْيِلهْ ليها نفيلة تعوم واكتافها يلازموا كِفيلا وليها طباع الصيد جِفّيلة، عليها القافية وجب تقفيلا
قوله "قليبي يشابي حسب ترتيلا" أي ترتيلها والترتيل هنا إيقاع مشيتها والمعنى أن دقات قلبه تزيد كلما زادت هي في مشيتها تهيا ودلالا "وتقليبا". وقوله "وضيبها يتاكي القامة يميلها" وقوله: "ضهيرها ينع غالباهو الحيلة" وقوله: "صدير يرجع وأرداف رِحْيِلة" وقوله: "تعوم واكتافها يلازموا كِفيلها" وأخيرا قوله: "وليها طباع الصيد جِفّيلة". كل هذه الأوصاف في رسم طريقة مشيتها شعراً. وهكذا الخُنتيلة في اللهجة السودانية اسم (هيئة) للمشية وليست صفة للشخص الموصوف. وأما إذا أردت الصفة من الفعل خنتل فتقول (خِنتيل) بالكسر (للمؤنث والمذكر) أي كثير التيه والدلال، ويجوز أن تدخل عليها تاء التأنيث (خِنتيلة) للمؤنث. وإذا كان أبو صلاح قد استخدم لفظ (خُنتيلة) بالضم في صيغة الاسم، أي استخدمه اسم (هيئة) لمشية التيه والدلال، فإن شاعر مفلق آخر من شعراء الحقيبة وهو سيد عبد العزيز قد استعمل اللفظ (خِنتيل) بالكسر صفة للماشي نفسه. وذلك في قصيدته البديعة (بنت ملوك النيل) حيث يقول:
الهيفا يا الخِنتيل حـروف آيات محاسـنك ارتـلن ترتيل.
وخِنتيل صفة جاءت على صيغة المبالغة على وزن فِعّيل وفِعّيلة. كقولك: عِربيد وعِربيدة وسِكّير وسِكّيرة وشِرّيب وشريبة وسِمّيع وسِمّيعة وجِفّيل وجِفّيلة. وقد وردت الصفة جِفّيل من الفعل جَفَل بآخر بيت من قصيدة (أبو صلاح) نفسها في قوله: وليها طباع الصيد جِفّيلة/ عليها القافية وجب تقفيلا ويرد تشبيه المحبوب بـ"الجدي الجِفّيل" كثيراً في شعر الغناء السوداني. و"خِنتيل" على وزن "جِفّيل" بيد أن الأول رباعي الفعل والثاني ثلاثي.