سنواتي في امريكا: جولة لا تنسى في “افريقيا” التي نقلها الامريكيون الى ولاية فلوريدا (9)
6 August, 2009
talha@talhamusa.com
كان مركز الصحافة الاجنبي في واشنطن ينظم للمراسلين الاجانب بين الفينة والاخرى زيارات ذات طابع سياحي لمرافق ومدن في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. كان مما يشجع على المشاركة في هذه الجولات هو اسعارها المتدنية، سواء تعلق الأمر بالطائرات التي تجوب امريكا طولا وعرضاً أو الاقامة في الفنادق.
ليست لدي تفاصيل حول الطريقة التي يحصل عليها " مركز الصحافة الاجنبي " على تخفيضات لهذه الجولات ، خاصة انه مركز حكومي تابع لوزارة الخارجية الامريكية ،لكن المهم أنني استفدت كثيراً من هذه الميزة ، أي المشاركة في جولات باسعار تكاد تكون رمزية. اضافة الى ان المركز يضبط جيداً برامج هذه الجولات ويجعلها مفيدة وممتعة في الوقت نفسه.
الامريكون عادة عندما يضعون برنامج لقاءات أوزيارات أو ندوات او مؤتمرات لا يتركون مجالاً قط للارتجال ويحرصون حرصاً شديداً على التفاصيل ، كل شيء منظم ومضبوط بالدقيقة والثانية. كل مشارك يعرف على وجه الدقة ماذا سيحدث، لذلك اعتقد ان السودانيين الذين يعيشون في امريكا ويتعودون على نمط الحياة الامريكية لربما يواجهون مشاكل عويصة جداً في التأقلم مع العشوائية السودانية، خاصة أننا في بلادنا لا نحترم مطلقاً أهم شيئين في هذه الحياة وهما "الانسان و "الوقت".
أبلغنا قبل حوالي 60 يوماً من مركز الصحافة الاجنبي باقتراح جولة في مدينة اورلاندو في ولاية فلوريدا حيث يوجد عالم " ديزني وورلد"، كانت كل التكلفة حوالي 350 دولاراً وتشمل رحلة الطائرة من واشنطن ، والاقامة في الفندق اربع ليال والأكل والتنقلات الداخلية. بل كانت هناك هدايا لطيفة قدمت لنا خلال تلك الجولة من طرف إدارة"ّديزني وورلد".
وبما ان الامريكيين يستعملون رسائل البريد الاليكتروني كثيراً في تعاملهم اليومي ، فإن مثل هذه البرامج التي يعدها المركز كانت ترسل الى عناوين البريد الاليكتروني الشخصي ، ويتوقعون جواباً بالطريقة نفسها.
ولكل شخص في الولايات المتحدة تقريباً عنوان اليكتروني "رسمي" وفي بعض الاحيان يكون هناك أكثر من عنوان آخر شخصي، لكن لاحظت انهم يتعاملون بكثير من الجدية مع الشخص الذي يعتمد على عنوان بريد اليكتروني "رسمي" كأن يكون عنوان الجهة التي يعمل معها أو عنوان يؤدي عنه رسوم سنوية ، لذلك وجدت من الافضل ان يكون لدي كذلك عنوان "رسمي" ، وتكلفة مثل هذه العناوين تتراوح ما بين 10 الى 20 دولاراً في السنة. وهي بالطبع تتيح استلام عدد ضخم من الرسائل ، وسعتها كبيرة جداً ، مقارنة مع العناوين المجانية المتاحة على مواقع "ياهو" و" هوت ميل" و"جي ميل" وما شابه.
رافقتنا في جولة اورلاندو سيدتان من موظفات مركز الصحافة الاجنبي ، وهناك كان حظي ايضاً ان تكون مرافقتي شابة في مقتبل العمر، تعمل بعقد مؤقت مع شركة" ديزني وورلد".
ثمة خصائص كثيرة لدى المرأة الامريكية يحعلها تختلف عن المرأة الاوربية وبالطبع العربية والافريقية، أبرزها انها عموماً محافظة، وكنت أعتقد ان "خبراتي المتراكمة" في التعامل مع المرأة ، على الرغم من حالات الفشل المتكررة على مستوى "مؤسسة الزواج" كفيلة بان تحل طلاسم المرأة الامريكية ، بيد أنني وجدت هذه المرأة ربما الأكثر انغلاقاً على المستوى الاجتماعي وفي الحلقة المقبلة سأتحدث لكم باسهاب حول هذه المسألة.
كانت جولة اورلاندو من أمتع أيامي في امريكا، استفدت كثيراً ، كما انني استمتعت بها كثيراً . وعندما عدت الى اوراقي التي عادة ما كنت أسجل فيها انطباعات وجدت هذا التقرير الصحافي وقد كتبته عن "افريقيا" التي نقلها الامريكيون الى مدينة اورلاندو.
كتبت في ذلك التقرير أقول:
"ذلك الصباح تناولنا افطارنا في مطعم متواضع في مدينة مومباسا (شرق كينيا) قبل أن ننطلق في رحلة سفاري ممتعة داخل الغابة. لم يكن هناك ما يثير الشكوك حول مكان وجودنا.
تجمعنا مجموعة صغيرة من الصحافيين امام المطعم. كان الصحافيون من المانيا وفنلندا وهولندا والبرازيل وكلومبيا وتشيلي واستونيا ... وانا الوحيد من افريقيا، قلت للمرافقين طالما اننا في "مومباسا" فإن شعوراً يخالجني بانني داخل جلبابي. أي انني في قارتي.
شيد المطعم بالطين (اللبن)، امامه برج او قصبة، بناية شبه متداعية على شكل مخروطي. بنيت من الطوب وخليط اسمنتي. عليها لافتة على شكل فيل. شبابيك صغيرة ومصابيح كهربائية خافتة. يطل المطعم على ساحة. في الجهة المواجهة، مبنى بريد امامه صندوق حديدي يعلوه الصدأ، ثم بعض المنازل الواطئة، احدهما بسقف محدوب على شكل ظهر ثور. في سطح المنزل نشر غسيل، ثياب افريقية مزركشة. نباتات اللبلاب تتسلق جدران المنازل التي تشققت وبهت طلاؤها بسبب غزارة الأمطار.
أكبر مبنى يطل على الساحة، هو متجر لبيع الملابس وبعض الصناعات التقليدية الكينية. ثلاثة مصابيح تتدلى من سقف مدخل المتجر طليت باللون الأزرق. باب خشبي قديم. شباكان كبيران. جدران المتجر الذي كتب عليه "مومباسا ساحة السوق" طليت بالأزرق كذلك. وفوق المتجر يوجد "مكتب المقاطعة" أي مكتب البلدية.
في وسط الساحة متجران صغيران، احدهما على شكل كوخ يبيع الفواكه والخضروات علقت في واجهته لافتة تقول "الفواكه المنعشة". والثاني على شكل عربة مجرورة بسقف، يبيع التوابل والاغراض المنزلية.
كان صباحاً رائقاً. دلفنا الى المطعم الى حيث القاعة الرئيسية. طاولات وكراس خشبية. على الجدران ديكور أفريقي، ملابس وأدوات منزلية وآلات موسيقية. الفطور كان كذلك افريقياً. بيض وخبز أسمر ومربة وعسل وفواكه استوائية ومشروبات ساخنة. بعد الافطار كان علينا ان نتوجه الى السيارة التي ستقلنا في رحلة "سفاري" لكن مع تنبيه اننا لن نصطاد حيوانات،رحلة فقط للفرجة. السيارة عبارة عن شاحنة مفتوحة من الجانبين بسقف قماشي. في بداية الجولة شاهدنا بعض الريل تأكل حشائش، ثم بعض الطيور البيضاء التي تبني أعشاشها فوق الاشجار الباسقة. بين الفينة والاخرى كانت هناك قردة تتقافز بين أغصان الأشجار. كان سائق الشاحنة يلفت انتباهنا الى أمكنة وجود الحيوانات ويقود السيارة على مهل في طريق موحل، رملي تارة وطيني تارة اخرى. عند الوديان تسير الشاحنة فوق جسور شيدت بالأخشاب وثبتت بأعمدة حديدية، تئن أنيناً عندما تتمايل الشاحنة فوقها.
انتقلنا الى منطقة سافانا، وهي تشبه تماماً مناطق جنوب كردفان في السودان، ومناطق قبائل الماساي الكينية الشهيرة.
كانت هناك ثلاث زرافات تأكل من عشب الاشجار احداها تلاعب بنتها الصغيرة. منظر الزرافة وهي تتمايل في مشيتها وتقضم أوراق الأشجار الشوكية، أغرى زميلتنا البرازيلية يالا روشا دوكسترو كثيراً. كانت يالا تصور بنفسها لاحدى قنوات التلفزة البرازيلية. كادت ان تسقط من الشاحنة وهي تبحث عن زاوية لتصوير الزرافة. بيد انها لم تكترث.
ثم توالى ظهور الحيوانات. مجموعة أفيال بينها فيل صغير في اسبوعه الاول. يحبو واقفاً. حيوان وحيد القرن يأكل من العشب ولا يكترث لما حوله. اسد يرتاح فوق ربوة. فهود تجمعت قرب بركة ماء، تماسيح في فترة "قيلولة". حمار الوحش يرعى في منطقة خضراء. حين يتعب السائق من وصف كل حيوان وسلوكه ويقدم نبذة علمية عنه، كان يفسح المجال لأغان وأهازيج أفريقية. أغان تعتمد على ايقاع الطبول والربابة. على الرغم من ان الكلمات غير مفهومة لكن الايقاع كان رائعاً. في بعض الاحيان يتحدث السائق عبر اللاسلكي مع أحد الصيادين الذين يجوبون الغابات بحثاً عن حيوانات متوحشة لاصطيادها. جولة رائعة. أن يعود الناس الى الغابة يراقبون حياة برية ضيقت عليها المدنية كثيراً، متعة لا تضاهيها متعة. قرب نهاية الجولة وجدنا خيمة لبعض الصيادين من عشاق رحلات السفاري، طائرة صغيرة من النوع الذي يستطلع أماكن وجود الحيوانات. شاحنة كبيرة مغلقة لنقل الحيوانات الضخمة التي يتم اصطيادها مثل الفيلة. انتهت الرحلة، ودعنا سائقنا اللطيف. بعد أن التقطنا مجموعة كثيرة من الصور. كان الوقت عصراً، وشقشقة وغناء الطيور يطفي على الجو بهجة وحبوراً، ونسيم عليل يهب علينا ورائحة أشجار الغابة تملأ خياشيمنا. غادرنا المكان الى حيث توجد سيارات جديدة ستقلنا الى الفندق الذي نقيم فيه.
رحنا في الطريق نتحدث عن هذه الفكرة العبقرية التي نقلت غابات افريقيا، لكن بدون افارقة، الى ولاية فلوريدا وبالضبط الى مدينة "والت ديزني وورلد" في اورلاندو ، وأطلقت عليها اسم "مملكة الحيوانات". فكرة جعلتنا نصدق فعلاً باننا كنا في ميناء مومباسا الكيني. أكيد انتم أيضاَ صدقتم ذلك. ولم تكن في الواقع سوى جولة في واحد من مرافق هذه المدينة الامريكية السياحية المدهشة.
عن الاحداث
مقالات سابقة
جميع المقالات السابقة منشورة في موقع الجالية السودانية في منطقة واشنطن الكبرى ، ويمكن الاطلاع عليها عبر هذا الرابط
http://www.sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoid=talha.gibriel&sacdoname=%D8%E1%CD%C9%20%CC%C8%D1%ED%E1